كان الخدم جميعهم محتشدين هناك داخل بهو المنزل ..
عندما وصل "عاصم" مهرولا ... أخذ يتنقل بنظره المتوجس بينهم ..
كان أغلبهم يقفون هناك عند النوافذ ، يتطلعون إلي شيئا ما !
أما البقية ، فقد إرتسمت علي ملامحهم إمارات القلق و الذعر و هم يتهامسون فيما بينهم ..
لينطلق صوته الخشن في هذه اللحظة متسائلا:
-في ايه ؟ .. ايه اللي بيحصل هنا ؟؟؟
و للحال إلتفت الجميع إليه ، و تطوع أحدهم بالإجابة ، حيث تقدم منه خادم بخطوات واسعة و هو يقول بصوت طغت عليه إرتجافة طفيفة:
-عاصم بيه ! .. الحقنا يا باشا ، في ناس كثير اوي برا واقفين بيتخانقوا مع الحراسة و بيحاولوا يدخلوا القصر بالعافية.
و هنا جاء صوت خادم أخر ، يهتف بجزع متوتر:
-هما دخلوا خلاص .. و بيقربوا من البيت !
إنضم الجميع من فورهم صوب النافذة ، ليشاهدوا الفاجعة الوشيكة ..
فتنطق إحدي الخادمات في وجل:
-دول ... دول كتير اوي ! .. ايه العمل دلوقتي ؟ .. هنبلغ البوليس و لا هنعمل ايه ؟؟؟
تركهم "عاصم" متجها نحو غرفة مكتبه .. أسرع إليها و هو ينتفض غضبا و إنفعالا ، و ربما خوفا أيضا ..
إذ أنه يعلم جيدا من الذين بالخارج ... ليس من الصعب أن يحزر أنه السيد "توفيق علام" آتي بمعداته ليحرر إبنة شقيقه و يستردها منه ..
و لكن لا .. ليس بهذه البساطة ، لن يتجرأ أحد علي الإقتراب من ساحة نفوذه و سلطته ..
لن يأخذها أحدا منه ، لن يتركها لأي مخلوق مهما كلفه الأمر ..
فتح أحد أدراج المكتب ، و ألتقط سلاحه المعمر بخرنة رصاص كاملة ..
لم يستعمله إطلاقا منذ إبتاعه ، و لكن يبدو أنه سيفعل اليوم ..
فالمكان يعج بالأوغاد .. و لا يمكن أن يواجههم و هو أعزل ..
سحب "عاصم" نفسا عميقا و هو يضغط جفتيه بشده ، ثم زفره علي عجل ، و خرج من غرفة المكتب ..
و بينما كان يمر بمحاذاة مدخل المنزل ، تناهت إلي مسامعه أصوات غريبة لمحاولة فتح الباب ..
فوقف بثبات علي بعد أمتار قليلة منه ...
كان يقف متجهما في إنتظار خطوتهم التالية ...............................................................
علي الطرف الأخر ..
تخطي "مروان" مع والده ، و "رشدي" بوابة القصر الضخمة مقطب الوجه ..
كان الطريق فارغ أمامه بعد أن تم ردع طاقم الحراسة الذي كان يمثل درع حماية لـ "عاصم الصباغ" و إخضاعهم من قبل رجال السيد "رشدي" ..
لاحت علي شفتيه إبتسامة هازئة و هو يغمغم بخفوت ساخرا:
-يبقي يوريتي هيعمل ايه بقي !
-الباب لازم يتقطر ... متين اوي ، مش هيتفتح بسهولة !
قالها "رشدي" لدي وصولهم عند باب المنزل ..
ليهتف "مروان" مستهجنا:
-و احنا مستنيين ايه ؟ ... اعمل اي حاجة يا انكل رشدي ، المهم الباب ده يتفتح دلوقتي !
-ماتقلفش يابني ماتقلقش .. انا عامل حسابي علي كل حاجة.
ثم إلتفت إلي رجاله ، و آمرهم بخلع باب المنزل من مكانه ..
فتلك كانت خطة من ضمن الخطط البديلة التي وضعها "رشدي" تحسبا لأي عوائق قد تقابلهم ..
و للحال ، نفذ الرجال آوامره بطواعية ..
حيث أحضروا تلك السيارة ( اللاند روڤر ) الضخمة و الحديثة للغاية ..
ثم أرفقوا بهيكلها الأمامي سلاسل حديدية ، إندفعوا ليصلوها بسياج باب المنزل ..
أوصدوا السلاسل جيدا ، و تولي أحد الرجال مهمة خلع الباب ..
فصعد إلي السيارة ، و شغل المحرك ، ثم قاد عائدا بها للوراء ..
إستغرق الأمر دقيقة و نصف تقريبا ، و تمت العملية بنجاح ..
إنخلع باب المنزل بصورة كاملة ..**********************************
فرغت من حمامها سريعا ..
ثم عادت إلي الغرفة متهالكة و هي تشعر بدوار عنيف جدا ..
حتي أنها عجزت عن الإستمرار واقفة ، فألقت بنفسها فوق
أقرب مقعد ..
و راحت تلهث مفكرة برعب في الشهر الماضي و حتي تلك اللحظة ..
يا للكارثة !
لقد تغافلت بمنتهي الغباء عن الأمر ... كيف لم تشعر بنفسها ؟ ... كيف لم تهتم لأمر خطير كهذا ؟ ..
أخذت تحسب الفترة و الأيام مجددا .. و لكن المسآلة واضحة تماما ، لقد تآخرت عادتها الشهرية عن موعدها بأيام ليست قليلة ، و حتي الآن ..
و ما أزاد الأمر سوءا ، أنها بدأت تشعر بأعراض غير طبيعية !!!
لا ... لا يمكن أن يكون حدث ، لا يمكن أن تكون حاملا ..
غير معقول .. و لكن لما لا ؟ ..
أليس رجلا ؟ .. أليس زوجها ؟ ... ألم يقترب منها لمرات عديدة منذ فترة ؟ .. ألم توافق هي علي معاشرته ؟؟؟
كل شيء تم بإرادتها ، و إن لم يكن من المرة الأولي .. إنما بعد ذلك أصبحت هي التواقة لمقاربته أكثر منه ..
تضخمت كل تلك الأفكار بعقلها ، تضخمت أكثر و أخذت تتسع .. حتي شعرت برأسها ينتفخ كباللون و يرتفع ..
يرتفع بعيدا ... أمسكت رأسها بقوة ، و رددت بمرارة و آسي لإيقاف هذا الخاطر القاس:
-لأ .. مستحيل ... مستحيل يحصل الحمل ده ! .. لا يا ربي ، ماينفعش !!
و مرة أخري ، بصورة أشد ..
داهمها دوار و خليط من الصور راحت تمر في ومضات سريعة أمام عينيها ..
تقترب و تبتعد ، تتموج كدوائر .. تنهمر بقسوة ليزداد الدوار ..
وجه أبيها .. وجه عمها ... والدتها ... مربيتها ، زوجها .. مروان .. جاسر .... أبيها مرة أخري و هو غارق في دمائه ..
إزداد عنف الدوار ، و الوجوه تهطل كالمطر ..
و بغتة ، إنبعث عثيان من أسفل معدتها ، و أصبحت تلك الصور المتداخلة تشعرها برغبة في التقيؤ مرة أخري ..
كانت تقاوم علي قدر إستطاعتها ، و لكنها لم تعد تحتمل أكثر ..
فهبت راكضة صوب الحمام مرة ثانية و هي تغطي فمها بكفها ، لتفرغ محتويات معدتها الفارغة أصلا !***********************************
داخل غرفة "هاجر " ..
و في حضرة والدها الذي ظل واففا لا يحرك ساكنا ، فقط يشاهد ما يحدث في صمت تام ، فقد كانت الصدمة شديدة عليه بحيث عجز عن الفعل و القول ..
بينما كان "جاسر" في فورة ثورته و غضبه ، و لم يكن يشعر بشيء من الراحة إلا عندما ينفجر غيظه حمما مستعرة في وجهها ..
حيث أخذ يكيل لها الصفعات و السباب الصارخ ..
و المدهش أن "هاجر" تلقت كل هذا العنف الوحشي علي جسدها دون أن تحاول منعه ، أو صد هجومه الشرس ..
أو حتي تفادي ضربه المبرح الذي أدمي وجهها و جسدها !
علي النقيض ... إستفزه صمتها و هدوئها و عدم سعيها لإتقاء شره ..
فإزداد غضبه ، و هو يقبض علي حفنة شعر من أسفل رأسها و يصرخ بوجهها:
-يا فاجرة ... يا **** .. كمان كنتي عايزة تهربي مع الكلب ده و تفضحينا يا *****
عارفة لو ماكنتش لحقتك في الوقت المناسب ؟ كنت قلبت الدنيا عليكي و جبتك من تحت الارض و دبحتك بإيديا دول !
ثم دفعها بوحشية فوق سريرها ، و إلتفت إلي والده صائحا:
-شفت يا كمال باشا ؟ ... شفت بنتك المصون ، المحترمة الملاك ؟ .. الدلوعة بتاعتك ... شفت كانت هتعمل فينا ايه ؟ .. كانت هتمرغ راسنا في الوحل مش في التراب لو ماكنتش لحقتها ... عشان تفرح بيها اووي ، اهي عندك اهيه !
و أشار برأسه نحوها في إزدراء لاذع ، و واصل:
-اعمل فيها ما بدالك .. انا من اللحظة دي ماعدتش هتدخل فيها ، لكن المحروس بتاعها ده حسابه معايا .. و حذاري حد يحاول يتدخل ، ساعتها مش هكون ضامن ابدا تصرفاتي !
و ترك الغرفة تتآكله عصبيته ، ليجري مكالمة من داخل غرفته:
-الو ! ... ستينج .. وديت الزبون المخبأ بتاعنا ؟ .. طب خليه متلقح بقي لحد ما اجيله بكره ، محتاج اريح شوية الليلة حاسس اني تعبان !***********************************
يتبع