-يا اخي حرام عليك بقي اللي بتعمله في نفسك !
قالها "رشدي" بإنزعاج واضح يخاطب "توفيق" الذي جلس فوق الأريكة بحجرة الجلوس و قد بدا مهموما بائسا ، بينما تأفف "رشدي" بسأم قائلا:
-ما اللي انت فيه ده مامنوش فايدة يا توفيق .. تقدر تقولي استسلامك ده هيفيد الموضوع بإيه ؟؟
عند ذلك ..نظر إليه "توفيق" بفتور قائلا:
-طيب و انت عايزني اعمل ايه يا رشدي ؟ انا مافيش في ايدي حاجة اعملها .. كان بيني و بين بنت اخويا خطوتين و ماقدرتش انقذها من اللي هي فيه .. و الله اعلم حصلها ايه دلوقتي ! .. الله اعلم عمل فيها ايه و انا قاعد هنا متكتف مش قادر اعملها حاجة.
ثم أضاف بمرارة و ضميره يعذبه في العمق:
-ازاي هحط وشي في وش اخويا لما اقابله ؟ .. هقوله ايه ؟ .. هقوله ماعرفتش احافظ علي بنتك اللي سيبتها امانة في رقبتي ؟ هقوله إتاخدت من قدامي و انا كنت واقف ساكت ماعملتش حاجة ؟ هقوله ايه يا رشدي ؟ .. هقوله ايه ؟؟
تغضن جبين "رشدي" بعبسة متأثرة ، فمد يده و ربت علي كتف صديقه و قال مواسيا يمده بالصمود و قوة البأس:
-اهدا يا توفيق .. اهدا ان شاء الله بنت اخوك لسا بخير و هنرجعها قبل ما ايده تتمد عليها بالسوء.
-هنرجعها !!
ردد "توفيق" مستوضحا ، فأومأ الأخير قائلا:
-اه هنرجعها .. انا مش هاسيبك يا توفيق ، هقف جمبك لحد ما ترجع بنت اخوك و تطمن عليها.
إبتسم "توفيق" بسخرية و قال:
-و هنرجعها ازاي يا رشدي ؟ .. الجبان مالي قصره حراسة و بيتحامي فيهم .. محدش يقدر يدخل القصر بسهولة.
ضربه "رشدي" بخفة علي ذراعه و هو يقول بثقة:
-يابا علي نفسه هو و حراسته .. ده انا عندي رجالة تحت في الورشة لو فذيتهم علي قصره ده هيطربأوه فوق دماغه و يجيبوا عاليه واطيه ، ده غير رجالة الغورية كلها اللي نفسهم يخدموا رشدي مجالات .. قول امين انت بس و مالكش دعوة ، و ان ماكانتش بنت اخوك تبات في حضنك الليلة دي ابقي قول عليا مش راجل.
صمت "توفيق" للحظات يفكر ، ثم قال بهدوء:
-لأ يا رشدي .. انا عايز ارجعها بدون مشاكل ، مش عايزك تتآذي بسببي كمان .. انا في حاجة في دماغي لو تمت زي ما انا عايز هانيا هترجع قريب .. و لو ماتمتش ، هلجألك اكيد.
وضع "رشدي" يده فوق يد "توفيق" و شد عليها قائلا:
-و انا مش هتأخر عنك يا توفيق .. هتلاقيني واقف جمبك و في ضهرك.
دق جرس الباب في تلك اللحظة .. فنهض "رشدي" و إتجه صوبه و فتحه ، ليصطدم بإمرأة حسناء ترتدي فستانا فضفاضا من الساتان البنفسجي السميك ، و شعرها النحاسي القصير ممشط بعناية ..
إستطاع "رشدي" أن يخمن هويتها ، و لكنه تساءل بلهجة مهذبة:
-ايوه يافندم ! اي خدمة ؟؟
بشيء من التوتر قالت المرأة:
-توفيق .. موجود هنا ؟؟
-ايوه موجود .. حضرتك مدام دينار حرمه مش كده ؟؟
أومأت "دينار" رأسها ، فإبتسم "رشدي" ببساطة و تنحي جانبا و هو يدعوها للدخول قائلا:
-اتفضلي ادخلي.
خطت "دينار" داخل الشقة و هي تبحث بعينيها عن زوجها حتي وجدته جالسا في هدوء بالصالون المقابل للباب ، بينما حانت منه إلتفاتة نحو باب الشقة فوقع بصره علي زوجته ..
نهض "توفيق" من مجلسه و هو يهتف قاطبا حاجبيه:
-دينار ! .. انتي جيتي هنا ازاي ؟ عرفتي مكاني ازاي ؟؟
لوت فمها بإبتسامة ساخرة و أجابته:
-اللي يسأل مايتوهش.
بتهكم لاذع سألها "توفيق":
-و سألتي مين بقي ؟؟
قطع "رشدي" حديثهما في تلك اللحظة بقوله:
-طيب يا توفيق انا نازل الورشة ، لو عوزت حاجة كلمني.
و غادر الشقة مسرعا ، بينما وقف "توفيق" في مواجهة "دينار" صامتا للحظات ، ثم سألها ببرود و هو يعاود الجلوس مجددا:
-خير يا دينار ؟ .. جاية عايزة مني ايه ؟ ماعتقدش اني بقيت مفيد ليكي او للولاد زي زمان !
تنهدت "دينار" بثقل و تقدمت نحوه ، ثم جلست في مقعد قبالته و قالت بلهجة مفعمة بالحزن:
-من ساعة ما سيبت البيت يا توفيق و كل حاجة بدأت تنهار .. انا ماعتش قادرة اشيل الحمل لوحدي .. محتاجاك جمبي.
هز "توفيق" رأسه بسخرية و قال بإستخفاف:
-و محتاجالي ليه يا دينار ؟ .. انا مابقتش نافع خلاص ، ربنا يخليه مروان بقي كبر و بقي راجل .. دلوقتي يقدر يشيل المسؤولية و اتتي تقدري تعتمدي عليه .. و لا انتي بتعتمدي عليه بس في امور تانية !
هزت رأسها في خزي قائلة:
-مالوش لزوم الكلام ده لوقتي يا توفيق.
بشيء من الإنفعال رد "توفيق":
-لأ لي لزوم يا دينار .. ان كنتي نسيتي بالسرعة دي افكرك .. مش انتي اللي روحتي تشجعيه و هو بيرفع قضية الحجر عليا ؟ مش انتي اللي ساعدتيه ؟ .. جاية دلوقتي عايزه مني ايه ؟ .. احمدي ربنا اني ماطلقتكيش .. انتي علي ذمتي لحد دلوقتي بس كرامة لابوكي الله يرحمه .. انا وعدته اني مش هفرط فيكي.. بس مش هقدر ارجع اعيش معاكي زي الاول .. مش هقدر اسامحك.
شعرت "دينار" و كأن خنجرا حادا يضرب صدرها مع كل كلمة أطلقها "توفيق" ..
كانت عاجزة عن الرد ، خاصة و إنها تدرك في أعماقها أنه لا يقول سوي الحقيقة المجردة ..
و لهذا إبتلعت غصتها المريرة ، و تطلعت إليه دامعة العينين و قالت:
-انا بعترف اني غلطانة .. و مش جاية اطلب منك السماح .. انل بس جاية اطلب منك تلحق ابنك قبل ما يضيع يا توفيق ، لو مالحقتوش هيضيع مننا احنا الاتنين .. ده مهما كان ابنك بردو.
عبس "توفيق" متسائلا بوجوم جاف:
-ايه اللي حصل ؟؟
مسحت "دينار" الدموع التي فرت من مآقيها إلي وجنتيها بظهر يدها ، و نظرت إليه صامتة لثوان ، ثم راحت تقص عليه الأمر كله ...