علي الطرف الأخر ..
ما أن إنتهت " قوت القلوب " من شرح الأمر إلي إبنتها حتي صاحت " هنا " حانقة :
- ليه يا ماما تعملي كده ؟ هي الحكاية ناقصها يعني ! و بعدين انتي كنتي خلفتيها و نسيتيها ؟ هي مالهاش اهل ؟؟
- وطي صوتك يا بت.
همست " قوت القلوب " بحدة ، ثم تابعت :
- اسمعي يا هنا ، انا اعمل اللي انا عايزاه و اتصرف بالطريقة اللي تعجبني ، هانيا هتعيش معانا من انهاردة معززة مكرمة.
ثم أضافت محذرة :
- و لو شفتك عاملتيها وحش او بطريقة مش اللي هي انتي حرة ، هبعتك لعمتك تعرف تربيكي هي بقي طالما انا مش قادرة عليكي.
جن جنون "هنا " في تلك اللحظة بعد أن إستمعت لتهديد أمها ، فصاحت بغضب جامح :
- ايه اللي انتي بتقوليه ده ؟ يعني ايه تبعتيني لعمتي ! ده بيت ابويا الله يرحمه يعني بيتي.
- يبقي تسمعي كلامي و ماتوجعيش قلبي لو مش عايزاني ادخل عمتك في الموضوع و انتي عارفاها اكتر مني بقي.
نجحت السيدة " قوت القلوب " في زعزعت عزيمة إبنتها ، فتلك السيدة التي تدعي عمتها هي عجوز شمطاء سليطة اللسان ، قاسية الفؤاد و لا أحد يستطيع مجابهتها أبداً ، لذا إستسلمت " هنا " لإرادة والدتها مرغمة ...***************
أرخي الليل سدوله فوق قصر " عاصم الصباغ " ..
و بينما كان يجلس "عاصم " بحجرة الجلوس فوق كرسي وثير إلي جانب مدفأة موقدة بالنيران ، دلف إليه " زين " بخطي واسعة ، ثم توجه نحوه و حياه قائلا :
- مساء الخير يا عاصم !
تجاهل "عاصم " تحيته ، و باغته في جمود متسائلا :
- وصلت لشهاب ؟؟
خلع "زين " معطفه الأسود ، و ألقاه فوق الأريكة إلي جواره ، ثم جلس بمقعد قبالة "عاصم " و أجابه في هدوء :
- ايوه .. الرجالة اللي بعتهم يدوروا عليه لقيوه و زمانهم راجعين بيه في السكة.
- لقيوه فين ؟؟
- عند عيال ضاريبة في اكتوبر مشهورين اوي في ساحة الضرب.
ثم أضاف متململاً في جلسته :
- اتضح ان اخوك هرب من المصحة بمساعدة واحد زميله بقاله اربع سنين في المصحة يخف و بعدين يتنكس و يرجع.
تقلص وجه " عاصم " بغضب ناري إمتد إلي عينيه البندقيتين اللون ، فيما إنثنت أصابعه و كأنه يود لو يعتصر عنق شقيقه في تلك اللحظة ، بينما أضاف " زين " متردداً :
- و مش كده و بس .. لما روحت انهاردة المصحة بنفسي ، قابلت ممرض قالي ان شهاب من يوم ما دخل ماتحسنش إنش واحد ، و قالي لما الدكاترة راقبوا حالته كويس اكتشفوا انه لسا بيتعاطي البودرة و الكوكايين.
عند ذلك ، هب " عاصم " واقفاً ، ثم إنطلق كالسهم يقول بعنف :
- ازاي ده ! ده انا هوديهم في ستين داهية ، هقفلهم المصحة دي كلها ، هطربقها فوق دماغتهم ، هو انا كنت موديه هناك عشان يتعالج و لا عشان يكمل ضرب ؟!!
إنتصب " زين " واقفاً علي قدميه بدوره ، ثم إقترب من " عاصم " و قال يهدئه :
- اهدا يا عاصم ، الحاجات دي كانت بتدخل متهربة اكيد الدكاترة مايعرفوش بوحود حاجة زي دي !
- و لو ، دي مصحة لعلاج الادمان مش وقر للضرب ، و ديني لأوديهم كلهم ورا الشمس.
و في تلك اللحظة دق جرس المنزل ، بينما كان " عاصم " مركز بصره تجاه باب حجرة الجلوس العريض ، حتي دلف قائد طاقم الحرس الخاص بالقصر يتبعانه رجلان ضخمان يمسكان بذراعي " شهاب " من الجانبين ، فيما لم يتوقف الأخير عن مقاومتهما و محاولة التملص منهما و هو يصرخ بهم في إنفعال أن يتركوه دون جدوي ، بينما كان " عاصم " يتابع الموقف بنظر حاد و في صمت هادئ يتناقض مع تلك النيران المتآججة بصدره ..
و عندما أصبح أخيه يقف علي مقربة منه ، راح يتآمله ملياً ، كان يرتدي ثياباً رثة ، شعره أشعث و يبدو عليه التعب و الضياع ، كما أنه فقد الكثير من وزنه ، إضافة إلي تلك الظلال السوداء العميقة تحت عينيه الذابلتين الحمراوين ، و ذلك الإصفرار الذي صبغ طبقة جلده بأكملها ..
تطلع " شهاب " إلي شقيقه مرتاباً و هو يحاول أن يتظاهر بالبرود قدر إستطاعته ، بينما تصاعدت الدماء إلي وجه " عاصم "المشوه و كأن مرآي أخيه علي تلك الحالة أفلت فيه عقال الغضب ، فإقترب منه بخطوة واحدة ، ثم أمسك بتلابيب قميصه الرث ، و جذبه بعنف صائحا :
- هربت من المستشفي عشان ترجع للقرف اللي كنت فيه ؟ يا شمام يا سرنجاتي ، عايز تموت نفسك ؟ طب قولي و انا اموتك بإيدي احسن و اسهل ، لما اضربك بالنار زي الكلب و محدش هيدري بيك هيبقي احسن.
عند ذلك ، إندفع " زين " نحو الشقيقان و قبض علي ذراعي " عاصم " حتي نجح في إبعاده عن "شهاب " ، بينما صرخ " عاصم " في غضب حارق :
- اوعي يا زين ، اوعي بقولك ماتدخلش انت.
فيما أطبق " شهاب " فمه بتحد ، و إلتزم الصمت ناظراً لأخيه في تمرد ، فقال " عاصم " بصوت قاس و كأن الغضب يسحق الكلمات بين أسنانه :
- ه‘ديك مصحة تانية يا كلب ، و هحط علي باب اوضتك اللي يعرفوا مايخلوش الدبانة تدخلك.
في تلك اللحظة ، إنهار غلاف الثلج الذي غلف " شهاب " به نفسه ، ثم نطق أخيراً ، إذ قال واهناً بلهجة مختلجة :
- لأ .. لأ يا عاصم بلاش ، مش عليز ارجع المصحة تاني ، اعمل فيا اللي انت عايزه بس ماتودنيش هناك تاني ، انا مابنزلش من الديتوكس ، انا بموت هناك بالطئ.
و لما تكلم " عاصم " وقع صوته في أذن شقيقه بارداً مليئاً بالتهكم :
- يا راجل ! ده انت كنت عايش هناك باشا ، كنت بتضرب براحتك و مقضيها.
ثم تحولت نبرة صوته إذ قال بحدة :
- بس خلاص بقي ، انا هعرف شغلي معاك ، مش عايز ترجع المصحة ؟ تمام ، هخليك هنا و هعالجك بطريقتي يا شهاب.***************
- ادخل !
هتفت " رضوي " بنعومة آذنة بالدخول لمن طرق بابها تواً ، بينما دلفت إليها إحدي الخادمات حاملة بين يديها علبة بيضاء كبيرة ، ثم خطت نحوها قائلة بخفوت :
- الطرد ده جه لحضرتك يا مدام رضوي ، لسا مستلماه حالا.
قطبت " رضوي " حاجبيها مستغربة ، و لكنها تناولت العلبة منها ، ثم أصرفتها ..
و إنتظرت حتي خرجت ، ثم شرعت في فتح العلبة البيضاء ذات الشرائط الزرقاء ......................... !!!!!!!!!!!!!!!!!!يتبع ...
![](https://img.wattpad.com/cover/167244017-288-k321502.jpg)