77

2.5K 69 3
                                    


كان يقود سيارته متجها بها إلي مؤسسته التجارية ، عندما إرتدت إلي عقله تفاصيل مكالمة صديقه مرة أخري ..

.............................................................

-و ده ايه اللي جابه ده ؟ عايز ايه ؟؟
سأل "عاصم" بخشونة عصبية ، فرد "زين" بنبرته الهادئة:
-ماعرفش يا عاصم ، هو جه و طلب يقابلك .. لازم تيجي فورا ، خلينا نشوفه عايز ايه !
صاح "عاصم" بتهور:
-انا لو شوفته قدامي هقتله مش هتكلم معاه.
علي النقيض .. إختلجت "هانيا" حين نطق "عاصم" بهذا ..
توترت من لهجته و طريقته العنيفة ، فإرتكزت علي مرفقيها ، ثم إعتدلت جالسة فوق الفراش و هي تحيط جسدها بالغطاء و تصغي لبقية المكالمة بقلب ملتاع ... :
-يا عاصم اهدا من فضلك و بلاش تهور في الكلام.
هكذا راح "زين" يهدئه ، و لكن بصوت حاد .. ثم أردف بدبلوماسيته المعهودة:
-تعالي شوفه عايز ايه ؟ مش هتخسر حاجة .. و هو طالما جه برجليه لحد عندك يبقي عمره ما هيفكر يعمل حاجة كده و لا كده .. يلا بقي تعالي بسرعة متتآخرش.
وافقه "علصم" علي مضض ، ثم أغلق الخط معه في وجوم ... :
-هو في ايه ؟؟
تساءلت "هانيا" بقلق ما أن أنهي "عاصم" مكالمته ..
فأدار إليها وجهه العابس ، و أجاب بلهجة حادة فشل في تغليفها بشيء من اللطف:
-مافيش حاجة .. بس محتاجيني هناك في الشركة ، لازم أروح دلوقتي حالا.
و لم ينتظر سؤالا أخر تطرحه عليه ، و غادر السرير ...

.............................................................

هكذا تركها "عاصم" في حيرة و عسر من أمرها ..
و ها هو ينطلق بسرعة جنونية بسيارته ، و بفضل تلك السرعة ، وصل إلي مؤسسته في خلال خمسة عشر دقيقة فقط ..
إن القلة القليلة بالشركة هناك هم من يعرفون "عاصم الصباغ" شخصيا ..
أما الغالبية العظمي ، فيعرفون عنه فقط أنه الرجل ذا الندبة ، المشوه ..
لذلك ، عندما دخل من البوابة الرئيسية الإلكترونية .. إنحنوا له رجال الآمن في تهذيب و هو يمر بينهم بخطواته الثابتة الواسعة ..
بينما لم يعرفه الكثيرون في الداخل ... و لكنه إستطاع أن يلمح بطرف عينيه حركة السير التي تباطأت فجأة من حوله ..
كما إستطاع أيضا أن يسمع أسمه بوضوح بين الهمهمات و الهمسات التي أخذت تتعالي ..
لم يبال "عاصم" بأي من هذا ، و إتخذ طريقه إلي المصعد ، ثم إلي غرفة الإستقبال التي تسبق مكتبه ..
قابله "زين" هناك .. فأقبل عليه مسرعا و هو يتمتم بصخب مختنق:
-عاصم ... اتأخرت كده ليه يابني ؟؟!
رد "عاصم" بغلظة ثائرا:
-و المفروض احضرله في الحال و لا ايه ؟ .. و بعدين مستعجل علي ايه ؟ ده هيبقي محظوظ لو خرج من هنا حي.
-طب خلاص خلاص اهدا ، ماحصلش حاجة لكل ده !
-هو فين ؟؟؟
-انا دخلته المكتب علي ما تيجي.
إتخذ "عاصم" خطوة نحو المكتب ، و قبل أن يأخذ الثانية .. قبض "زين" علي رسغه و حذره بلطف:
-انا مش هدخل معاك .. بس ارجوك ، لو سمحت ماتتهورش ، اسمع منه و انت ساكت لحد ما يقول كل اللي عنده .. و لو حصل اي حاجة انا موجود هنا مش هتحرك ، رن الجرس بس و هتلاقيني قدامك في ثواني.
إتشح وجهه بالوجوم مجددا و هو يجد نفسه مضطرا لتنفيذ نصائح صديقه ..
فتنهد في إستسلام ، و أومأ له موافقا ..
فتركه "زين" علي ذلك مطمئنا ...
ليندفع "عاصم" صوب غرفة مكتبه .. فتح الباب علي مصراعيه بحركة عنيفة ، وقف علي أعتابه برهة ، ثم ولج و أقفله بنفس العنف ..
تقدم نحو مكتبه الضخم الآنيق ، حيث يجلس هناك ذلك البغيض علي أحد المقاعد مسلفا إليه ظهره ..
مع كل خطوة من خطوات "عاصم" تجاهه ، كان يشد بقوة علي قبضتيه ليكبح رغبة ملحة تحثه علي إرتكاب جريمة بشعة الآن ..
لكنه تمالك نفسه بأعجوبة ... و ها هو الآن في هذه اللحظة ، يقف أمامه مباشرة ...
جثم صمت ثقيل لما يقرب دقيقة كاملة ، و كلاهما لا يزال يحدق الواحد في الأخر ..
كان "جاسر" علي طبيعته الفظة الساخرة .. حيث لم يقف ليصافح "عاصم" فقط أخذ يمرر عينيه عليه في تقييم متكبر متعجرف ..
بينما يحدجه "عاصم" بنظرات نارية ... و لكن سرعان ما أفتر ثغره عن إبتسامة باردة ..
أعقبها بجلوسه في المقعد المقابل له مباشرة ، إذ أنه ليس بحاجة لأن يجلس خلف مكتبه برسمية الآن ..
وضع "عاصم" ساقا علي ساق و هو يقول ببرود:
-خير !
بالرغم من حياد لهجته ، إلا أن آذن "جاسر" لم تخطئا تمييز الرنة العنيفة فيها ، فتآجج الغضب بعينيه هو أيضا ، و إن لم يطفو علي صوته و يرد بنفس البرود:
-كل خير يا عاصم بيه !
نفذت عينا "عاصم" في حده إلي عينيه مباشرة و هو يتناول علبة سجائره المذهبة من فوق المكتب ..
دس سيجارا بين شفتيه ، ثم أشعله ببطء ... سحب نفسا متآنيا من السيجار ، ثم نفثه عموديا في إتجاه وجهه ..
لم يطرف جفن الأخير .. إنما آثارته أفعال "عاصم" ..
فأطلق لسانه أخيرا قائلا بلهجة خشنة:
-انا ممكن اكون راجل لطيف احيانا ، ممكن ابان ابن ناس و متربي .. لكن كمان ممكن اكون و** و ابن ستين *** زي ما انت اكيد فاهم قصدي !
إزداد العنف في عيني "عاصم" عندما تعمد أن يذكره بما إعتزم علي فعله مسبقا ، فرد بنبرته المتباطئة القاطعة كحد السكين:
-اخلص ياض انت و قول عايز ايه عشان ماتحصلش مجزرة دلوقتي.
رمقه "جاسر" بإبتسامة هازئة و هو يخرج من جيب سترته مظروف أبيض ، ثم يناوله إياه ..
فمد "عاصم" يده ، و شده بإحدي حركاته العنيفة ..
ثم أشاح بنظره المتجهم عنه ، و فتح المظروف ... ليري داخله مجموعة صور تضم شقيقه مع تلك الفتاة التي تقرب منها بشكل ملفت مؤخرا ..
عجز "عاصم" عن فهم ما يدور ، و رفع لـ "جاسر" بصرا حائر هذه المرة ..
فبادره الأخير بحدة:
-اللي قدامك في الصورة دي تبقي هاجر كمال الطحان ... اختــي !
لم ينكر "عاصم" وقع المفاجأة عليه ، و لكنه نجح في مواراتها خلف قناع من اللامبالاة .. و رد بإستخفاف:
-اختك ؟ .. طيب ، عايز ايه انت بقي مش فاهم !
-لأ انت فاهم كويس اووي ... انت بتردلي اللي عملته في هانيا ، او اللي كنت هعمله فيها .. بعت اخوك يلعب علي اختي بحجة انه زميلها في الجامعة عشان تنتقم للست خضرة الشريفة بتاعتك.
و هنا ، أطاح "عاصم" بسيجاره في الهواء ، و هو يصيح:
-اتكلم بآدب .. و بحذرك لأخر مرة تجيب سيرتها علي لسانك الو**.
ثم إستطرد و هو يبذل أقصي طاقة لتمالك نفسه:
-و لو خايف علي اختك اوي كده خلاص .. ايعدها عن اخويا.
هب "جاسر" واقفا و هو يهتف بقوة:
-قول لأخوك و حذره ... اختي خط احمر ، لو فاكر نفسه شاطر و مغامر و دونچوان .. يبقي من دلوقتي يا صباغ ، حضرله كفنه !
قفز "عاصم" في تلك اللحظة قفزة فهد عفي بعد أخر جملة نطقها تحديدا ، و أمسك بتلابيبه و هو يجعر و يزمجر بشراسة هائلة:
-لولا انك علي ارضي و اني راجل محترم كان بقالي معاك تصرف تاني .. بس سيبك انا اصلا مش محترم انا طول عمري متربي عالأرصفة ، و اذا كنت متخيل انك بتهددني فإسمع كويس و افهمني ..
من اللحظة دي ، لو حد قرب من اخويا او مس شعرة واحدة من راسه .. هيبقي ده اخر يوم في عمرك !
إنفتح باب المكتب بقوة في تلك اللحظة ، ليظهر "زين" من خلفه ..
تقدم صوبهما مهرولا ، و عبثا حاول أن ينتزع يدي "عاصم" عن "جاسر" ... فإستفسره بضيق عصبي:
-في ايه يا عاصم ؟ .. ماسك فيه كده ليه ؟ .. طب سيبه خلاص !
صاح "عاصم" في "زين" دون أن يحيد نظره الغاضب عن "جاسر":
-ابعد عني يا زين .. مالكش دعوة انت.
-طب سيبه ... سيبه دلوقتي .. سيبه بقي يا اخي.
و بصعوبة و تحت إلحاح "زين" .. أفلته "عاصم" ثم صرخ بوجهه:
-بـراااا ... و بحذرك بعد كده المح خلقتك قدامي و لو صدفة .. ماتلومش الا نفسك وقتها.
بتحد سافر ، حدجه "جاسر" ..
ثم عدل قميصه الذي تجعد في قبضته الشرسة ، و إستدار خارجا من المكتب ... :
-ايه اللي حصل يا عاصم ؟؟
قالها "زين" متسائلا ، بينما لم يسمعه "عاصم" ..
إذ كان غارقا في بحر أفكاره المتلاطم ، فلم يشعر إلا و هو يمد يده إلي جيب بنطاله و يخرج هاتفهه ..
هاتف شقيقه .. فما هي إلا ثوان و آتاه صوته:
-ايوه يا عاصم !
-انت فين ؟؟؟
سأله متجهما ، فأجاب بغرابة:
-انا في البيت ! .. ليه ؟؟!
-خليك عندك ، انا جايلك .. اوعي تتحرك من مكانك.

.............................................................
يتبع

المظفار والشرسهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن