إنتابت " توفيق" حالة من الذعر و القلق الهستيري فور تلقيه مكالمة "هانيا" ..
لم تقل له هي سوي أنها محجوزة بقسم الشرطة لإتهامها بالإتجار في المخدرات ..
و في الحال قفزت صورة "عاصم " أمام أعينه ، و تذكر مخاوف إبنة شقيقه من تهديداته .. لم يعرف "توفيق" كيف إرتدي ملابسه بسرعة جنونية ، و كيف إنطلق كالسهم إلي القسم الذي أحتُجزت به "هانيا" منذ الصباح ..
توجه مسرعا إلي مكتب وكيل النيابة بعد أن سأل عنه أحد العساكر ، بينما إستوقفه بحدة ذاك العسكري الشاب الذي وقف أمام مكتب وكيل النائب العام ليحرسه:
-رايح فين يا استاذ انت ؟؟
أجابه "توفيق" بنبرة متوترة جراء المجهود الخرافي الذي بذله في المجيء إلي هنا بأقصي سرعة ممكنة:
-انا توفيق علام ، عايز اقابل وكيل النيابة ، بنت اخويا محجوزة عندكوا هنا من الصبح ، من فضلك ادخل اديله خبر اني عايز اقابله.
تغضن وجه العسكري و هو يقول بجفاف:
-طيب .. استني هنا و ماتتحركش من مكانك.
أومأ "توفيق" رأسه موافقا ، بينما طرق الأخير باب المكتب ..
دلف ، و غاب للحظات ، ثم عاد و سمح له بالدخول .. فإندفع "توفيق" إلي الداخل بسرعة
فيما بدا أن السيد "طارق" وكيل النائب العام كان جالسا في إنتظار قدومه ..
إذ أنه نهض واقفا علي قدميه ، و مد يده عبر المكتب الفاصل بينهما ليصافحه قائلا بلهجة رسمية مؤدبة:
-مساء الخير ، اهلا بيك يا توفيق بيه.
مد "توفيق" يده بدوره و صافحه قائلا بصوت مرتجف ممزوج بشيء من العصبية:
-مساء النور ، اهلا بحضرتك .. فين بنت اخويا يا باشا ؟؟
هز "طارق" رأسه و هو يقول بهدوء:
-اتفضل اقعد الاول يا توفيق بيه.
رمقه "توفيق" بعبسة متململة ، و جلس علي مضض ..
عاود المحقق "طارق" الجلوس بدوره ، و بدأ حديثه قائلا:
-اولا انا عايز حضرتك تعرف و تفهم كويس ان الموضوع مش بسيط نهائي .. انتوا عيلة معروفة و اشهر من نار عالعلم ، لكن بنت اخو سيادتك تهمتها مش بسيطة ابدا .. انهاردة الصبح جالنا بلاغ انها متحفظة علي كمية كبيرة من المخدرات في مخزنها اللي علي طريق المنصورية .. و لما بعتنا قوة تتحقق من الكلام ده اتضح انه مظبوط.
و أخرج "طارق" الكيس الذي أراه إلي "هانيا" ، و وضعه فوق سطح المكتب أمام "توفيق" متابعا بقوله:
-كيس البودرة ده جبناه من جوا المخزن يا توفيق بيه .. و للأسف في منه كتير جدا ، و دي قضية مش سهلة زي ما انت عارف ، اقل حكم فيها 25 سنة .. و جايز اعدام.
حدق "توفيق" فيه كالأخرس ، و بعد أن تدارك معني كلماته ، هتف منفعلا:
-مستحيل ، الكلام ده مش مظبوط ، هانيا دي لسا بنت صغيرة بتدرس ماتمتش 22 سنة ،و هي اصلا عمرها ما انضمت لشركة والدها و لا اشتغلت في البيزنس من اساسه ، ده غير انها حاليا افتقرت ماتحتكمش علي و لا مليم ، يبقي ازاي بتاجر في المخدرات و بالكمية الكبيرة اللي حضرتك قلت عليها دي ! مش معقول !!
هز الضابط "طارق" رأسه آسفا و هو يقول:
-للأسف يا توفيق بيه كلام حضرتك ده لا هيقدم و لا هيأخر .. المخدرات إتظبطت جوا المخزن ، و المخزن ملك الانسة هانيا ، يعني بأسمها و الضرر كله واقع عليها لوحدها مش علي حد تاني ، حضرتك مش هتقدر تعملها حاجة.
صر "توفيق" علي أسنانه غاضبا لشعوره بعجزه الذي لم يشعر به إلا الأن و هو يري إبنة شقيقه تكاد تسقط في هوة بلا قرار ، بينما لم يستطع هو أن يفعل لها شيئا ..:
-انا عايز اشوف بنت اخويا لو سمحت.
هتف "توفيق" بصلابة ، فأومأ الأخير رأسه مرارا ، و في هدوء رفع سماعة الهاتف و تحدث بالآتي:
-ايوه يا ماهر .. هاتلي الانسة هانيا علام علي مكتبي من فضلك .. بسرعة.
و لم تمر دقيقة إلا و دلف الضابط الأقل رتبة و معه "هانيا" التي ركضت صوب عمها فور رؤيتها إياه
بينما إنتصب "توفيق" واقفا ، و إحتوي إبنة شقيقه بين ذراعيه ..
إستأذن "طارق" و غادر المكتب ليعطيهما بعض الخصوصية
فيما تفجرت الدموع من عيني "هانيا" و هي تجهش بالبكاء المُر فوق صدر عمها .. فأخذ "توفيق" يربت علي شعرها بلطف ، و يمسد ظهرها في محاولة لتهدئتها دون فائدة .. فقال يطمئنها بصوته الدافئ:
-بس يا هانيا .. ماتخافيش يا حبيبتي انا مش هاسيبك ، هخرجك من هنا و الله ماتخافيش.
أصدرت "هانيا" أنينا متشنجا قبل أن ترد بصوت مخنوق من شدة البكاء:
-مش هتقدر تعملي حاجة يا انكل .. انا خلاص ضيعت .. هو دمرني زي ما دمر بابا .. ماكنتش متخيلة ابدا انه ممكن يعمل فيا كده ، ده مش بني ادم ، مستحيل يكون بني ادم.
أطلق "توفيق" لعنة مختنقة ، لكنه عاد يُطمئن "هانيا" بصوت أجش هذه المرة:
-ماتخافيش يا هانيا .. وثقي فيا .. ثقي في عمك ، مش هاسيبك تتحبسي في السجن و لا يوم صدقني.
صمت "هانيا" أذنيها عن كلمات عمها المطمئنة ، و تابعت نحيبها المرير ، فضاق "توفيق" ذرعا بذلك ، و أمسك بوجهها الصغير بين كفيه الكبيرين ، ثم رفعه لينظر إليها في قوة ، قائلا بعزم:
-و رحمة ابوكي .. و حياتك عندي لهخرجك من هنا.
سألته "هانيا" واهنة و هي تمسح دموعها بقبضة متقلصة:
-هتعمل ايه يا انكل ؟؟
إلتحفت عيناه بالغموض ، و تقلص فمه واجما حين لاحت صورة "عاصم الصباغ" بذهنه ، و ما نوي أن يفعله بعد خروجه من هنا ..
بينما رأت "هانيا" في عيني عمها وعود صادقة طمئنتها و أخافتها في آن ...