01 أول ذكرى

110K 3.5K 3.5K
                                    

كان الثلج يتساقط بخفة من السماء وبحذر فوق أكتاف الطفل الضئيل في الليل بعد هروب الناس لبيوتهم طلباً للدفء، وهو، بعينيهِ الهائمتين، ظلّ يراقبهم ويسمع أصوات الأبواب تُغلق عند كل شارع

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

كان الثلج يتساقط بخفة من السماء وبحذر فوق أكتاف الطفل الضئيل في الليل بعد هروب الناس لبيوتهم طلباً للدفء، وهو، بعينيهِ الهائمتين، ظلّ يراقبهم ويسمع أصوات الأبواب تُغلق عند كل شارع. لم يكن المكان مظلماً كثيراً فإنارة الطريق كانت كافية ليرى الأرض تحت قدميه بوضوح. شعره أشقر باهت بهوت البياض مرفوع للوراء بطريقة توحي بأنه ذهب عند حلاق لجعله بهذا الشكل (إلا انه لم يدخل حلاقاً أبداً ولا يعلم ما هو الحلاق إن سأله أحدهم)، عينيهِ كالزجاج المُزرق، يرتدي أسمالاً بالية من قميص كبير ليس لعمرهِ وبنطالٍ صغيرٍ ليس لعمرهِ أيضاً، يُظهر ساقي الطفل كغصنين هزيلين أثناء مشيهِ بوضعية القرفصاء ليحبس أكبر قدر من الدفء لنفسهِ.

أين عليّ الذهاب؟ ولأي مكان يقودني هذا الطريق؟ ظل الطفل يتساءل ببراءةٍ وهو يمشي ببطء شديد بالنسبة لطفل بعمرهِ، يحاول تحاشي الأغصان الصغيرة والحجارة المدببة أسفل قدميه كي لا ينزف. كم يكره عندما تنزف قدماه، فهو مؤلم ومحرق ولا يتوقف إلا بعد فترة.

"آه!"، توقف الطفل فجأة ووضع كلتا يديه الصغيرتين على وجههِ وقال بصوت عالٍ كما لو كان يحدث مجموعة كبيرة من الناس الوهميين: "أنا أعرف إلى أين يؤدي هذا الطريق! إنه يؤدي إلى البيت!! هذا صحيح، صحيح..."، ظل يكرر العبارة وكأنه يؤكد على نفسه صحة استنتاجهِ.

ثمّ مشى ومشى حتى بدأت قدماه بالتخدّر من برودة الأرض فقرر الجلوس وراء شجرة على هامش الطريق، وسرعان ما انكمش على نفسهِ وغطّ في نوم عميق كما يليق بطفلٍ مثلهِ. لم يكن يتحرك كثيراً أثناء سباتهِ البسيط، باسطاً وجهاً صغيراً أبيضا كبياض الثلج حولهُ حتى لتحسبه لوحةٌ رسمت عليهِ.

نهض الطفل صباحاً على وقع دوي خطوات حوافر الأحصنة التي تجر العربات الصباحية وراءها محدثةً ضجة يسمعها كل من لامس رأسهُ الأرض من على بعد أميال. مدد يديه وحرك رأسه بطريقة عفوية لينشط جسده الخامل، بالرغم من أنه لم ينل كفايته من النوم إلا أنه وبكل أريحيةٍ حيّا الأحصنة السريعة وشكرها على إيقاظهِ باسماً الوجه وكأنه أسعد طفل في المدينة، لطالما كان مُبتسماً يحب كل شيء، الشمس والنهار الدافئ، القمر والليل الهادئ، الناس وتجنبهم إياه كما لو كان حشرة.

المفقودحيث تعيش القصص. اكتشف الآن