بعد مرور ثلاثة أشهر ..
كانت تجلس علي حضنه ، مريحة رأسها علي صدره ..
تشاهد معه فوق الفراش عملية ولادة قيصرية عبر هاتفهها و هي تقضم بأسنانها اللؤلؤية ثمرة تفاح طازجة ... :
-ايه ده ؟ .. هما هيعملوا فيكي كده ؟ هيفتحوا بطنك كده ؟؟!
هتف "عاصم" بجزع و هو يشاهد التفاصيل الدقيقة لعملية الولادة ، فأجابته:
-ايوه يا عاصم هيعملوا كده طبعا ، اومال هيطلعوا الولاد ازاي !
-ده انا كنت اقطع خبرهم كلهم .. يفتحوا بطنك كده و اسيبهم ؟؟!
ردت ضاحكة:
-ما لازم يعملوا كده يا حبيبي .. هي دي الولادة القيصرية.
ضاح متذمرا:
-بلاش تولدي كده طيب !
-يا ريت .. بس كله كان قدامك ، الدكتور نصحنا بالولادة القيصرية عشان الانميا اللي عندي ، لو ولدت طبيعي مش هبقي قوية كفاية و مش هقدر.
مسح علي شعرها بحنو قائلا بلوعة:
-انا خايف عليكي .. ازاي هتستحملي كل ده ؟؟؟!
رفعت إليه وجهها الرقيق ، و أجابته بإبتسامة أرق:
-انت جمبي .. يبقي هستحمل اي حاجة ، و كل حاجة هتهون !
ربت علي وچنتها بلطف ، ثم دني برأسه قليلا ليقطف قبلة صغيرة من ثغرها ............................................................
حان موعد الولادة ..
في صبيحة يوم مشمس معتدل ، ساعد "عاصم" زوجته علي إرتداء ملابسها ، بعد أن أعد لها حقيبتها و حقيبة الطفلين ..
غادرا الغرفة ، و بينما كانا يهبطا الدرج ، راح "شهاب" يشيع مرحه المعتاد ، لتضحك "هانيا" بصعوبة و تقول:
-بس كفاية يا اخي حرام عليك .. هتولدني قبل آواني !
و تمسكت أكثر بذراع "عاصم" الذي كان يسندها جيدا و هو منتبها لها و لمواطئ قدميها أثناء هبوط الدرج ..
ليرد "شهاب" بنفس المرح:
-قبل آوانك ايه بقي ؟ انتي هتمثلي ؟ ما انتي رايحة تولدي اهو ، اديني بساعدك الحق عليا !
تدخل "عاصم" في تلك اللحظة قائلا:
-خد يا شهاب الشنط دي وديها عالعربية بسرعة ، و اطلع قول لماما اننا ماشيين و يعدين حصلنا .. يلا !
تناول "شهاب" الحقائب من أخيه و هو يغمغم عابسا:
-هات يا سيدي .. ما انتوا هريتونا 6 اشهر روح يا شهاب ، تعالي يا شهاب ، هات دي يا شهاب ، ودي دي يا شهاب تعبتونـ ...
-إخلص يا شهاب !
هكذا قاطعه "عاصم" محتدا ، فإمتثل الأخير لآمره و ذهب ينفذ ما قال له ..
فإستوقفته "هانيا" وهلة قائلة:
-متتآخرش عشان هتصور الولادة زي ما قلتلك !
-كمان هشتغلكوا photographer !!
علقت بصوت متقطع:
-اومال عايز تبقي انكل كده و خلاص و لا ايه ؟؟
ثم إجتازت مع زوجها أروقة المنزل حتي وصلا إلي الباحة ، ففتح السيارة و أجلسها في الكرسي المجاور له ، ثم إستدار و إستقل بدوره خلف المقود ..
فسألته "هانيا" و هي تضغط بلطف علي بطنها الممتليء:
-كلمت انكل توفيق يا عاصم ؟؟
أجابها بشيء من التوتر و هو يشغل المحرك:
-ايوه يا هانيا و
، و هيحصلنا علي المستشفي.
ثم إنطلق بسيارته في إتجاه المشفي الخصوصي .............................................................
في خلال نصف ساعة ..
تم تجهيز كل شيء ، و حضر الطبيب ، كما تم إعداد "هانيا" لعملية الولادة ..
و بناء علي طلبها ، دخل "عاصم" معها هو و شقيقه بعد التعقيم و إرتداء الملابس المعقمة طبعا ..
وضعت إحدي الممرضات ستارا شمعيا يفصل نصف "هانيا" السفلي حتي لا تري ما سيحدث لها ..
بينما كان "عاصم" واقفا إلي جانبها ، ممسكا بيدها بقوة ..
و كان "شهاب" يصور كل هذا و يوثق تلك اللحظات من بدايتها كما أوصته زوجة أخيه ..
بدأت العملية ..
و تم حقن "هانيا" بمخدر نصفي ..
إنتظر الطبيب حتي سري بجسدها ، ثم شرع في عمله ..
أحدث جرحا مستقيما أسفل بطنها ، ما أن رآي "عاصم" هذا حتي إلتفت إلي "هانيا" و سألها بوجه شاحب مذعور:
-هانيا .. انتي مش حاسة بحاجة يا حبيبتي ؟؟
خاطبته بسهولة مبتسمة:
-لأ يا عاصم مش حاسة بحاجة .. ماتقلقش انا كويسة ، و هبقي كويسة !
و أخذت تطمئنه بين الحين و الأخر بإبتسامة هادئة ..
حتي إنتزع الطبيب الطفل الأول .. و كان صبيا ..
آتي المساعد الأخر ، و تولي أمر الطفل الثاني .. و كانت فتاة ..
في هذه اللحظة ، إبتسمت "هانيا" بقوة لدي سماعها صراخ طفليها ، و كذلك إبتسم "شهاب" و هو يهتف بفرح:
-الف مبرووووك ياخويا .. مبروك يا نونا انا شايف ولد هتاك اهو ، بقيت عمو يا ناس !
أما "عاصم" فكان إهتمامه كله منصبا عليها ، راح يمسح علي شعرها و هو يهمس قرب آذنها:
-حاسة انك كويسة ؟ .. مش تعبانة يا هانيا ؟؟
أمسكت بيده و ضغطت عليها بلطف لتؤكد له صدق قولها:
-انا كويسة اوي يا عاصم صدقني ... ماتقلقش يا حبيبي !...........................................................
إنتهت الولادة ..
و إنتقلت "هانيا" إلي غرفة خاصة للعناية بها و بالطفلين حين قرر الطبيب أنهما ليسا بحاجة للمكوث بالحضانات ..
حضر السيد "توفيق علام" و "زين" أيضا ، فإمتلأت الغرفة بالزوار ، و تصاعدت الضحكات الفرحة ..
إلي أن إقترح "شهاب" إسم أحد الطفلين:
-ماليش فيه ، انا هسمي البنت .. اه انا عمها ولازم اسميها ، ايه رأيك يا عاصم .. ممم في جمالات ؟؟
صرخت "هانيا"بإستنكار:
-نعم ! .. مين ؟ ايه جمالات دي يا سي شهاب ؟؟
-ماله بس ؟ .. طب ده حتي Sexy خالص ، جمالات .. الله !
تدخل "زين" موبخا إياه:
-Sexy في عينك يا بعيد ! قال جمالات قال .. ذوقك بقي بيئة اوي يا واد !
-طب خلاص ماتزعلوش .. نسميها آاا ..
قاطعه "عاصم" بصرامة:
-هانيا اللي هتسمي البنت خلاص اهمد بقي.
-و مين هيسمي الولد ؟؟
أجابه واثقا:
-انا.
-ماشي يا عم حقك بردو.
سألته "هانيا" بفضول:
-و قررت تسميه ايه يا عاصم ؟؟
بإبتسامة خفيفة ، أجابها بتآن:
-بيجــاد !
عبست مستفسرة:
-يعني ايه بيجاد ؟؟
-اسمه معناه القوة و الصلابة .. زي ما هتبقي شخصيته كده بردو ان شاء الله !
وافقه "توفيق" بإبتسامة قائلا:
-ان شاء الله .. مبروك عليكوا ، يتربوا في عزكوا !
قليلا .. و إنفض الزحام ، و بقي "عاصم" وحده مع عائلته الصغيرة داخل الغرفة ..
تمدد بجوار "هانيا ، و سألها و هو يفرك فروة رأسها بأصابعه:
-ماقولتليش هتسمي البنت ايه ؟؟
رفعت "هانيا" يدها و أزاحت عن جبينها بعض خصلات من شعرها ، و أجابته بصوت خفيض:
-بعد اذنك يعني .. هسميها علي اسم مامتي.
رد برقة:
-سميها براحتك يا حبيبتي ، انا بسألك بس !
أخذت نفسا عميقا ، قبل أن تقول:
-سيليـن !
إستخدم نفس عبارتها ، و سألها:
-يعني ايه سيلين ؟؟
-يعني قمر باللاتيني يا عاصم.
-قمر ! .. حلو .. حلو اوي ، خلاص .. بيجاد و سيلين !.........................................................
لم يمر وقت طويل .. بضعة أشهر فقط ..
و الحياة باتت أجمل .. من كان يصدق أصلا أن يحدث معهما كل هذا ؟؟
بعد هذا الصراع العنيف بين الحب و الوفاء ؟ .. بين الثأر و الإنتقام ؟ ..
بين البغض و التوق ؟ .. بين الضعف و القوة ؟ ..
من كان يصدق أن يتجاوزا معا كل ذلك و يعشا معا بحب و سلام ، بلا قيود أخطاء حدثت في الماضي ..
لقد نست "هانيا" ... نست تماما أنه عدوها ، فكيف بعد كل ذلك أن يكون ؟؟
لقد قدم لها كل شيء ، حتي نفسه .. عاشت معه هنا في هذا القصر كملكة ..
لم تشعر يوما بإنها أقل من ذلك ..
و ما أزاد متانة رباط حبهما ، هذين الطفلين اللذين بعثا الفرح و الأمل في قلبيهما ، و اللذين ورثا لون شعر أمهما الذهبي ، و عينا والدهما البندقيتين ..
لن تتركه أبدا بعد الآن ، لن تترك حبيبها و زوجها ، و والد طفليها ..
بخلاف أنه لن يسمح أساسا لمطلق شيء أن يفرقهما ...
وقف "عاصم" في الشرفة ..
و قد لف ذراعا حول خصر "هانيا" .. و من جديد رأي زرقة السماء الصافية ، متمثلة في عينيها العميقتين اللتين رفعتهما الآن نحو وجهه في حب ..
شردت "هانيا" بدورها في عينيه البندقيتين ، كما إزدادت إلتصاقا به ..
أحست أنها تحبه كثيرا كثيرا .. الوحش العزيز المسيطر .. الجاسر الباسل ...
الذي واجه موجات الفقر و القهر و المهانة في السادسة عشر من عمره ، و رغم ذلك لم يقهر ، و لم يهان ، و لم يذل ..
و حتما سيرث أبناؤه عنه شجاعته و جرأته و عزة نفسه و قوته ..
بدا الحب العميق واضحا في عينيه و هو يضمها إليه ، و يتنهد إعترافا بجميلها و إمتنانا لكل ما فعلته من أجله ..
و لم يتركها إلا عندما سماعا صراخ مجلجل لأحد الطفلين مما يعني أن وجبة غداء الصغيرين حان موعدها ...تمـــت ...
...