الفصل ٤٦(٢)

36.2K 1.3K 111
                                    

الفصل السادس والأربعون (2)
*********
هل أرتجف جسدها للتو بسبب لسعة الهواء الباردة، أم إن ارتجافتها بسبب ذلك الشعور القاسي الذي عاد يستوطن قلبها، لم تكن المرة الأولى التي تعيش فيها هذا الشعور..، بل قد عاشته لمرات عدة..، مرات حفرت بصمتها داخلها..،
وها هي اللقطات تعود وتخترق فؤادها، تخترقه لتخبرها بقلة حيلتها، بفقرها وتشردها.. بحياة لم تختارها،
فلم تختار أن يكون لها اخ من دمائها يلفظها من حياته، اخ تركها تعيش ذليلة ، اخ أجبرها أن تترك منزلها البسيط الدافئ حتى تهرب من مصير لا عودة منه

اختارت أن تعيش شريفة حتى لو أكلت من صناديق القمامة ، حتى لو ظلت بالشارع بلا مأوى.. وليتها ظلت بالشارع، ليت عنتر كان رجلاً شريفاً كوالده وتركها بحالها تبيت في المطعم فحتى الأرضية الرطبة التي كانت تحتضنها رأتها الحياة كثيراً عليها

وبثياب مبتلة كانت تسير خارج البوابة، وقد تعجب الحارس الذي كان يجلب غرضاً ما من أحد المحلات, خروجها في هذا الوقت؛ فاسرع نحوها هاتفاً اسمها ولكنها كانت تسير دون شعور بشئ حولها

- يا بنتِ لو محتاجه حاجه اروح اجبهالك، الجو برد ادخلي

انتظرها أن تُجيب عليه، ولكنها ظلت في سيرها بخطوات واهنة، فاتبعها قلقلاً من صمتها وهيئتها

- هي الست سعاد عارفه بخروجك دلوقتي..

وأخيراً استطاعت التقاط أنفاسها، ومسح دموعها بصعوبة، تلتف لذلك الرجل الذي يعمل كحارس للبوابة

- أنا كويسه يا عم صالح، أنا خارجة أتمشى شوية

طالع العم صالح المكان حوله، وقد أستغرب رغبتها في السير  هذه الساعة

- تتمشى دلوقتى، الدنيا ليل يا بنتِ.. استنيني هروح هحط الطلبات في اوضتي واقفل البوابه واجي اتمشى معاكِ

- لا، لا يا عم صالح ارجع انت مكانك..عشان البيه ميضاقش لو طلع ولقاك مش موجود

شعر العم صالح بالحيرة، وقد بدء الأمر يثيرة بالشك..، وجدها تُكمل خطواتها مبتعده فتنهد بقلة حيلة وهو يسرع عائداً للمنزل

- يا تري إيه اللي حصل بس، البت شكلها معيط وخارجه بهدوم البيت.. لا لا أنا هروح اشوف الست سعاد.. ، لو كان العم جميل هنا كنت زماني عرفت منه السبب

.......

- هتروح بس فين، ليه كده  يا بني ده أنت طول عمرك قلبك طيب..، والبت قليلة الحيلة وبختها قليل

تمتمت بها السيدة سعاد وهي تفرك يديها قبل أن تتمالك خوفها من غضبه وتدلف غرفة مكتبه تترجاه أن يعفو عنها، فهي لم تفهم شيئاً من حديثه عن هذا الرجل الذي تُريد الذهاب إليه

وجدته واقف أمام الشرفة يُطالع الحديقة، يزفر أنفاسه بزفرات مسموعه

- يا بني أنت لومتني لما ظنيت فيها السوء، البت غلبانه واغلب من الغلب ولا بتروح في حته ولا بتكلم حد..، ديه يا حبة عيني عايزه تشيل همها وعبأها من عليك فحبت تعمل مشروع من علي التليفون تقدم وصفات عن الطبخ

لمن القرارحيث تعيش القصص. اكتشف الآن