فتح لهما الحارس الباب و قامت الخادمة بإدخالهم إلى الداخل..جلسا معا على
أريكة في الصالون..كان ياغيز يفرك يديه باضطراب ولد صغير سيرى أمه للمرة
الأولى و يضرب برجله الأرض..مررت هزان يدها على كتفه و همست" حاول أن تهدأ حبيبي..لا تتوتر..سيكون كل شيء كما يرام..أنا معك" التفت إليها ياغيز و أمسك يدها
و قال" شكرا لوجودك في حياتي" ابتسمت هزان ثم تعلقت عيناها بميلدا التي
نزلت على الدرج..و ما إن رأت ياغيز حتى بقيت واقفة في مكانها للحظات..نزلت
الدموع سخية على خديها و أخذت تقترب منه و هي تمرر يدها على عنقها..وقفت
أمامه و قالت" ياغيز..حبيبي..بني..لقد أتيت ..أنت أمامي الآن..لا أكاد أصدق..هل
أستطيع أن ألمسك و أعانقك..هل تسمح لي بذلك؟" جمد ياغيز في مكانه و حملق
في أمه الواقفة أمامه..تمتم بصوت مرتعش" أمي..أنا.." و قبل أن ينهي كلامه
احتضنته أمه و شدت عليه بين ذراعيها و هي تبكي بحرقة..بقيت يدا ياغيز على
جانبي جسده..اضطرب و لم يعرف كيف يتصرف..ابتعدت عنه أمه و هي تقول"
ابني حبيبي..أنا آسفة..لم أستطع أن أسيطر على نفسي و أنا أراك أمامي..إجلس..تفضل"
ثم التفتت إلى هزان و قالت" شكرا لك هزان..أنت إنسانة رائعة" ..جلست ميلدا
مع ياغيز و أخذت تروي له ما حدث منذ سنوات..تركتهما هزان معا و خرجت إلى
الحديقة ..أرادت لهما أن يبقيا معا لوحدهما لكي يتحدثا و يطفئان شوق
السنين..تمشت بجانب المسبح و انحنت لكي تلامس الماء عندما خرج يمان من
تحت الماء ..صاحت هزان دون وعي منها و كادت تسقط في المسبح لولا أن يمان
سبقها و أمسك بجسدها قبل أن تقع..تراجعت هزان إلى الخلف و جلست على
العشب و هي تضع يدها على صدرها..فاجأها ظهور يمان المفاجئ من تحت
الماء..خرج يمان و جلس بجانبها و هو يقول" أنا آسف ..لم أكن أعلم أنك تقفين
"بالقرب من المسبح..هل أنت بخير؟" ابتسمت هزان و قالت" نعم..أنا بخير..شكرا لك"..سعلت هزان بشدة فمرر يمان يده على ظهرها و هو يقول" صحة..صحة" و طلب
من الخادمة أن تحضر لها كأسا من الماء..في الداخل..أمسكت ميلدا يدي ياغيز و
همست" سامحني بني..سامحني..أرجوك حبيبي..اغفر لي ما مضى و امنحني فرصة
لتعويضك و الإقتراب منك..أريد أن أكون لك أما و لو أن ذلك جاء متأخرا..أرجوك
صغيري" تنهد ياغيز و لمعت الدموع في عينيه و قال" أمي.." صمت قليلا ثم قال"
لقد اشتقت إليك كثيرا" و ارتمى بين ذراعيها..بكيا معا بحرقة و شوق..لامست أمه
شعره و سحبت رائحته إلى أعماقها و هي تقول" أوخ..الآن أستطيع أن
أتنفس..لطالما تخيلت أنك بين يدي و أنني أشتم رائحتك العطرة و أضمك إلى
صدري..بني..أنا أحبك كثيرا" ابتعد عنها ياغيز قليلا و قال" و أنا..و أنا أيضا
أمي..لقد عانيت كثيرا و أنت بعيدة عني..مات قلبي و جفت روحي و أنا وحيد دون
أم تعطف علي و تحبني و تسهر على راحتي..مرضت و لم أجدك لكي تداويني و
تسهري بجانبي..تعبت و بكيت و لم أجد صدرك لكي أرمي عليه همومي..نجحت و
لم أجدك بجانبي لكي تفرحي لي و تفتخري بي و تشاركيني نجاحي..ظلمت و
تعجرفت و قسوت و تسلطت و لم أجدك إلى جانبي لكي تصححي لي
خطيئاتي..عشرون سنة من عمري ضاعت دون وجودك إلى جانبي يا أمي..أعلم
أنك فعلت ذلك لكي تحميني..لكنني كنت راضيا أن أموت و أنا بين أحضانك و
بقربك على أن أموت كل يوم و أنا بعيد عنك..أمي..أنا أحتاجك اليوم أكثر من أي
وقت مضى..أنا اليوم رجل عاشق غير الحب حياته و علمه أن يسامح و يغفر..و
أريدك معي لكي أعوض غيابك عني..لكي أعرفك أكثر..و أحبك كما يليق
بك..سامحيني لأنني لم أسمعك في السابق و لم أقرأ رسائلك..غروري و كبريائي
لم يسمحا لي بمنحك تلك الفرصة..الفضل في وجودي هنا و في استماعي إليك و
في فتح بابي أمامك يعود إلى هزان..تلك الفتاة الصادقة و القوية التي قومت
اعوجاجي و أصلحت أخطائي و أجبرتني على حبها..أنا و هزان سنتزوج في نهاية
الأسبوع و أريدك أن تباركي زواجنا و تشاركيني سعادتي" عانقته أمه و قالت" طبعا حبيبي..أنا سعيدة لأجلك جدا..هزان هي المرأة المناسبة لك..انها فتاة رائعة"..
أنت تقرأ
خطايا لا تُغتفر
Romanceكلنا بشر..و كلنا نخطئ..و نقترف أخطاء بحق أنفسنا ..أو بحق غيرنا..لكن الخطايا تختلف..فهناك أخطاء صغيرة و بسيطة..يسهل التغاظي عنها..و غفرانها..و هناك خطايا كبيرة..و مؤلمة..خطايا لا تغتفر..و لا تنسى بسهولة..و المسامحة و الغفران من شيم كبار النفوس و الكر...