الفصل السادس : الإنتماء

68.7K 1.8K 73
                                    

 يوري  يرسم دوائر الشك حول قلبي ، مختبرًا مشاعري و صبري بدهاء. في كل نظرة منه، في كل إيماءة، يكون هناك سؤال معلق في الهواء، يتردد صداه في أعماق روحي . 

وفي الجهة المقابلة  اجد  استيفن، الذي يشبه العاصفة في هدوئها، ولكن بقوة تحديها.

 يتحدى وجودي ، ليس كنزاع، بل كطريقة لإثبات الذات. 

كل كلمة منه تحمل وزن التحدي، كل خطوة كأنها ترسم خطًا في الرمال، داعيًا إلى تجاوز الحدود. 

استيفن بوجوده الجبار، يترك قلبي في حيرة من أمره ، اتسائل إن كان مجرد ظل يمر في حياتي أم علامة فارقة ستغير مساري.

في حكايتي ، تلتقي الأضداد في معركة خفية،  يوري يلعب على أوتار قلبي برفق، واستيفن يدفع روحي  إلى حافة الوجود، وكلاهما يترك أثرًا عميقًا في نفسي ، مثل الريح التي تعصف بأوراق الخريف، مخلفةً وراءها قصصًا لا تنسى.

*  *  *  * 

في تلك الأمسية الهادئة، حينما كانت السماء تتزين بألوان الغروب الخلابة، والثريا تودع نهارها، خرجت من غرفتي وأنا أحمل في قلبي وحدة ثقيلة ، القصر برواقه الواسع وجنباته الصامتة، بدا خاليًا من الروح، وكأنه يشاركني العزلة ، كان يوم عطله ، الجميع ذهبوا الى أجازه ، حتى الخدم  لم يبق احد . 

 الا آنا لم يكن لي ملاذ أهرب إليه، ولا زاوية في هذا العالم أشعر فيها بالانتماء. كنت كروح ضائعة، تائهة في متاهة الوحدة، قلبي يتخبط في فراغ موحش، يسكنه صدى أصوات غربان الوحدة والكآبة.

كرهت نفسي في تلك اللحظات، نفسي التي تتأجج أوصالها شوقًا لرجل يغرق في بحر السعادة مع زوجته، في جزيرة هاواي البعيدة. تملكني الاشمئزاز من ذاتي، التي وقعت في شرك حب رجل متزوج، حب محكوم عليه بالفشل منذ بدايته. 

كانت مشاعري تتخبط في دوامة من الارتباك والغضب .

وأنا أنزل من الدرج، محاولة مسح دموعي الحارة التي انسكبت على خدي، ظهر إستيفن أمامي فجأة. توقفت للحظة، نظرت إلى عينيه، عينان  فارغتان ثاقبتان ، لا تحمل أي معنى للمودة و الشفقة ، تنظران إليّ ببرودة قاتلة، بلا أدنى تعبير يوحي بالحنان أو العطف. 

كانت نظراته تلك كسكين تخترق قلبي المتألم، مضيفة المزيد من الأسى إلى جراحي.

أبحر في الذاكرة .. صباح أمس .. في معمل الرسم 

 بريق في عينيه يفوق الوصف، سحر لا يمكن للكلمات أن تعبر عنه، يلف حول قلبي كعقد من لآلئ البحر النائية.

عيناه زرقاوان وباردتان ، شعره كشروق الشمس الذهبي يتدلى بغموض على كتفيه كستائر الحرير. ذراعيه الطويلتين كفروع شجرة قديمة  قوية وممتدة. عشقه للقمصان البيضاء كما لو أنه يحتضن النقاء نفسه، ودومًا ما يترك أزرار قميصه العلوية مفتوحة كنافذة مطلة على عالمه الداخلي.

خادمتي اللذيذة ( غموض/رومانسي)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن