الضغط المستمر علي زر جرس باب منزله إستفزه ، و جعل جسده ينتفض غضبا و هو يمشي بخطوات واسعة تجاهه ..
مد يده و ملامحه تنطق بالحنق و العصبية ، ثم جذب مقبض الباب و هو يصيح:
-ايـه قلـة الـذوق دي !
ليتفاجأ برؤية صديقه أمامه ..
علي النقيض .. حدجه "عاصم" بابتسامة هادئة و هو يقول:
-ازيك يا زين ؟؟
عقد "زين" حاجبيه منزعجا ، و هو يسأله بنبرة جلفة:
-ايه اللي جابك يا عاصم ؟؟؟
بدوره رفع حاجبه متعجبا ، و سأله:
-ايه المقابلة دي ؟ .. ده بدل ما تقولي اتفضل ؟؟!
صمت "زين" و لم يرد .. تحرك من أمامه عائدا إلي الداخل ..
فهز "عاصم" كتفيه بلا اكتراث ، و تبعه للداخل بعد أن أغلق الباب من خلفه ..
في الصالون المذهب الفخم ..
جلس "زين" عابس الوجه فوق آريكة من قماش الچوت ، فجلس "عاصم" إلي جواره متنهدا و هو يتلفت حوله متفحصا المكان ، ثم تمتم بهدوء:
-شقتك حلوة اوي يا زين .. ماكنتش اعرف ان ذوقك عالي اوي كده في الديكورات !
و هنا .. أدار إليه "زين" وجها واجما ، و سأله بإقتضاب مرة أخري:
-عايز ايه يا عاصم ؟ جايلي ليه دلوقتي ؟؟
-يابني ايه العفانة اللي اكتسبتها مؤخرا دي ؟ .. بقي انا جاي ازورك في بيتك لأول مرة تقوم تقولي جاي ليه و عايز ايه ؟ .. ده بدل ما تهز طولك و تقوم تقدملي حاجة اشربها ؟ .. يلا قوم اعملي فنجان قهوة احسن دماغي مقلوبة عالأخر.
-مش قايم اعمل حاجة الا اما تقولي ايه اللي جابك ؟؟!
إعتصم "عاصم" بالصمت لثوان ، ثم أجابه بلطف هادئ:
-جاي اصالحك و اراضيك يا سيدي .. انا لا يمكن كنت اقدر اسيبك زعلان مني اكتر من كده.
جاء رد "زين" مندفعا بغضب:
-و مين قال اني عايزك تصالحني او تراضيني ؟ .. خلاص خلصت يا عاصم.
ضربه "عاصم" علي مؤخرة رأسه بخفة و هو يقول معنفا:
-ما تبطل غتاتة بقي .. هي ايه دي اللي خلصت ؟ هو انا اعرفك من امبارح ؟ .. دي عشرة سنين .. أوام نسيت ايام كفر الزيات ؟ .. يا اهبل .. ده انا عمري ما وثقت في انسان علي وجه الارض اد ما ‘ثقت فيك انت .. عمري ما سلمت رقبتي و لا فلوسي و لا شركتي لحد و انا مطمن الا ليك انت !
إبتسم بإستخفاف ، ثم قال هازئا:
-و ماقولتش الكلمتين دول لنفسك ليه لما فكرت تغلط فيا و تهيني ؟؟
أنكث "عاصم" رأسه في خزي ، و تمتم:
-خلاص بقي ماتفكرنيش .. انا لحد دلوقتي مش عارف انا قلت كده ازاي ؟؟!!
ثم رفع وجهه إليه ، و تابع:
-كل الكلام ده خرج غصب عني .. ماكنتش اقصد ، كنت هتجنن يا زين .. كانت معنداني اوي ، ماكنتش قادر الين دماغها .. و انت كمان كنت واقف قصادي و حاولت تمنعني عنها !
-و هفضل احاول امنعك عنها يا عاصم .. البنت دي مالهاش ذنب في اي حاجة حصلت في الماضي غير انها بنت الراجل اللي ظلمك و ظلم عيلتك .. و مش عشان نفسك راحتلها و حبيت تثبت رجولتك معاها بما انك مالكش تجارب قبلها تقوم تعمل فيها كده ، و لو حصل و اتجوزتها غصب عنها الجوازة هتبقي باطلة و اي حاجة هتحصل بينكوا قدام القانون فيما بعد مش هيبقي ليها مسميات غير انها اعتداء او اغتصاب و دول عقوبتهم مش سهلة.
صر علي أسنانه بقوة محاولا كبت إنفعاله ، لكنه أفلت التصريح القاطع فجأة من بين شفاهه:
-الجواز حصل خلاص .. انا اتجوزتها من شهرين.
توسعت عينا "زين" في صدمة و هلع ، فستاءل مفغرا فاهه:
-اوعي تكون قربت منها !!
عبس "عاصم" متضايقا ، و قال:
-طبعا قربت منها .. مش بقت مراتي.
و هنا ، صاح به "زين" في عنف غاضب:
-الله يخربيتك يا عاصم .. عملت ايه الله يخربيتك ، انت مصمم تودي نفسك في ستين داهية ؟ .. اوعي تكون فاكر ان عمها هيسكت و ان الموضوع انتهي من زمان و خلاص هو نسيها .. لأ ، مسيره هياخدها منك و ساعتها هينتقموا منك هما الاتنين و مش هتكفيهم املاكك و فلوسك .. و هيبقي كل اللي عملناه طول السنين اللي فاتت عشان نجيبلك حقك من مصطفي علام طار في الهوا.
رد "عاصم" و هو يهز رأسه في شيء من العصبية:
-محدش يقدر ياخدها مني .. بقت ملكي خلاص ، و عمها ده بعقد الجواز الرسمي اللي معايا مايقدرش يشوفها و لا يلمحها حتي منغير اذن مني.
كاد "زين" يفتح فمه و يتكلم مجددا ، فقاطعه "عاصم" بصرامة:
-خلاص يا زين .. انتهي .. في الاول و في الاخر انا لوحدي المسؤول عن تصرفاتي.
حدجه "زين" بنفاذ صبر ، ليستطرد هو متجهما:
-من بكرة بقي ترجع تمسك الشركة تاني .. الحسابات كلها اتدمرت من يوم ما سيبتها.
-و انت ماكنتش بتروح تتابعها ليه ؟؟
نظر إليه ساهما للحظات ، ثم رفع يده إلي صفحة وجهه و مرر أصابعه فوق ندبته الخشنة قائلا بصلابة:
-ما انت عارف .. انا مابظهرش قدام الناس.