79

2.7K 64 2
                                    

في مساء اليوم التالي ..
تحت ظلال شمس المغيب الدافئة ... راحا يتمشيا متشابكي الآيدي فوق الحشائش الخضراء التي إفترشت حديقة القصر بأكملها ..
كانت "هانيا" ترتدي فستانا صيفيا ذا حمالتين رفيعتين علي الكتفين ، يؤمن لها الإنتعاش و يظهر جاذبيتها في الوقت ذاته ..
كان "عاصم" أيضا يرتدي بنطلونا من قماش الكشمير ، مع قميص صيفي متعدد الآلوان ..
فبدا لها فورا أكثر شبابا مما في أي وقت أخر .. حيث تلك الثياب اللاصقة بجسده الفارع ، أضفت قوة فتية علي شخصيته النابضة بالحيوية ... :
-خدي بالك كده ممكن جدا تبردي .. الدنيا لسا ماصيفتش الجو لسا برد اديني حذرتك اهو.
قالها "عاصم" متبرما لتصرفاتها المتهورة ، لتضحك هي بخفة و تقول:
-طب ما انت كمان صيفت !!
-ما انا قلدتك عشان لو تعبتي اتعب انا كمان معاكي و نبقي سوا في كل حاجة.
قهقهت من قلبها ، و قالت:
-طب و لما نتعب احنا الاتنين .. مين اللي هياخد باله من التاني ؟؟!
توقف بها عن السير بغتة أمام صف أحواض الزهور العطرة علي إختلاف أنواعها ، و طفق ينظر إلي بشرتها البضة متفحصا ملامحها الفاتنة التي دائما ما تخلب لبه من شدة جمالها ..
ثم تمعن عينيها الزرقاوين و هو يردد بحب:
-انا عن نفسي لو هيبقي فيا تعب الدنيا .. هفضل آمنلك الحماية و الحب لحد اخر نفس يا هانيا.
خبت أنفاسها علي إثر كلماته ، فتنفست لعدة مرات لتخفف لهاثها ، و لتستطيع أن تقول:
-انت دايما كده بتغلبني ! .. حتي في الكلام ؟؟!
كان الهواء قد بعثر خصلات شعرها الشقراء علي فمها و وجهها ... فإبتسم و هو يقترب منها و يزيح الخصل برفق قائلا:
-طب تعرفي ان بيتهيئلك ؟ .. انا عمري ما غلبتك ، انتي اللي دايما بتغلبيني .. احيانا ببقي عايز اخالف ارادة قلبي معاكي ، لما يقولي روح شمال .. ببقي عايز اروح يمين ، بس نظرة واحدة من عنيكي كانت بتكفي تخليني اسلم .. عمري ما قدرت عليكي !
ثم أحاط خصرها بيديه ، و شدها إلي صدره متمتما بعذوبة:
-و انا جمبك بحس اني بتولد من جديد.
تعلقت عيناها بعينيه في نظرات هائمة ، و هي ترد له الكلمات بنعومة هي الأخري:
-انا بقي حاسة اني بتولد في عنيك كل لحظة.
رفع حاجبيه دهشة و إعجابا ، و إبتسم قائلا بمزاح:
-الله الله علي الكلام ... لأ بالراحة عليا ، انا اصلا مش مصدق لحد دلوقتي المعجزة اللي حصلت .. بالطريقة دي هشك فيكي !
رمقته بنظرات عاشقة ، ثم قالت و هي ترفع يديها و تشبك أصابعها خلف رقبته:
-شك براحتك .. مش مهم ، مش مهم اي حاجة دلوقتي ... المهم انك بين ايديا ، عيني في عنيك ، حاسة بيك .. قلبك قريب من قلبي !
و شبت بقدميها علي أطراف أصابعها و هي تطبق بكفها علي مؤخرة رأسه و تضمه إليها بقوة ..
كان "عاصم" مسحورا بكلامها ... مآخوذا بهذا الكم الهائل من دفق مشاعرها ..
فلم يستطع أن يفعل شيئا سوي يشدد ذراعيه حول خصرها و هو يدفس وجهه المشوه لدي عنقها ..
ربما هذا التصرف هو الوحيد الذي كان يفعله دوما ليختبر مدي صدقها ، إذ من الغريب أن تعيش معه لأشهر لم تظهر خلالهم إلا الكراهية العمياء له .. و تآتي بين ليلة و ضحاها بإكتشاف هذا الحب الكبير له !
إنها حقا لمعجزة كما أسماها "عاصم" و لا يمكن أن تكون غير ذلك ...
كانا لا يزالا حتي هذه اللحظة متلاصقان ببعضهما البعض بقوة ، عندما غرزت "هانيا" أصابعها بين خصلات شعره الناعمة و هي تقرب فمها من أذنه و تهمس بعاطفة ملتهبة:
-تصور ؟ .. انا بردت ، يلا خدني علي فوق بسرعة.
بدت الكلمات لـ"عاصم" مطربة ، تكاد ترفعه علي سحابة قانية إلي أعالي درجات النشوة ..
و لكن بالنسبة لها .. كانت الكلمات صعبة للغاية ..
لسبب بسيط جدا ، و هو أنها أوشكت أن تفقده للأبد .. حيث لم يتبق الكثير كما قررت ، فقط بضعة أيام أخري بقربه ..
ثم الوحدة ... و سنوات طويلة تمتد لتغلفها الذكريات ، إلي أن يحل النسيان ..
فالذكري ستضمحل ، هذا أمر محتوم .. و لن يبقي حبيبها "عاصم" مرتسما في ذاكرتها بحضوره الفتي ..
ممسكا بيدها ، أو معانقا إياها بحميمية دافئة ..
هو سيكون هناك ... و لكن بعيدا عن متناولها ، و سيظل يبتعد أكثر فأكثر مع مرور الوقت ...

***********************************

أسرع "إياد" عقب المكالمة التي جرت بينه و بين زميله أمام أحد المعالم العامة الشهيرة لمدينة « القاهرة » ..
ليجده في إنتظاره هناك ... أقبل "إياد" عليه متجهم الوجه و الخطي حتي وقف أمامه ..
و للحال .. سأله بخشونة:
-مين يا وليد ؟ .. قولي ميـن ؟؟
تذبذب "وليد" متوترا و هو ينظر إليه ، قبل أن يقول بتردد:
-شوف .. مبدئيا كده انا عايزك تهدا و تعقل ، و تفتكر انك سيبت الخدمة
انا جايبلك المعلومات دي لاجل العيش و الملح و الاخوة اللي ما بينا ، انما لو حد شم خبر انت عارف انا ممكن يحصلي ايه ! .. مستقبلي هيضيع يا إياد.
بنفاذ صبر ، صاح "إياد":
-اخلص يا وليد .. لو حصل حاجة المسؤولية كلها هتقع عليا انا ، و انا مش هجيب سيرتك في اي حاجة ماتقلقش.
-يا بني انت فاكرني خايف عليا لوحدي ؟ .. انا خايف عليك انت كمان ، بلاش تهور يا إياد مش هيبقي موت و خراب ديار هما كده كده هياخدوا جزائهم.
إنخفض صوته قليلا و هو يقترب منه أكثر و يهمس بتوحش:
-مين دول يا وليد ؟ ... قولي ايه اللي وصلتوله ؟؟؟
تنهد "وليد" بثقل ، ثم قال مستسلما لتصميم صديقه:
-الموبايل اللي اتلاقي في اوضة البانسيون .. لما كشفنا عنه ، طلع بتاع واحد اسمه اسلام صادق رشوان ... بعيدا عن مواصفاته الزبالة .. هو .. هو ... هو طلع ساكن في نفس البيت اللي ساكنة فيه عمة الانسة هنا الله يرحمها !
قطب "إياد" حاجبيه بغرابة و هو يستمع إلي "وليد" الذي واصل بحذر:
-و لما حصرنا المكالمات الاخيرة للموبايل و سجلناها ... اكتشفنا للآسف ان الحادثة كلها كانت مدبرة .. و ان في حد قصد يعمل كده في الانسة هنا ، في حد هو اللي حرض عليها الكلاب دول.
إستعرت عيناه و هو يستجوبه و في نفس الوقت يجبر أعصابه الثائرة علي الهدوء حتي النهاية:
-مين اللي دبر يا وليد ؟ .. اتكلـم !
مط "وليد" شفتيه آسفا .. ثم قال:
-اللي دبر لكل ده ... بنت عمة الانسة هنا ، سمية ياسر عبد الفتاح.
بُـهت "إياد" لسماع هذا ، و لم يصدق آذنيه .. حتي أنه عاد يطالبه بالإجابة مجددا:
-قلت ايه ؟؟؟!!
هز "وليد" رأسه بإشفاق و هو يطالع وجهه المصدوم بصورة لاذعة ...

***********************************
يتبع

المظفار والشرسهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن