استلقيتُ على ظهري مُجدّفاً في المياه الباردة، تُعطيني الأشجار نظرة شوق وتأنيب لهجرها كل هذا الوقت فأضحك مُعتذراً، تهب رياح ربيعية لطيفة تدفع بالفراشات نحوي، تتعارك الشمس مع الغيوم في السماء على الظهور فتُفلِتُ مني الضحكات بخفة، أستشعر نقاء الهواء، عذوبة المياه، تنفس الأشجار... لا دواء أفضل لي من عاصفة الأمس سوى هذهِ الغابة، ورين كما هو متوقع منها قرأت قلبي هذا الصباح بعدما انتهينا من إعداد الفطور، "اذهب إلى الغابة ماتيو"، شعرت ببعض تأنيب الضمير كالعادة كلما تركتهم لأتوحد بين أحضان الطبيعة، إخوتي يتفهمون أنانيتي هذهِ فجميعنا يمتلك مهرباً يجد فيهِ نفسه كما يعلمها، كما يُريدها، وليس كما أجبرنا أبراهامز أن نكون.
لم يتوقف كولِنْ عن العزف بكمانهِ منذ استيقظ لهانا، وساي كان يُراقصها بشكل أخرق، هُما أكثر من يهتم بأختنا الصغيرة، داي لم يتوقف عن قراءة ما لا أعلمه والتعليق عليهما طوال الصباح، وكأننا بالأمس لم نرجع للبيت كأشباح دامية، أرواح مذنبة، وكم كنتُ ممتناً لابتسامة رين عندما فتحت لنا الباب الخلفي، أعدّت لنا حماماً ساخناً، حساءً لم نستطع ابتلاعه، وفراشاً بالكاد نمنا عليه...
هل يبكي أحدهم على موتى الأمس؟ هل أُعدّت الجنائز؟ هل دُفنت الجثث؟ وأكثر ما يُثير فضولي، هل يضحك أبراهامز انتصاراً الآن...؟ لا أعلم كيف يستطيع هذا الرجل النوم مطمئناً بعدما أمر بقتل كل هؤلاء، أو ربما هو ينام مطمئناً لأنه قتلهم. تساورني بعض الشكوك بشأنهِ، كان يسألني أسئلة غريبة في اجتماع العمل المقرف ذاك، يستفسر عن إيوس وكأنه صديقه المقرب أو كمن لا يعرف هويته من الأساس، وما يزيد شكوكي هو عدم نطقهِ لاسمه مرة واحدة، هو الذي أرسلني لتلك الجبال فمن الغريب أن أفكر بأنه لا يعلم هويته، ولكن... ربما ضرب الخرف رأسه مُتقدماً، لا أعلم، أبراهامز مجهول لنا على كثرة ذيع صيتهِ في قبو العاصمة.
خرجت من النهر بعد أخد كفايتي منه والتي لم تكن كافية على الإطلاق، ودّعت حزام الأشجار بحزن، عشت أفضل أيام طفولتي هنا، الغابة التي كانت بيتي ومهربي ومخبأي من الحياة، وكم أتمنى العيش فيها للأبد ولكنني لا أستطيع إجبار إخوتي على فعل ذلك أكثر مما فعلوا، حُلم البيت اقترحته بنفسي قبل ثلاث سنوات وأشعر بسعادة غامرة لتحقّقهِ وبألم لتركي رخاء العيش بين الأوراق...
أنت تقرأ
المفقود
Historical Fictionالمفقود حكاية عن ذلك الفتى الصغير الذي لطالما آمن بوجود دفء عائلتهِ إذا ما بحث عنه جيداً، إلّا أنّ الحياة تعلّمه أنّ الفرق بين الآمال والواقع قد يؤدي إلى هلاكهِ. فتبدأ حكايته وحكايات العديد من الشخصيات التي سترى النور بوجودهِ، لكن هل هو بالفعل لا يم...