"ما هذا ماتيو هيا أنهِ الأمر!"، صرخ داي من بين الجمع الرجالي ملوحاً يده في الهواء وصبره يكاد ينفجر نفاذاً، فأمسك ماتيو قبضة الرجل الدُب (كما اتفقوا على تلقيبهِ) القابضة على رقبتهِ محاولاً التخلص منها، "ستقتلنا حمراء الرأس إن تأخرنا!"
"أنا أحاول! تباً فقط اصمت!!"، جثة الرجل الدب تدعس جسده والهتافات تزداد كلما اشتدت القبضة على الرقبة، انقبضت عضلات رِجل ماتيو ليوجه ركلة مباشرة لبطن خصمهِ، نهض من الأرض ما إن ارتخت قبضة الرجل يلهث ويحاول حبس أكبر قدر من الأوكسجين لصدرهِ، ولسوء حظهِ لم يكن المكان مناسباً للتنفس على الإطلاق، جحر بسقف منخفض في أسحق عمق في قبو العاصمة، يجتمع فيه الرجال بشكل عشوائي ويقومون بالمراهنة في قتالات بينهم، يحوّط الجمهور حلبة للمتقاتلين وينتهي النزال بالاستسلام أو فقدان الوعي، وهي أسهل وأسرع طريقة لكسب نقود الطوارئ بالنسبة للإخوة الأربعة.
أمعن ماتيو النظر في الرجل الدب المترنح في وقفتهِ، عضّ على شفتيهِ منزعجاً من هذا الخصم الذي يأبى السقوط، جسدهُ منهك والدماء تخرج من فمهِ، "كم تبقى من الوقت؟"، سأل ساي بعدما ناوله قربة ماء من سور الجمهور المتحرك، "نصف ساعة أو أقل"
"تباً، لا نمتلك الكثير"
دفعه داي لوسط الحلبة: "تلك الركلة أدّت مفعولها، اضرب المكان نفسه وسينتهي أمره"، مسح ماتيو فمه آخذاً نفساً عميقاً أخيراً، يدور هو والرجل الدب في حلقة ببطء مستعدين لتوجيه الضربة القاضية، هو يعلم بأنه سيفوز، ضخامة هذا الدب لم تحميهِ من لكماتهِ وركلاتهِ المتتالية، يثق بقوتهِ الآن وقد ازداد طوله وعرضه. "ما الخطب أيها النب-"، ركله ماتيو في الموقع نفسه فتلوّى على الأرض متألماً.
"آسف ولكن وقتنا محدود"، هتف الجمهور حماساً في انتظار قيام الرجل الدب أو استسلامه، تعالت الأصوات تُطالب ماتيو بتوجيه ركلة أخرى ولكنه تجاهلهم واكتفى بفرقعة رقبتهِ ليثير الرعب في خصمهِ، استسلم الرجل قبل أن يتلقى ركلة أخرى.
لم يضيع داي المزيد من الوقت، أخذ المال عنوة من صندوق الرهانات وتأكد من أن المبلغ سيكفي، وبلا انتظار ثانية أخرى هرول مع ساي وماتيو الذي يضع كيس ثلج على فكّهِ نحو السطح. الوقت يداهمهم، ربع ساعة حتى يخرجوا من القبو، عشرون دقيقة للوصول للمتجر وأخرى للبيت، الثلج المتكدس على شوارع العاصمة والرياح الصقيعية لا تساعدهم على الإسراع، وبالطبع ازدحام العاصمة الغير طبيعي بكل أنواع البشر من كل شبر في المملكة.
أنت تقرأ
المفقود
Historical Fictionالمفقود حكاية عن ذلك الفتى الصغير الذي لطالما آمن بوجود دفء عائلتهِ إذا ما بحث عنه جيداً، إلّا أنّ الحياة تعلّمه أنّ الفرق بين الآمال والواقع قد يؤدي إلى هلاكهِ. فتبدأ حكايته وحكايات العديد من الشخصيات التي سترى النور بوجودهِ، لكن هل هو بالفعل لا يم...