أحست "هانيا" بنشاط و إنتعاش في كل أنحاء جسدها بعد أن فرغت من حمامها الساخن ..
عادت إلي الغرفة و وقفت أمام المرآة .. راحت تدرس تقاطيع وجهها الملائكي في رضا ..
فقد عادت الدماء تصبغ وجنتيها من جديد و ساد التورد بشرتها الناصعة النضرة ..
همت بنزع المنشفة العريضة التي لفتها حول جسدها .. إلا أنها تسمرت بمكانها عندما سمعت وقع خطوات قوية تعرفها جيدا تقترب من الغرفة ..
ظل جسدها مشدودا ساكنا .. إلي أن أنتفضت عندما سمعت صوت الطرقات القوية علي الباب ..
إحتلها إحساس بالتوتر و الخوف ، فركضت صوب الخزانة مسرعة و نزعت المنشفة عنها ، ثم تناولت من أحد الرفوف مئزرا وردي اللون و وضعته حول جسدها ..
بينما إستمر الطارق يلح بإصرار إضطرها إلي التوجه نحو الباب بخطي مرتبكة ..
و بعد أن هدأت ثورتها و إستعادت شيئا من رباطة جأشها ، فتحت الباب علي زاوية صغيرة و أطلت برأسها من خلال الفتحة ..
و كان تخمينها في محله .. إذ كان "عاصم" يقف أمام الغرفة و بنيته الضخمة الفارعة تملأ أطار الباب ، و قد بدا وجهه الصارم يحمل شيئا من التصميم و اللين في آن .. :
-عايز مني ايه ؟؟
قالتها "هانيا" بعنف مستهجنة و هي تقذفه بنظرة نارية ..
إبتسم "عاصم" دون أن ينزعج البتة من نظراتها أو لهجتها اللاذعة ..
و بإصرار صارم ، أمسك بمقبض الباب و دفعه ببطء حتي إنفتح علي مصراعيه .. تراجعت "هانيا" فيما دلف "عاصم" متقدما الخادمة الشابة التي سارت في أعقابه حاملة بين يديها صينية الإفطار التي جاءت بها منذ قليل و التي تتكون من بعض الخبز المحمص إلي جانب البيض المقلي مع الفطر ثم الزبدة و العسل و طبعا كأسا من العصير الطازج ..
أصرف "عاصم" الفتاة بعد أن وضعت الطعام فوف طاولة صغيرة توسطت الغرفة ، بينما هتفت "هانيا" و الغضب المستعر يعمق لون عينيها و يوسعهما:
-انت عايز مني ايه تاني يا حيوان انت ؟ جاي تكمل عليا ؟ مش هاديك الفرصة .. لو قربت مني هخزألك عنيك دول.
أطربته محاولتها التهديدية الهزيلة ، فضحك متلذذا بشراستها ، ثم قال و هو يحني رأسه ببادرة متفهمة أمام موقفها العدائي:
-ماتخافيش .. انا مش هضيقك و لا هقرب منك .. علي الاقل دلوقتي .. ممكن اصبر لحد ما نتجوز.
شمخت برأسها قائلة و هي تتعمد تثليج صوتها بأقصي درجة من الإحتقار:
-انت بتحلم .. مستحيل اسمحلك تقرب مني او تحط ايدك المقرفة دي عليا.
إبتلع "عاصم" الإهانة و كأنها لم تكن و ضبط أعصابه بجهد بالغ حتي لا يرتكب خطأ يندم عليه فيما بعد ..
و ليخمد جذوة غضبه ، أخذ ينقل بصره متأملا وجنتيها الورديتين ، و شعرها العسلي الغزير الذي تجعدت أطرافه بتأثير الحمام ، و تهدلت خصلاته فوق كتفيها و حول عنقها ، فبدا في إنسجام آسر مع البشرة البيضاء الصافية و العينين الزرقاوين المتألقتين ..
لاحظت "هانيا" رجفة في ركن فم "عاصم" و هو ينظر إليها بطريقة جعلت ضغطها الدموع يرتفع ..
تشنجت في وقفتها و قالت و هي تجر الكلمات من بين أسنانها المطبقة بغضب:
-اخرج من الاوضة حالا .. مش طايقة ابصلك اكتر من كده.
إنقلب صبره غضبا ، فإندفع نحوها كالسهم و إمتدت يداه لتطوقاها ، ثم قال بصوت لم تخدعها رقته:
-خدي بالك يا جميلتي .. ممكن تكوني شايفة مسألة استفزازي حاجة مسلية بالنسبالك او محاولة تنفيس عن كرهك ليا .. لكن انا بحذرك .. لو استمريتي في كده كتير العواقب مش هترضيكي ابدا .. انا مش من حجر !
كان رد فعلها تلقائيا .. إذ نفضت شعرها الذهبي بعصبية للوراء كما تفعل عادة في اللحظات الحرجة و صاحت به:
-ابعد عني ! ربنا ياخدك بقي او ياخدني عشان اخلص منك.
إقترب منها أكثر و هو يتحداها بطريقة مسلية كسولة ، ثم قال:
-عارفة يا هانيا .. انتي مش هتحبيني الا بعد ما اتجوزك و اخليكي ام لولادي.
أولاد لـ"عاصم الصباغ" ؟ و منها ؟؟!!
جف حلقها و تقلصت معدتها كالكماشة .. نظرت إليه ملتهبة العينين و الوجنتين و قالت:
-انا احبك ! .. لأ و كمان متخيل انك هتوصل معايا لنقطة الخلفة و الولاد ؟ انت اكيد اتجننت !
ثم أضافت بلهجة قاطعة قاسية:
-هقولهالك تاني .. انا بكرهك .. عمري ما كرهت حد في حياتي اد ما بكرهك ، انت عدوي و عمر ما شعوري ده هيتبدل ابدا .. انت حابسني هنا في بيتك انا مش قاعدة بإرادتي.
تمتم "عاصم" بهدوء و قد بدا منشغل الخواطر و هو يعبث بشعرها و كأنه غير شاعر بما يفعله:
-و انا مصمم عليكي .. و قريب اوي هتشوفي بعينك كلامي و هو بيتحول لحقيقة لما تلاقي نفسك بقيتي حرمي المصون.
لم تستطع "هانيا" منع رجفة الخوف التي إعترتها ، لكنها زمجرت بخشونة:
-اهون عليا اموت نفسي قبل اليوم ده.
رفع رأسه بحدة و هتف بصرامة:
-حتي ده مش هسمحلك بيه .. مش هسيبك ، انتي ليا.
ثم جمد بلا حراك ، فتجمدت بدورها بفعل صوته النافذ القوي إلي أن سمعته يقول بلطف هذه المرة و قد تبينت في نبرته شيئا من التوسل:
-هانيا .. فكري في الموضوع كويس .. انا مش عايز اتجوزك غصب عنك .. عايزك توافقي و انتي راضية ، و في المقابل انا مستعد انفذلك كل طلباتك ، لو عايزاني ارجعلك اللي خدته من ابوكي قبل ما يموت اعتبريه حصل رغم ان ده حق ابويا و انا مارجعتوش بالساهل ، بس لو عايزة كده هنفذلك رغبتك و كفاية عليا اللي حصل لابوكي .. ده في حد ذاته انتقام لابويا ريحيه في تربته.
بحديثه عن والدها بتلك الطريقة أشعل فيها نيران الحقد و الغضب ، و من خلال غضبها المتآجج ، سمعت نفسها تجيب بهستريا و شراسة:
-ده انا اللي هنتقم لابويا منك .. و الله هقتلك ، مش هسيبك تتهني باللي خدته اصلا.
و قاومته بعنف بالغ إضطره إلي إفلاتها ، بينما شتت الغضب تفكيرها و أرجف جسدها المنكمش ..
لم يعلق "عاصم" علي كلماتها ، بل وقف للحظات يراقبها ساكنا .. ثم أطرق برأسه و قال بفتور:
-اعملي حسابك هنتغدا سوا انهاردة .. هعرفك علي اخويا و علي شخص تاني قريب مني اوي و بعتبره اخويا التاني .. يا ريت ماتنسيش .. الغدا بيتقدم الساعة 4 .. يعني بعد ساعتين من دلوقتي.
و تركها و رحل .. فيما إضطرت "هانيا" التي أصبحت داخل الغرفة وحدها إلي الجلوس لأن قدميها ما عادتا تحملانها ..
فتهاوت علي أقرب مقعد و هي تفكر .. أنه لم يستسلم بعد ، و لذلك عليها مغادرة قصره هذا بأسرع ما يمكن ..
فلو طالت مدة بقائها هنا ، فإنه بلا شك سينفذ مخططاته بطريقة أو بأخري ..
إنتفضت "هانيا" فجأة حين رن بأذنها صدي كلماته .. إذ قال لها منذ قليل أنه يود أن يعرفها علي شقيقه و علي شخص أخر مقرب منه !
لابد أنه "زين" الذي قابلته مسبقا و عرض عليها مساعدته في الفرار من هنا ..
إنها فرصتها الأخيرة .. و سواء ساءت أم أبت فهي مضطرة إلي أن تلجأ إليه ..
هذا أخر سلاح متاح لها ، و عليها أن تستخدمه بمهارة و حذر ...****************************
يتبع