-انت مش قولتلي انك هتقف جمبي لحد ما ارجعها ؟ مش قولتلي عندك رجالة ممكن يساعدونا ؟ هاتهم دلوقتي و يلا بينا.
قالها "توفيق" و هو يرتدي سترته علي عتبة باب المنزل ، بينما قال "رشدي" الذي كان يحوم حوله في إلحاح:
-يا توفيق هنعمل اللي انت عايزه ، لكن النهار له عنين ، انت عارف الساعة كام دلوقتي ؟؟
رد "توفيق" بإنفعال"
-ما انا مش هقعد حاطط ايدي علي خدي لحد ما النهار يطلع ، بقولك السكة اتقفلت فجأة قبل ما تكمل كلامها معايا !
-يا اخي عادي اكيد كانت بتتكلم من وراه و ممكن حست بحركة جمبها فقفلت السكة بسرعة ، انت ليه متوقع الاسوأ ؟؟!
زفر "توفيق" بضيق و قال:
-قلقان عليها اوي يا رشدي .. كان بتترجاني عشان اروح انقذها .. كانت بتستنجد بيا.
إقترب "رشدي" منه و ربت علي كتفه بلطف قائلا:
-هنرجعها بعون الله و الكلب اللي حبسها في بيته ده انا بنفسي هديله درس عمره ما هينساه ابدا !****************************
في الصباح التالي ..
أنهت "هنا" محاضراتها الجامعية باكرا ، و عادت إلي المنزل مباشرة دون تلكأ ..
رأت سيارة فارهة فضية اللون تقف أمام منزلها ..
لم يقع عليها نظرها من قبل ، فتلك الأنواع الثمينة من السيارات لا يمتلكها ساكني حي "الوراق" البتة ..
شعرت بإنقباض في معدتها سببه ذلك الترقب الثقيل الذي إستبد بها ..
صعدت إلي شقتها .. وضعت مفتاحها الخاص بالقفل و دلفت .. ترامت إلي أذنيها الأصوات من حجرة الجلوس المغلقة بستار سميك يحجبها عن بقية أجزاء الشقة ..
سارت نحو الحجرة بخفة .. فتحت الستار بحذر .. ثم تجمدت بمكانها ..
لم تتبين معالم الزائر الذي كان يجلس موجها ظهره إليها. ، غير أن قلبها حدثها بهويته ..
خطر لها أن تدير ظهرها و تفر إلي مكان آمن تختبئ فيه ، و خطت تهم بالمضي نحو غرفتها ..
فسمعت والدتها تناديها و قد لمحت طيفها من خلال الستار الهفهاف:
-هنا ! انتي جيتي يا حبيبتي ؟ تعالي.
أجابتها "هنا" بقلب واجف:
-نعم يا ماما ؟؟
-تعالى عندتا ضبف.
إستدارت "هنا" مجددا ، و دخلت حجرة الجلوس ببطء شديد ..
أحست بالوهن يسترب إلي قدميها و الدماء تصعد إلي وجنتيها ، و حالما دلفت أستدار نحوها الزائر بوجهه الأسمر و عينيه البنيتين المراوغتين:
-ازيك يا انسة يا هنا ؟؟
تطلعت إليه بتوتر و ردت التحية بصوت مرتج:
-تمام يا حضرة الظابط ، كويسة.
إنه "إياد" .. تري لماذا جاء إلي هنا ؟ .. ما سبب زيارته المفاجئة .. :
-كويس انك لسا فاكرة حضرة الظابط يا هنا
قالتها أمها بمرح ماكر ، فحدجتها "هنا" بنظرة مستوضحة فأجابت أمها بإبتسامة عريضة:
-اياد باشا جاي يطلب ايدك مني .. و احنا اكيد مش هنلاقي احسن منه.
"إياد" و "قوت القلوب" .. كانا يراقبانها بصمت ، و كأن حجرة الجلوس البسيطة تشهد حدثا خارقا تنعقد أمامه الألسنة ، فيما أفاقت "هنا" من صدمتها وتساءلت مفغرة فاهها:
-جواز يعني ؟؟!
إبتسم "إياد" بمرح فظهرت أسنانه الناصعة ، و أطلقت أمها ضحكة خفيفة قائلة:
-اه طبعا يا حبيبتي جواز اومال ايه !
تنقلت "هنا" ببصرها بين أمها و "إياد" في دهشة .. إذ لم تتوقع أن يصل الأمر إلي ذلك الحد !
رفعت إليه وجها متوردا مستغربا و قد صعب عليها تصديق الأمر برمته ..
فإزدادت إبتسامة "إياد" إتساعا ، و قال موجها كلامه لأمها دون أن يحيد بنظره عنها:
-ممكن حضرتك تسيبيني مع هنا شوية ؟ عايز اتكلم معاها علي انفراد.
لم تبدي "قوت القلوب" إعتراضا و تركته معها علي حدة ..
ظلا للحظات في مواجهة بعضهما البعض بلا حراك ، حتي إنفرج ثغر "إياد" و هو يقول بنعومة:
-هتسبيني واقف كتير و لا ايه يا انسة هنا ؟ ده انا ضيفك بردو .. و الزوج المستقبلي لحضرتك كمان.
نطق جملته الأخيرة بخبث ، فعقدت حاجبيها و رمقته بشيء من الحدة و قد عادت إليها نزعتها العنيدة العدوانية ، لكنها تصرفت بحكمة علي غير عادتها و دعته للجلوس ، فعاد يجلس فوق مقعده من جديد ، فيما جلست قبالته ، ثم بدأت هي بالحديث ، فسألته بجمود:
-خير يا حضرة الظابط ؟ عايز ايه ؟؟
تنهد "إياد" بعمق و أجابها:
-اظن النوايا واضحة زي الشمس يا انسة هنا .. عايزك .. و لاني راجل مابحبش اللف و الدوران دخلت البيت من بابه زي ما بيقولوا.
أجفلت بإضطراب رغما عنها ، و تابعت سؤالها:
-ليه يعني ؟ ليه عايزني ؟ .. احنا ماشوفناش بعض الا مرة واحدة بس .. و كمان ساعتها انا هزأتك اوي !
ضحك "إياد" بخفة عندما ذكرته بمشهد لقاءهما الأول ، ثم قال برقة:
-هتصدقيني لو قلتلك ان طريقتك العنيفة اللي اتكلمتي بيها معايا هي اللي شدتني ليكي ؟ .. زائد شخصيتك القوية بردو .. بقالي كتير ماشفتش بنت بمواصفاتك .. جريئة ، مؤدبة ، بتاخدي حقك وقتي مابتستنيش عليه ، و حلوة كمان.
بطريقةغير مقصودة إطلاقا ، إستطاعت أن تفقده تماسكه العاطفي ، إذ بدا مبهورا و منجذب البصر إلي خديها المتوهجين كوردة ، إلي عينيها البنيتين ، و إلي فمها التاعم المرتجف بحيرة ..
إذ يوجه إليه لأول مرة ، إبتسامة خاصة به ، لكنها عادت تسأله بجدية و بصوت تراوح بين اللين و الحدة:
-طيب انا شايفة انك جاي بطولك .. فين الوالد و الوالدة يا تري ؟؟
حدقت إلي وجهه بمزيج من التوتر و الترقب ، فرأت فمه يفتر عن إبتسامة خفيفة ، ثم جاوب علي سؤالها بهدوء مكلل بحزن طفيف:
-الوالد و الوالدة اتوفوا من خمس سنين.
عضت "هنا" علي شفتها السفلي بحرج ، ثم قالت معتذرة:
-اسفة .. ربنا يرحمهم.
-امين !
قالها بلطف ، و تابع:
-انا بالبلدي كده مقطوع من شجرة .. عندي اهل اه بس كل واحد مشغول في حياته ، و انا حياتي مقتصرة علي شغلي و بس .. لحد ما شفت حضرتك بقي .. قررت استقر و اتجوز عشان اجيب ولاد يملوا عليا حياتي المملة دي.
-هتتجوز عشان تستقر و تجيب ولاد بس ؟؟
سألته بإستنكار ، فإبتسم بمكر و هو يجبها:
-ايوه .. مش بالظبط اوي يعني .. انا كنت مستني طول الفترة دي لحد ما الاقي البنت المناسبة ، اللي لما اشوفها ارتاحلها و قلبي يتفتحلها .. بس دلوقتي انا عايز اخد منك موافقة مبدئية .. انتي شايفاني مناسب ليكي ؟ .. ارتاحتيلي يعني ؟؟
خفضت "هنا" بصرها و لم ترد ، فإستوضحها "إياد" بمرح:
-اقدر افهم من كده ان السكوت علامة الرضا ؟؟
علي إستحياء .. أومأت رأسها دون أن تنظر إليه ، فإبتسم "إياد" بسعادة فائقة و قد بدا قريرا راضيا إلي أقصي درجة ..**************************
تسلل ضوء النهار إلي الغرفة الفسيحة المترفة ..
فأستندت "حنة" علي مرفقيها و نظرت إلي جوارها فلم تجد "مروان" .. و لكنها سمعت في تلك اللحظة صوت رذاد ماء آت من الطرف المقابل للفراش ..
كان الباب المقابل للفراش المؤدي للحمام الخاص مفتوحا قليلا ، و كانت الأبخرة المتبعثرة تنطلق منه ..
نهضت "حنة" و مشت صوبه ، بينما إنفتح الباب فجأة و خرج "مروان" و قطرات الماء تبلل شعره ، ثم نظر إليها بعينين رماديتين ساحرتين ..
أمسك بها بيد ، و قبل أن تتحرك من مكانها ، جذبها إليه بيده الأخري ، و قال بعذوبة:
-صباح الخير يا قلبي.
و عانقها بخفة و رقة .. كانت مشغولة الفكر و لم تكن مستعدة لعناقه ، لكنها إستجابت له و هي تستنشق رائحة سائل الإستحمام الذي إستعمله ، بينما ضمها إليه و قربها منه و هو يحيطها بذراعيه ، ثم همس قرب أذنها:
-حبيبتي .. مابقتش اقدر ابعد عنك لحظة خلاص .. انتي عملتي فيا ايه ؟؟
ثم شدها إليه بقوة ، و لمس شفتيها بشفتيه في قبلة حارة ، بينما لم تمر ثوان قليلة حتي وجدت "حنة" نفسها تبادله قبلاته بنفس الحرارة و اللهفة ..
إستسلمت تماما لشفتيه اللتين إمتلكتا شفتيها و لم تبتعدا حتي قدرتا حاجتها إلي إلتقاط أنفاسها ..
أحست بتيار عنيف يسري في جسدها علي شكل إنتفاضة قوية ..
شعر "مروان" بذلك البركان الذي أيقظه بداخلها .. بالتأكيد ، فهو خبير بالتأثير علي النساء ، كما أنه يعرف جيدا مكامن الرغبة و الإثارة بالجسد ، بعكسها هي التي لم تعرف مشاعر مع زوجها يمكن أن تضاهي شعورا واحدا تحسه أو تجربه مع "مروان" مما جعلها تخر صريعة لرغباته و نزواته و تمنحه تفسها دون مقابل ، بل حتي دون خوف من العقبات .. :
-ايه يا حبيبتي مالك ؟؟
سألها "مروان" بصوت مثير ، فأسندت كفيها علي صدره و هي تتطلع إليه في تردد ، فألح يسألح بإهتمام:
-مالك يا حنة ؟في ايه ؟؟
ضغطت علي شفتيها بقوة ، و نطقت أخيرا فقالت بصوت خفيض:
-مخنوقة .. متضايقة !!
داعب "مروان" وجنتها بأنامله و هو يسألها:
-ايه اللي مضايقك يا حبيبتي ؟ قوليلي !
-البيت ده.
قطب "مروان" مستغربا و ردد:
-البيت ده ! ماله يا حنة ؟؟
زمت شفتيها قائلة:
-مش عارفة .. مش مرتاحة فيه خالص ، حساه كئيب رغم ان الشقة واسعة و فيها كل حاجة ، بس مش مبسوطة !
منحها "مروان" إبتسامة رقيقة و قال:
-خلاص يا قلبي .. من بكرة هننقل من هنا لمكان تاني ، و لا تزعلي.
أشرقت عيناها بفرح طفولي و هي تهتف:
-بجد ؟ .. بس انا مش عايزة اكون بتقل عليك في حاجة !
رفع يده و مسح علي شعرها بحنان قائلا:
-انتي تؤمريني امر يا حنة .. انتي لسا مش عارفة انا بحبك ازاي و لا ايه ؟ ماعنديش اغلي منك .. و علي فكرة قريب عاملك مفاجأة.
-مفاجأة ؟ ايه هي يا مروان ؟ ايه ايه؟!
إبتسم بعبث و قال:
-لالا يا حبيبتي ما انا لو قلتلك مش هتبقي مفاجأة.
-طب بس قولي انت و انا هتفاجئ.
قهقه عاليا ، ثم عاد يقول:
-اصبري .. ماتستعجليش و اوعدك المفاجأة هتعجبك.****************************
يتبع