40

2.6K 78 3
                                    


صعد بها "عاصم" إلي غرفتها بمفرده ..
مددها بلطف ، و وضع فوقها الأغطية السميكة الناعمة.. دثرها جيدا ، ثم جلس علي طرف الفراش يتآملها ..
مد يده و أزاح خصلة تهدلت فوق جبينها .. قاوم مشاعر عنيفة متضاربة تختلج بنفسه و نهض من أمامها ..
إستدعي إحدي الخادمات لتسهر إلي جانبها طوال الليل و تعتني بها ..
و بعد تردد .. إتجه نحو غرفة أمه ..
طرق الباب مرتين ثم دلف بوجه متجهم .. :
-نعم يا امي ؟ شهاب قال انك عايزاني !
قالها "عاصم" متسائلا و هو يقف مباشرة أمام والدته ، فيما تطلعت هي إليه في إستنكار غاضب و سألته بلهجة حادة:
-البوليس اللي كان هنا من شوية ده كان جاي ليه يا عاصم ؟ .. صحيح اللي سمعته ؟ .. انت خطفت البنت دي ؟ و هي فعلا بنت مصطفي علام ؟ .. ما تنطق !!
بإنفعال مكبوت أجاب "عاصم":
-ايوه يا ماما صحيح .. هي تبقي بنت مصطفي علام و انا خطفتها فعلا.
هزت السيدة "هدي" رأسها في عدم تصديق و رددت:
-و ليهتعمل كده يا عاصم ؟ .. ليه يابني ؟ دي مش اخلاقك .. انت عمرك ما عملت حاجة وحشة في حد بإستثناء اللي عملته مع ابوها ، انا وافقتك عشان قلبي انا كمان كان محروق علي ابوك و كنت عايزة اجيبله حقه .. لكن البنت مالهاش ذنب ناخدها ليه بذنب ابوها .. حرام ربنا مايرضاش بكده.
كان يستمع إليها "عاصم" مطرق الرأس حتي يحجب عنها إنفعالاته الداخلية التي إنعكست علي صفحة وجهه ، بينما تابعت إمه متسائلة:
-البوليس اخدها و لا لأ ؟؟
و هنا رفع "عاصم " وجهه ، و تطلع إليها مجيبا بقوة:
-لأ !
إكتسب صوتها رنة عنف خفيفة و هي تقول:
-البنت دي لازم تمشي من هنا يا عاصم .. لازم تسيبها تمشي انا مش هسمحلك تآذيها.
زمجر "عاصم" بخشونة:
-انا مش هآذيها .. انا عايز اتجوزها.
-و هي موافقة تتجوزك ؟؟
حاصره سؤال أمه في خانة صعبة ، لكنه أجابها متململا:
-لأ مش موافقة .. بس انا هخليها توافق.
-و هتخليها توافق ازاي بقي.
إنفجر "عاصم" عند ذلك صائحا و قد خرج عن شعوره:
-هخليها توافق يا امي ، عندي مليون طريقة ، و مش هيسيبها حتي لو انتي فضلتي تزني عليا ممكن اخدها من هنا لمكان تاني و ارجعلك بيها و هي مراتي فالأحسن تسيبيني اتصرف بطريقتي و ماتكدرنيش.
ثم أولاها ظهره الغاضب و رحل مسرعا ..
قطبت السيدة "هدي" في حزن و قلة حيلة و هي تتضرع إلي الله أن يعصم إبنها من أي شر قد يهدده ، حتي و إن كانت تلك الفتاة التي إنتزعت منه وجها أخر لم تراه فيه أمه من قبل قط ..

***************************
في الصباح التالي ..
كانت السماء متجهمة و المطر ينهمر بغزارة كحراب من فضة ..
بينما تمطأت "هانيا" في فراشها بكسل متأوهة ، فقد شعرت بعدة وخزات متفرقة بإنحاء جسدها .
إزاحت جفنيها عن عينيها .. و إستغرقت دقيقة حتي تذكرت ما حدث ليلة أمس ..
لقد تركت غرفتها لتوافي "زين" بالمكان الذي وصفه لها ، لكنها ذهبت و لم تجده هناك ..
بل وجدت موجة من الإعياء إجتاحتها و جعلتها عاجزة عن مجرد تحريك إصبعها نتيجة الخدر البارد الذي إفترش جسدها .. هذا كل ما تتذكره ..
نهضت "هانيا" من الفراش بغضب و إتجهت صوب النافذة ..
أسندت جبينها الملتهب إلي الزجاج فشعرت ببرودة مريحة ، لا تشبه البتة تلك التي عصفت بها ليلة أمس ..
فكرت "هانيا" بإنزعاج فيما حدث .. و أنبت نفسها ..
ما كان عليها أن تثق به أبدا ، فقد تلاعب بها و خدعها .. أراد أن يتسلي قليلا فمارس تلك اللعبة المشينة و أسلمها إلي صديقه في النهاية ..
كان يجب أن تعرف أنه لن يبيعه إطلاقا و لن يجرؤ علي خسارته من أجلها ، فهما صديقان مقربان قبل كل شيء تماما كما قال "عاصم" مسبقا ..
علي كل حال .. هذه غلطتها ، هي التي واففت أن تنخدع .. وثقت به و آمنت له ..
بعصبية حانقة .. عادت "هانيا" إلي فراشها و لاذت بالدفء تحت الغطاء ، نظرت إلي ساعة التنببه الرابضة فوق الطاولة المجاورة للفراش ، فوجدتها التاسعة صباحا .. مازال الوقت مبكرا بالنسبة إليها ..
فهيأت نفسها للغط في النوم مرة أخري كي تهرب فيه من واقعها المرير ..
إلا أن طرقة علي الباب أثنتها عن عزمها ، فإنتصبت نصف جالسة في ترقب ، بينما إنفتح الباب فجأة و رأت "عاصم" يدخل بقامته المديدة المهيبة و يتجه نحو سريرها بخطوات متمهلة و هو يحمل بين يديه صينية الإفطار .. :
-صباح الخير !
ألقي عليها تحية الصباح بإقتضاب ، ثم سألها و هو يضع صينية الإفطار فوق الطاولة إلي جانبها:
-عاملة ايه دلوقتي ؟ حاسة انك احسن ؟؟
أومأت رأسها إيجابا دون أن تنظر إليه .. فساد الصمت للحظات قبل أن يقطعه "عاصم" مستوضحا بنبرة حادة:
-طيب بما انك احسن دلوقتي و الحمدلله .. يا ريت تقوليلي انتي وصلتي ازاي للبدروم اللي تحت ؟ مين دلك عليه ؟؟
أجفلت "هانيا" بإضطراب و لم ترد ، لتجده في اللحظة التالية جالسا أمامها علي حافة الفراش ..
أطلقت شهقة مكتومة ، فيما أمرها بخشونة:
-اتكلمي !
كلمة واحدة فقط منه ، إلا أنها حملت من السلطة ما أشعرها بالعجز الكامل أمامه ... لكنها وجدت نفسها تجيبه بثبات:
-محدش دلني عليه .. انا اكتشفته لوحدي.
-طلعتي مش سهلة يعني !
قالها بإستهزاء و هو يعاين تقاسيم وجهها بتركيز ، بينما حدقت بدورها إلي خطوط وجهه القاتمة بعصبية حائرة ..
لمحت نظراته الجائعة تنزلق من كتفيها العاريتين إلي الشيفون الأزرق الذي يغطي صدرها ..
أسرعت "هانيا" تحجب نفسها بالغطاء ، لكنها لم تفطن لتحرك يديه إلا عندما جذبها إليه بسرعة البرق ..
شهقت بذعر ، بينما غمغم بعنف و هو يضمها إلي صدره بقوة:
-للدرجة دي عايزة تسيبيني ! .. يعني بتفضلي الموت علي انك تبقي معايا ؟ .. انتي عارفة انك كنتي هتموتي امبارح !
قالت "هانيا" من بين أسنانها و هي تحاول جاهدة أن تدفعه عنها:
-ايوه .. اهون عليا اموت و لا اني ابقي معاك .. و اظن انك عارف كده كويس.
زمجر بشراسة:
-عارف يا جميلتي.
ثم ضمها بإحكام بإحدي ذراعيه ، و بيده الطليقة أزاح حمالة قميصها الرفيعة عن كتفها و أدار فمه ليلثم بعمق باطن ذراعها ..
تلوت بعصبية بين ذراعيه ، فأفلتها بحركة فوجئية و علي وجهه إرتسمت علامات الإمتنان ..
كانت حركته بطيئة ، كسولة تقريبا كما لو أنه ربح أكثر من نصف المعركة .
بينما تآججت عينيها بعضب مستعر و هي تهتفبإنفاس متهدجة:
-انت بني ادم مش محترم خالص و لا شميت ريحة الاحترام حتي .. بتهيني و بتستغلني ! .. يا حيوان.
بنبرة جامدة رد "عاصم":
-اتجوزيني و مش هيبقي اسمه استغلال و لا اهانة .. هتبقي مراتي.
لم تعد تحتمل المزيد ، فصرخت في وجهه بضراوة:
-لأ .. لأ مش هتجوزك .. و اطلع برا بقي مش عايزة اشوفك قدامي ، مابحبش ابصلك.
لدقيقة كاملة .. لزم "عاصم" الصمت .. و عندما تكلم ، قال بهدوء حمل في طياته تهديد مبهم خطير:
-انا صبري له اخر .. و مش كل شوية هطلب منك نفس الطلب ، فأحسنلك تقبلي الجواز مني بإرادتك الكاملة دلوقتي بدل ما تلاقي نفسك قريب مضطرة تقبلي غصب عنك .. و ساعتها اوعي تقولي اني ماحذرتكيش !
لم تعير كلماته آذانا صاغية و أشاحت بوجهها عنه علامة الرفض و اللامبالاة ..
سمعت صوت تنفسه الغاضب تلاه إنصفاق باب غرفتها العنيف .. عادت تنظر في إثره الفارغ أمامها و تساءلت .. إلي متي سيطاردها ذلك الوحش الذي يربض في أعماقه ؟ ..
ذلك الوحش الذي يزأر في الظلام بعينين بندقيتين تتآججان بالرغبة التي تحركها هي في أعماقه ، كلما تفرس قليلا في وجهها أو جسدها ..
لقد أصبح جمالها نقمة عليها منذ عرفته لدرجة كرهت النظر في المرآة حتي لا تري ما يراه هو فيها و ينظر إليه بعينين ملتهبتين ...

المظفار والشرسهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن