فوجئت "هانيا" من حدة ذكاؤه .. إذ كان بطريقة ما يقرأ ما يدور بخلدها ..
عليها إذن أن تضلله و إلا تبخرت آمالها سدي ..
قررت أن تغير الخطة ، فربما نجحت .. إشتبك نظرها بنظره الحاد ، فهمست قائلة:
-اكتشفت ان عرضك مناسب ليا اوي .. طالما هترجعلي اللي خدته من ابويا ، و هتنفذلي كل طلباتي .. انا مستعدة اديك اللي انت عايزه .. بس بعد الجواز طبعا.
-طبعا.
أجابها "عاصم" و هو يخفي إبتسامة عمقت الخطوط حول أنفه و فمه ، ثم زحلق بصره علي ثوبها الذي أبرز ثنايا جسدها بوضوح و أردف:
-مذهلة كالعادة .. تعالي.
ثم مشي بها و أجلسها فوق مقعد مجاور لمقعده ، و صادف أنها كانت تجاور "شهاب" أيضا ، فمال الأخير صوبها و هو يتمتم بنعومة:
-هو صحيح عاصم قالي انك حلوة .. بس بصراحة ماكنتش متخيل انك حلوة اوي كده !
إلتفتت "هانيا" إليه و ردت بإبتسامة رقيقة:
-ميرسي لذوقك.
أومأ "شهاب" بخفة ، ثم سألها:
-يا تري عاصم حكالك عني ؟؟
صمتت "هانيا" و هي ترمقه بحيرة ، فإبتسم قائلا:
-شكله ماحكاش .. طيب عموما انا اخوه الصغير مش صغير اوي ، يعني قفلت الـ20 سنة من خمس شهور و طالب في الكونسرفتوار و آا ...
-خلاص يا شهاب !
قالها "عاصم" بصرامة لينة و تابع:
-كفاية كلام دلوقتي ، بعد الغدا ابقي اتكلم معاها براحتك.
إنصاع "شهاب" لشقيقه بطواعية مرحة ، بينما تأهب الجميع لتناول الطعام بعد أن أتت الخادمة بالعصير الطازج و سكبته في كؤوس البلور التي تشعشع كلما حركتها الأيادي ..
و في أوج إنهماك البعض بالطعام .. رفعت "هانيا" رأسها بحذر و نظرت عبر المائدة للطرف المقابل ، فإلتقت عيناها بنظرة عابسة من "زين" تشير إلي إمتعاضه ..
عضت علي شفتها لتكبح عبسة منفعلة أوشكت أن تفسد صفاء تعابيرها المثالية ..و مع ذلك تورد وجهها قليلا حين قرأت لمحة الإزدراء في عينيه البنيتين المصوبتين إليها من فوق رؤوس الشقيقين الغافلين عن مراسلتهما البصرية و كأنه يقول لها .. ها قد خضعتي لإرادته !
خفضت "هانيا" بصرها و راحت تهتم بتناول وجبتها ، و لكن كان الطعام بالنسبة إليها كارثة ..
إذ لم تستطب مذاقه علي الرغم من طراوته و لذته ، وجدت نفسها تمضغه مجبرة و هي مشغولة الخاطر ..
كانت توضب في اضبارات ذهنها ما سوف تفعله كي تنفرد بـ"زين" ..
بعد الغداء .. جلس الجميع بقاعة الجلوس الدافئة ، فيما دارت الأحاديث بتقطع ، حتي بإقتضاب أحيانا ، إلي أن نهض "شهاب" فجأة و قال:
-طيب عن اذنكوا .. هطلع اشوف ماما عشان لسا ما شفتهاش من ساعة ما وصلت.
ثم دنا من "هانيا" و هو يقول مداعبا:
-احنا كلامنا لسا ماخلصش ها ! .. تعرفي لو ماكنتيش خطيبة اخويا انا كنت اتجوزتك وقتي منغير ما اضيع ثانية واحدة بعيد عنك.
نهره أخيه بحدة مصطنعة فقهقه "شهاب" بمرح ، ثم إستدار علي عقبيه و رحل ..
فوق الآريكة الصوفية السوداء ، جلست "هانيا" بالقرب من "عاصم" بينما جلس "زين" في مقعد مقابل لهما ..
مدد "عاصم" ذراعه علي ظهر الآريكة دون يلمسها ، بيد أنها تقلصت غريزيا و قد شعرت بنفسها تتآرجح علي حافة مصيدة مفتوحة ، فيما كان الحديث المتبادل بين "عاصم" و "زين" حول العمل ..
حتي إلتفت "عاصم" إلي "هانيا" و قطب بشيء من القلق عندما رآها تتكور داخل فستانها ، فسألها علي الفور:
-هانيا ! .. مالك ؟ فيكي حاجة ؟؟
أدارت "هانيا" رأسها نحوه ، و برجفة مصطنعة في صوتها و بدنها أجابت:
-مافيش .. بس بردانة شوية.
باغتها "عاصم" بعبسة حانقة:
-طيب و ماجبتيش شالك معاكي ليه ؟ كده ممكن تاخدي برد ، فوق اوضتك بتبقي دافية و الجو هنا بارد شوية عليكي.
و زفر بإنزعاج متبرم ، لكنه عاد يقول بلطف:
انا هطلع اجيبلك شالك.
إبتسمت "هانيا" في الخفاء و هي تراقبه يخرج من قاعة الجلوس ، فقد نجحت في خداعه دون أن يفطن هو لذلك ..
جعلته يتركها تختلي بـ"زين" ليناقشا خطة فرارها .. آه لو علم بذلك !!
هبت "هانيا" واقفة و إتجهت نحو "زين" .. جلست بمقعد قبالته و قالت هامسة:
-انت ! .. يا تري لسا عند وعدك ليا ؟ .. لسا عندك استعداد تهربني ؟؟
حدجها "زين" بنظرة تهكمية جامدة و قال:
-اهربك ؟ ليه ؟ .. ده انا حتي شايف ان في تطورات حصلت ، شايفك منسجمة اوي مع عاصم ، معقول عايزة تهربي بعد ما بقيتوا سمنة علي عسل ؟ و بعد ما قبلتي تبقي ملكه ؟؟!
و أشار إلي العقد الذي يطوق عنقها .. إستشاطت "هانيا" غضبا و ردت و هي ترفع إليه نظرات متوقدة:
-انا مش ملكه و لا ملك اي حد .. و عمر ما هيكون في تصالح بيني و بينه ابدا .. انا بكرهه.
نطقت كلمتها الأخيرة بشراسة مدمرة ، و أضافت بحقد سافر:
-لا يمكن انسي اللي عمله في ابويا و فيا .. ذنوبه معايا مش هغفرهاله لو حتي ركع تحت رجلي.
أجفل "زين" بإضطراب و قد لانت نظرته ، فعادت تسأله واجمة:
-ها .. هتساعدني اهرب من هنا ؟؟
في تلك اللحظة .. سمعا وقع خطوات تهبط الدرج في الخارج ، فأسرع "زين" يقول بصوت خفيض:
-انهاردة الساعة 11 بليل تخرجي من اوضتك و تنزلي من سلم الخدم و تستنيني في البدروم اللي تحت خالص هكون بشتغل انا و عاصم في المكتب بس هقدر اغفله شوية لحد ما اجي اطلعك من القصر من باب البدروم ، هو بيطلع علي برا القصر علطول المفتاح بتاع الباب موجود جوا بس انتي مش هتعرفي مكانه لوحدك ، المهم لما تخرجي هتمشي دوغري لحد ما تطلعي عالطريق و تشوفي اي عربية تاخدك للحتة اللي انتي شايفاها امان بالنسبالك ، بس خلي بالك اوعي حد من الخدم يشوفك و انتي نازلة عالسلم.
حفظت "هانيا" تعليماته عن ظهر قلب و عادت بسرعة إلي مجلسها فوق الآريكة ..
و هنا ظهر "عاصم" علي مقدمة القاعة و هو يحمل في يده شالها الحريري ..
أهدته إبتسامة رقيقة يشوبها توتر طفيف حمدا لله لم يلحظه "عاصم" ..
بادلها بسمتها بمثلها إلي أن وصل إليها .. إنحني فوقها و لف الشال بلطف و نعومة حول كتفيها و كأنه يقمط طفلا صغيرا ، ثم جلس إلي جوارها و راح يطالعها للحظات قبل أن يعود و يهتم بجلسته مع صديقه ...*****************************
-دي اكيد حاجة مهمة هي اللي خلتك تتعطفي و تتكرمي و تكلميني بنفسك.
قالها "إياد" مداعبا و هو يخاطب "هنا" عبر الهاتف ، بينما ردت "هنا" بإيجاب و هي تنظر إلي أمها الجالسة أمامها تحدق فيها بقوة:
-بصراحة اه .. في حاجة مهمة اوي.
-خير يا ستي ؟ .. يا تري ماماتك حددت يوم ننزل ننقي الشبكة فيه ؟؟
-لأ الموضوع مش كده خالص.
سألها "إياد" حائرا:
-اومال !
تنحنحت "هنا" و أجابته:
-هو بصراحة كده احنا عندنا مشكلة تخص حد معرفة ، محدش عارف يحلها خالص .. فأنا قلت لماما انك ممكن تتصرف يعني !!
إستوضحها "إياد" بإهتمام:
-طيب احكيلي ايه الموضوع ؟؟
راحت "هنا" تشرح له الوضع كما سمعته من أمها تماما .. :
-طب انتوا متأكدين انه خاطفها ؟!
قالها "إياد" متسائلا ، و تابع موضحا وجهة نظره:
-اصلها ممكن تكون معاه بمزاجها .. ممكن تكون اتجوزته و في الحالة دي ده مايبقاش خطف.
نفت "هنا" إعتقاده بقولها:
-لأ احنا متأكدين انه خاطفها .. اصل في بينهم مشاكل كبيرة اوي ، و كذا حاجة تمنع اي علاقة ودية ممكن تكون بينهم.
علي الطرف الأخر .. صمت "إياد" قليلا ثم قال:
-ماشي .. اديني عنوان عمها او رقمه و انا بإذن الله هتولي الموضوع ده و لو هو فعلا خاطفها و حابسها في بيته انا بنفسي هاروح ارجعها.**************************