80

2.5K 60 3
                                    


عند دقات الثامنة مساء ..
كان "شهاب" يقف هناك أمام الآسوار الخلفية لڤيلا ( الطحان ) في إنتظار قدوم "هاجر" ..
فقد إتفقا أن يلتقيا هنا في هذه اللحظة بالذات ..
كانت أعصابه مشدودة كالوتر .. و كان مضطربا أشد الإضطراب مع كل ثانية أو دقيقة تمر دون أن يحدث شيئا .. دون أن تآتي ..
نظر في ساعة يده للمرة العاشرة حتي الآن ، ثم حانت منه إلتفاتة قصيرة نحو الباب الخلفي ..
ليجدها تهرول نحوه حاملة بيدها حقيبة سفر متوسطة ..
ركض صوبها ملهوفا ، بينما حاولت أن تفتح البوابة علي عجل ، و من شدة تشوشها و تلبكها ، أخذت وقت لتفتحها ..
قابلته أخيرا ، فنهرها بصوت خافت:
-انا مش قولتلك ماتجيبيش حاجة معاكي ؟ ايه اللي في ايدك ده يا هاجر ؟؟
تململت في ضيق متوتر قائلة:
-دي شوية هدوم بسيطة يا شهاب مش حاجة يعني !
زفر بغضب مكتوم ، لكنه تجاهل هذا الحنق الآن و حمل عنها حقيبتها ثم أمسك بذراعها قائلا و هو يلتفت ليسير بها في إتجاه سيارته:
-طب يلا .. يلا قبل ما حد ياخد باله مننا !
ليتسمرا معا في نفس اللحظة عند رؤية "جاسر" ..
كان أمامهما مباشرة .. و لم يكن بمفرده ، كان يرافقه ثلاثة رجال تفوح منهم رائحة الشر ..
أما هو .. فقد برقت عيناه و إلتوي طرف فمه بإبتسامة شيطانية خبيثة و هو يرمقه و كأنه يتوعد له بحساب من نوع خاص ...

***********************************

ها هي مجددا تسقط لاهثة في حضنه بإرادتها .. بكامل إرادتها ..
ليعتصرها هو بين ذراعيه متسائلا بسعادة ساحقة:
-ايه كل ده بس يا جميلتي ؟؟!
ردت "هانيا" بنبرة خاملة و هي تشعر بذلك الخدر اللذيذ يفترش جسدها و يثقله:
-ده مش كل حاجة !
صاح بإنبهار:
-هو لسا في تاني ؟؟!
-طبعا ... في كل اللي عمرك ما شوفته و لا هتشوفه الا معايا انا و بس يا حبيبي .. انا عايزة اديك حب و مشاعر علي اد كل لحظة حسستك فيها اني بكرهك او اني متضايقة من شكل الحرق في وشك !
خفق قلبه بشدة ، و لم يدر بماذا يجيبها ... فأسرع يحلق علي وجهها بنظرات تهدر حبا و إمتنانا ، ثم خرجت الكلمات من قلبه صادقة:
-حبيبتي يا هانيا .. انا مش عايز اي حاجة من الدنيا غيرك ... صدقيني انا حياتي مالهاش قيمة منغيرك .. وجودي زي عدمه ، معاكي بس هبقي موجود .. انتي اللي هترسمي مستقبلي ... انتي هتبقي المصدر لكل حاجة !
إبتسمت بحب و هي تضغط نفسها في حضنه كقطة في حاجة إلي الآمان ..
ثم تمتمت بصوت خفيض:
-تعرف يعني ايه حب يا عاصم ؟؟
إبتسم و هو يعبث في شعرها بأصابعه ، ثم أجاب ببساطة:
-قبلك ماكنش عندي ادني فكرة عن الشعور ده ... انما بعد ما شوفتك عرفته .. عرفته كويس اووي !
ضحكت برقة ، و قالت:
-طب خليني انا اقولك يعني ايه حب.
أحني رأسه يقبل شعرها ، و غمغم:
-قولي يا حبيبتي.
أطلقت تنهيدة حارة ، قبل أن تقول :
-الحب زي طفل صغير ... طفل نقي مش اي حاجة بترضيه ، طفل مايقدرش يعيش الا في سلام ، مايقدرش يجب حد قاسي عليه
بيحب بس اللي يبينله حبه و حنانه و اهتمامه .. الحب يا حبيبي زي طفل متهور ، جاهل تصرفاته اللي احيانا ممكن تآذيه .. ممكن يحب اي حد ، و ممكن يكره اي حد.
ثم رفعت إليه وجهها و هي تهيم بنظراتها الولهة علي وجهه ، و أردفت:
-لغاية ما يبان الشخص علي حقيقته .. لو طلع زيك كده في رقتك و قوتك مع بعض ، مستحيل يبقي للكره مكان في الحكاية .. زي ما حصل بينا بالظبط !
حدجها مبتسما في هدوء ، ثم قطف قبلة عميقة من وجنتها ، و ضغطها في حضنه مرة أخري و هو يقول:
-اقولك انا بقي يعني ايه حب يا جميلتي.
-قول يا عاصم.
أخذ يمسد علي شعرها و ظهرها و هو يشرح لها بطريقة ساحرة:
-الحب بيمثل العذاب في حد ذاته .. الحرمان و اللهفة يا حبيبتي ، الحرمان من العين اللي نفسها تبص علي حد و مش قادرة .. و القلب لما بيتملي باللهفة ... يبان اسرع ، و ارق ، و احن ، و اقوي
الحب يعلم ازاي تبقي ضعيف و انت اقوي من الدنيا كلها !
إنفلتت هتفتها المعجبة:
-الله يا حبيبي .. ماكنتش عارفة انك بتعرف تقول كلام حلو اوي كده !!
و شعرت فجأة بإنقباضة في معدتها ، فإنتفضت بقوة بين أضلعه المطبقة عليها ..
شعر هو بهذا ، فرفع وجهها بين كفيه عن كتفه و هو يتفحصها و وجهه متشحا بالقلق ، ليسألها بجدية بعد أن رآي الإصفرار يصبغ بشرتها:
-هانيا ! .. مالك يا حبيبتي ؟؟!
هي نفسها لم تعرف ما بها .. و لكنها قالت تطمئنه بإبتسامة:
-مافيش حاجة .. بس شكلي كده خدت برد زي ما قولتلي من شوية !
رد بإمتعاض غلفه شيء من العصبية:
-عشان مابتسمعيش الكلام ، قولتلك بلاش تصيفي دلوقتـ ...
و ما كاد يكمل جملته حتي قفزت من الفراش متجهة إلي الحمام و هي تغطي فمها بكفها ..
وثب "عاصم" قائما و ركض خلفها ... أراد أن يلحق بها و لكنها أغلقت الباب من الداخل ..
فأخذ يطرق عليها بإلحاح و هو يقول:
-افتحي يا هانيا .. افتحيلي خليني اشوف فيكي ايه !
كان يسمعها في تلك اللحظة و هي تتقيأ ، فإختلج قلبه ليعاود الطرق مجددا و هو يهتف بها:
-افتحي يا هانيا .. دخليني معاكي !
جاء صوتها من الداخل ضعيفا مهزوزا و هي تقول بلطف:
-ماتقلقش يا عاصم .. انا كويسة .. هاخد شاور بسرعة و هطلع !
هم يجادلها إلا أن صدح عنيف تردد صداه حول أركان القصر كله أوقفه ..
إستشعر خطر وشيك يكاد يغزو قلاعه الحصينة ، فأسرع نحو خزانته ..
إرتدي ما قابلته يده بسرعة البرق ، و غادر الغرفة راكضا إلي الأسفل ...

............................................................

علي الطرف الأخر ..
هناك علي بعد أمتار من بوابة قصر الـ"صباغ" ..
"مروان" جالسا في المقعد الخلفي بجوار والده في سيارة الچيب المرسيدس ، بينما "رشدي" يجلس في المقعد الأمامي خلف عجلة القيادة .. :
-هما كده رجالتك يا انكل رشدي راحوا يعملوا ايه ؟؟
قالها "مروان" بوجه متجهم و لهجة جامدة ، ليرد "رشدي" و هو يمد رأسه خارج نافذة السيارة في محاولة لرؤية ما يحدث هناك:
-راحوا يسلكولنا السكة يابني .. اول ما يهدوا التيران اللي جوا و يفتحوا البابان هيدونا اشارة !
تدخل "توفيق" متسائلا:
-اومال فين الرجالة اللي جبتهم يا مروان ؟؟
-في العربية اللي ورانا يا بابا.
-طب ليه ماينزلوش يساعدوا الناس اللي جوا ؟؟
أدار "مروان" رأسه إلي أبيه ، و أجاب بإصرار عنيف:
-انا جايبهمله هو مخصوص يا بابا ... مخزون طاقتهم هيتفرغ فيه لوحده !

يتبــع ...

المظفار والشرسهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن