31

2.5K 90 6
                                    


أومأ عاصم قائلا؟؟؟
ايوه يا حبيبتي ، هي جت عشان تشوفك.
ثم هتف عاليا بإسم "هانيا" .. فدلفت بحذر و هي تصوب نظرها تجاه "عاصم" و أمه ..
ثم تقدمت نحوهما ، بينما جلب لها "عاصم" مقعد صغير لتجلس إليه قبالة أمه ، فجلست "هانيا" بالفعل و هي تحدق في تلك السيدة الجذابة ..
إن نقاط الشبه متعددة بينها و بين إبنها بشكل ملحوظ جدا ..
الحدقتين البندقيتين المتألقتين ، الفم المكتنز و المائل صعودا ، الشعر الأسود الحالك و الأنف الدقيق ، الذقن القوي الدال علي العزم و البأس ..
كانت السيدة نحيلة و تضج بالجمال الهادئ ، و شعرها الذي تخلله الشيب حديثا بدا متناقضا مع ثوبها الأزرق ..
و بالرغم أن "هانيا" قدرت عمرها بين الخمسين و الستين ، لم يكن ظهرها محنيا ، و لم تظهر علامات الضعف أو العجز عليها ..
فقط هناك تجاعيد بسيطة ظهرت حول عينيها و علي جوانب فمها ... :
-ما شاء الله .. عاصم ماكدبش عليا لما قال انك جميلة !
قالتها السيدة مبتسمة في محبة و طيبة أجبرت "هانيا" أن تمنحها إبتسامتها الحلوة التي لم تمتحها لـ"عاصم" قط ، ثم شكرتها علي إستحياء:
-شكرا لحضرتك.
-انا اسمي هدي .. من هنا و رايح تقوليلي ماما هدي ، انا ماعنديش بنات و انتي هتبقي بنتي فلازم تقوليلي ماما.
لم ترد "هانيا" علي عبارتها التحببية ، فسألتها السيدة "هدي" بصوت لطيف:
-اسمك ايه بقي ؟؟
و هنا تدخل "عاصم" فقال مستوضحا:
-هو انا مش قلتلك اسمها يا ماما ؟؟
-عايزة اسمعه منها هي !
و نظرت إلي "هانيا" بترقب ، فأجفلت الأخيرة بتوتر و أجابت بصوت خفيض:
-اسمي هانيا.
قطبت السيدة بإستغراب و تساءلت:
-هانيا ! يعني ايه هانيا ؟؟
تنحنحت "هانيا" و هي تنتقل ببصرها بين الأم و الإبن المتشابهين بصورة كبيرة ، و للحظة أثارتها نظرة "عاصم" الساخرة ، و لكنها تجاهلته كي لا تفقد أعصابها و أجابت سؤال أمه:
-امي مش مصرية ، فرنسية .. و المكان اللي اتربت فيه في يوم إنفجر في وسطه منبع و إتشكل علي شكل بحيرة مايتها كانت عاذبة ، الاهالي هناك سموها هانيا .. هانيا بالفرنساوي اسم مشتق من مشتقات العسل يعني ، و امي كانت بتحب البحيرة دي فسمتني علي اسمها.
أومأت السيدة رأسها مهمهمة:
-هممم .. عموما عاشت الاسامي يا هانيا .. طب و عندك كام سنة ؟؟
-بعد شهرين هتم 23 سنة.
عند ذلك نظرت السيدة لإبنها و قالت:
-كده يبقي عاصم اكبر منك بـ13 سنة ! هو تم 36 سنة من شهر بالظبط.
ربت "عاصم" علي كتف أمه باسما ، فيما ساد الصمت للحظات قبل أن تقطعه السيدة بقولها:
-سيبني مع عروستك شوية يا عاصم.
تجهم وجه "عاصم" للحظات ، لكنه أذعن لرغبة أمه و نهض من جوارها ..
ألقي نحو "هانيا" نظرة تحذيرية عندما مر إلي جانبها ، بينما إنتظرت السيدة "هدي" حتي خرج إبنها و أغلق الباب من خلفه ، ثم عادت تنظر إلي "هانيا" بمودة و قالت بهدوء:
-عاصم قالي ان والدك و والدتك متوفين الله يرحمهم .. و قالي انك مقيمة هنا معانا لحد ما تتجوزوا.
ثم سألتها بمكر:
-يا تري سلوكه معاكي كويس ؟ بيضايقك يعني و لا محترم ؟؟
خفضت "هانيا" بصرها إلي الأرض ، و أجابتها بشيء من الخجل:
-هو لحد دلوقتي محترم.
بدأت المرأة تضحك بقوة و أخذت ضحكتها تتسع و ترن بمرح حقيقي ..
في الأخير ، توقفت عن الضحك بصعوبة و قالت:
-ماتتصوريش فرحتي عاملة ازاي ! اخيرا عاصم ابني هيتجوز ، انا كنت فقدت الامل .. لحد ما جالي و قالي انه قابل بنت حلوة و عايز يتجوزها .. بس ماتقلقيش انا هخليه يقدم ميعاد الفرح عشان اضمنلك انه يفضل محترم لحد ما تتجوزوا رغم اني متأكدة انه محترم و خجول كمان.
و عادت تقهقه من جديد ، فتضرج وجه "هانيا" بحمرة الخجل ، بينما نظرت إليها السيدة مليا قبل أن تقول بلطف هادئ:
-انا عندي ولدين .. عاصم و شهاب .. بس عاصم احن منه ماشفتش ، اخوه حنين بردو بس هو اكتر بكتير .. ابني طيب اوي و راجل اوي .. لولاه ، لولا اللي عمله من و هو صغير في سن الـ17 أو الـ16 كمان كنت اتشردت انا و هو و اخوه ..ساب تعليمه و اتفرغ للشغل ، مافيش شغلانة صعبة أو مهينة الا و اشتغلها لحد ما ردلنا اعتبارنا تاني .. انا مش بمدح و بشكر فيه عشان هو ابني لأ .. عاصم تعب كتير و آسي ، محدش كان حاسس بيه غيري ، دايما عينيه حزينة و مليانة مرارة و شجن ، عمره ما فرح .. عمري ما شفت عينه بتلمع من الفرحة الا لما جه و قالي انه عايز يتجوزك .. انا مسألتوش عليكي و ماقلتش اي حاجة .. كنت مكتفية بفرحته بس.
ثم صمتت لثوان ، و أوصتها بقولها:
-خلي بالك منه .. بالله عليكي ماتزعليهوش ، و انا بضمنلك انه عمره ما هيزعلك .. انتي اول واحدة في حياته ، هو ماعرفش حد قبلك و بعد اللي وصله ده كله من بين كل البنات الحلوين اللي زيك اختارك انتي .. مش هقولك لانه حبك ..افضل تتكشفي ده بنفسك.
نظرت "هانيا" إلي السيدة "هدي" ذاهلة ..
لم تعرف ماذا تقول لها .. فإن الرجل الذي وصفته كان غريبا تماما بالنسبة إليها ..
فهي عرفت "عاصم الصباغ" الرجل الذي كان مسؤولا بشكل غير مباشر عن موت أبيها ، و الذي سرق منها أملاكها ، و لطخ إسمها و إسم عائلتها بالسواد عندما زج بها بالسجن في تهمه كانت بريئة منها ..
و في الأخير أحضرها إلي هنا قسرا عنها و سجنها كي يضمن إستحالة فرارها منه لرغبته في إمتلاكها ..
حدقت "هانيا" بالسيدة في وجوم إستنكاري و هي عاجزة تماما عن تصديق أقوالها و شهادتها الطيبة بحق إبنها ..
دلف "عاصم" إلي الغرفة في تلك اللحظة ، فإلتفتت "هانيا" إليه لتجده يحمل بين يديه علبة مخملية تعرفها جيدا ..
شعرت بغصة في حلقها منعتها عن الكلام و هي تراه يتقدم منها و علي فمه إبتسامة ماكرة ، و في عينيه نظرة واثقة ..
مد "عاصم" يده و أمسك بمعصمها عندما وصل إليها ، و جذبها نحوه حتي أوقفها علي قدميها في مواجهته ..
كانت لا تدري ماذا تقول .. كانت تراقبه و هو يفتح العلبة فقط .. :
-عاصم وراني شبكتك .. هي عجبتني جدا ، بس المهم تكون عجبتك انتي.
قالت السيدة "هدي" ذلك باسمة ، بينما لم تتكلم "هانيا" كان نظرها مثبت علي وجه "عاصم" و نظراته المتحدية .. لا .. لا يستطيع أن يفعل ذلك .. لا يستطيع إن يرغمها علي الإرتباط به ..
لكنه فعل .. رأت بريق العقد الماسي يشع مجددا من خلال فتحة العلبة ، فيما راح "عاصم" يتباطأ في حركته متعمدا و هو يضع العقد حول عنقها ، كان بريق الأحجار الزرقاء التي تزينه رائعا مع زرقة عينيها القاتمة ..
بينما شعرت بالعقد باردا فوق بشرتها و كأنه حبل مشنقة يلتف حول عنقها ليخنقها ..
كانت مشدوهة .. تحاول أن تقنع نفسها بأن ذلك لم يحصل و لن يحصل ..
نظرت السيدة "هدي" إلي العقد حول عنق "هانيا" بإعجاب ، ثم إبتسمت إليها قائلة:
-ربنا يهنيكوا ببعض و يتمملكوا علي خير.
إبتسم "عاصم" بدوره و قال يخاطب أمه:
-قريب اوي يا ماما.
نظرت "هانيا" إليه بحدة ، لكنه إستقبل نظرتها بإبتسامة باردة ، ثم تناول كفها المرتعش و قال:
-لسا مالبستكيش الخاتم و الدبلة.
و رفع عينيه يراقب بتلذذ ردة فعلها الغاضبة و هو يخرج الخاتمين من العلبة و بيد ثابتة يضع المحبس حول بنصرها الأيمن .. ثم يضع الخاتم بالإصبع الأوسط ..
لم تعرف "هانيا" كم مر من الزمن إستمرت في حبس أنفاسها و هي تشعر بيديه الكبيرتين تحاصران كفها بتملك واضح ..
و أخيرا إنتهي ، فتنهد و قد ظللت فمه بسمة إنتصار و هو يقول:
-مبروك يا حبيبتي .. مش عارف ازاي هقدر اصبر لحد فرحنا عشان تبقي مراتي.
ثم رفع يدها إلي فمه و طبع قبلة حارة بباطن كفها دلالة علي تملكه التام لها ..
نظرت "هانيا" إليه شزرا ، و كم رغبت بأن تعبر له عن كرهها العميق ، و لكن وجود أمه التي كانت تراقبهما في فرح و سرور منعها .. فكبحت رغبتها بجهد بالغ ...

يتبع ...

المظفار والشرسهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن