بعد منتصف الليل ..
كان الإحتفال لا يزال مستمرا داخل قصر "عاصم الصباغ" ..
فالرياح تهب بهدوء ، كما كانت المآدبة تدور بفرح و ضحك ..
علي النقيض الأخر .. لقد حرر الضجيج الصاخب "هانيا" من توترها تدريجيا ، و الآن هي تجلس في برود إلي جانب زوجها ، و تقضم بأسنانها اللؤلؤية ثمرة تفاح حمراء لذيذة المذاق ..
بينما كان إهتمام "عاصم" كله منصب عليها ، حتي و إن أراد أن يجعلها تعتقد غير ذلك لكي يساعدها علي الإسترخاء قليلا ..
و لهذا ، سألها بنعومة:
-ايه يا هانيا .. مابتكليش ليه ؟ الاكل مش عاجبك ؟؟
نفت "هانيا" قوله بقولها:
-ما انا باكل اهو !
و لوحت له بثمرة التفاح ، فرفع أحد حاجبيه بحركة ساخرة و هو يقلدها:
-ما انا باكل اهو ؟؟!
ثم تابع بجدية:
-و هي التفاحة دي بقت هي عشاكي ؟ لأ طبعا ماينفعش كده ، لازم تاكلي كويس.
قهقهت "هانيا" بدلال آسر قلبه ، و قالت:
-انا اصلا مش بتعشي .. لو اتعشيت بتعب و انا نايمة و بحلم بكوابيس.
-لا سلامتك !
تمتم بخفوت ، و لاحظت "هانيا" أن عيناه إنزلقتا إلي عنقها البض ، و كتفيها العاريتين بإغراء ، فتوترت مرة أخري ..
إذ لم ترق لها نطراته الجائعة ، و فكرت .. إلام ينوي ؟ .. ماذا يريد ؟ .. إن بينهما إتفاق و وعد لا يمكن أن يخل به ..
و لكن ليس تماما ، فلا أمان لوعيد الرجال ، هذه قاعدة أساسية منذ القِدم ، فضلا عن إنها لا تثق به من الأساس ، و في وضعها هذا بات الأمر مختلف .. فهي زوجته الآن ..
و إذا فقد السيطرة علي نفسه ، من بإستطاعته يمنعه أن يآخذها بالقوة هذه الليلة ؟ .. لا أحد بإمكانه أن يتدخل و يتقذها من - زوجها - .. محال بالطبع ..
إذ كما حدث من قبل و هي لم تكن زوجته ، يوم إعتدي علي كرامتها ، و لطخها بالدنس ، لم يدر به أحد ، و عل كل ، لا أحد يستطيع ردع هذا الرجل المتجبر إطلاقا ..
أفاقت "هانيا" من شرودها فجأة عندما شعرت به يضع كأسا باردا في يدها و هو يقول:
-طيب اشربي العصير ده .. وشك مرهق خالص.
إنصاعت "هانيا" لأمره ، و شربت كمية كبيرة لأن حلقها قد جف إلي درجة مؤلمة ..
إبتسم "عاصم" برضا و هو يتابعها بعينيه و كأنها طفلة صغيرة و لا من وصيا عليها سواه ..
لكنه حول بصره عنها فجأة ليكلم شخصا هتف بإسمه .. إنشغل عنها بالحديث مع بعض رفاق "شهاب" بينما بدأت هي تشعر بتوعك مفاجئ ، و صداع قاسي في رأسها أخذ وتيرة النبض البطيء الثابت ..
ظلت تعاني الآلم عدة دقائق في صمت دون أن تدع أحدا يشعر بها .. و لكنها لم تعد تحتمل أكثر ..
فمدت يدها ، و لمست يد "عاصم" .. إلتفت إليها في التو ، و حدق بيدها المرتاحة علي ظهر يده ، فغطاها بيده الأخري ، و سألها بلطف:
-مالك يا هانيا ؟؟
قالت له بصوت أجش و منخفض جدا مما إضطره إلي إحناء رأسه كي يسمعه:
-من فضلك .. عايزة اطلع اوضتي دلوقتي ، حاسة اني تعبانة شوية !
وافقها و هو يعاينها بإهتمام:
-ماشي ، زي ما انتي عايزة .. هنطلع حالا.
و فجأة ، وجدت "هانيا" نفسها واقفة علي قدميها دون أن تدري ما إذا كان قد ساعدها علي النهوض ، أم أنها إستطاعت ذلك بمفردها !!
لفتا الزوجان إنتباه الحضور ، فبرز صوت "شهاب" المتسائل بصخب:
-ايــه يا عم ! وخدها و رايح فين ؟ ما لسا بدري ؟؟
تعالت الضحكات المرحة بالمكان ، بينما أجاب "عاصم" بلهجة مهذبة و هو يلف ذراعا حول خصر "هانيا" و يحتضن يدها بيده الأخري:
-معلش يا جماعة ، مضطرين نستأذن دلوقتي .. هانيا تعبانة شوية وحابة ترتاح فوق ، كان يوم طويل .. طبعا البيت بيتكوا ، خدوا راحتكوا.
أحكم "عاصم" يديه عليها ، و خلال لحطات معدودات ، إبتعد بها عن الجميع و سار بإتجاه البيت ..
بعد حوالي خمسة دقائق .. كانت "هانيا" تجلس في الفراش الدافئ نصف واعية ، و قد إستندت بظهرها إلي حائطه المبطن بالقطن و الحرير ..
شعرت "هانيا" بإغماءة تداهمها ، و خشت لو كان قد وضع لها مخدر مرة أخري في العصير الذي قدمه لها قبل قليل بالأسفل ..
ذعرت لهذه الفكرة التي مرت بعقلها بمحض الصدفة ، فناضلت لمقاومة الإغماء ، إذ لا يعقل أن تغيب مرة أخري عن وعيها و هي معه وحدها ..
فربما ، بل من المؤكد أنه سيستغل الفرصة ، و يعاود الكرة مجددا .. سيقهرها ثانيةً !
أحست "هانيا" بعقم مقاومتها ، فإستسلمت للضعف الذي غمرها ، و أغمضت عينيها لتهرب من العقاب المحتوم ، الذي أحسته غريزيا يهم بالإنقضاض علي رأسها المصدوع ..
العقاب الذي تستحقه بسبب غبائها ، ما كان يجب أن تثق به و تأخذ من يده كأس العصير .. كيف غفلت عن مقصده الحقيقي ؟ ..
إنها إذن تستحق ما سيفعله بها ، فلم تتعلم الدرس من المرة الأولي ..
علي الطرف الأخر ..
كانت مستلقية بلا حراك ، و مشهدها يثير الشفقة حين أمسكها "عاصم" من ذراعيها ‘ راح يهزها بلطف و هو يهتف بإسمها في قلق و ملامحه تنطق بالذعر ..
و عندما لم تستجيب لندائه ، تناول كوب الماء البارد من فوق الطاولة قرب الفراش ، و وضعه علي حافة فمها .. حاول أن يجعلها ترشف القليل ، و بالفعل .. نجحت محاولته ..
بينما من خلال الضباب الرمادي الكثيف الذي غشي بصرها ، أحسته ينحني فوقها ، و سمعته يناديها بصوت أجش يدل علي خوف و إنفعال:
-هانيا ؟ .. هانيا انتي سمعاني ؟ .. فوقي يا هانيا !
ثم غمغم شيئا لم تفهمه ، إنما بدا مشتتا بشكل غريب ، فيما عاد إليها وعيها تدريجيا ..
فحدقت برعب إلي وجهه ، و لم تشعر بنفسها إلا و هي ترفع يدىها و تدفعه عنها بكل ما أوتيت من قوة و هي تصرخ:
-ابـعد عنـــي .. اوعي تقرب منــــي !
تجاهل "عاصم" ثورتها العنفية الفجائية ، و إقترب منها غير عابئ بلكماتها علي صدره ، راح يهدئها فقط و يطمئنها قائلا و هو يضغطها في حضنه:
-بـــس بس اهدي .. اهدي يا هانيا ، انتي في امان ، ماتخافيش .. مافيش مخلوق في الدنيا ممكن يآذيكي و لا يقرب منك طول ما انا عايش .. بــس متخافيش ، انا ماعملتلكيش اي حاجة اطمني.
كانت حقا منهكة جسمانيا و عقليا ، و إرتجفت في حضنه مثل عصفور مبلل ، بينما كانت نظراته و لمساته أبوية خالية من أي شهوة ..
و عندما أعاد جسدها للخلف كما كان ، و أراح رأسها فوق الوسادة اللينة .. كانت قد هدأت نسبيا ، و لكنها لا تزال تنظر إليه في خوف و توجس ..
فيما إبتسم لها بهدوء ، و راح يمرر أصابعه في خصلات شعرها قائلا:
-ايه بس ؟ جرالك ايه فجأة ؟؟
خرج صوتها مرتجفا و هي تجيبه:
-بصراحة خفت لما تعبت فجأة .. افتكرتك حطتلي منوم تاني في العصير !
أطرق "عاصم" رأسه ، فلم تستطع أن تتبين أفكاره أو تقرأها من تعبيرات وجهه حتي ..
بينما رفع رأسه بسرعة ، و قد نجح في إخفاء مشاعره تماما ، و عوضا علي ذلك ، قال بحب:
-قلقتيني عليكي.
ردت بصوت لطيف هذه المرة:
-انا كويسة .. بس مصدعة شوية و عايزة انام.
ضاقت عيناه في تلك اللحظة ، فتأكدت "هانيا" أنه لا يزال يقاوم شعورا عنيفا يتفاعل في نفسه ..
تفحصت وجهه قلقة ، فلم تجد سوي الرغبة .. رغبة الوحش الذي يزآر بداخله مطالبا بها منذ دخلت حياته ..
إنتفض جسدها بعنف ، و الآن فقط .. أدركت أنها ليست بغرفتها ..
أجل .. إنها غرفته هو ، ر هذا سريره الذي تستلقي فوقه .. سريره الذي شهد علي أكبر مآساة بحياتها ..
شهقت بخوف قائلة:
-انا ايه اللي جابني هنا ؟؟
هدئها "عاصم" مجددا و هو يقول بفتور:
-اهدي يا هانيا من فضلك .. مافيش حاجة تخافي منها بالشكل ده ، اولا انا ماجتش جمبك خالص من ساعة ما جبتك من تحت لهنا دلوقتي ، ثانيا احنا خلاص اتجوزنا .. يعني طبيعي ننام سوا في اوضة واحدة ، ماينفعش تبقي انتي في اوضة و انا اوضة تانية !
لا شعوريا ، قاومت يديه اللتين كانتا تمسكان بها ، فتردد "عاصم" قليلا ، ثم إبتعد عنها متمهلا ..
توقف قلبها عن خفقانه المذعور ، فتحاملت علي نفسها ، و قالت بشيء من التحد و هي تنهض واقفة بإرتخاء:
-انا ماتعودتش انام مع راجل غريب في اوضة واحدة.
وقف "عاصم" بدوره قبالتها ، و جادلها بإصرار قوي:
-بس انا دلوقتي مابقتش راجل غريب عليكي .. انا بقيت جوزك و انتي مراتي.
تذكرت "هانيا" خطتها الجهنمية في تلك اللحظة بالذات و كأنها قد نستها خلال تلك الساعات القليلة ، فعضت علي شفتها السفلي بإنزعاج ، و قالت:
-بس .. انت وعدتني !
تنهد بعمق قبل أن يجيبها:
-و لسا عند وعدي .. كل اللي بطلبه منك بس انك تنامي هنا معايا في الاوضة .. جمبي ، يا تري اللي بطلبه منك كتير ؟؟
أشاحت بوجهها عنه ، و أغمضت عينيها لتتمتم بهدوء مضطرة:
-لأ .. اللي بتطلبه مش كتير و لا حاجة.
ثم ألقت نظرة أخري معذبة نحو الفراش ، فطاردتها تلك الذكري الأليمة ، لكنها إستطاعت أن تتخلص منها و تقول له بجمود:
-طيب بس انا مش هنام جمبك بالظبط يعني.
قطب حاجبيه مستغربا ، فسألها:
-ازاي يعني مش فاهم ؟؟!!
شرحت له بنفس الجمود:
-يعني هنام عكس بعض .. راسك عند رجلي ، و راسي عند رجلك ، فهمت ؟؟
أدرك "عاصم" مقصدها ، فأبدي فتورا نحو ذلك ، لكنه قال:
-ماشي .. موافق.
ثم تابع مشيرا نحو الخزانة الضخمة:
-أنا قلت للخدم ينقلوا كل حاجتك من اوضتك الاولانية للاوضة هنا .. عايزك تاخدي راحتك خالص ، انا هدخل اغير في الحمام ، و هسيبلك الاوضة تغيري براحتك ، و مش هرجع الاوضة الا اما اخبط علي الباب و اسمع الاذن منك.
و إتجه نحو الخزانة ، و أخرج ثيابا له ، ثم توجه صوب الحمام الملحق بالغرفة ..
و بقت "هانيا" وحدها أخيرا .. تنهدت بثقل و هي تجوب أرجاء الغرفة بنظرها ، حتي وقعت عيتاها علي الباب المغلق الذي فرض عليها إن تبقي حبيسة داخله ..
تساءلت للمرة العاشرة .. تري هل أخطأت عندما رضخت لرغبته ؟؟