ارتمت هزان على الأريكة التي كانت خلفها و أخذت تفكر..هل حقا تغير؟ هل
يستحق أن تمنحه فرصة أخرى؟ هل سيتجاوز غروره و يصلح أخطاءه؟ للمرة
الأولى لم يهتم بكلام الصحافة عنه..لم يفكر في مكانته أو في شهرته..ربما غضبه
ساهم في ذلك..أو رغبته في تأديب يمان على أفعاله..وجدت هزان نفسها واقعة
في حيرة كبيرة..عقلها يحذرها من سهولة تصديقه أو استسلامها السريع له..و
يذكرها بكل أفعاله السيئة و خطاياه..و قلبها..صار يبرر له أفعاله..و ينسب كل
المصائب و المشاكل التي حدثت بينهما إلى يمان ..و أصبح يحدثها بضرورة اعطاءه
فرصة لكي يصحح أخطاءه..أما ذلك الجنين الذي يكبر في بطنها يوما بعد يوم..فإنه
يغريها بأن تلين و تغفر و تسامح لكي يجتمع بأمه و أبيه و يعيش معهما حياة
طبيعية..أما ياغيز فاصطحب يمان إلى أمه و أخبرها بكل ما ارتكبه في حقه و أنه
هو من كان السبب وراء المشاكل التي حدثت له في عمله و التي انجرت عنها كل
الخطايا التي ارتكبها بحق هزان..وضعت ميلدا يدها على فمها كاتمة صرخة دهشة
انبعثت من بين شفتيها ثم قالت" مستحيل..لا أصدق ما أسمعه..هذا مستحيل..كيف للأخ أن يفعل هذا
بأخيه؟ هل ربيتك هكذا؟ هل علمتك أن تكره و أن تؤذي؟ أين كنت تخفي كل هذا السواد؟ يا أسفي عليك" و
صفعت يمان بشدة على وجهه ثم انهارت على الكرسي و هي تبكي بحرقة..جثى
يمان على ركبتيه أمامها و قال" أمي..أنا آسف..لقد فعلت كل ذلك لأنني غرت من
ياغيز ..نعم..غرت منه لأنه سرقك مني..أخذ كل اهتمامك و حبك اللذان كانا من
حقي لوحدي..لم أستطع أن أتقبل أن يشاركني فيك أحد..أعترف أنني أناني
مثله..أنا لا أقل أنانية عنه..أما عن هزان..فقد أعجبت بها كثيرا منذ أول يوم رأيتها
فيه..ثم و مع معرفتي أنها خطيبة ياغيز..أردت أن آخذها منه كما أخذك أنت
مني..صار تعلقي بها هوسا و صرت مستعدا لفعل كل شيء لكي أحصل عليها..ثم
تأكدت أن ياغيز لا يستحقها و لا يستحق الحب الكبير الذي تكنه له..لأنه و منذ أول
مشكلة..عاملها بقسوة و تخلى عنها و أظهر كل غروره و طباعه السيئة..لو كان
تمسك بها و أحبها كما يجب و كما تستحق بعد كل الإختبارات التي حصلت
له..لكنت انسحبت من بينهما و سعدت لسعادتهما..لكن.." قاطعه ياغيز"
اسمع..حياتي مع هزان لا تعنيك..أعلم أنني قصرت بحقها و أخطئت كثيرا..لكنني
سأعمل على تلافي كل ذلك..و سأقنع هزان بأنني تغيرت فعلا..بأفعالي و ليس
بأقوالي..و أنت..اختفي من حياتي..و لا تظهر أمامي مرة أخرى و إلا .." قاطعته أمه
و هي تقول" حسنا بني..إهدأ أرجوك..أنا سأتصرف..سيعود يمان إلى أنقرة و لن يتعرض لك مرة أخرى..أرجوك
بني..اغفر لأخيك ما فعله و لا تحقد عليه..لا أستطيع أن آخذ طرفا مع أحدكما ضد
" الآخر..أنا أم و قلبي يتسع لكما " ...وقف ياغيز أمام أمه و مسح دموعها التي سالت سخية على خديها ثم عانقها
بقوة و هو يقول" أمي..روحي..أرجوك غاليتي..لا تحزني..لن نتسبب أنا و يمان
في ازعاجك أو في جعلك تحزنين..أنت غالية على قلبي و أكره أن أرى
دموعك..أنا أخطأت و يمان كذلك..أنا أعتذر لأنني كنت السبب في دموعك"
وقف يمان و قال" و أنا أيضا أعتذر ..سأحزم حقائبي و أغادر إلى أنقرة" و
تحرك مبتعدا عنهما..تابعته ميلدا بعينين حزينتين و هي تقول" ياغيز..و أنا أيضا
سأغادر معه..انه بحاجة إلي الآن..و سآتي لزيارتك من حين لآخر..اتفقنا يا صغيري؟"
هز ياغيز رأسه و أجاب" حسنا أمي..و أنا أيضا سأزورك فور تحسن
الأمور..سنزورك أنا و زوجتي قريبا..اعتني بنفسك جيدا" لامست ميلدا وجهه و قالت" و أنت أيضا..اعتني
بنفسك و بهزان جيدا..لا تخسرها..انها جوهرة ثمينة " عانق أمه و قال"
نعم..انها كذلك..أعرف ذلك جيدا..لن أخسرها..أنا أعدك بذلك" ..في الصالون..أشرفت
هزان على العمل و هي توجه العاملات و تعطيهن بعض النصائح..لكن عقلها
كان مشغولا بالتفكير في ياغيز و في ما فعله يمان..كانت تتصل به لكنه
لايرد..سمعت أحدا يناديها ..التفتت لتجد لافانت يقف أمامها..قالت"
أهلا بك أستاذ لافانت ..تفضل" جلس لافانت و هو يقول" أعتذر لأنني أتيت
دون موعد مسبق..لكنني بحاجة إليك" رفعت هزان حاجبها استغرابا و سألت"
أنا؟ فيم تحتاجني؟" ابتسم و أجاب" اليوم عيد ميلاد أختي ميرا..و أحاول أن
أقنعها بالذهاب إلى صالون التجميل لكي تكون جاهزة لحفل هذه الليلة دون
أن أذكر المفاجأة..لكنها ترفض..و أريدك أن تذهبي إليها في المنزل و تهتمي
بها بصفة خاصة..طبعا إذا لم يكن هنالك ازعاج" هزت هزان رأسها و قالت" لا
ابدا..ليس هنالك ازعاج..سأذهب إليها و أجهزها و أخبرها أنني صاحبة صالون
جديد و أردت أن أجرب تصفيفات شعر جديدة لعدد من متساكنات
المنطقة..لا تقلق" عبس لافانت قليلا و قال" هزان..أختي فتاة مقعدة..لا
تستطيع أن تمشي..لذلك تشعر دائما بالنقص و تكون في أغلب الأحيان
عدوانية..لذلك.." قاطعته هزان " لا تقلق..سأعرف كيف أتعامل معها..لا تقلق"
ابتسم لافانت و قال" شكرا لك هزان..هذا لطف منك" وقفت هزان و قالت"
سأحمل معداتي معي و اوافيك إلى السيارة لكي تأخذني إليها" سبقها إلى
السيارة و تبعته بعد لحظات تحت أنظار ياغيز الذي وصل لتوه إلى الصالون و
رآهما يغادران معا..
أنت تقرأ
خطايا لا تُغتفر
Romanceكلنا بشر..و كلنا نخطئ..و نقترف أخطاء بحق أنفسنا ..أو بحق غيرنا..لكن الخطايا تختلف..فهناك أخطاء صغيرة و بسيطة..يسهل التغاظي عنها..و غفرانها..و هناك خطايا كبيرة..و مؤلمة..خطايا لا تغتفر..و لا تنسى بسهولة..و المسامحة و الغفران من شيم كبار النفوس و الكر...