47

2.2K 71 7
                                    


تصبب جسد "مروان" كله عرقا باردا ،،
و قد فقد نصف وعيه تقريبا نتيجة الطعنات الثلاث التي تسببت في خسارته أكبر قدر من الدماء التي يحويها جسده ، سحب "عبيد" نصل الآلة الحادة من بين جنب "مروان" ببطء ، و كأنه يريد أن يستمتع بإنتقامه حتي النهاية ..
فيما تركه "سالم" يسقط أرضا في الحال .. كان جسده قد بدأ يرتجف في توجس جراء تلك المناظر الدموية الممتدة علي مرمي بصره و التي شارك فيها بنفسه بمنتهي العنف و الوحشية .. :
-يلا بينا بقي يا عبيد.
قالها "سالم" بشيء من الإرتباك ، فهز "عبيد" رأسه موافقا ، دون أن يحيد بنظره عن جثة "مروان" المنسدحة فوق الأرض و الغارقة تماما بالدماء ..
إكتفي "عبيد" من النظر إلي جثة "مروان" و قد نجح في حفظ صورته بعقله علي تلك الحالة حتي يعاود إستذكارها فيما بعد وقتما يشعر بمرارة الخزي و الخيانة ..
إستدار "عبيد" و إتجه إلي خارج الشقة .. أحضر كيسا كبيرا مصنوع من القش ، ثم ألقاه فوق جثة حنة الهامدة بالكامل ، و خاطب "سالم" بإقتضاب:
-تعالي شيل اختك و حطها جوا الشوال ده.
قطب "سالم" مستغربا ، و سأله:
-اشمعنا ؟ .. احنا خلاص ردينا شرفنا و ماعدناش عايزينها.
شبت نيران الغضب في أعماقه مجددا ، و رقص اللهب في عينيه و هو يقول بصوته الجلف ، و بكل ما فيه من غل:
-انا حالف لأرميها بإيدي و هي ميتة و غارقانة في دمها في صندوق الزبالة.

***********************************

-يا لهوي .. انا عمري ما شفت بجاحة بالشكل ده !!
تفوهت السيدة "قوت القلوب" بهذه الكلمات أمام غرفة الصالون المتواضعة بمنزلها مغتاظة من تصرفات خطيب إبنتها ، المقدم "إياد راشد" فيما قهقهت "هنا" بمرح ، و قالت بخفوت تخاطب والدتها:
-طب هنعمله ايه بس يا ماما هنطرده يعني ؟ و بعدين مالك بس يا قوت ما انتي كنتي بتحبيه !!
بمزيد من الحنق ردت "قوت القلوب":
-حبه برص ، المفروض يكون في حساسة مش كفاية بينطلنا هنا كل يوم ، لأ و بيقعد معانا لنص الليل ! .. الناس تقول ايه ؟؟
كممت "هنا" فمها بكفيها تمنع ضحكة مجلجلة من الإفلات من بين شفتيها ، بينما إستشاطت "قوت القلوب" غيظا مضاعفا و هي تقول:
-انتي يا بت ماتغظنيش .. مش علي اساس ماكنتيش طايقاه لما جه يتقدملك ؟ دلوقتي بقي عسل علي قلبك ياختي !!
ثم أمرتها بلهجة قاطعة:
-اتفضلي خشي سربيه و بالذوق كده ابقي فهميه ما ياخدوش العشم اوي في القعدة عندنا.
إزدادت ضحكات "هنا" فرددت كلمة أمها:
-اسربه ! .. حاضر يا قوت هدخل اسربه.
و إتجهت "هنا" نحو حجرة الجلوس ، حيث كان "إياد" يجلس هناك فوق الآريكة العتيقة ، منكمش الوجه و قد شعر بالملل الذي إستحال إلي الغبطة عندما رأي "هنا" مقبلة عليه مبتسمة ..
بادلها الإبتسامة عينها بدوره ، و نهض لملاقاتها ، ثم قال بشيء من العتاب:
-ايه يا هنا .. بتروحي فين و بتسبيني ؟ هو انا جاي اقعد مع عفشكوا و لا جاي اقعد معاكي ؟؟!
إحتقنت وجنتيها بدفقات دمائها الساخنة ، و لكنها إعتذرت منه مطرقة رأسها لتتجنب إشتباك نظرها بنظره:
-معلش يا إياد كنت بعمل حاجة مع ماما بس.
-ماشي يا ستي ، خلاص مسامحك .. تعالي بقي اقعدي جنبي هنا ، عايز اكلمك شوية.
تلعثمت "هنا" قليلا و هي تحاول أن تقول:
-لل لأ ما ماهو ماهو ..
عقد "إياد" حاجبيه في إستغراب قائلا:
-ماهو ايه يا هنا ؟ .. في ايه ؟؟
ضغطت "هنا" علي شفتيها في قلة حيلة ، ثم قالت بلطف آسفة:
-معلش يا إياد .. انت لازم تمشي دلوقتي ، الساعة عدت 12 و مش حلو الناس تشوفك نازل من عندنا بعد نص الليل كده.
-اااااه.
قالها "إياد" متداركا بشيء من السخرية ، ثم سألها:
-هي مامتك بقي كانت بتناديلك عشان كده ، عشان تسربيني.
مرة أخري ، إنفجرت "هنا" ضاحكة ، فعاد يسألها بغيظ:
-بتضحكي علي ايه ؟؟
أجابت من وسط موجات ضحكها:
-اصلها قالتلي سربيه فعلا.
رفع حاجبيه مدهوشا ، فهدأت "هنا" نوبة ضحكها ، و مدت يدها و ربتت علي كتف "إياد" قائلة:
-معلش يا إياد .. ماتزعلش عشان خاطري.
إبتسم "إياد" بخفة ، و قال:
-لأ يا ستي مش زعلان ، اهو كلها شهر و هتبقي مراتي و هاخدك من هنا خالص بقي .. يعني لا حد يقولك سربيه و لا غيره.
أهدته "هنا" إبتسامة رقيقة ، ذكرته بأول لقاء لهما ، فضحك بقوة ، فسألته بإستغراب:
-بتضحك علي ايه ؟؟
أجابها مشاكسا:
-افتكرت اول مرة اتقابلنا .. اللي يشوف وش الرقة بتاعك دلوقتي ، مايشوف الوش الخشب اللي صدرتيهولي ساعتها.
ثم غمز لها قائلا:
-فاكرة ؟؟
و تابع ضحكه ، بينما إغتاظت "هنا" منه ، فكورت يدها و ضربته في صدره قائلة:
-بقي كده ؟ بقي انا صدرتلك وش خشب ؟ .. مااشي.
أطلق "إياد" آهة مصطنعة و هو يدلك مكان ضربتها ، ثم قال:
-يا مفترية .. بتفتري عليا من دلوقتي ؟ اومال لما نتجوز هتعملي فيا ايه ؟؟
ردت "هنا" مستنكرة:
-مين اللي بيفتري علي التاتي دلوقتي ؟؟
إتسعت إبتسامته و هو يقول بلطف:
-خلاص يا ستي ، انا اسف حقك عليا.
و هنا ، دق جرس الباب ، فإستذنت منه "هنا" لتذهب و تتحقق من هوية الطارق ، فإستوقفها بقوله:
-استني يا حبيبتي ، ما انا كده كده متسرب .. خديني في ايدك.
عاودت "هنا" الضحك مجددا و هي تتقدمه تجاه باب المنزل .. فتحت "هنا" الباب ..
لتتفاجأ برؤية عمتها و إبنتها .. بهتت إبتسامة "هنا" حتي إختفت تدريجيا ، لكنها أسرعت تنتزع من أعماقها إبتسامة أخري لتغلف بها مجاملتها لا أكثر:
-عمتي هويدا .. ايه المفاجأة الحلوه دي ؟ ازيك يا عمتي ؟ ازيك يا سميه ؟ اتفضلوا اتفضلوا واقفين ليه ؟؟
كانت عيني عمتها متعلقة بـ "إياد" حيث راحت تتفحصه بدقة .. ثم أخيرا نطقت ، فقالت:
-ازيك انتي يا بنت اخويا ؟؟
-الحمدلله يا عمتي كويسة.
ثم تنقلت ببصرها بينها و بين "إياد" و قالت:
-اتفضلي يا عمتي ادخلي انتي و سميه ، ده إياد كان لسا هينزل حالا.
ردت السيدة "هويدا" بإبتسامة لم تصل إلي عينيها:
-نازل ليه بس ؟ .. ادا حضرت الشياطين ذهبت الملائكة يعني ؟؟
إبتسم "إياد" في تهذيب ، ثم قال بإسلوبه الرسمي الرجولي:
-لا ابدا حضرتك مش كده خالص ، بس الوقت اتأخر و انا لازم اروح انام عشان ورايا شغل الصبح بدري.
ثم إستأذن منهن و رحل ..
راقبته أعين الأم و إبنتها و هو يهبط الدرج بخفة حتي تواري عن أنظارهما .. :
-الله ! ما تدخلوا يا جماعة واقفين عالباب كده ليه ؟؟
إلتفتت عمتها إليها ، و لبت دعوتها بالدخول .. تبعتها إبنتها إلي الداخل ، فيما تنحنحت السيدة "هويدا" قبل أن تقول متشدقة:
-معلش بقي يا هنا طبينا عليكوا علي غفلة ، بس اصلنا كنا في مشوار قريب منكوا و الليل دخل علينا ، فقلت لسميه نروح بيت خالك نبيت فيه الليلة دي و الصبح نبقي نروح.
عند ذلك ، ملأ "هنا شعور الضيق و التأفف ، و لكنها لم تستطيع أن تفعل أو تقول شيئا سوي:
-هتنورونا يا عمتي و الله .. و الله.
-الله يخليكي يا حبيبتي .. اومال فين امك ؟؟
-هدخل اندهلها اهو .. البيت بيتكوا طبعا.
و ما أن إستدارت عنهم ، حتي ظهرت علي وجهها كل مشاعر الحنق التي راحت تعتمل بداخلها ...

***********************************
يتع

المظفار والشرسهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن