في صباح اليوم التالي ..
وصلت " هانيا " إلي مسكن عمها الجديد بسهولة متبعة إرشاداته التي أملاها عليها ، و بينما كانت تجلس إلي جوار عمها فوق أريكة بحجرة الجلوس ، إنطلق " رشدي " يمتدحها قائلا :
- بسم الله ما شاء الله يا توفيق ، عندك بنت اخ زي القمر.
أجفلت " هانيا " ثم شكرته برقة :
- شكرا لحضرتك ، ميرسي علي المجاملة الرقيقة.
أهداها " رشدي " إبتسامة عذبة قائلا :
- العفو يا حبيبتي ، بس انا مش بجامل هي دي الحقيقة.
ثم نهض واقفا علي قدميه ، و توجه بالحديث إلي صديقه :
- انا هنزل الورشة تحت اشوف الشغل ماشي ازاي ، خد بالك بقي من القمر دي يا توفيق قوم بواجب كرم الضيافة معاها احسن تقول علينا بخلة.
أومأ " توفيق " رأسه مبتسما ، و قال :
- حاضر يا رشدي.
- يلا عن اذنكوا.
ثم غادر " رشدي " الشقة مسرعا ، بينما إلتفتت " هانيا " إلي عمها قائلة :
- انكل توفيق ، ازي حضرتك يا انكل ؟ عامل ايه ؟؟
تنهد " توفيق " بثقل ، ثم رسم إبتسامة باهتة علي شفتيه و أجابها :
- كويس يا حبيبتي ، عايش اهو زي مانتي شايفة ، المهم طمنيني عليكي انتي ، اخبارك ايه ؟؟
- اخباري مش كويسة خالص يا انكل ، انا عايزة اعرف ، عايزة افهم .. اللي حصل ده كله ، حصل ازاي و ليه ! أرجوك يا انكل لو عارف اي حاجة قولهالي !!
أطرق " توفيق " رأسه آسفا علي حالها و حاله في الوقت ذاته ، لكنه سرعان ما رفع وجهه إليها مجددا ، ثم تتفس بعمق و راح يحدثها في هدوء :
- بصي يا هانيا .. اولا انا عايزك تعرفي حاجة مهمة جدا .. انا و مصطفي اخويا الله يرحمه من زمان عمرنا ما كنا بنتفق علي حاجة ، كان كل واحد فينا افكاره و شخصيته مختلفة عن التاني ، كنا زي القطرين اللي ماشين علي القضبان جنب بعض ، بس كل واحد بياخد اتجاه عكس التاني .. و بناءً علي كده انا عمري ما قدرت افهمه ولا قدرت اتدخل في حياته ، ابقي كداب لو قلتلك اني اعرف اسرار الحكاية اللي حصلت ، رغم انه لجألي قبل ما يتوفي ، الا انه رفض يحكيلي اصل الحكاية.
- اصل الحكاية !!
رددت " هانيا " مقطبة ، فأردف "توفيق " :
- ابوكي ما قاليش غير ان كان في بينه و بين رئيسه القديم في الشغل عداوة قديمة.
- ايه اسباب العداوة دي ؟؟
هز " توفيق " كتفيه و أجابها :
- هو قالي ان المجموعة بتاعته اللي كان بيديرها الله يرحمه قبل ما يتوفي ، زمان كانت ملك رئيسه القديم ، واحد اسمه طايع الصباغ ، و لما فلس الراجل ده ابوكي اشتري شركته و مصانعه بتراب الفلوس ، انا وقتها بصراحة اندهشت و قلت ابوكي جاب الفلوس دي منين ! بس المهم يعني مش موضوعنا ، من هنا بدأت العداوة ، بعد ما مصطفي اشتري الشركة و المصانع ، بس الراجل مات من عشرين سنة ، و اللي رجع عشان ينتقمله بعد كل السنين دي هو ابنه .. عاصم الصباغ ، اللي خد كل حاجة من ابوكي و ماسابش و لا حاجة.
عند ذلك ، إكتملت الصورة بأعين " هانيا " التي صمتت للحظات تستوعب و ترتب كلام عمها ، ثم حولت بصرها إليه و سألته :
- عشان كده بابا انتحر ؟ عشان فلس ؟!!
- ماكنش سهل يا هانيا علي ابوكي بالذات بعد ما بني إمبراطورية ضخمة زي دي ، يصحي في يوم و يلاقي المعبد كله اتهد فوق دماغه و شقي عمره بمنتهي السهولة بيتنسب لشخص تاني ، محدش يعرف ابوكي ادي ، انا ماتصدمتش اوي لما جالي خبر موته منتحر ، كان شيء متوقع بالنسبة لي ، ابوكي عمره ما قبل و لا كان هيقبل الهزيمة ، فإنتحر.
لوت فمها بسخرية مريرة قائلة :
- يعني مات بكرامته و ارتاح من كل ده ، و سابني انا اواجه المصايب و الكوارث لوحدي.
- المهم انتي قاعدة فين دلوقتي ؟؟
تنحنحت " هانيا "ثم أجابته بفتور :
- قاعدة عند داده قوت في حتة اسمها الوراق ، هي منطقة بشعة ، بس انا مضطرة اقعد هناك ، ماعنديش اختيار تاني.
ثم صمتت لثوان ، و قالت :
- لحد ما اروح اقابله بكره.
قطب " توفيق " حاجبيه متسائلا :
- هتروحي تقابلي مين ؟؟
نظرت " هانيا " إلي عمها ، ثم أجابته في هدوء بالغ :
- عاصم .. عاصم الصباغ طالب يقابلني يا انكل.***************
علي الطرف الأخر ..
جلس " مروان " بحديقة ( الڤيلا ) إلي طاولة مظللة بأوراق الشجر يتناول الإفطار ، بينما آتي إليه البستاني " عبيد " مهرولا ، ثم قال بأدب عندما وقف أمامه مباشرة :
- صباح الخير يا باشا .. حضرتك طلبتني ؟؟
نزع "مروان " نظارته الشمسية و نظر إليه بتعال ، ثم قال في جمود حاد :
- طبعا انا مش محتاج انبه عليك تاني بخصوص اللي حصل ليلة امبارح ، لو مديت ايدك علي مراتك تاني بالطريقة العنيفة دي ، حسابك معايا هكون عسير.
لوي " عبيد " فمه الغليظ ممتعضا ، ثم قال عابسا :
- انا مابمدش ايدي عليها من الباب للطاق يا باشا ، لما بتغلط بأدبها.
- اسمع يا عبيد.
هتف " مروان " محتدا ، ثم إستطرد بلهجة آمرة :
- مراتك من انهاردة هتسيب الجنينة ، ماعادتش هتقعد معاك في الاوضة تاني الا في يوم اجازتها من حقها تختار المكان اللي هتقعد فيه ، لكن من انهاردة هتدخل تشتغل جوا البيت ، و ليها مكان في اوضة الشغالين.
ثم أضاف محذرا :
- و قسما عظما لو لاقيت علي وشها اثار ضرب غبي زي اللي شفته امبارح حرميك في السجن بإيدي.
نظر إليه " عبيد " متململا و هو لا يجرؤ علي الإعتراض ، بينما رمقه " مروان " بإزدراء متعال ...**************
عندما حل المساء ، و أوغل الظلام في إنتشاره ..
ذهب " عاصم " إلي غرفة مكتبه ليباشر عمله من خلال حاسوبه المحمول ( اللاب توب) بينما دلف " زين " إليه فجأة من دون إستئذان صائحا :
- خلاص يا عاصم ، البنت وافقت تتقابلوا.
ثم أضاف و هو يجلس في كرسي قبالته :
- المحامي بتاعها لسا قافل معايا ، قالي انها وافقت تقابلك ، بس مش هنا في القصر.
- اومال فين ؟؟
سأله " عاصم " متجهما ، فتنهد " زين " و أجابه :
- في الشركة.
أبدي " عاصم " إمتعاضه الشديد من هذا الطلب ، فهو قليلا ما يذهب إلي مقر شركته ، تقتصر زياراته علي نحو مرتين أو ثلاثة مرات في العام الواحد ، كان " زين " هو من يهتم بشئون العمل ، و يقوم بكل الواجبات علي أكمل وجه ، بينما " عاصم " يساعده من خلال موضعه بمنزله ، فقد كانت الندبة بوجهه أكبر عامل مؤثر في حياته ، جعلته يكره الظهور أمام الناس عموما .. :
- هتيجي امتي ؟؟
تساءل " عاصم " واجما ، فأجاب " زين " :
- بكرة الصبح الساعة تسعة ، انا اللي حدت الميعاد .. بكرة يومنا فاضي شوية من اوله.
راح " عاصم " يهز ساقه اليمني في حركة عصبية ، ثم عاد يسأله :
- جبتلي صورتها ؟؟
- اه ، لحظة.
ثم أخرج " زين " هاتفهه الخلوي من جيب سترته ، و نهض متجها صوبه ، ثم فتح صورة معينة و ناوله الهاتف و هو مركز بصره عليه يراقب ردة فعله من خلال تعابير وجهه ..
بينما تسمر بصر " عاصم " في ذهول و إنبهار علي شاشة الهاتف بيده ، فقد كانت الصورة تمثل فتاة زرقاء العينين ، في فستان ربيعي مزهر ، كان شعرها أشقر معقودا إلي الخلف و قد أفلتت منه خصيلات رقيقة كالريش علي صدغيها ..
حبس " عاصم " أنفاسه ، و لا شعوريا رفع يده إلي صفحة وجهه المشوهة يتلمسها بأنامله متمتما بأنفاس مبهورة :
- دي حلوة !
وافقه " زين " باسما :
- ايوه يا عاصم .. حلوة اوي.
و هنا تطلع إليه " عاصم " و التصلب باد علي قسمات وجهه ، ثم سأله بجمود :
- قولتلي اسمها ايه ؟؟
- اسمها هانيا.
- هانيا !!
ردد " عاصم " الأسم في بطء و هو يفكر بعمق فيما سيحدث غدا صباحا ................ !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!يتبع