كولِن
لقد قرأتُ في الكثير من الكتب بأن الفراغ في القلب مؤلم، يُحب الناس الكتابة عن ذلك، فهل يا ترى أمكن أحد هؤلاء تصوّر ألم فراغ محجر العين؟
"اهدأ... سنتحرر إن هدأت..."
كان يجب عليّ قول شيء ما له، نصحه، طمأنته، إضحاكه، أي شيء كفيل بجعلهِ يُرخي جسدهُ المنقبض والمنهك من ترانيمها المُحبطة، وإن كان البؤس في صوتي بالكاد يجد طريقه نحو أُذنيهِ. لقد كنتُ مُرتعباً من انطلاق قوتهِ من شدة الغضب، فيُدمرها، ويُدمرني، ويُدمر نفسه في مأساة أسوأ من اقتلاع كل أعضاء جسدي. كان اهتياجهُ شديد إلى درجة تجاهل دمائهِ رغباتهِ، ولستُ متأكداً إن كان ذلك أمراً جيداً أم سيئاً الآن.
"ماتيو... أرجوك أجبني..."
أرجوك ارفع رأسك وتحدث، أعلم بأننا في موقف لا يُحسد عليهِ، ولكنني لا أستطيع الجزم لك بأنني قادر على الحفاظ على وعي سليماً إن لم نخرج من هنا، لن أقدر على تذكر تنفس الهواء النقي بسلاسة، ولا رؤية نور الشمس بسكينة. فحتّى بالنسبة لشخص لطالما رأيته يواجه جنون حياتهِ بقوة جبابرة، حتّى الشبح المذنب مثلي، يمتلك حدّا مُعيناً قبل أن يفقد صوابه. سامحني، لا أقدر أن أكون الدعم لك الآن، لا أستطيع منحك تعويذة تُرجعك على قدميك مُتماسكاً، أفلت مني الوضع فلا أستطيع السيطرة عليهِ ولا الإحكام على مدى تطرفهِ.
ترددت خطوات صغيرة من دخول الكوخ، تُطالع فينا، ولكن مع تزامن ارتفاع رأسهِ ببطء شديد، دخلتْ، وتحرر أخي آتياً نحوي، احتضنني، ووضع راحة يده كالبلسم على عيني بلطف. اعتقدتُ حينها بأنني سوف أُدمن دفء الشفاء الذي يبعثه إن استمر حالنا هكذا تقلباً بين الحياة والموت على حين بغتة.
ماتيو
هدأت، صوته انساب رقيقاً ولكن بدقة كافية لاختراق عجزي وتحويله نحو المُمكن. ولماذا هو بالذات؟ لأنه مرافقي؟ لأن هذا الجسد الحقير له حُرية الاختيار فيمن سيُصغي له ومن سيتجاهله، حتى وإن كان هذا الشخص هو مالكه؟ كِدتُ أضحك، لستُ أنا المالك المُتحكم هنا، بل هو، تجسّد الملك الأول من يملكني حتّى آخر شبر من روحي. أخذتُ نفساً، طردتُ الخوف والأماني المستحيلة، وركّزتُ جيداً في مُناداة من يستطيع مناولتي المفتاح، وكان قردٌ صغير هو من استجاب لي. طمأنته بالدخول فلا أحد سيؤذيهِ هنا، وبرشاقة أهداني المفتاح لأتمكن بصعوبة فائقة من فتح القفل القريب من أصابعي، أو ما سلم منها. ارتختْ السلاسل فاعترتني الدهشة بأنني كدتُ أفقد حياتي للتو بسبب قيود حزمة الحديد هذهِ. لم أحاول التفكير كثيراً مُحدقاً في الوتديْن، لا وقت لدي، قبضتهما كالمتشبث بحبل حياتهِ وانتزعتهما نزعاً. ظللتُ أشفط الهواء من منخري بعمق مُحكماً على أسناني ببعضها، ولم أنتظر الثُقبين النازفين حتّى يلتئما كُلياً هاباً نحو أخي.
أنت تقرأ
المفقود
أدب تاريخيالمفقود حكاية عن ذلك الفتى الصغير الذي لطالما آمن بوجود دفء عائلتهِ إذا ما بحث عنه جيداً، إلّا أنّ الحياة تعلّمه أنّ الفرق بين الآمال والواقع قد يؤدي إلى هلاكهِ. فتبدأ حكايته وحكايات العديد من الشخصيات التي سترى النور بوجودهِ، لكن هل هو بالفعل لا يم...