الجنازة

38.6K 1.2K 54
                                        

ما أطول قائمةالأشياء التي لا نتوقعها فوق العادة حتى تحدث .. فالمستقبل مظلم يراوغنا حتى يتربص بِنَا كقنبلة موقوته .. نعم كل شيء موقوت .. الوقت الذي ماتت مارية .. و لحظة إكتشاف ميرنا  حقيقة إيسبيلا  التي تخفي تحت جلدها إبليس الشهوة .. و إستيفن الذي يتلمظ بسكرته حتى وقع في شباك أحبلته جيدا  أصابع رشيقة .. و إمرأة الورق و القلم .. لقد كانت تتربص عليه منذ زمن ، و كان هو في لحظة إنسياع لحزنه وسكرته .. و هي في لحظة نيران عواطفها كبركان هائجة .. فحدث كل شيء للحظات إنتهى بدهشة صباحية حين إستيقظ إستيفن ليجد نفسه عاريا وسط أحضان إلينا .. تأملها مذعورا .. و أخد للحظات يستوعب ما حدث ليلة البارحة ..
تذكر لمساتها المشبوهة .. حضورها المربك .. قبلة داخل زوبعة الغيبوبة
لحظات و مرت عليه  ذاكرة شفافة كشال من دانييل يحفها الرياح ..
هنا ثمة قدر مضاد .. و تورط عشقي !
إنسحب تحتها بخفة  ..يحاذر أن يقوم بأي حركة  حتى لا تستيقظ   ..
تسلل تدريجيا من الرداء ..
وضع ملابسه على عجل ..
إستيقظت  قبل إنفراجه على الباب ..
تبادلا نظرات صامتة ..
نظر إليها متفحصا جسدها الناصع البياض .. لا يستدير بل يحملق فيها بكل بلاهة و حماقة بينما تقطر خجلا ..
سحبت الرداء .. شدتها .. تغضي ما تبقى من جسدها ..
إحساس غامض .. تحرش الصمت  ..
بهدوء مربك في ثقته قال " سأذهب .. سيكون هناك جنازة هذا الصباح "
حملقت إليه بصمت .. وجنتيها محمرتين..
رغبت بالحديث و لكن صوتها إنسحب خجلا الى قاع حلقها .. لم تستطع النطق ..
إبتسم لها بتحايل  محاولا الهروب من الموقف المحرج ..
خرج بعجلة .. أثار هذا نفسه شعورا نسبيا بالإرتياح .. ولكن ثمة كآبة كانت تشوب في قسمات وجهه ..إستدرجه الى دهاليز الذكريات .. سيكون هناك جنازة .. سيرى حبيبته مارية  ميتة تغير مذاق شفتيها .. سمرتها الغجرية .. 
تحسر على أيامها المعدودة التي تعذبت في هذا القصر و لم ينقدها .. إكشر أنيابه .. أقسم أنه سوف ينتقم لها ..
الإنتقام ..أيكون محاولة غير معلنة للبحث  عن  أحاسيس مرضية خارج تلك الشعور بالذنب و التأنيب لأنه لم ينقدها أو أنه خانها يوم وفاتها مع إلينا  ..
رفع كفييه  في وجهها المكفهر .. أطال في التفكير .. بزغت في ذهنه فكره ..
هتف بإهتمام " آه .. لابد أن أخبر السكان بما جرى .. لا بد أن أطلعهم على الحقيقة المرة   "
حمل نفسه  و خرج
........
هنالك إلينا تتوارى خجلا فوق فراش إستيفن .. عطره الذي يخترق حواسها .. تزاحم اللحظات اللية البارحة في ذاكرتها .. يستفزها إستفزاز حميمي صامت ..
كان لحظة شاهقة في سكرته التصاعدي .. عنف التحدي المستمر .. رغبات متبادلة .. نظرات لاهثة .. شهوة مستترة ..
..
أطلقت صوتا .. يتردد صداه في الأرجاء معلنا ..
" أحبك .. أحبك إستيفن "🔊
لبست على عجل قبل أن يدخل أحد في الغرفة يغري صيحتها الغبية
خرجت و دبيب إرتعاشية لازال يتلاعب بأرجلها ..
.........
الحاشية :
يتمهل في كل شيء بأصابعه اللدنة .. يمشط شعرها الفحمي ببطء .. وضع لها آخر اللمسات في وجهها .. الكحل .. أحمر الشفاه ..
حار كثيرا في إنتقاء فستانها .. لأنها أجمل جثة يقوم بتحضيرها في حياته ...و لكنه أخير إختارها ..
إنتقاه بعناية كبيرة  لتبدو فاتنة في آخر فستان ترتديه قبل أن تنتقل من هذا العالم
كان يحضرها بإهتمام و كأنه يعد لها للعرس و ليست للمقبرة ..
تنهد بإرتياح   " لقد أصبح كل شيء جاهزة .. تبدو ملاكا جميلا .. " طبع قبلة في جبينها كأنه يودعها .. في وجهه مسحة من الحزن يقطع نياط قلبه ..
" سوف أشتاق إليها .. " 
حملها فأحس أنها نحيلة و أزغب  .. وضعها في تابوت كئيب .. تاهت نظراته في وجهها .. " ماذا نسيت ياترى ‼️
هتف بجدل طفولي
" آه .. تذكرت"
وضع ورود حمراء في جانبيها .. أثار هذا في نفسه شعورا نسبيا بالإرتياح ..
أخد التابوت الى صالة كبيرة يتوسطها الكراسي و الورود .. سيعج هذا المكان قريبا بأهالي الجزيرة .. يودعها من يعرفها و من لا يعرفها .. من يحبها و من يكرهها ..
هكذا هي طبيعة أهل هذا الجزيرة .. يتشاركون في التعازي و حفلات الزفاف و الأعياد ...
دَنا موعد الجنازة و كان الشاب العريض منهمك في إتمام ما يستلزمه من تحضيرات نهائية .. و القلق و التوتر باديان عليه كلما حضر أحد على الصالة بالرغم من إنتهائه أغلب الترتيبات ..
حضر الجميع بثيابهم السوداء  و لم يعتذر أحد .. حتى يوري  الدي كانت صدمته تحير الجميع .. كيف لا ؟! و هو الذي قتلها و ها هو ذَا يلهث بكيا  خلفها  .. يهجم عليه شلالا من الكآبة يجرفه الى حيث لا يدري من المنحدرات .. و الصدمات ..  يسحبه  ليون و إيسبيلا  من ذراعيه  ذون أن ينهار أمامهم .. لكنه كان يبكي كالطفل .. كان يائسا و ضعيفا .. يندد بشهيقه في أرجاء الصالة ..
كان هناك  إستيفن أيضا يرتدي بدلة سوداء بإهمال  وضعها على جسده  وسط مأساه حقيقية تستحوذ على كيانه  كله و ينهمر فيها إنغماسا .. ينبعث في عينيه بريق منكسر .. متخاذل .. حائر ..
عاث في عينيه جثتها في التابوت الأسود .. كانت ترتدي ثوب ديباج أسود مزين بشرائط حمراء .. تبدوا ملاكا نائما إلا أن لون سمرتها الغجرية إختفت ليحل محلها  بياض ثلجي .. و شفتان جليدية .. ترقرق في محجريه دموع  و حزن مريع .. تمنى أن يكون ما رَآه  و أحس به ليس سوى كابوس من أحلامه المروعة .. و لكن كان الواقع مؤلما .. لم يستطع أن يتحمل المشهد .. و خرج من الصالة ليتربع  و يفترش لحافا في الخارج ..
هناك أيضا في الصالة إلينا التي قررت الذهاب الى الجنازة بذريعة التعزية و لكنها في الواقع كانت تطارد إستيفن حتى مربع عزله .. فخرجت أيضا تلهث خلفه ..
نظر إليها بلا مبالات ..
إبتسمت له و لكن لم يأبه لها ..
مكثت واقفة قربه بحضور صامت إستفز كراهيته الذي كان يخفي في داخله ..
صاح في وجهها  " ماذا تفعلين بقربي "
إبتلعت ريقها  .."  أحاول أن أواسيك قليلا "
هو بنبرة عدائي " توقفي عن مطاردتي .. أنا لن أستطيع نسيانها .. لن أكون لك حبيبا مخلصا و أخونك معها في ذكرياتي "
هي بنبرة نشوة أنثى
" أنا لم أطلب منك أن تنساها .. و لن أطلب أبدا "
جلست بقربه ..
نظر إليها .. عينان مملوءتان بالحياة .. ينبض في غوريهما سحر آخاد صعب عليه التخلص منه .. فقام بتقبيلها .. و تسلل الكآبة عنه تدريجيا !
هي كانت تحبه و تريد .. و هو كان يريد أن يتخلص من حزنه .. تبدوا صفقة عادلة .. أليس كدالك ؟!

إنتهى مراسم الجنازة  و جرت الامور في الداخل بسرعة كبيرة .. خرج  الحاضرون .. و كانت ألسنتهم تلهج بحزن " مسكينة .. ماتت وهي صغيرة جداً "
إختطفوا تابوتها في سيارة .. خرج خلفها عائلة إكوادور وحدهم  إلا إستيفن .. بقي خلفهم ..
كان يشاهدها من بعيد .. أعلا  تلة الضريحة  .. ينظر إليها و هم يزجون تابوتها في حفرة عميقة بنظرة حزن و أسي .. و لكنه كان يحاول أن يكتم أنفاسه اللاهثة
لما إنتهوا راحوا يسددون سهامهم الدامية الى قبرها
أحدهم يقول في صلف وحقد
" لم يبقي سوى أن يدفنوها "
و قال الآخر و هو يتنهد بإرتياح غامر
" و أخيرا تركتنا   "
و الثالث مستهزئا " من كان يحتاج اليها من الأول .. بشرية مقرفة "
الرابع ساخرا " سوف نشتاق الى عهرها .. "
تَرَكُوا الساحة فاضية إلا يوري الذي طلب منهم أن يتركوه ليودعها و ذلك الشاب العريض حتى يدفنها فيما بعد ..
كان يوري جاثم  ركبتيه على الأرض .. يترقرق دموعه على الحفرة .. يضعضعه الحيرة و الكآبة في أركان جسده المتهاوي ..
" سامحني يا مارية .. سامحني .. لقد أنهيت حياتك بيداي هاتين .. أنا رجل حقير .. أرجوك سامحني "
كان يتملل في مكانه و هو يجهش باكيا .. و يتحسر على عمل الوحشي الدي قام بها تجاه مارية .. تجاه فتاة الذي  أخدها صغيرة و رباها كأخ كبير لها .. و لكنه في النهاية أفرط على حياتها و أخد منها !  
كان الوقت مساءا و الغيوم تغضي السماء .  فدنى وقت الغروب .. و المسكين لم يجد مكان يخدشه سوى نفسه .. فحمل حاله و تركها ... 
....
دنى الشاب على الحفرة .. ألقى نظرة خاطفة قبل أن يدفنها ..
تزاحم جمل في ذهنه ..
" لا أصدق أنني  سأدفن فتاة جميلة كالورد .. لو كان الأمر بيدي لأحتفظتها في ثلاجة زجاجية حتى أتفرج بجمالها .. "
رفع نظرته الى السماء .. رأى غيمة تغضي الدنيا عتمة مربكة
أسرع الى  مجرفته   ..
إنهال عليها بعض التراب ..
سمع صوتا عميقا .. و غريبا ..
ثمة إحساس يخبره بأن الصوت يأتي من التابوت ..
لم يهتم .. أخد ينهال عليها بالتراب حتى سمع طرقة قوية هزت صداه أرجاء الضريحة ..
إغتاله الخوف .. تمالك نفسه ..  كان متأكدا من موتها .. ربما يكون حيوانا او حشرة ..
تبا .. الحشرة لا تصدر صوتا كهذا ..
زحف على الحفرة  و هو يتنهد و يدرأ يده في بطنه ..
أزاح بعض التراب فوق التابوت ..
قلبه يكاد يطير من مكانه .. يكاد ينفجر .. يضعضعه الرعب أركان جسده ..
تشجع .. فتح أخيرا ..
تجمد عينيه المذعورتين .. و أنزوى على جدار الحفرة و هو يرتجف خوفا و هلعا ..
.....
يتبع

خادمتي اللذيذة ( غموض/رومانسي)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن