كولِن
أراح الملك رأسه على الوسادة زافراً الهواء بتململ طفل صغير مُجبر على النوم. إن لقسمات وجههِ تعرجات متعبة ومنهكة من يومنا الحافل، وذات طمأنينة خاصة في الآن ذاتهِ. إنه كالرجل العجوز المتعب من مرضهِ والسعيد بولادة حفيد جديد له، أو بمعنى أصح، انبعاثهِ من القبر. كان المساء قد أسدل ظلامه عندما انتهى سرك اعترافي للعالم أجمع. وكان الملك كريس قد قرر إعداد وليمة ضخمة وخاصة على شرفي لو لم تعصف به صحته متنحياً نحو السرير برفقتي أنا وماتيو. وما إن انتهت الملكة من ترتيب الفراش حوله أشارت لي بالاقتراب منها، ففعلت ذلك تاركاً مسافة صغيرة، فعاودت الإشارة لي بالاقتراب أكثر، ففعلت ذلك للمرة الثانية وقد لامست رجلي أطراف السرير، فأشارت لي للمرة الثالثة أن أقترب أكثر لترتسم على وجهي علامات التعجّب، أتود مني أن أجلس فوق السرير؟ أومأت لي بنعم وكأنها قرأت السؤال على جبيني. وبكل تردد جلستُ على الأطراف خافضاً رأسي بأدب، ومحاولاً منع وصول ضحكات الملك من خجلي إلى أذني. عندها، لامست أناملها ارتجاف وجهي فاسترجعت ما كان عليهِ شعور أصابع امرأة عطوف، أم حنون، على وجداني كطفل كان يعيش في حضن والدتهِ، ويستظل شوقاً وراء ظل والدهِ البعيد.
قالت والحنان يُشكّل كلماتها ألحاناً: "أتعلم كيف للضباب أن يكون نقياً؟ لم أكن أعلم الإجابة عن هذا السؤال، أو قل لم أطرحه من الأساس إلى أن التقيت بها. أليسون امتلكت عينين بلون الضباب النقي عاكساً ما في روحها من خير وحزن مخفي، تماماً مثل عينيك وروحك كولِن، تماماً مثل عودتك الشبيه بالمعجزة إلينا"
"أكنتِ على معرفة بها؟"
"بها وبك وبهِ أيضاً، الزمن والبؤس وحدهما من جعلاني غريبة عنكم وجعلك مفقوداً غير معروف مع صغيرنا"
قال الملك ببهجة: "كان لويس سيضحك على ارتباط صغارنا بعد كل هذا الموت والضياع بهذهِ الطريقة. ماتيو بُني كيف عثرت على ابنهِ وجلبته معك للمنزل هكذا؟"
أجابه ماتيو بعدما رفع كتفيْه: "دمّرت حياته بلعن عائلتهِ ومن ثم انتشلته من الشوارع كتعويض، هذا كل ما في الأمر"
فأجبتُ بسخرية لا إرادية: "الملعون الحقيقي هنا لا يجب أن يتحدث عن لعنات الغير"
فأردفت الملكة: "ولا الضحية الأخرى للعنة المسخ أيضاً... كولِن صغيري نحن لن نُفرّط بك أو نهملك مثلما حدث في الماضي، وهذا وعد مني ومن كريس لك ولروح والديْك الطاهرتين... قد لا نكون أهلاً للثقة نظراً لما تفعله دماء البرايمرد بنا كما ترى. إلا أننا لن نسمح لأيّ كان أن يؤذيك أو يُشكك بك أو يحاول سلب ما هو لك من الآن فصاعداً. وعد ولن نخلفه وفاءً لمن ضحّا بحياتهما من أجلنا ومن أجل طفلنا... حان دورنا في حماية طفلهما"
أنت تقرأ
المفقود
Fiksi Sejarahالمفقود حكاية عن ذلك الفتى الصغير الذي لطالما آمن بوجود دفء عائلتهِ إذا ما بحث عنه جيداً، إلّا أنّ الحياة تعلّمه أنّ الفرق بين الآمال والواقع قد يؤدي إلى هلاكهِ. فتبدأ حكايته وحكايات العديد من الشخصيات التي سترى النور بوجودهِ، لكن هل هو بالفعل لا يم...