55

2.5K 69 3
                                    


بعد منتصف الليل ..
كان الإحتفال لا يزال مستمرا داخل قصر "عاصم الصباغ" ..
فالرياح تهب بهدوء ، كما كانت المآدبة تدور بفرح و ضحك ..
علي النقيض الأخر .. لقد حرر الضجيج الصاخب "هانيا" من توترها تدريجيا ، و الآن هي تجلس في برود إلي جانب زوجها ، و تقضم بأسنانها اللؤلؤية ثمرة تفاح حمراء لذيذة المذاق ..
بينما كان إهتمام "عاصم" كله منصب عليها ، حتي و إن أراد أن يجعلها تعتقد غير ذلك لكي يساعدها علي الإسترخاء قليلا ..
و لهذا ، سألها بنعومة:
-ايه يا هانيا .. مابتكليش ليه ؟ الاكل مش عاجبك ؟؟
نفت "هانيا" قوله بقولها:
-ما انا باكل اهو !
و لوحت له بثمرة التفاح ، فرفع أحد حاجبيه بحركة ساخرة و هو يقلدها:
-ما انا باكل اهو ؟؟!
ثم تابع بجدية:
-و هي التفاحة دي بقت هي عشاكي ؟ لأ طبعا ماينفعش كده ، لازم تاكلي كويس.
قهقهت "هانيا" بدلال آسر قلبه ، و قالت:
-انا اصلا مش بتعشي .. لو اتعشيت بتعب و انا نايمة و بحلم بكوابيس.
-لا سلامتك !
تمتم بخفوت ، و لاحظت "هانيا" أن عيناه إنزلقتا إلي عنقها البض ، و كتفيها العاريتين بإغراء ، فتوترت مرة أخري ..
إذ لم ترق لها نطراته الجائعة ، و فكرت .. إلام ينوي ؟ .. ماذا يريد ؟ .. إن بينهما إتفاق و وعد لا يمكن أن يخل به ..
و لكن ليس تماما ، فلا أمان لوعيد الرجال ، هذه قاعدة أساسية منذ القِدم ، فضلا عن إنها لا تثق به من الأساس ، و في وضعها هذا بات الأمر مختلف .. فهي زوجته الآن ..
و إذا فقد السيطرة علي نفسه ، من بإستطاعته يمنعه أن يآخذها بالقوة هذه الليلة ؟ .. لا أحد بإمكانه أن يتدخل و يتقذها من - زوجها - .. محال بالطبع ..
إذ كما حدث من قبل و هي لم تكن زوجته ، يوم إعتدي علي كرامتها ، و لطخها بالدنس ، لم يدر به أحد ، و عل كل ، لا أحد يستطيع ردع هذا الرجل المتجبر إطلاقا ..
أفاقت "هانيا" من شرودها فجأة عندما شعرت به يضع كأسا باردا في يدها و هو يقول:
-طيب اشربي العصير ده .. وشك مرهق خالص.
إنصاعت "هانيا" لأمره ، و شربت كمية كبيرة لأن حلقها قد جف إلي درجة مؤلمة ..
إبتسم "عاصم" برضا و هو يتابعها بعينيه و كأنها طفلة صغيرة و لا من وصيا عليها سواه ..
لكنه حول بصره عنها فجأة ليكلم شخصا هتف بإسمه .. إنشغل عنها بالحديث مع بعض رفاق "شهاب" بينما بدأت هي تشعر بتوعك مفاجئ ، و صداع قاسي في رأسها أخذ وتيرة النبض البطيء الثابت ..
ظلت تعاني الآلم عدة دقائق في صمت دون أن تدع أحدا يشعر بها .. و لكنها لم تعد تحتمل أكثر ..
فمدت يدها ، و لمست يد "عاصم" .. إلتفت إليها في التو ، و حدق بيدها المرتاحة علي ظهر يده ، فغطاها بيده الأخري ، و سألها بلطف:
-مالك يا هانيا ؟؟
قالت له بصوت أجش و منخفض جدا مما إضطره إلي إحناء رأسه كي يسمعه:
-من فضلك .. عايزة اطلع اوضتي دلوقتي ، حاسة اني تعبانة شوية !
وافقها و هو يعاينها بإهتمام:
-ماشي ، زي ما انتي عايزة .. هنطلع حالا.
و فجأة ، وجدت "هانيا" نفسها واقفة علي قدميها دون أن تدري ما إذا كان قد ساعدها علي النهوض ، أم أنها إستطاعت ذلك بمفردها !!
لفتا الزوجان إنتباه الحضور ، فبرز صوت "شهاب" المتسائل بصخب:
-ايــه يا عم ! وخدها و رايح فين ؟ ما لسا بدري ؟؟
تعالت الضحكات المرحة بالمكان ، بينما أجاب "عاصم" بلهجة مهذبة و هو يلف ذراعا حول خصر "هانيا" و يحتضن يدها بيده الأخري:
-معلش يا جماعة ، مضطرين نستأذن دلوقتي .. هانيا تعبانة شوية وحابة ترتاح فوق ، كان يوم طويل .. طبعا البيت بيتكوا ، خدوا راحتكوا.
أحكم "عاصم" يديه عليها ، و خلال لحطات معدودات ، إبتعد بها عن الجميع و سار بإتجاه البيت ..
بعد حوالي خمسة دقائق .. كانت "هانيا" تجلس في الفراش الدافئ نصف واعية ، و قد إستندت بظهرها إلي حائطه المبطن بالقطن و الحرير ..
شعرت "هانيا" بإغماءة تداهمها ، و خشت لو كان قد وضع لها مخدر مرة أخري في العصير الذي قدمه لها قبل قليل بالأسفل ..
ذعرت لهذه الفكرة التي مرت بعقلها بمحض الصدفة ، فناضلت لمقاومة الإغماء ، إذ لا يعقل أن تغيب مرة أخري عن وعيها و هي معه وحدها ..
فربما ، بل من المؤكد أنه سيستغل الفرصة ، و يعاود الكرة مجددا .. سيقهرها ثانيةً !
أحست "هانيا" بعقم مقاومتها ، فإستسلمت للضعف الذي غمرها ، و أغمضت عينيها لتهرب من العقاب المحتوم ، الذي أحسته غريزيا يهم بالإنقضاض علي رأسها المصدوع ..
العقاب الذي تستحقه بسبب غبائها ، ما كان يجب أن تثق به و تأخذ من يده كأس العصير .. كيف غفلت عن مقصده الحقيقي ؟ ..
إنها إذن تستحق ما سيفعله بها ، فلم تتعلم الدرس من المرة الأولي ..
علي الطرف الأخر ..
كانت مستلقية بلا حراك ، و مشهدها يثير الشفقة حين أمسكها "عاصم" من ذراعيها ‘ راح يهزها بلطف و هو يهتف بإسمها في قلق و ملامحه تنطق بالذعر ..
و عندما لم تستجيب لندائه ، تناول كوب الماء البارد من فوق الطاولة قرب الفراش ، و وضعه علي حافة فمها .. حاول أن يجعلها ترشف القليل ، و بالفعل .. نجحت محاولته ..
بينما من خلال الضباب الرمادي الكثيف الذي غشي بصرها ، أحسته ينحني فوقها ، و سمعته يناديها بصوت أجش يدل علي خوف و إنفعال:
-هانيا ؟ .. هانيا انتي سمعاني ؟ .. فوقي يا هانيا !
ثم غمغم شيئا لم تفهمه ، إنما بدا مشتتا بشكل غريب ، فيما عاد إليها وعيها تدريجيا ..
فحدقت برعب إلي وجهه ، و لم تشعر بنفسها إلا و هي ترفع يدىها و تدفعه عنها بكل ما أوتيت من قوة و هي تصرخ:
-ابـعد عنـــي .. اوعي تقرب منــــي !
تجاهل "عاصم" ثورتها العنفية الفجائية ، و إقترب منها غير عابئ بلكماتها علي صدره ، راح يهدئها فقط و يطمئنها قائلا و هو يضغطها في حضنه:
-بـــس بس اهدي .. اهدي يا هانيا ، انتي في امان ، ماتخافيش .. مافيش مخلوق في الدنيا ممكن يآذيكي و لا يقرب منك طول ما انا عايش .. بــس متخافيش ، انا ماعملتلكيش اي حاجة اطمني.
كانت حقا منهكة جسمانيا و عقليا ، و إرتجفت في حضنه مثل عصفور مبلل ، بينما كانت نظراته و لمساته أبوية خالية من أي شهوة ..
و عندما أعاد جسدها للخلف كما كان ، و أراح رأسها فوق الوسادة اللينة .. كانت قد هدأت نسبيا ، و لكنها لا تزال تنظر إليه في خوف و توجس ..
فيما إبتسم لها بهدوء ، و راح يمرر أصابعه في خصلات شعرها قائلا:
-ايه بس ؟ جرالك ايه فجأة ؟؟
خرج صوتها مرتجفا و هي تجيبه:
-بصراحة خفت لما تعبت فجأة .. افتكرتك حطتلي منوم تاني في العصير !
أطرق "عاصم" رأسه ، فلم تستطع أن تتبين أفكاره أو تقرأها من تعبيرات وجهه حتي ..
بينما رفع رأسه بسرعة ، و قد نجح في إخفاء مشاعره تماما ، و عوضا علي ذلك ، قال بحب:
-قلقتيني عليكي.
ردت بصوت لطيف هذه المرة:
-انا كويسة .. بس مصدعة شوية و عايزة انام.
ضاقت عيناه في تلك اللحظة ، فتأكدت "هانيا" أنه لا يزال يقاوم شعورا عنيفا يتفاعل في نفسه ..
تفحصت وجهه قلقة ، فلم تجد سوي الرغبة .. رغبة الوحش الذي يزآر بداخله مطالبا بها منذ دخلت حياته ..
إنتفض جسدها بعنف ، و الآن فقط .. أدركت أنها ليست بغرفتها ..
أجل .. إنها غرفته هو ، ر هذا سريره الذي تستلقي فوقه .. سريره الذي شهد علي أكبر مآساة بحياتها ..
شهقت بخوف قائلة:
-انا ايه اللي جابني هنا ؟؟
هدئها "عاصم" مجددا و هو يقول بفتور:
-اهدي يا هانيا من فضلك .. مافيش حاجة تخافي منها بالشكل ده ، اولا انا ماجتش جمبك خالص من ساعة ما جبتك من تحت لهنا دلوقتي ، ثانيا احنا خلاص اتجوزنا .. يعني طبيعي ننام سوا في اوضة واحدة ، ماينفعش تبقي انتي في اوضة و انا اوضة تانية !
لا شعوريا ، قاومت يديه اللتين كانتا تمسكان بها ، فتردد "عاصم" قليلا ، ثم إبتعد عنها متمهلا ..
توقف قلبها عن خفقانه المذعور ، فتحاملت علي نفسها ، و قالت بشيء من التحد و هي تنهض واقفة بإرتخاء:
-انا ماتعودتش انام مع راجل غريب في اوضة واحدة.
وقف "عاصم" بدوره قبالتها ، و جادلها بإصرار قوي:
-بس انا دلوقتي مابقتش راجل غريب عليكي .. انا بقيت جوزك و انتي مراتي.
تذكرت "هانيا" خطتها الجهنمية في تلك اللحظة بالذات و كأنها قد نستها خلال تلك الساعات القليلة ، فعضت علي شفتها السفلي بإنزعاج ، و قالت:
-بس .. انت وعدتني !
تنهد بعمق قبل أن يجيبها:
-و لسا عند وعدي .. كل اللي بطلبه منك بس انك تنامي هنا معايا في الاوضة .. جمبي ، يا تري اللي بطلبه منك كتير ؟؟
أشاحت بوجهها عنه ، و أغمضت عينيها لتتمتم بهدوء مضطرة:
-لأ .. اللي بتطلبه مش كتير و لا حاجة.
ثم ألقت نظرة أخري معذبة نحو الفراش ، فطاردتها تلك الذكري الأليمة ، لكنها إستطاعت أن تتخلص منها و تقول له بجمود:
-طيب بس انا مش هنام جمبك بالظبط يعني.
قطب حاجبيه مستغربا ، فسألها:
-ازاي يعني مش فاهم ؟؟!!
شرحت له بنفس الجمود:
-يعني هنام عكس بعض .. راسك عند رجلي ، و راسي عند رجلك ، فهمت ؟؟
أدرك "عاصم" مقصدها ، فأبدي فتورا نحو ذلك ، لكنه قال:
-ماشي .. موافق.
ثم تابع مشيرا نحو الخزانة الضخمة:
-أنا قلت للخدم ينقلوا كل حاجتك من اوضتك الاولانية للاوضة هنا .. عايزك تاخدي راحتك خالص ، انا هدخل اغير في الحمام ، و هسيبلك الاوضة تغيري براحتك ، و مش هرجع الاوضة الا اما اخبط علي الباب و اسمع الاذن منك.
و إتجه نحو الخزانة ، و أخرج ثيابا له ، ثم توجه صوب الحمام الملحق بالغرفة ..
و بقت "هانيا" وحدها أخيرا .. تنهدت بثقل و هي تجوب أرجاء الغرفة بنظرها ، حتي وقعت عيتاها علي الباب المغلق الذي فرض عليها إن تبقي حبيسة داخله ..
تساءلت للمرة العاشرة .. تري هل أخطأت عندما رضخت لرغبته ؟؟

المظفار والشرسهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن