92

2.7K 64 5
                                    


-احمد ربنا انك خرجت منها علي رجليك مش علي ضهرك !
قالها "كمال الطحان" بلهجة جلفة مخاطبا إبنه الممدد فوق فراش المشفي ، و تقريبا معظم أطرافه مضمده بالجبس ، بخلاف وجهه المتورم و المصاب ببعض الجروح أيضا ..
رد "جاسر" بشراسة مشتعلة:
-ابن الـ *** علم عليا تاني ، و انت اللي مارضتش تخليني اجيب سيرته في التحقيق ، ظبط الحادثة بالمللي و اكيد كان مسلط حد يمشي ورايا عشان ياخد الموبايل اللي باعتلي عليه الرسالة.
ثم تابع بوجه محتقن:
-بس هو فاكرني هسيبه ؟ .. و رحمة امي لـ آا ...
قاطعه والده بحدة:
-انت مش هتعمل اي حاجة ... بصراحة الراجل ماغلطش ، بعد اللي حضرتك عملته في اخوه دي اقل حاجة عملها فيك.. و بصراحة اكتر ، انا خجلان بجد انك ابني يا جاسر .. مش عارف تركيبتك الشيطانية دي طلعت بيها من مين ؟؟!
إستشاط غضبا و غيظا ، فصاح:
-خجلان اني ابنك و مش خجلان من عملة بنتك المحترمة اللي كانت هتحط راسك في الطين يوم ما كانت عايزة تهرب مع الكلب ده ؟ .. خجلان اني ابنك عشان حاولت اردلك اعتبارك ؟؟!
-انت بتضحك علي مين يابني ؟ .. هو انا مش عارفك ؟ عنادك و غرورك اكتر حاجتين موديينك في داهية ، فاكر انك الذكي الوحيد علي وجه الأرض و تقدر علي الناس كلها .. بس شوف دلوقتي حالتك بقت ازاي !
كاد "جاسر" يتكلم ، فسبقه والده معلنا بصرامة:
-اعمل حسابك اول ما هتطلع من المستشفي هنسافر علي الإمارات عند عمك !
قطب "جاسر" مغمغما:
-هنسافر الإمارات عند عمي ؟ و ده ليه بقي ان شاء الله ؟!!
-انا صفيت كل حاجة هنا ، حتي الڤيلا بيعتها ، وحولت الفلوس كلها علي بنك هناك .. خلاص هنروح نعيش هناك.
-نعم !!
هتف "جاسر" مستهجنا ، و تابع:
-إمارات ايه اللي هنروح نعيش فيها ؟ .. انا مش موافق طبعا ، و بعدين انت ازاي تعمل كل ده منغير ما ترجعلي ؟؟!
-و ارجعلك بصفة ايه ؟ .. هو كان مين فينا ولي امر التاني ؟؟
رد "جاسر" بعصبية زائدة:
-انت كده بتحطني قدام الامر الواقع يعني ؟ .. انا مش هسافر !
-هتسافر .. انا عملت كده لمصلحتك و لمصلحة اختك ، لو فضلنا قاعدين هنا هتحصل مشاكل مالهاش اخر و اختك مش هتعرف تنسي الواد ده !
لوي فمه بإبتسامة متهكمة ، و قال:
-عايزني اهرب يعني ؟؟!
أجابه محتدا:
-لأ .. عايزك تبقي راجل و تمشي عدل ، كفياك معيلة بقي.
رمقه طويلا في صبر نافذ .. ثم أشاح بوجهه عنه متآففا في الضيق ...

*********************************

كان مساءً معتدلا تحت سماء المدينة الفرنسية ..
بينما كان يجلس "شهاب" أمام شرفة غرفته ، يتآمل المناظر الخلابة الممتدة علي طول بصره ..
الأشياء في عينيه باهتة ، و الغروب كئيب ..
كان يتجرع آلامه في منتهي الخشوع ... فالحياة باتت بلا طعم ، رغم أنه عاد إليها بمعجزة تستحق أن يفني بقية عمره كله لشكر و عبادة ربه بأفضل صورة ممكنة ..
لكنه في الحقيقة شعر أنه فارق الحياة فعلا .. فقد ذاق مرارة القهر و الإنهزام لأول مرة في حياته بطريقة مشينة أفقدته ثقته في نفسه تماما ..
بدأت ملامح الحزن تتسيد قسماته ، حيث إنعقدا حاجباه في وهن ، و مالت شفاهه للأسفل قليلا لتشكل له وجها حزين ..
آتي "عاصم" من خلفه خلسة ، فإنضم إليه و جلس في مقعد بجواره ..
ثم أمال رأسه ينظر إليه في إستغراب قائلا:
-ايه مالك يا شهاب ؟ .. قالب وشك كده ليه ؟ مين مزعلك ؟؟
أجابه "شهاب" و هو لا يزال علي وضعيته:
-محدش مزعلني يا عاصم !
عبس بقلق و هو يسأله:
-اومال مالك ؟ .. حاسس انك تعبان و لا ايه ؟؟
هز رأسه نفيا ، ثم أدار له وجها واجما و قال:
-انا كويس ماتقلقش .. بس زي ما تقول كده ، مش مبسوط !
أجفل "عاصم" متمتما:
-ليه يا شهاب ؟ انا مش وريتلك الجرايد و بنفسك قريت خبر حدثته ؟ .. انا مش جبتلك حقك منه ؟ ايه اللي مش مخليك مبسوط ؟؟!
-هاجر يا عاصم !
لم يبدي "عاصم" أي إمتعاض ، و لا حتي تذمر ..
بل حدثه بتفهم و لين:
-شهاب .. هاجر دي ماتنفعكش ، صدقني ... انا مش بقولك كده عشان اجبرك تنساها و تبعد عنها لأ .. انا بقولك كده عشان عارف معني اللي بقولهولك ، انت لسا صغير ، العمر لسا قدامك .. و يدوب انت عشرين سنة ، يعني تقريبا لسا ولد ، شوية شوية هتكبر و هتبقي راجل و ياما هتقابل .. صدقني هتحب كتير ، و هتعيش تجارب اكتر و تجربة هاجر دي كانت مجرد بداية ، بس انت اللي حماسك كان زايد شوية و خلاك تتهور ، لكن انا متآكد انك بتتعلم.
-غريبة ! .. ازاي بتقول كده و انت بتحب هانيا ؟ مش هي بردو اول حب في حياتك و اول تجربة تعيشها كمان ؟ .. يا تري ممكن تحب غيرها ؟؟
أجابه مبتسما:
-انا و هانيا حاجة مختلفة .. تقريبا ظروفنا واحدة يا شهاب ، بس مش هجادلك و اقولك اني واعي اكتر منك و احلل لنفسي اللي كنت عايز تقلدني فيه و تعمله .. كل اللي اقدر اقولهولك اني كنت عايش لهدف معين طول السنين اللي فاتوا ، ماكنتش شايف قدامي غير تار ابوك الله يرحمه و حقنا ازاي هرجعه .. بس بعد ما حققت كل اللي كنت عايزه ، و بعد ما ظهرت هي في حياتي ، حساباتي اتغيرت ، قلت انا كده كده خلاص ماعنديش حاجة اخسرها .. آمنتلك مستقبلك و عيشتك انت و ماما بكرامة ، قلت بقي اجرب اعيش لنفسي شوية حتي لو علي حساب ناس تانية مالهمش ذنب ... بس فجأة الموضوع كله اتقلب عليا و لاقيت نفسي بحبها ... و كنت عايش في ازمة طول الوقت لاني عارف انها مابتحبنيش ، بالعكس دي بتكرهني ، تقريبا مابتكرهش حد في الدنيا اد ما بتكرهني .. عنيها ، نظراتها ، طريقة كلامها .. كل حاجة فيها كأنها كانت بتنطق و بتقولي بكرهك !
ثم صمت للحظات .. و واصل بفتور:
-انا لحد دلوقتي اصلا مش قادر اصدق انها اكتشفت حبها ليا فجأة ، بس عموما .. انا مش ناوي اتنازل عنها ابدا !
إلتزم "شهاب" الصمت هو الأخر للحظات .. قبل أن يصيح فجأة:
-طب بالمناسبة بقي .. فكرت في الحوار اللي قلتلك عليه امبارح ؟؟؟
إختفت إبتسامته في لمح البصر ليحل الضجر محلها علي وجهه و هو يقول:
-يا شهااب .. اقفل بقي علي الموضوع ده ، انا مش عايز يا اخي !
-هو ايه اللي مش عايز ؟ .. انا بقولك تعالي اعزمك علي حاجة سقعة ! .. يا عاصم فكر كويس ، احنا في مستشفي حديثة جدا جدا ، و في هنا دكاترة كويسين اوي ، دي فرصة صدقني.
جاء رده قطعي و صارم:
-قلت لأ.
ضغط "شهاب" شفتيه ببعضهما مغتاظا ، إلا أنه قال بإصرار:
-بردو مش هسيبك الا اما توافق !

يتبـــع ...

المظفار والشرسهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن