تحت مياه الحمام الدافئة..أغمضت هزان عينيها و تذكرت وجه والدها ..عاتبته كثيرا
على عدم اخبارها بما يمر به..على عدم ثقته بها..رغم أنه كان دائما يخبرها بأنه يثق
بها و يعتمد عليها و لم يحزن أبدا لأنه لم ينجب أولادا..بل كان يكتفي بها و
بأختها..تذكرت هزان وجه ياغيز ففتحت عينيها و هي تكاد تتميز غيضا و غضبا..أنهت
حمامها و خرجت ..جلست على الطاولة مع أختها لتتناولا العشاء..سألت" كيف حال
الدراسة أوفاجيك؟" ابتسمت إيجه و أجابت" جيدة أبلا..لكن" نظرت إليها هزان و
قالت" لكن ماذا؟ هل هنالك مشكلة؟" عبست إيجه و قالت" أبلا..أنا أعتقد أنك
بحاجة إلي..يجب أن أساعدك في الأرض..سأترك المعهد و الدراسة" ضربت هزان
بيدها على الطاولة و صاحت" نيديوسون سان؟ إيجه..ماذا تقولين ؟ هل جننتي؟
أنت لن تتركي الدراسة أبدا..ستتحصلين على البكالوريا و ستختارين اختصاصا و
تدرسين في الجامعة..هل هذا واضح؟" نظرت إليها إيجه بعيون دامعة و قالت" لكننا
في ضائقة مالية..و العمال تخلوا عنا..و الأرض ستصبح قاحلة..هذا ليس عدلا يا
أختي" وقفت هزان و اقتربت من أختها و عانقتها و هي تقول" أنا سعيدة لأنك
كبرتي و صرتي تريدين أن تشاركيني المسؤولية..لكن..لا تقلقي جنم..لقد اتفقت
مع صاحب الرهن أن يقسط لي المبلغ..لن أتخلى عن هذه الأرض و لو دفعت
حياتي ثمنا لذلك" قالت إيجه" أنا أثق بك يا أختي..اسمحي لي أن أساعدك في أيام
العطلة..لوتفا" ابتسمت و قبلتها على خدها و قالت" تمام جنم..لكنك لن تهملي
دراستك أبدا..عديني بذلك" قالت" تمام..سوز..وعد" ..في اليوم
الموالي..استيقظت هزان باكرا كعادتها و ارتدت سروالا أسودا و قميصا أخضر
اللون..و غطت شعرها بوشاح أسود ثم ركبت حصانها و أخذت تتجول في
أرضها..على الحدود الشرقية..رأت العمال يزرعون الأرض المجاورة..أرض
..الشيطانبقيت للحظات تنظر إليهم..سمعت صوت حصان بجانبها..التفتت لتجد ياغيز يقف
بحصانه قبالة حصانها..همت بالإبتعاد لكنه استوقفها قائلا" نولدو؟ هل جئت
تتجسسين علي؟ هل تريدين سرقة عمالي؟" رمقته هزان بنظرات غاضبة و
أجابت" السرقة ليست من طبعي..السارق يظن جميع من حوله سارقين" إجابتها
استفزته فقال" أنت وقحة جدا أيتها الفتاة القروية" ابتسمت و قالت" ديليم
أصلندا..لكنني أعامل الناس بنفس طريقتهم" قرب حصانه من حصانها و قال"
تذكري أنني صاحب الرهن..و يجب أن تعامليني باحترام و إلا رفضت أن أقسط لك
المبلغ" غصت هزان بريقها و قالت" تعلم كيف تعاملني باحترام أولا لكي أعاملك
بنفس الطريقة" ابتسم و قال" لست مضطرا لذلك..أنت من تحتاجينني..ليس
العكس" تأففت هزان بضيق و قالت" لن أتجادل معك..غدا سأبدأ بتسديد قيمة
الرهن..إلى اللقاء" و ابتعدت مسرعة..أما هو فبقي في مكانه يتابعها..قال"
ستندمين على وقاحتك آنسة شامكران" ..قضت هزان يومها في الأرض صحبة
بهجت..تفقدت أشجار الزيتون و الخضروات المزروعة..فتحت الصنبور لكي تسقي
الأشجار لكن الماء لم ينطلق منها..أعادت هزان الكرة لكن دون جدوى..اتصلت
بمصلحة المياه فأعلموها أنها لم تدفع الفاتورة لذلك اضطروا إلى قطع المياه
عنها..جمدت هزان في مكانها و شعرت للمرة الأولى بثقل المسؤولية التي تقع
على كاهلها..جلست على التراب و أخذت تحاول جاهدة منع دموعها من الإنهمار
على خديها..ثم أخذت حفنة من التراب و قربتها من أنفها و سحبت رائحتها إلى
أعماقها..ثم وقفت و هي تقول" لن أستسلم..سأصلح كل شيء..ستسير الأمور
على ما يرام" ..ثم حملت دلوا و اتجهت نحو النهر و أخذت تملأ الدلو بالماء و تعود
..إلى الأرض ..تسقي الأشجار و تعود إلى النهر..و هكذا دواليك إلى أن حل الظلام..
أنت تقرأ
الوجه الآخر للشيطان
Romansaما بين شياطين و ملائكة..ما بين شر و خير..ما بين أقنعة و وجوه حقيقية..ما بين خداع و صدق..ما بين وهم و حقيقة ..تمر حياتنا و تختلف علاقاتنا..أحيانا نلتقي بأناس نعتقد بأنهم شياطين لكنهم يظهرون لنا أننا مخطئين..و يكون ذلك الوجه مجرد قناع يخفي خلفه طيبة...