الفصل العاشر

64 6 18
                                    

الفصل العاشر
نجع الجن  تأليف سماح عياد  .

وصلت سلوى  إلى البيت  حيث إجتمع  الأعمام  و زوجاتهم و  العمات  أزواجهن  و الآبناء  و الأحفاد  و قد أصبحت  الدار  ممتلئة  بحيث لا تجد مكان خالي  من التجمعات  حيث تجمع الرجال الكبار أمام الدار حيث فرشت البسط ( الحصير )  و  وزعت عليها الوسائد ( المساند ) ليجلس كبار العائلة  و معهم بعض الجيران لاسترجاع  زكريات الزمن الجميل  و يتناقشوا في بعض الأمور  الخاصة يالنجع و الزراعة و غيرها من الأمور  و أمامهم أبريق الشاي على  الفحم  أطباق الفاكهة  و النارجيل  ( الشيشه )  أما الشباب فقد  إحتلوا المضيفة حيث  التليفزيون  و ألعاب الضمنو و الكوتشينة و غيرها و بالطبع  كل واحد فيهم يحكي عن بطولاته  التي نصفها كذب  لتتعالى أصوات ضحكاتهم  وبالذات  عندما يقوم أحدهم بتقديم رشوه  لأحد  الأطفال  ليسرق لهم بعض ارغفة  الخبز الطازج  من عند الفرن و يقوم آخر  بإحضار  اي شيء  يؤكل و موجود في الثلاجة الموجودة  في المضيفه  فكما كانت تفعل الجدة نوارة حيث كانت تضع لهم الجبن و القشطه  و المربى و العسل  وما يحتاجون اليه من مشروبات  غازية و غيرها من بعض الفواكه  و الان تقوم بهذا الدور ام عادل  ، ومن أمام الفرن حيث تجمعت السيدات عند الفرن الفلاحي ( فرن الطين)  لخبز العيش و وضع برايم الأرز في الفرن  حيث تتعالى أصواتهم بمختلف الأحاديث  من زكريات الماضي  و تطورات الحاضر و لكن كل هذه الأصوات تصمت عندما تبدأ  أم حسن تلك الجارة الطيبة  هي أيضا  من العائلة  ، عندما تقوم بغناء تلك الأغاني القديمة  و التي لا نعرف  هل هي أغاني  أم نواح  فهي أغاني حزينة و لكنها جميلة  و ما زادها جمال هو صوت أم حسن العذب و إتقانها لهذا النوع المنقرض  من الغناء ، تترك الفتيات  مهمتها في متابعة أواني  الطبيخ  العملاقه وأواني الظفر ( أي الطيور من بط و أوز ) الموضوعة  على النار في المطبخ و تخرج للاستماع  لاغاني  أم  حسن و مشاركتها في الغناء  لتكون هذه هي الفرصة الذهبية للشباب ليذهب أحدهم إلي  المطبخ و يسرق بطة أو وزة ليتقاسموها الشباب فيما بينهم و هذا هو الإنجاز الأكبر لهم في هذا اليوم  و كالعادة  يرفضوا أن يشاركهم  الأطفال  في هذه الغنيمة  فيقوم الأطفال  بإخبار  أم عادل عما فعل الشباب فتقوم أم عادل  بتأنيب الفتيات و تقول لهم :  والنبي مانتوا  نافعين  إبقوا قابلوني لو واحدة  فيكم فلحت و بقت ست بيت شاطرة  بقى الشباب يسرقوا الظفر من الحلة و إنتوا واقفين  .
لتتعالى ضحكات الشباب عليهن  ، و هذا أكثر ما  يغيظ الفتيات .
لتقول أم محمد  :  نفسي أعرف  هما دافعين لك كام يا أم حسن على المقلب ده بتاع  كل ختمة .
لتتعالى  ضحكات النساء و تقول  أم حسن  :  ياختي سيبيهم ياكلوا و يفرحوا هو إنتوا يعني عاملينهم  لمين .
ام عادل  : صوتك كأنه  سحر و كل مرة لازم يتعمل فيا المقلب ده .
لترد إحسان  : هههههه  جيل بيسلم جيل ابهاتهم كانوا بيعملوا فينا كده  و ياما خدنا تهذيء  و إحنا بنات بسببهم و لو تحبي أفكرك  مين كانت بتساعدهم  .
أم  عادل  بإبتسامة تحبس بها الدموع التي تملأ  عينيها   :  الله  يرحمك يا أبو  عادل مكنش زي باقي الشباب في طيشهم و شقاوتهم  ، كان ديما  قاعد مع الكبار و الكل يسمعله  و ياخد برأيه  و ليه هيبة مشفتهاش في شاب قبله ، بعد ما ماتت أمي لقيت الكل عايز ينهش فيا عمتي زينب  بقت تقلي وسخي نفسك و متستحميش علشان يقرفوا  منك و محدش يحاول يلمسك ، كنت من كتر الشغل طول النهار في الغيط و تحت البهايم  كنت بنام زي القتيل لو حد خدني و رماني في الترعة مش هصحى و مكان نومي كان في المطبخ  كان كل يوم يزعقلي و يقولي استحمي و سرحي شعرك  و لما قلتله على  اللي قالته  عمتي زينب   سكت  و تاني يوم لقيته بيبني أوضه  و معاها حمام صغير فريح الزريبه  واللي يسأله يقوله هشيل فيها حاجة تخصني و كمل الأوضة  و سقفها و مرضاش يخلي حد من إخواته يساعده و أبوه  يقله ليه يابني سيبهم يساعدوك يقله علشان  اللي يفكر يقرب من الأوضة  دي هكسر رجله  و عملها باب و مفتاح و ترباس  للباب من جوه و بيضها و فرشها و جاب فيها سرير و بطانية ناعمة ملونة و حط فيها مرايه  كنت بساعده في البناية و الفرش  وكنت بحب طريقته في الكلام شويه يتكلم زينا و شويه  يتكلم زي بتوع البندر  عمره ما زعلني و لا حسسني إني  خدامة  علشان  كده  كنت بحب أخدمه بعنيا  و على فكرة  كان بيعامل الكل بنفس الطريقة  و بعد ما خلص الأوضة  و فرشها  قالي دي اوضتك .
ردت صفاء  بنت زينب :  عملتي ايه يا عمتي لما قلك كده  .
أم عادل  :  خفت وإترعبت إذا كان هما  من غير حاجه مش طيقيني أمال  لو عرفوا إن حضرت الظابط اللي محدش يقدر يكسر له كلمة بنى بإيده و من فلوسه أوضة  و كمان تبعها حمام و فرشها فرش ماتحلمش بيه أحسن  عروسه هيعملوا فيا ايه  أكيد هيدفنوني في الجبل  ، و بعدان  أنا  كنت خايفة ليجوزوني الواد مصلحي العبيط  ، كانت ستي أم  عبدالله  دايما  تقولي  هنبنيلك أوضه  و اجوزك  مصلحي  بدل من نومة الأرض في المطبخ  في البرد .
أمينة  بنت إحسان  : هههههه  يعني كده و لا كده كنتي هتبقي مرات عمي .
أم عادل  :  خدامة  لمصيلحي  اللي لو مسك حد  ممكن يقتله  و بعدان هي أوضه  مصلحي  هيبقى  فيها سرير و مرايه  علشان  يكسر السرير و المرايه  و يقتل بيهم نفسه و لا أي  حد يطوله  .
هدى  :  و إنتي  كنتي تطولي  و بعدان  في النهاية  مين كان يصدق  إن  حضرت الظابط  يبصلك أصلا  .
أم عادل  :  هما عمرهم ماكانوا هيرضوا  يكون لي مكان بينهم .
صفاء :  قصدك بهما أمي زينب مش كده  .
أم عادل  :  لأ يا صفاء  كلهم مافيش عاقل يرضى باللي عمله عمك  .
صفاء :  ليه يا عمتي كلنا ولاد تسعة  وهو اتجوز اللي رادها قلبه على  سنة الله ورسوله  .
أم عادل  :  لو لقيتي واحد اشترى أغلى الحلويات  و عايز  يحط فوقها تراب  تسيبيه  ولا لازم تنصحيه و تفهميه إن  اللي بيعمله  غلط  ، و بعدان  بالنسبة  لأمك  هي معذوره  و بعدان اللي فات مات و إحنا  ولاد النهارده  و الحاجة زينب أختي  و مفيش بينا إلا  كل خير  .
تعجبت جميع النساء  من كلام  أم عادل   و أولهم  هدى  التي كانت حريصة على  نقل كل كلام أم عادل  لزينب  .
إحسان  :  أنا  لقيت عمي أبو  عبدالله  الله يرحمه  بينادي عليا و هو غضبان  و قالي شوفي إبن عمك و سلفك عايز ايه و عقليه  .
رد عليه أبو  عادل الله  يرحمه و قاله :  يابا أنا  عمري ما طلبت منك طلب قبل كده و أنت  حلفتلي أكتر من  مرة اللي هشاور  عليها هتجوزهالي حتى لو كانت مين .
أبو  عبدالله  :  لو كانت بنت سفير و لا وزير  مش عيله  الواحد يقرف يبص في خلقتها  ،  خدامة  هي دي اللي إختارتها بعد  ما رفضت أحسن  البنات   هي دي يا سيادة الظابط  .
أبو  عادل  ( عمار )  :  عارف كل اللي هتقوله  و قلته لنفسي قبلك لكن مش قادر  مش بإيدي  عارفها عيله  عمرها تلاتاشر (١٣ )  سنة  و أنا  عندي سبعة  و عشرين سنة  يعني عمري ضعف عمرها  عارف كل حاجة بس اللي إنت متعرفهوش  إني  لما بطلع مهمة برجع علشانها  هي و السبب  الوحيد  اللي مخليني عايش هنا وسطكم بردوا هي  و لو هي مش موجودة  أنا  بإذن الله  شهيد في أول مهمة ليا هفجر نفسي في وسط كتيبة الصهاينة  .
إحسان  :  براحه  بس يا أخويا كل شيء  وله حل .
عمار ( أبو  عادل  ) :  الحل ده تتفقوا فيه مع بعض  و ياريت  تشبع مني اليومين دول لأن  بكل الاحوال  أنا  مفارق  .
أبو  عبدالله  :  حتى  لو قلتلك اختار يا إحنا  يا هي .
عمار :  و مين قلك إني  عندي إختيار  هي الهوا اللي بتنفسه  من غيرها أموت  .
أبو عبدالله  : و لو قلتلك إني  هغضب عليك ليوم الدين  .
عمار :  وأنا  مقدرش على  غضبك  ، مبروك عليك يا أبو  الشهيد .
أبو  عبدالله  :  كلميه يا إحسان كلميه علشان  خاطري .
إحسان  :  حاضر يا عمي هكلمه  .
أم  محمد  :  وطبعا  كلمتيه  .                                   إحسان  : أنا  كلمته و هو اختار .
أم  عادل  ( نجاة ) :  هربت من النجع خفت ليودوني الجبل  لو رفضت اتجوز مصلحي و قررت أهرب هو انا ليا مين هنا امي و ماتت و محدش طايقني شغل و شقى من قبل أدان الفجر لأخر الليل و لا أكله تشبع و لا هدمه تدفي و حتى  الهدوم اللي كان بيجيبها عمار كانوا بيخدوها مني  ،
طلعت من الدار في الليل و فضلت ماشية مش عارفه رايحه فين ، أنا  مكنتش اعرف إنه  عايز يتجوزني و لا كان يخطر في بالي و لا عمري بصتله  كنت بخاف  منه  رغم إنه عمره ما زعلني كل هدومي هو اللي  شاريها و كان كل ما يجي  كان بيجيب معاه حلويات و لازم يديني منها بس من وأنا صغيرة كانوا بيخوفوني بيه لو مسمعتيش  الكلام حضرة الظابط هيحبسك ، البعبع اللي بيخوفوني بيه عمري ما بصيت في وشه و لااعرف شكله ايه بس كان دايما  عطره سابقه و صوته  معروف حتى  صوت مشيته غيرهم كلهم .
صفاء :  يا سيدي يا سيدي  مانتي كنتي مركزه  أهوه  مشيته صوته ريحته .
هدى  :  إتحشمي يا بت ، لازمتها ايه الحكاوي دي ، يلا يا بت إنتي و هي من هنا ادخلوا إكنسوا  ولا إغسلوا المواعين و شوفوا حاجة نافعة إعملوها  بدل قلة الحيا دي .
البنات  : حرام عليكي يا عمتي و الله  عملنا كل حاجة ، بالله عليك  سيبيها تكمل  .
كريمة  :  إحكي يا شهرزاد  و سيبك منهم  ، تعالي يا بت إنتي  و هي  هاتوا شوية قش لحمية الفرن و اقعودا
اسمعوا .
لتجري البنات بسرعة لإحضار ما طلبته كريمة   و الجلوس لمتابعة القصة  التي يعرف الجميع تفاصيلها و لاكن لا يمل أحد من سماعها فهي الحلم المستحيل  بالنسبة  لهن  .
لتكمل نجاة ( أم عادل  ) :  كانت ليلة ضلمة و الهوا عالي و برد و في الجو ده محدش بيخرج  من داره  بعد العشا ولا في صوت في النجع كله  فضلت ماشيه لحد لما بعدت عن البيوت و من غير ما أحس  لقيت نفسي ماشية  في سكة الجبل صحيح  لسه  ماشيه  في الغيطان  و موصلتش للأرض  الرمله  بس دي سكة الجبل  عايزة أرجع  أو أغير  سكتي مش عارفه كأن حاجة بتشدني  عنيا مبرقه مش عارفه حتى  أرمش  عنيا بتحرقني من برودة  الهوا  مش قادره أرمش  و رجليا ماشيه لوحدها و الجبل عمال يقرب من بعيد  و فاضل شويه و أعدي السور  عايزه أصرخ بس صوتي مش راضي يطلع  و شفت خيال من بعيد و سمعت صوت ديب  عمال يقرب  رعب و خوف مفيش كلام في الدنيا يوصفه ، خلاص أنا  ميته بس يا ريت يكون بسرعه و ربنا يرحمني من اللي أنا  فيه و مع دا كله و بردوا لسه ماشيه و حاسه إن  سرعتي بتزيد  عايز أقف مش قادره كأني في حلم  عايزه أصرخ علشان أصحى منه مش عارفة  بقيت أدعي ربنا في قلبي انه ينقذني من اللي أنا فيه  .

______________________________
متنسوش  النجمة و التعليق  تقدير لجهد الكاتب .

نجع الجن تأليف سماح عياد (عريس من تل أبيب )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن