الفصل٣٢(١)

39.7K 1.3K 53
                                    

الفصل الثاني والثلاثون (1)
***************

علقت عيناها بها طويلا دون سبب.. والصغيرة كانت مثلها تنظر إليها وتنتظر أن تعرف هوية تلك التي تقف تطالعها بفضول..  ظنت السيدة ألفت للحظات أن فتون لم تتقبل الصغيرة
وشيئًا فشئ كانت السيدة ألفت تلتقط أنفاسها وملامحها تنبسط.. بل وتتسع إبتسامتها وهي ترى المبادرة من الصغيرة التي تركت مقعدها وهندمت ثوبها كسيدة إستقراطية وليست طفله لم تبلغ بعد أربعة سنوات
- أنا ديدا سليم رأفت النجار
مدّت الصغيرة يدها إليها ببراءة تنظر نحو فتون التي سرعان ما كانت تنحني نحوها وتمدّ يدها هي الأخرى إليها
- وأنا فتون
- فتون إية؟
سألتها الصغيرة كما أعتادت أن تسأل حينا تخبر أحداً باسمها كاملا... ضحكت السيدة ألفت فالتفت الصغيرة نحوها حتى ترى لما مربيتها قد ضحكت
- خديجة فتون مرات بابا وتعتبر ماما الجديدة.. مش بابا قالك تسمعي كلامها
عادت عينين الصغيرة تتسلط نحوها فابتسمت فتون تجيب على سؤالها وقد وقعت بالفعل في حب الصغيرة 
- اسمي فتون عبدالحميد.. اجاوب على أي سؤال تاني
ثم اردفت مازحه وهي تلتقط منها قبلة من فوق وجنتها الشهية
- أي سؤال من خديجة هانم أنا هجاوب علطول
طالعتها الصغيرة بضيق فلم تتقبل مزحتها ببساطة ورفعت كفها الصغير تمسح قبلتها وعادت نحو مقعدها تجلس عليه
انصدمت ملامح فتون من تصرفها كحال السيدة ألفت بعدما ظنت أن الصغيرة تقبلت فتون ببساطة
- خديجة مش عيب كده
عقدت الصغيرة ساعديها أمام صدرها تطالع مربيتها بعبوس
- أنا عايزة أكلم بابي
- إحنا لسا مكلمينه من شوية يا حببتي
- لا أنا عايزة اكلم بابي دلوقتي
بكت الصغيرة فانحنت السيدة ألفت نحوها تحاول تهدأتها ولكنها استمرت في البكاء.. تراجعت فتون للخلف قليلا وقد ألمها نفور الصغيرة منها وخاصة عندما مسحت قبلتها وها هي تبكي دون توقف ... كادت أن تغادر المطبخ وتنسحب ولكنها عادت تنظر نحو الصغيرة واقتربت منها
- تعرفي إنك جميلة اوي زي خديجة هانم
كفت الصغيرة عن البكاء عندما استمعت لاسم خديجة العمة
- ديدا الكبيرة حلوه زي ديدا الصغيرة
هتفت الصغيرة عبارتها بأعين باكية وطالعتها وكأنها تنتظر سماع المزيد عن عائلتها لتتأكد أن التي تتحدث معها ليست غريبة عنهم ...ابتعدت عنهم السيدة ألفت فأخذت فتون تخبرها عن مزرعة الجد عظيم وعن الفرسه سكرة
كانت الصغيرة مندمجة بشدة رغم إنها لم تذهب إلى تلك المزرعة إلا مرة واحدة منذ أشهر وذاكرتها الصغيرة لا تتذكر إلا مجرد مقتطفات بسيطة
- ديدا الصغيرة مشفتش جدو عظيم... بس بابا بيقول إنه كان هيحبني اوي لو كان شافني
ورفعت كفيها الصغيرين عاليا كما علمها والدها حينا تدعو لأحد
- ربنا يرحمه هو عند ربنا
تلاقت عينين السيدة ألفت بفتون التي أخذت تحملق بالصغيرة
- احضرلك العشا يا بنتي...
واردفت متسائله بعدما أطرقت عينيها أرضًا
- لو عايزانى اقولك يا هانم زي ما كنت بقول لشهيرة هانم...
- لاء أنا مش هانم يا مدام ألفت.. أنتي نسيتي أنا كنت إيه زمان... فتون مرات السواق الخدامة
رفعت السيدة ألفت عيناها نحوها فابتلعت غصتها وهي تراها كيف تدور بعينيها في المكان وكأنها تتذكر السنوات الماضية..نعم المكان قد اختلف ولكن الذكريات ظلت عالقة.
تثاوبت الصغيرة بعدما اخذ النعاس يحتل جفنيها فاغلقتهما
ولكنها ظلت تردد
- احكيلي حدودة يا دادة
التقطت السيدة ألفت يدها حتى تنهضها عن مقعدها
- ما أنتي عارفه إني مبعرفش احكي حواديت يا خديجة... زينب هي اللي بتعرف تحكي وهي مش هنا دلوقتي في الفيلا
زمت الصغيرة شفتيها تحدق في عينين مربيتها العجوز كما تخبرها السيدة ألفت بحالها دوما عندما تطلب منها أشياء فوق إستطاعتها بسبب سنوات عمرها ولولا رغبة سليم بتربيتها لطفلته لكانت تركت تلك المهمة لغيرها
علقت عينين فتون بهما فقد سارت الصغيرة صامتة جوار السيدة ألفت دون أن تجادل وكأنها تقبلت الأمر..
مسحت فوق وجهها بإرهاق فاليوم كان طويلا قاسيا عليها وخاصة إنها أصبحت تتعامل مع جنات في المطعم وكأن لا شئ قد سمعته وجنات بدأت تشعر بتغيرها
- إحنا ممكن نطلب من فتون تحكيلك حدودة يا خديجة
وعلى بعد خطوات قليلة كانت تقف السيدة ألفت تنظر في عينين الصغيرة التي عادت بعينيها الواسعتين ذو اللامعة البريئة الصافية تنظر نحو تلك الغريبة وكأنها تنتظر منها جواب
ابتسمت السيدة ألفت وهي ترى نظرات فتون السعيدة وقد اماءت لها برأسها.
............
حطم كل شئ حوله بجنون.. قذف وركل كل ما أمامه.. ملابس مبعثرة في كل مكان.. وها هو يجلس فوق الفراش ساقيه تتدلى أرضًا وعقب سيجارته بين شفتيه..
" سوق براحة يا حبيبي"
ضحكات ثم صراخ ثم ظلمة وبعدها لا شئ..
" البقاء لله.. لازم تتقبل موتها يا بني.. الموت علينا حق وأنت ملكش ذنب في موتها"
وهو يردد دون توقف
" أنا السبب، أنا السبب.. أنا اللي موتها قالتلي سوق براحة... قالتلي بلاش نسافر في الوقت ده بس أنا اللي صممت "
ومقتطفات أخرى تسير أمام عينيه والذكريات التي لم ينساها يوماً أبت الليلة أن تتركه
" للأسف خسرت شغلك يا حضرت الظابط.. اعذرني إني ببلغك بالخبر ده بس ده المفروض الإجراء اللي بيتخذ في حالتك.."
والسيدة فاطمة تواسي
" كان حلم باباك تمسك شغله وتدير شركته وتكبرها.. بس هو الله يرحمه محبش يضيع حلمك"
والسخرية ترتسم فوق شفتيه
" هديرها وأنا أعمى.. "
وطبيية نفسيه وراء أخرى.. والكل يغادر لا أحد يحتمل ذلك الأعمى الفظ
" مدام فاطمة ولاد عم المرحوم بقوا طمعانين في الشركة.. وعدم وجودك في الشركة وطبعا حالة جسار بيه بقت مخلياهم عندهم أمل إنهم يورثوا الشركة... جسار بيه لازم يتجوز على الاقل يكون عنده طفل.. جسار بيه مينفعش يكون لوحده"
" ملك يا جسار ديه البنت اللي هتكون مشرفة على حالتك.. "
وملك ليست طبيبة نفسية ... السيدة فاطمة تعاملها بحب.. تقف جانبها تطلب منها أن تتحمله.. يسمع والكل يظن إنه غافل عنهم وهو سليط فظ.. السيدة فاطمة نسيت أنه يوما ما كان ضابط تحاول جاهدة أن تُقرب ملك منه... جعلت غرفتها قرب غرفته... يسمع أنينها ليلا.. يسمع ويسمع إلى أن جاءت السيدة فاطمة بالعرض الذي كان ينتظر سماعه منذ البداية.. زيجة من أجل إنجاب طفل يحمل اسمه ويتوقف أبناء أعمام والده عن الطمع.. "
أخبرته السيدة فاطمة عن مرضها.. أخبرته عن رغبتها في الزواج من ملك... وعودة الأمل كما أخبرها الطبيب وعودة عينيه للنور
و" جسار الراجي " لا يفعل شئ إلا إذا أراد
والعروس المختارة من والدته ترفضه.. ثم عادت لتوافق عليه
والسيدة فاطمة تخبره عن السبب بأسي... تخبره عن مدى قسوة تلك العائلة وقسوة والدها الذي اعترف مؤخراً بأنها أبنته من دماءه... وتلك الشقيقه التي تزوجت من تمنته وتمناها زوجة
الحياة غلقت أبوابها نحو تلك الشابة الجميلة التي أخذت تصفها له
فاق من شروده وصوت رنين هاتفه يعود للمرة الثانية.. التقط الهاتف كي يغلقه ولكن علقت عيناه باسم المتصل 
- مالك يا ملك
صوتها الباكي وتلك الأصوات التي يسمعها جوارها جعلته ينهض منتفضًا يصيح بها مجددًا
- ملك في إيه حواليكي... ردي عليا ؟
..........
أغلق سليم هاتفه وقد التمعت عينيه بشعور لا يعرفه... سرح في تفاصيل الساعات الماضية التي سردتها إليه السيدة ألفت وكيف تم اللقاء بين أبنته و فتون حتى أنتهي الأمر بسقوط الصغيرة غافية بين أحضانها بعدما حكت لها حكاية الشاطر حسن
أضاء هاتفه فلتقطه بلهفة يفتح رسالة السيدة ألفت حتى يرى الصوره التي طلب منها إلتقاطها وبعثها إليه
وليته اكتفي بسردها فقط... فها هو ينظر للصورة بلوعة وشوق
يتفحص تفاصيل صغيريه " أبنته وزوجته" التي يعلم أن الطريق بينهم مازال طويلا
اتسعت ابتسامته شئ فشئ وهو يدقق النظر في نومتهم العجيبة.. اغمض عينيه بعدما شعر أن دقات قلبه ازدادت سرعة
وفي حلم خاطف لطيف في اليقظة كان ينسج عقله أشياء منحرفة سرعان ما كان يفتح عينيه متنحنحاً بصوت جلَّى يهتف لحاله
- جرا إيه يا سليم هتبقى مراهق ولا إيه... ده أنت يا راجل كلها شهور وتم السته والثلاثون
استطاع اخيرًا أن يخرج حاله من تلك الحالة التي سرح فيها... اسرع في ألتقاط حاسوبه الشخصي وعاد يندمج في عمله.. فهو يريد إنجاز  كل شئ في أيام قليلة حتى يعود لعائلته التي دوما حلم بها وقد تحقق الحلم أخيرًا
............
صوت المذياع يصدح بآيات الذكر الحكيم...  بعض النساء  تثرثر في أحاديث ليس وقتها
كيف مات؟ وكيف وجدته ابنته ميتً وكيف وكيف؟ وهكذا كانوا يتهامسون والبعض الأخر يجلس صامتً يؤدي الواجب في صمت
ضمت ملك بسمة إليها وعبارة واحدة كانت ترددها دون توقف
- مكنش في حاجة... ده أنا عشيته ودعكتله رجله وقالي أنا رايح أنام يا بسمه... قالهالي وهو بيبص ليا جامد وكأنه كان بيشبع مني
انسابت دموع ملك و ازدادت في ضمها تسمعها في صمت ووجع
- ده أنا كنت ناويه أول ما اخد المرتب هحجزله عند الدكتور...
ودموعها التي لم تتوقف إزدادت هطولا
- كفايه يا بسمة اللي بتعملي في نفسك ده... وبتعملي فيه طول ما انتي كده هو مش هيكون مرتاح في تربته يا حببتي
- ملحقتش اشبع منه يا ملك... ملحقتش
وفي أسفل البناية وذلك الصوان الذي يضم المعزين من أهل الحارة... كان يقف فتحي يتوسط كل من جسار و رسلان ومن حينا إلى أخر كان يرمقهم بنظرات فاحصه ثم يهندم من ملابسه وينظر لأهل الحارة بفخر.. كان يري الفضول في أعينهم وهو كان أكثر من سعيد بالأمر
واخيرا انقضى اليوم وتم إكرام العم حسني في دفنته
وها هم يقفون أمام ملك التي وقفت تشكرهم عما فعلوه معها... ورغم ضيق رسلان إنها لم تستنجد به ولم تهاتفه كما فعلت مع جسار وأتى إليها من الاسكندرية إلى القاهرة على الفور رغم أنه هو الأقرب... حنقه كان يزداد وهو يري ذلك الرابط القوي الذي يربط بينهم.. إزداد حنقه اكثر وهو يستمع لسؤاله والذي كان سيسأله لها للتو ولكنه سبقه فيه كما أصبح يسبقه في كل شئ خاص بها
- محتاجه حاجة مني يا ملك... اعذريني مضطر أرجع على اسكندرية عندي إجتماع مهم بكره
- شكرا يا جسار..
تحرك خطوة للخلف فخانته عيناه في التفافه خاطفة نحو تلك التي انكمشت على حالها محتشية بالسواد
طالعه رسلان بعدما رمقه الأخر بنظرة طويله ثم إنصرف جسار راحلا
- مش هعاتبك دلوقتى يا ملك على تصرفك
طالعته دون فهم فاردف بمقت يزفر أنفاسه يحاول طرد ذلك الشعور منه
- لولا مكالمتك للخدامة عشان تطمني على الولاد مكنتش هعرف.. نفسي افهم بتعاقبيني عشان إيه
تنهدت بإرهاق فلم يعد لديها طاقة للحديث 
- أنت شايف ده وقته للكلام اللي زي ده يا رسلان... شكرا يا دكتور على وقوفك معانا
التفت بجسدها تجر خطواتها نحو بسمة التي سارت مترنحة نحو غرفتها.. تعالت أنفاسه بضيق فاغمض عينيه يقبض فوق كفيه بقوة.. اتجه نحو الدرج ولكن تيبثت قدماه فزعا وهو يسمع صرختها... عاد إليه ينظر نحوها وإلى تلك المنبطحة أرضًا
صوبت عينيها نحوه هاتفه باسمه
- رسلان الحق بسمه يارسلان... مش عارفه مالها
..............
انتبهت الصغيرة نحو الحديث الدائر بين مربيتها و تلك التي غفت بين أحضانها أمس.. راقبتهم بعينيها
فتلاقت عينين فتون بها قبل أن تلتقط حقيبتها وتذهب نحو عملها
- أنا ممكن أرجع متأخر النهاردة يا مدام ألفت... عندي تسليم طلبيه
اماءت لها السيدة ألفت برأسها والتفت بجسدها عائدة للمطبخ
- تحبي تروحي معايا يا خديجة
توقفت السيدة ألفت تنظر إليها كيف اتجهت نحو الصغيره وجثت فوق ركبتيها أمامها تمسح فوق خديها
- هنروح فين
تسألت الصغيرة وانتظرت جوابها
- عندي مطعم صغير بشتغل فيه وبعمل أكل حلو.. مش زي طبعا أكل مدام ألفت
هتفت عبارتها الأخيرة فابتسمت السيدة ألفت وعادت بأدراجها نحو المطبخ
دب الحماس في عينين الصغيرة وركضت نحو هاتفها كي تجلبها وتعطيه لها
- لازم أكلم بابي عشان خديجة مينفعش تروح مكان غير لما تقوله
طالعتها فتون بغرابة..  فالصغيرة تدهشها.. تجعلها لا تصدق أن التي تقف أمامها ليست من صلب سليم النجار
- كلمي بابي عشان نروح سوا
هتفت الصغيرة بضجر من سكونها فانتبهت فتون على شرودها والتقطت الهاتف تدق فوق رقمه
سرعان ما كان يجيب على صغيرته بلهفة... أخذت منها الصغيرة الهاتف ووقفت على مقربة منها تتحدث إليه
ظلت عيناها نحو الصغيرة تراقب حركاتها التي لا تنم على إنها طفلة صغيره متمتمه دون شعور داخلها
- محظوظة إنك عندك أب كده..
سحبتها الصغيرة من فستانها حتى تنتبه إليها بعدما مرت مقتطفات من طفولتها التي تفتقر الحنان
- فتون خدي كلمي بابي.. فتون انتي مش بتردي ليه عليا
نفضت رأسها من تلك الذكريات... فوضعت الصغيرة الهاتف في يدها وركضت نحو مربيتها كي تبدل لها ملابسها وتستعد للخروج
- فتون ردي عليا... فتون انتي سمعاني
- بنتك جميله اوي
ابتسم رغما عنه وهو يسمع حديثها بعد هذا الصمت فخرجت أنفاسه مع تنهيدة طويلة
- أكيد بتقولي دلوقتي مش معقول ديه بنت سليم النجار
عاد الصمت بينهما فأكمل حديثه بعدما أغلق الملف الذي كان يُطالعه
- عايزك أنتي كمان تربيها معايا يا فتون
- ليه؟
والإجابة كانت تتلقاها ببساطة
- عشان كان نفسي تكون بنتك أنتي يا فتون...
تعالت أصوات تنفسها... فعلم إنها تصارع مشاعر كثيرة داخلها.. أشفق عليها فهو بالفعل يحاصرها
- فتون خلى السواق يوصلكم.. بلاش مرمطه في المواصلات يا فتون عشان تثبتي ليا إنك مستقلة بحياتك عني
انتظر جوابها ولكن الصمت عاد ثانية فهتف اسمها ببطء وكأنه يتذوق طعاما شهيا
- فتون
- خديجة جهزت انا لازم اقفل عشان اتأخرت على احمس
قذف الهاتف نحو سطح المكتب حانقا لقد لفظت اسم ذلك الشاب الذي لا يحب وجودها معه ويتحمل عمله معها وتقاربهم بصعوبة حتى لا يفرض عليها قيوده ... تملكته الغيرة فأخذ يدور حول نفسه بجنون هاتفا
- الطريق بينا مش هيفضل طويل يا فتون.. لاني متأكد إنك لسا بتحبيني وشيفاني بطلك
..............
وقف منتفضً عن مقعده يرمق تلك التي دلفت مكتبه للتو وخلفها مديرة مكتبه تطلب مغادرتها بأدب.. طالعته جيهان غير مصدقة عقابه
- اتفضلي أنتي على مكتبك يا استاذه فريدة
غادرت الأخرى في صمت.. فتلاقت عيناهم..
طالعها بنظرة فاحصة فقد كانت على غير عادتها باهتة الوجه، الهالات تحاوط عينيها وهيئتها غير مهندمة.. لوهلة أراد أن يصدق إنها ليست كاذبة.. والحقيقة المؤسفة ورغم عدم حبه لها إلا كمتعة في حياته ولكن تلك المتعة تُسكن أوجاعه... تسكن أبشع ذكرى عاشها يوما ولم يتخطاها ولكن "محمود" لم يكذب هي من دمرته وجعلته يختلس الأموال وبعدما كان موظف ذو شأن أصبح رجل بلا عمل لا تقبل الشركات توظيفه... أضاع مستقبله من أجل أن يحقق لها كل ما أرادته وهكذا كانت نهايته
- كنت صغيرة في السن.. كنت عايزة استمتع بشبابي.. أنا مقولتش ليه يختلس الفلوس... سيبتله البنت عشان أهلي مكنوش عايزينها... ليه صدقته ومصدقتنيش
وانسابت دموعها بغزارة فوق وجنتيها واقتربت منه تُجيد رسم دورها
- نسيت حبنا يا جسار.... ده أنا محبتش حد زي ما حبيتك
- محبتيش حد زي.. ولا حبتيني عشان فلوسي يا جيهان...
التف بظهره وقد تجمدت ملامحه
- المحامي هيخلص كل إجراءات الطلاق وحقوقك هتوصلك..
علقت عيناها به.. فهل هكذا ستغادر حياته... هل انتهى الأمر بها هكذا.. ازدردت لعابها تنظر نحو جسده
- أنا حامل يا جسار
...............
أصبح وجوده في الحارة حجة يأتي بها ليطمئن على حالة بسمة ولكن في الحقيقة يأتي لرؤيتها هي
طالع فتحي سيارته التي اصطفت على بعد بسبب ضيق الحارة ثم ترجله منها
سار بضعة خطوات ثم دلف البناية دون أن يهتم بتلك النظرات المتلصصة عليه.. تمهل فتحي في خطواته فقد اختار التوقيت المناسب لإصراف بسمه بعيدا اليوم حتى تجلب له بعض الأشياء من مناطق مترفقة
بصق ما بفمه واتجة نحو كشك السجائر ليشتري منه علبة سجائر
وبعدها كان يتجه نحو البناية يصعد الدرج المتهالك بتمهل اقترب من الباب المفتوح فوقعت عينيه على رسلان الذي وقف بقميصه بعدما أزال سترته وشمر عن ساعديه وينظر نحو ملك التي وقفت تعطيه بعض الأشياء حتى يصلح لها صنبور المرحاض
الفرصة كانت سانحة له وقد أتت الطريقه له ببساطة
صرخ رسلان بعلو صوته يهتف اسمها بعدما اغرقت المياة قميصه
- ملك لو سامحتي هاتي المفتاح التاني..
ركضت ملك إليه تحمل ذلك المفتاح الذي يقصده
- قولتلك يا رسلان سيبني أكلم السباك.. لكنك صممت... اتصرف بقى
رفع يده عن الصنبور فاندفعت المياه نحوها واغرقتها بالكامل
- عشان تبطلي رغي وتسبيني اشوف شغلي
نظرت نحو ملابسها المبتلة فاحتقن وجهها من مزحته وسرعان ما كنت تغمض عينيها وهي تراه يفك أزرار قميصه حتى يزيله عن جسده
اندفعت نحو غرفتها كي تبدل ملابسها التي التصقت على جسدها
- والله والحارة بقت تلم ناس ميعرفوش العيب
تجمدت في حركتها تضم جسدها بذراعيها والتفت ببطء نحو الواقف على أعتاب باب الشقة المفتوحة
- تعالوا يا ناس شوفوا الفضايح وقلة الأدب...
اتسعت عينيها تستمع لصوت صراخه في صدمة قد الجمتها ... فاندفع رسلان للخارج بصدره العاري ينظر إلى فتحي الذي وقف في الشرفة يصرخ بأهل حارته
- جاية تقعد في حارتنا ولامه الرجاله حواليها...لو في راجل في الحارة ديه عنده نخوة يتكلم
ولا تعلم كيف ومتي أصبحت الشقة متكدسه بأهل الحارة.. عراك نشبَّ بينهما والصراخ يعلو وهي تقف مذهولة تكتم صوت شهقاتها
انفض العراك بينهما فترنح فتحي للخلف ورسلان انحني بجسده قليلا يمسح الدماء عن فمه
التقط فتحي أنفاسه يطالعه متهكما
- ما أنت مدام راجل ما تتجوزها ولا أنت والاستاذه غاوين الحرام
غلت الدماء في عروقه واندفع نحوه يلكمه بقوة وسط الجميع
- اللي بتتكلم عنها مراتي يا حيوان
لجمت الصدمة فتحي فكيف تكون زوجته وهو قد افتعل الفضيحه حتى يتزوجوا
والسؤال لم يكن له جواب حتى سقط فتحي أرضًا

يتبع بإذن الله ( قراءة ممتعة)

#لمن_القرار ❤️
#سيمو

لمن القرارحيث تعيش القصص. اكتشف الآن