47

2.6K 70 1
                                    

فتح لهما الحارس الباب و قامت الخادمة بإدخالهم إلى الداخل..جلسا معا على
أريكة في الصالون..كان ياغيز يفرك يديه باضطراب ولد صغير سيرى أمه للمرة
الأولى و يضرب برجله الأرض..مررت هزان يدها على كتفه و همست" حاول أن تهدأ حبيبي..لا تتوتر..سيكون كل شيء كما يرام..أنا معك" التفت إليها ياغيز و أمسك يدها
و قال" شكرا لوجودك في حياتي" ابتسمت هزان ثم تعلقت عيناها بميلدا التي
نزلت على الدرج..و ما إن رأت ياغيز حتى بقيت واقفة في مكانها للحظات..نزلت
الدموع سخية على خديها و أخذت تقترب منه و هي تمرر يدها على عنقها..وقفت
أمامه و قالت" ياغيز..حبيبي..بني..لقد أتيت ..أنت أمامي الآن..لا أكاد أصدق..هل
أستطيع أن ألمسك و أعانقك..هل تسمح لي بذلك؟" جمد ياغيز في مكانه و حملق
في أمه الواقفة أمامه..تمتم بصوت مرتعش" أمي..أنا.." و قبل أن ينهي كلامه
احتضنته أمه و شدت عليه بين ذراعيها و هي تبكي بحرقة..بقيت يدا ياغيز على
جانبي جسده..اضطرب و لم يعرف كيف يتصرف..ابتعدت عنه أمه و هي تقول"
ابني حبيبي..أنا آسفة..لم أستطع أن أسيطر على نفسي و أنا أراك أمامي..إجلس..تفضل"
ثم التفتت إلى هزان و قالت" شكرا لك هزان..أنت إنسانة رائعة" ..جلست ميلدا
مع ياغيز و أخذت تروي له ما حدث منذ سنوات..تركتهما هزان معا و خرجت إلى
الحديقة ..أرادت لهما أن يبقيا معا لوحدهما لكي يتحدثا و يطفئان شوق
السنين..تمشت بجانب المسبح و انحنت لكي تلامس الماء عندما خرج يمان من
تحت الماء ..صاحت هزان دون وعي منها و كادت تسقط في المسبح لولا أن يمان
سبقها و أمسك بجسدها قبل أن تقع..تراجعت هزان إلى الخلف و جلست على
العشب و هي تضع يدها على صدرها..فاجأها ظهور يمان المفاجئ من تحت
الماء..خرج يمان و جلس بجانبها و هو يقول" أنا آسف ..لم أكن أعلم أنك تقفين
"بالقرب من المسبح..هل أنت بخير؟" ابتسمت هزان و قالت" نعم..أنا بخير..شكرا لك"..

سعلت هزان بشدة فمرر يمان يده على ظهرها و هو يقول" صحة..صحة" و طلب
من الخادمة أن تحضر لها كأسا من الماء..في الداخل..أمسكت ميلدا يدي ياغيز و
همست" سامحني بني..سامحني..أرجوك حبيبي..اغفر لي ما مضى و امنحني فرصة
لتعويضك و الإقتراب منك..أريد أن أكون لك أما و لو أن ذلك جاء متأخرا..أرجوك
صغيري" تنهد ياغيز و لمعت الدموع في عينيه و قال" أمي.." صمت قليلا ثم قال"
لقد اشتقت إليك كثيرا" و ارتمى بين ذراعيها..بكيا معا بحرقة و شوق..لامست أمه
شعره و سحبت رائحته إلى أعماقها و هي تقول" أوخ..الآن أستطيع أن
أتنفس..لطالما تخيلت أنك بين يدي و أنني أشتم رائحتك العطرة و أضمك إلى
صدري..بني..أنا أحبك كثيرا" ابتعد عنها ياغيز قليلا و قال" و أنا..و أنا أيضا
أمي..لقد عانيت كثيرا و أنت بعيدة عني..مات قلبي و جفت روحي و أنا وحيد دون
أم تعطف علي و تحبني و تسهر على راحتي..مرضت و لم أجدك لكي تداويني و
تسهري بجانبي..تعبت و بكيت و لم أجد صدرك لكي أرمي عليه همومي..نجحت و
لم أجدك بجانبي لكي تفرحي لي و تفتخري بي و تشاركيني نجاحي..ظلمت و
تعجرفت و قسوت و تسلطت و لم أجدك إلى جانبي لكي تصححي لي
خطيئاتي..عشرون سنة من عمري ضاعت دون وجودك إلى جانبي يا أمي..أعلم
أنك فعلت ذلك لكي تحميني..لكنني كنت راضيا أن أموت و أنا بين أحضانك و
بقربك على أن أموت كل يوم و أنا بعيد عنك..أمي..أنا أحتاجك اليوم أكثر من أي
وقت مضى..أنا اليوم رجل عاشق غير الحب حياته و علمه أن يسامح و يغفر..و
أريدك معي لكي أعوض غيابك عني..لكي أعرفك أكثر..و أحبك كما يليق
بك..سامحيني لأنني لم أسمعك في السابق و لم أقرأ رسائلك..غروري و كبريائي
لم يسمحا لي بمنحك تلك الفرصة..الفضل في وجودي هنا و في استماعي إليك و
في فتح بابي أمامك يعود إلى هزان..تلك الفتاة الصادقة و القوية التي قومت
اعوجاجي و أصلحت أخطائي و أجبرتني على حبها..أنا و هزان سنتزوج في نهاية
الأسبوع و أريدك أن تباركي زواجنا و تشاركيني سعادتي" عانقته أمه و قالت" طبعا حبيبي..أنا سعيدة لأجلك جدا..هزان هي المرأة المناسبة لك..انها فتاة رائعة"..

خطايا لا تُغتفرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن