24 أم

10.8K 1K 350
                                    

تتسلل أشعة الشمس لعيني ببطء يليق بشروقها، فأغرس وجهي في حضنهِ الدافئ محاولة تجاهلها، رفضها، نسيانها، وإرغام نفسي على إنكارها فشمسي الوحيدة ليست هنا لِتُشرق، ولستُ على استعداد لاستبدالها بتلك التي تتوارى من وراء الستائر

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

تتسلل أشعة الشمس لعيني ببطء يليق بشروقها، فأغرس وجهي في حضنهِ الدافئ محاولة تجاهلها، رفضها، نسيانها، وإرغام نفسي على إنكارها فشمسي الوحيدة ليست هنا لِتُشرق، ولستُ على استعداد لاستبدالها بتلك التي تتوارى من وراء الستائر. لستُ على استعداد لتقبل مرور الأيام وكأن أمراً لم يكن، ولست على استعداد أيضاً للمثول أمام تلك الشرفة بستائرها وبزُجاجها وبذكراها التي تغرس الإبر في قلبي، وتنشر الخدر البارد في قدمي.

ترتجف الأهداب الذهبية على جبهتي وتتعالى الأنفاس بشكل تدريجي، يشدُّني إلى حضنهِ بعمق وتتساقط قطيرات عرق من جبينهِ، أبدأ بتحريك يدي المحبوسة بين صدري وصدرهِ بحركة دائرية على قلبهِ، وأنا على دراية تامة بأنني لا أخفف من وطأة هجوم كوابيسهِ؛ كوابيس طفولتهِ، كوابيس الحرب، وكوابيس تلك الليلة أيضاً، كريس يمتلك عقلاً قاسياً عندما يتعلق الأمر بالنوم.

تزداد قوة الحضن ويزداد ارتجاف الأنفاس، أفتح عيني لأرى وجهه المتألم، عينيهِ تناضل نومه من أجل الخلاص، حاجباه يتقوسان من شدة التوتر، شفتيهِ تطلبان النجدة بلا قدرة على تشكيلها ككلمة، ومنقذهُ الوحيد لا يكفي حضنه كوسيلة للإنقاذ بعد الآن. كان دائماً ما يقول لي بأنني منقذته أثناء النوم، يستمتع باحتضاني أثناء سهرهِ الإجباري ونومي اللاإرادي، وعندما يرحمه ملك النوم ببضع ساعات راحة عند الفجر، يستطيع تحمل الكوابيس مؤمناً بأنني لن أترك هذا الحضن، منقذته، كنت ولم أعد بعد الآن.

أرى الأمر غير عادل بين من احتفظ بهوية المنقذ ومن خسرها، فمنذ أيام الحرب، منذ أول نظرة، أصبحت أنا وهو منقذيْ بعضنا من الواقع، هو الذي أرجع لي سلامي وسلام هذا العالم، أنا التي أرجعت له سلامه وحده، احتفظنا بهذهِ العلاقة لفترة طويلة حتى غدى عالمنا عالماً لا يحتاج إلى هوية المنقذ، وتحطم هذا الوهم في ليلة واحدة فقدت بعدها هويتي كمنقذة، كأم، وربما كفارسة أيضاً.

لا أعتقد بأنه يعي دوره كمنقذ لي الآن، لا يعلم بأن استلقاءهُ ليلاً في حجري وإصغاؤه لقصصي هو ما يُبقيني متماسكة كإنسان، ولا أعلم إن كان الصمت المطلق وحجز نفسي في مسرح الجريمة وقراءة كل كتب المكتبة بلا توقف، يُدرج في قائمة الأشخاص المتماسكين، ولكن ذلك أفضل بكثير من البكاء الحارق المتواصل أو أسوأ من ذلك؛ محاولة البحث عن شمسي الصغيرة، فلذة كبدي، طفلي الذي شُطب اسمه بالمنشار من ذاكرتي.

المفقودحيث تعيش القصص. اكتشف الآن