أشرق الصباح بحله جديده وآمال مرتقبه ، وأزال كل الوحشة في ظلام الأمس الغابر ، بألوان زاهية وأحلام لاتعرف نهايه ..
بينما تحركت "هانيا" بقلق متأوهة بشدة .. إذ كان كل جسمها يؤلمها ، كما شعرت بثقل رأسها ..
لم تكن قادرة حتي علي رفع جفنيها لتري أين هي ؟ و ما الذي حل بها ؟؟
و لكنها في تلك اللحظة .. أرادت أن تستسلم لكل شيء ..
أرادت أن تستسلم لأنها تعبت من المقاومة ، تعبت كثيرا من التظاهر بالقوة لكي تحمي نفسها من بطش الأخرين ، و من نظراتهم المهينة الشامتة ..
اليوم و لأول مرة إختنقت "هانيا" بحبل الذل و القهر الذي لطالما أمسكت بطرفيه حتي لا يلتف حول عنقها ..
ضاعف ذلك الحبل حزنها و وهنها بقوة ، و صار مثل الأفعي التي تتأهب لتلتف حول جسد فريستها حتي تبتلعها في قضمة واحدة دون رحمة
عيناها اللتان كانتا تتظاهران بإخفاء الدموع .. أسقطت اليوم حصون قلعتها الجفنية و هجم سيل جارف من الدموع علي وجنتيها الناعمتين ..
كانت غيبوبتها قلقة .. أحست خلالها مرارا بوجود شخص يحوم حولها ..
و في إحدي المرات .. خيل إليها أن هناك يدين تلمسان شعرها ، و أن هناك صوتا خفيضا عميقا يهمس لها برقة
و رغم ذلك تملكها الرعب ، و حاولت الدفاع عن نفسها .. لكنها أدركت أن الهجوم مفاجئ و قوي ، و أنها صارت محاصرة من كل جهة ، و لا مفر من مصيرها المرير ..
أنها النهاية .. و لكن السؤال الحقيقي هو .. هل هذه هي النهاية حقا ؟ .. أم أنها فقط البداية ؟ .. بداية عذابها ..
إستيقظت "هانيا" أخيرا .. و تململت بتكاسل، و ببطء أزاحت جفنيها عن عينيها الزرقاوين ..
سكنت بمكانها للحظات مقطبة و هي تجوب المكان بنظرها
إنها في غرفة ،غرفة فسيحة للغاية ، علي سرير وثير و مريح ..
تستطيع أن تستنشق رائحة زكية منعشة ..
خلال تلك اللحظات كانت قد إستعادت بذاكرتها صورة أخر مشهد رأته قبل أن تفقد وعيها .. و في لمحة .. عادت إليها أحداث اليوم الماضي كله ، فقفزت من فوق الفراش مرتاعة ، متجاهلة آلام جسدها ..
و هنا .. سمعت محاولة لفتح باب الغرفة المغلق ، و إستدارت لتسمع تكرار الصوت ..
فشحب وجهها ، و بسرعة البرق إلتقطت من أحد الأركان تمثالا خزفيا صغيرا إستُخدم للزينة و تصدت به مستعدة إلي أن تقذفه في وجه أي شخص يريد الهجوم عليها ..
فهي لا تعرف أحدا هنا ، و لا تعلم أين هي أصلا ..
إنها وحيدة .. و ها هو موقف أخر يذكرها بوحدتها اللامتناهية ..
بينما ضحكت بسخرية علي أفكارها و هي تتساءل .. و هل من المعقول أنه إذا فكر أحد في الإعتداء عليها أو إيذاءها ، سوف يمنعه ذاك التمثال الصغير الموجود في يدها ؟!!
إنفتح الباب فجأة ، فتحفزت في وقفتها و أخذت وضعية الدفاع عن النفس و هي تبتلع ريقها بخوف و توتر ..
رأت رجلا في ثياب سوداء يتقدم نحوها بخطي وئيدة بقامته الطويلة المهيبة ..
و سرعان ما حلت الدهشة محل الخوف في نفسها عندما تعرفت عليه ..
إنه هو .. "عاصم الصباغ" .. إذن فهي بمنزله الأن !
و لكن كيف ؟ أيعقل أن يكون هو من أنقذها من بين براثن "جاسر" و زملاءه ؟؟
إستمر "عاصم" في الإقتراب منها ببطء و ها هي النظرة الذاهلة قد تلاشت من عينيه البندقيتين ، لتحل محلها نظرة واثقة جذلة ..
كان يفرد قامته بإعتداد و قد بات وجهه يحمل ملامح الخبرة التي إكتسبها طيلة سنواته الماضية و تجارب الأيام التي صنعت منه ما هو عليه الأن .. رجلا يصعب قهره .. رجلا دائما يحصل علي ما يريد ..
إنتظرت "هانيا" حتي وقف أمامها مباشرة ..
كانت تراقبه بعينين تلتمعان بشرارات الغضب و قد ظهرت علي وجهها علامات الشراسة المدمرة ..
بينما إلتقت عيناه بعينيها في تحد ، فأدركت أن ساعة المواجهة قد حانت .. :
-تقدر تفهمني انا جيت هنا ازاي ؟؟!
قالتها بحدة شرسة ، فيما تجاهل "عاصم" كلامها و نظر إلي ساعة يده قائلا ببرود:
-انتي نمتي كتير اوي يا هانيا .. عندك فكرة اننا بقينا في ضهر يوم الجمعة !
صعقت "هانيا" من عبارته .. إذ وفقا لذلك فقد مضي يوما كاملا و هي غائبة عن الوعي !
نامت أربع و عشرين ساعة متواصلة !!
تظاهرت "هانيا" بعدم إكتراثها لذلك الأمر ، و قطبت قائلة و هي تجاهد كي تبقي صوتها خفيض:
-ماجاوبتنيش علي سؤالي يا عاصم بيه ! .. انت بأي حق تجبني هنا ؟ في بيتك !!
إبتسم بسخرية و هو يجيبها بجفاء:
-احمدي ربنا اني وصلتلك في الوقت المناسب و جبتك هنا .. في بيتي .. انتي مش فاكرة اللي حصلك امبارح و لا ايه ؟؟
تعمد "عاصم" أن يصمت قليلا ، و كأنه يريدها أن تتذكر أحداث اليوم الماضي بكل تفاصيله .. ثم تابع بصوت ناعم:
-بس ماتقلقيش .. انا خدتلك حقك و اديت الكلاب دول درس عمرهم ما هينسوه.
حبست "هانيا" أنفاسها بغضب ، و تهدج صوتها بتوتر قبل أن تتمالك نفسها و تقول:
-ماتفتكرش انك كسرت عيني .. انا بيك منغيرك كنت هبقي كويسة.
-و الله !!
رد بقسوة بينة و قد إتشح وجهه بالحنق الشديد ، لكن "هانيا" لم تكن تهتم لشيء و حدقت في عينيه مباشرة و هي تقول بتحد:
-ايوه .. انا كنت اقدر ادافع عن نفسي ماكنتش محتاجة لمساعدة حد .. و حتي لو كنت محتاجة .. انت اخر واحد ممكن افكر استنجد بيه ، انت مش بني ادم اصلا ، انت واحد لا عندك شفقة و لا رحمة متعتك الوحيدة هي انك تذل الناس و تدوس عليهم و تضعفهم و ترهبهم.
أفرغت جعبتها و أشبعت رغبتها في تسديد النعوت القاسية له ، ثم شمخت برأسها في كبرياء قائلة:
-و دلوقتي و بالذوق كده .. خليني امشي من هنا حالا.
كان وجهه متقلصا بغضب طوال فترة حديثها ، لكن صوته كان هادئا و ناعما حين رد عليها:
-مش معقول تمشي منغير ما تنفذي اتفاقنا.
ثم إقترب منها أكثر و حاول ملامسة وجهها ، لكنها إنتفضت و لطمت يده الممدوة و هي تصيح بقسوة:
-اياك تلمسني .. اياك تفكر في كده اصلا !
ثم أضافت بهجوم أقسي:
-و بعدين مافيش اتفاق بينا .. احنا ماتفقناش علي حاجة .. ماكنش و لا هيكون يا عاصم يا صباغ.
و فجأة .. قفزت إلي الوراء بسرعة حتي إصطدمت بالحائط ..
إذ رأته يتقدم نحوها بخطي واسعة غاضبة .. حاولت الفرار من إمامه ، لكنه إعترض طريقها بذراعيه مسندا إياها إلي الجدار ..
فأطلقت شهقة مكتومة و إنكمشت علي نفسها محاولة حماية نفسها منه و هي تهتف بعصبية:
-طب ايه اللي انت بتعمله دلوقتي ده ؟ ابعد عني لو سمحت !
لم يجيبها في الحال .. بل أحني رأسه ليجتذب بصرها ، ثم تمتم بصوت خشن:
-طيب ليه انتي مش بتبصيلي و انتي بتكلميني ؟ مش بتحبي تبصي في وشي ؟ صح ؟ شكلي مضايقك ؟ .. عموما انا قلتلك قبل كده ان ابوكي هو السبب في اللي حصلي ، و من سوء حظك انك بنته و وقعتي في ايدي.
عند ذلك .. حدقت إلي وجهه القاس ، و صاحت و قلبها يخفق بسرعة فائقة:
-تقصد ايه ؟ انت بتهددني ؟ هتعمل ايه يعني ؟؟!
إلا أن أنفاسها أخذت تتلاحق بقوة أثارته و جذبت عينيه إلى حركة صدرها السريعة .. رفع نظره الى وجهها ليتأمل تقاطيعه الناعمة والجميلة .. عينيها البريئتين و المشتعلتين في آن .. أنفها الدقيق وفمها الوردي المثير ..
شعرت به يقترب منها أكثر ، فتراجعت بدورها أكثر حتي إلتصقت بالجدار و ضغطت عليه بجسدها و هي ترفع عينيها المذعورتين نحوه و قد إنتابها إحساس بالآسر ..
بينما دنا منها و غمغم بخفوت:
-كنت ناوي انفذ اتفاقنا الاولاني و اخليكي تقضي فترة قصيرة في قصري.
ثم خفض بصره إلي صدرها النصف مكشوف و تمتم بصوت محموم:
-بس بعد ما شفتك بقميص النوم ده .. غيرت رأيي و قررت اخليكي تقضي عمرك كله هنا ، هتجوزك !
تملكها الهلع من كلماته ، و بسرعة خفضت بصرها بدورها فأكتشفت أنها ترتدي فستانا مخمليا ، أزرق ليليا ، له حمالتان علي كتفيها ، و يبرز مفاتن جسدها بتفصيل كبير و مثير ..
إرتفعت يديها بحركة دفاعية محضة و غطت صدرها محاولة إخفاء نفسها عنه ، فسقط التمثال الخزفي الصغير من قبضتها إلي الأرض محدثا صوت طرطقة خفيفة ..
بينما هتفت و عيناها تتآججان وسط وجهها الصغير:
-انت مجنون ! انا مستحيل اتجوزك ، و بعدين فين هدومي ؟ انا ازاي آاا ..
-اهدي.
قاطعها ساخرا ، ثم قال بمزيج من الهدوء و البرود:
-عندي خدم كتير في القصر .. و في منهم ستات ، سلمتك ليهم اول ما جبتك هنا و هما اللي غيرولك هدومك .. يعني مش انا اطمني.
ثم أشار لها برأسه دون أن يحيد بنظره عنها إلي تلة من الصناديق المصنوعة من الكرتون ، موضوعة بالأرض في وسط الغرفة ، ثم قال بليونة خبيثة:
-انا اخترتلك بنفسي مجموعة هدوم و ميك اب و اي حاجة ممكن تحتاجيها من اكبر Store ( متجر تجاري ) في البلد .. عن الطريق النت ماليتلك دولاب الهدوم بكل الأصناف و الأنواع و الماركات .. انا واثق انهم هيعجبوكي ، بس يا ريت ذوقي انا يعجبك !
كادت تتكلم ، فسارع هو إلي القول بلهجة قوية قاطعة:
-باقي علي الغدا ساعة بالظبط ، انا هخليهم تحت يطلعولك اكلك هنا ، اما العشا فبيتقدم الساعة 8 بالظبط ، يا ريت تجهزي في الميعاد عشان بعد ما نتعشا سوا هاخدك اعرفك علي امي.
و لم ينتظر ردها و أولاها ظهره و غادر مسرعا بعد أن أغلق الباب من خلفه ..
تسمرت "هانيا" مكانها دون أن تحدث أي حركة .. ظلت تحدق ذاهلة في أثره الفارغ للحظات ، ثم طرفت بعينيها و حاولت تدارك الأمر ، رغم غضبها الذي أعجزها عن ذلك ..
فيما تنهدت بعمق ، ثم راحت تجوب أرجاء الغرفة بنظرها ..
كانت الغرفة جميلة جدا .. لا تستطيع أنكار تلك الحقيقة ..
عالية السقف و واسعة تماما ، و تطل علي مقدمة المنزل من خلال نافذتين عريضتين تكشفان الحديقة الخضراء المبهرة ..
إتجهت "هانيا" إلي إحدي النافذتين لتتأمل المناظر البديعة الممتدة أمامها .. هذا المنزل المترف يذكرها بمنزلها القديم الذي كانت تتشاطر و والدها العيش فيه ..
لبرهة وقفت "هانيا" صامتة أمام الستائر المخملية البيضاء .. ثم تركت النافذة لتتأمل أثاث الغرفة المصنوع كله من خشب السنديان المصقول بأناقة ..
كان هناك مقعدان وثيران و آريكة صوفية حمراء ..
و الفراش الذي إضطجعته منذ اليوم الماضي كان مفروش بأغطية بيضاء سميكة ..
و في إحدي الزوايا ، إستقرت طاولة عليها مزهرية قديمة أثرية باهظة الثمن .. و وجدت حتي جهاز تلفزيون كبير الحجم إحتل الزاوية المقابلة للفراش ..
إن أثاث الغرفة بأكمله يدل علي ذوق راق و إهتمام ملحوظ ..
بينما فجأة .. قع بصر "هانيا" علي تلك التلة التي أشار إليها "عاصم" منذ قليل ..
إقتربت ببطء و هي تدقق النظر .. كانت تلك الصناديق من مختلف الأحجام و كلها تحمل إسم الماركة العالمية الشهيرة ( Chanel ) محفورة أحرفها بالذهب ..
توجهت "هانيا" نحو الخزانة الضخمة و فتحتها لتجدها مكتظة بالملابس النسائية أيضا ، و فوق بعض الرفوف وجدت الكثير من أدوات التجميل و العطور المختلفة عن بعضها و الفريدة من نوعها ..
عادت "هانيا" مرة أخري إلي الصناديق و تناولت الصندوق الأول .. هزته بحذر ، فصدر عنه حفيف بالكاد سمعته ، أثار إهتمامها ففتحته ..
أبعدت الشرائط الحريرية الحمراء عنه ، ثم شهقت بصدمة و خجل عندما شاهدت قميص نوم شفافا من الدانتيل الوردي الناعم ..
إستشاطت غضبا و راحت تفتح باقي العلب الواحدة تلو الأخري ..
ما هذا ؟ .. تساءلت في نفسها .. إن أكثر الأغراض و الألبسة من فصيلة ثياب النوم الحالمة !
فقط هناك مجموعة قليلة من الفساتين المحتشمة و السترات المغلقة التي تتناسب مع الإجتماعات الخارجية ..
تساءلت مجددا بغضب جم .. ماذا يعني بذلك ؟ .. أن مخططاته ستتحقق و أنها سترتدي له تلك الثياب الليلية المثيرة ؟!!
تفاقم بداخلها شعورها نحوه بالكراهية و العداوة و البغض ..
لا .. لن تجعله يغزوها بهذه الطريقة الرخيصة .. سوف ترحل من هنا .. و اليوم ..
لقد رفضت الزواج منه و ستمضي في رفضها .. و لن يضيره أن يتعذب و يتعلم معني التوق إلي المستحيل .. و لو لمرة واحدة ..*********************