كلمتاها اللاهثتان هزتا أعماقه ، فتوسعا بؤبؤي عينيه في ذهول ، و إجتاح كيانه مزيج من الصدمة و التوتر ..
فسألها متعثرا:
-ها هانيا .. قـ قو لتي ايه يا هانيا ؟ .. مش بتكرهيني ؟؟؟!
إزدردت ريقها الجاف بصعوبة ، ثم أجابته بإيماءة خرساء ...
حملق فيها مفغرا فاهه ... فإصطبغت وجنتاها بحمرة قانية ، ليسألها هو متآملا تعابير وجهها ليختبر مدي صدقها:
-يعني ، يعني تقصدي انك .. بتحبيني ؟؟!
مرة ثانية ، أومأت رأسها إيجابا و دون تردد ..
أخرسته الصدمة العنيفة هذه المرة ، فإتسعت هوة الصمت بينهما لعدة دقائق ..
ثم نطق أخيرا ، فقال و عيناه تلمعان ببريق الفرحة الذاهلة:
-طيب قوليلي يا هانيا .. قوليها ، نفسي اسمعها منك .. قوليها عشان خاطري ، قولي انك بتحبيني !
هكذا راح يناشدها النطق بالكلمة التي لطالما تاقت نفسه و مسامعه إليها ..
و لكنها هزت رأسها بالرفض ، فقطب حاجبيه مستاءً و هو يقول بصوت مخنوق:
-ليه ؟ .. مش قولتي مش بتكرهيني ؟ و انك بتحبيني ؟ .. يبقي ليه مش عايزة تقولي و تريحيني ؟؟؟
أغرورقت عيناها بالدموع و هي ترد:
-مش هينفع .. مش هينفع اقولهالك ، مش هينفع انطقها.
إحتدم فوران غليانه ، حتي وضحت حمرة وجهه ، فرفع يديه و أمسك بذراعيها ، ثم شدها إلي صدره قائلا من قلب محروق:
-ليه ؟ .. ليه بتعملي فيا كده ؟ .. ليه بتعذبيني ؟ مش عايزة تريحيني ليه ؟؟؟
ظل يستوضحها بإلحاح .. و علي حين غرة ، إنفجرت تبكي بحرقة ..
فهتف إسمها بيأس ، و إحتوي جسدها النحيل بين ذراعيه ، ثم قال معاتبا:
-معقول حبي ليكي مايخلنيش استحق الكلمة دي منك يا هانيا ؟؟!
تعلقت به ملهوفه ، و هي تقول منتحبة:
-لأ .. انت تستاهل .. بس انا مش هقدر اقولهالك ، ابويا واقف بيني و بينك ، عمري ما هقدر اتجاهل صورته و هو ميت و غرقان في دمه كل ما ابصلك .. هفتكره دايما و هفتكر انك كنت السبب في موته ..
جايز لو كنت قابلتك في ظروف مختلفة ، يمكن كنت اقدر اعيش معاك حياة طبيعية.
هز رأسه رفضا ، ثم لمس خدها المبلل بالدموع ، و راح يتآملها بلوعة و كآبة ..
و فجأة أبعدها عنه قليلا ، كما لو أنه لا يأتمن نفسه علي التحدث إليها بمنطقية و هي قريبة منه إلي ذلك الحد .. ثم قال:
-هانيا .. اللي حصل حصل ، كل العوائق اللي في دماغك اللي بتفكري فيها و بتبعدك عني بقت من الماضي .. انسي يا هانيا .. انسي زي ما انا نسيت.
غامت عيناها بالحزن ، و مزق الآلم قلبها .. فتوسلته بعينيها الزرقاوين و همست:
-مش هقدر انسي .. ارجوك ماتجيش عليا اكتر من كده .. سيبني امشي ، صدقني احنا مالناش مستقبل مع بعض مـ آا ..
-بس !
قاطعها بضمة قوية ، و أردف بصوت آجش:
-انتي متخيلة اني ممكن اسيبك ؟ .. ابدا .. انتي ملكي ، حبيبتي .. انا بحبك يا هانيا ، افهمي بقي مش هسيبك.
تطلعت إلي وجهه المتقلص بتعابير متضاربة ، و قالت بما يشبه الهذيان:
-احنا مش لبعض.
بأصرار جادلها:
-لأ احنا لبعض .. انتي ليا ، من مدة طويلة و انتي ليا.
و لم يعد يقدر أن يقاوم جمالها بعد الآن ..
كان بوسعه أن يحاول ، إلا أنها سمعت فقط هتافه المختتق المجنون حين ألصقها بصدره الخافق و همس بإنفعال عاطفي:
-بحبك .. بحبك اوي !***********************************
-ايه الكلام ده يافندم ؟ يعني ايه أسيب القضية ؟؟؟
هتف "إياد" بذلك وسط أعضاء الإجتماع ، فباغته مدير الجهاز بصرامة لا تدع مجالا للمناقشة:
-انتهي النقاش يا حضرة الظابط .. انت اصلا مالكش تتدخل في القضية ، انت نسيت رتبتك ؟
نسيت وظيفتك ايه في الجهاز الآمني ؟؟!
تحولت عيناه إلي جمرتي نار و هو يرد عليه مزمجرا:
-انا ليا كتير اوي في القضية دي يافندم ، و لعلم حضرتك انا استحالة اسيبها.
-إياد بيه .. ده مش طلب اللي بقولهولك ، ده امر ..
و انت يا سيادة المقدم لازم تنفذ الأوامر ، احنا تصرفتنا مش مندفعة هنا ، و لو طاوعناك هنبقي بنضرك انت اولا ..
سيب القضية احسنلك و اوعدك احنا هنشوف شغلنا فيها علي اكمل وجه.
لم يطيق "إياد" أن يسمع المزيد ، فهب واقفا و هو يعلن بوجوم و لهجة قاطعة:
-انا اللي هجيب حق خطيبتي يافندم .. محدش هيعمل كده غيري ، و لو اخر يوم في عمري هردلها اعتبارها و هحاسب الكلاب اللي آذوها بنفسي .. كلب ، كلب ..
انا ماعنديش حاجة اخسرها زي ما حضراتكوا عارفين .. انا وحيد و عيلتي اتوفوا من زمان اوي.
ثم سحب سلاحه من غمده الجلدي ، و وضعه فوق طاولة الإجتماعات قائلا بهدوء:
-انا مستقيل .. عن اذنكوا !**********************************
في منزل "توفيق علام" ..
إكتظت قاعة الصالون العصرية بعدد هائل من الرجال ، لينطلق صوت "رشدي" الخشن في هذه اللحظة:
-الرجالة جم معايا تاني يا توفيق ، لما قولتلهم انك محتاج مساعدتهم متآخروش و مستعدين يخدموك برقبتهم.
تسربت إبتسامة ودودة لشفتي "توفيق" و هو يقول:
-الجدعنة حاجة مش جديدة علي رجالتك يا رشدي .. و انا بردو عايزهم يعرفوا اني شايل جمايلهم فوق راسي و هستني اليوم اللي ارد لكل واحد فيهم معروفه معايا.
لسيمع هتاف الرجال في نفس اللحظة:
-احنا كلنا تحت امرك يا توفيق بيه .. ربنا يرجعها بالسلامة و يطمنك عليها.
و هنا ... تكلم "مروان" الجالس بين "رشدي" و والده ، فقال متجهما:
-مع احترامي للكل .. بس انا شايف ان العدد اللي قدامي ده مبالغ فيه شوية.
تدخل "توفيق" بغتة ، و سأله مستفسرا:
-ليه مبالغ فيه يا مروان ؟ .. انا مش قولتلك ان القصر مليان حراسة برا و جوا !!
أدار "مروان" وجهه ببطء إلي أبيه ، و أجابه:
-عدد الحراسة قليل بالنسبة لعدد رجالة انكل رشدي .. احنا ممكن ناخد شوية منهم هيسدوا معانا مش لازم ناخد العدد كله ، هنتلخم.
-ايوه يابني ، بس الحرس اللي هناك مش بني آدميين زينا .. دول عبارة عن شوية تيران بشرية ، و احنا هنبقي محتاجين العدد كامل عشان نقدر نتفوق عليهم.
لوي "مروان" شفتيه ، فظهرت عليهما شبه إبتسامة و هو يقول بهدوء:
-ماتقلقش يا بابا .. انت بتكلم مروان علام بردو ، انا عامل حسابي علي كل حاجة .. اتفقت مع ناس تانيين من نفس فصيلة التيران البشرية دول .. و جايبهمله هو مخصوص مش لحراسته ، هاييجوا معانا و الموضوع هيخلص زي ما انا عايز بالظبط.
-ان شاء الله يابني.
ليهتف "رشدي" عند ذلك:
-طيب بإذن الله كده هنتوكل امتي ؟؟
برقت عينا "مروان"بعنف مكتوم و هو يجبه بصلابة:
-بكره .. بكره هنتحرك !***********************************
يتبــع ...