الفصل الثامن

9.8K 455 56
                                    

تائهة في سرايا صفوان :

الفصل الثامن

........

جذب هاتفه ينظر له متعجبًا ،نظر مرة أخرى لساعو ... الرابعة بالفعل ..!!،يبدو أنه حدث أمرًا ما ولابد أن يكون خطير ..
_ الوا ... سُميـ....
كاد أن يكمل إلا أنه استمع صوت شهقاتها ، فاعتدل في جلسته مفزوعًا يقول :
_ مالك يا سُمية ... ، بتعيطي ليه ..
كلن صوت الهاتف عالي يسمعه أي أحدًا بالجوار ،هتفت بصوت شاهق :
_ سـ..سر..سراج ..!!
أغمض عينيه بألم، وهو يشعر بقبضة تعتصر قلبهِ، وصوت شهقاتها يتعالا شيئًا فشيئ، هتف بقلقٍ،وخوف إن اصابها مكروه أو أحدٌ من بالمنزل :
_مالك يا سُمية ايه الـ حصل ... اهدي واحكي براحه
قابله من الطرف الأخر الصمت يتخلله بكاءه فهتف بتسأل يخشى الإجابة:
_ تيتا وعمتي كويسين ...!؟
استمع لصوت همهمتها بالإيجاب فارتاح قلبه قليلًا ..، ثم ما أدرك أن يقول :
_ وليد كويس طيب ...
ازداد صوت بكاءها فقام من على السرير متوجها لغرفة الملابس يقول بخوف :
_...وليد حصله حاجه يا سُمية .. اقفلي انا جاي..!
استمع إلى صوتها قبل أن يغلق أخيرا وهي تهتف بسرعة:
_ لاء... استنى ..!، هو .. هو كويس ، يعني نايم دلوقتي و ....وماما معاه
استند بكفه على الحائط وقال بحزن:
_ ايه الـ حصلوا طيب..!
_ معرفش ..، لاقنا قاعد يكسر في الأوضة بتاعتوا بالليل ولما طلعنا نجري عليه كان قافل الباب من جوا معرفناش ندخل ، فسامي كان هيكسر الباب ، وفضل يزق جامد بس وليد فتح ..، و..وكان شكلوا مبهدل خالص والـ تي شيرت عليه دم بسيط ، وقبل ما نستوعب حتى انو ... انوا واقف اغمى عليه ..
_ طب هو كويس دلوقتي...،سُمية أنا مش مطمن نص ساعه وهكون عندك
_ استنى يا سراج ... ،سامي دخلوا اوض تانيه وغيرنا هدوموا ومسحنا الدم الـ في ايدوا وهو كويس دلوقتي ..، وبعدين لو جيت هيقولولك عرفت اذاي ..، ولو عرفوا ازي كلمتك بالليل كدا هيضايقوا مني جامد ..
جلس على أحد المقاعد وارجع رأسه للخلف ثم وضع الهاتف على كتفه بعد أن فتح مكبر الصوت..
قال بصوت حان:
_ انتِ كويسه طيب ..
_اهه الحمدلله ..،عارفه اني ازعجتك بس بجد أول مرة اشوف وليد كدا ،وحسيت اني عايزه اعيط وملقتش غيرك ...!
ابتسم لحديثها ثم قال بمشاكسه:
_أولًا انتِ مأزعجتنيش ولا حاجه اي نعم صحتيني من عز أحلامي وقلقتي نوم وقليتي راحتي بس مفيش أزعاج ولا حاجه ..!!
علىٰ صوت ضحكاتها في الغرفة بأكملها مما جعل قلبه يطير من السعادة ..، وجد أنه إذا أطال في الحديث سيتحدث بما لا يحمد عقباه وسيخبرها بأنه تقدم لها وهو يريد مفاجأتها،
_ هقفل بقا عشان اصلي وانام وهاجي اشوف وليد بكرا قبل الشغل... واشوفك ..!
أبتسمت بخجل لم يراه واغلقت دون الرد فنظر للهاتف مزهولًا وهو يقول :
_ قفلت في وشي... يا بت المجنونه...!
***************
أنهت صلاتها وقامت قائلة وهي تنظر لإلهام :
_ حضرتك مأكلتيش من ساعة ما جيتي ..!؟
_لاء مليش نفس خالص ، أنا يا دوبك خدت العلاج وخلاص
_ لاء اذاي بس حضرتك ..، كدا ممكن يحصلك مضاعفات ..هجهزلك الفطار حالًا
وبالفعل توجهت نحو المطبخ ، تعد فطار بسيطًا لإلهام الذي لم تنفك تفكر في حال من حولها ترى كيف وما عساها أن تفعل..!
وجدت زهرة تأتي بصنيه وتحمل عليها عيش بيض وجبن ومربى وعسل ابيض وزيتون ..
ثم وضعته أمامه وقالت :
_اتفضلي حضرتك لازم تاكلي دلوقتي ..،حرام بقالك وقت طويل مأكلتيش
طالعتها الهام تنظر لشحوب وجههت وكأنها وردة قد ذبلت ..، ثم جذبت كفها قائلة :
_وانتِ يا زهرة أخر مرة كلتي أمتى ..
أخر مرة تناولت الطعام ..! ، تذكرت أن أخر لقمة وضعت في جوفها كانت بجوار والدها ..،أغمضت عيناه بألم ثم قالت كاذبة:
_أكلت أنا وقمر بليل
مدت إلهام يدها تجذب رغيف من الخبز ثم قسمته جزء وضعته أمامه وجزء أمام زهرة وقالت :
_ طب معلش .. عشان يبقا بنا عيش وملح
لم ترد احراجها فقطعت قطعة ووضعتها في العسل ثم تناولته ويكفيها هذا ..، فهي تشعر بتلك اللقمة نار تحرقها من الداخل وتريد افراغها .
تناولت إلهام الفطار حتى أنتهت فقامت زهرة لتضعه بالمطبخ ثم رجعت لها مرة أخرة ..
جلست بجوارة فقالت إلهام :
_هاا .. كنتي عيزاني في ايه يا زهرة
أبتلعت غصه بحلقها وقالت وقد تذكرت أعينه الدموع :
_ بـ..بابا .. الله يرحمه .. عمل ايه مع حضرتك عشان .. يعني تبيتي معانا وتكوني قلقانه علينا بالشكل دا
أمسكت إلهام عضدها تجذبه للأسفل ترغم رأس زهرة على المكوث أعلى فخذها ..، فاقتربت زهرة تستند برأسها على رجلها وظلت إلهام بيدها العجوز تمشي ذهبًا وإيابًا على شعرها الأسود.
شردت قائلة وهي تتذكر فضل محمود عليها قائلة :
_ أبوكي الله يرحمه ..، كان السواق بتاع ابني سالم ، وسالم كان بيحبوا اوي زي اخوه بالظبط ..،وساعات كانوا بيشيلوا الألقاب كدا قدام بعض ويتعاملوا اكنهم اخوات ، ودا كان مريحني جدًا ..عمك سامي الله يرحمه اتخان من اعز صديق ليه صاحبوا الـ كان بيدخلوا بيتوا وسط مراتوا واموا وعيالوا ضربوا بسكينه تالمه في قلبوا
وفي يوم ياستي صاحبوا دا اسموا عزيز وعندوا ابن اسموا ياسر ..، أصغر من وليد بسنتين ،جيه عندنا كتير وهو صغير ووليد مكنش بيحبوا خالص ،وأنا واموا اقولوا عيب يا وليد دا زي اخوك وابن عمك عزيز ..، يقولي لاء يا تيتا مش عايز اروح او اجي معاه
وبعد ما سالم وعزيز اتحولوا من صحاب لأعداء بيحاربوا بعض في كل حاجه ،وفي مرة عزيز وسالم دخلوا مناقصة والاتنين حطوا شقى عمرهم فيها .. وسالم ابني خدها بعد ما كانت كل حاجه بتقوب انوا هيخسرها ..عارفه اذاي ..
همهمت متسألة فأكملت إلهام قائلة :
_ أبوكي هو السبب..،السكرتيرة بتاعتوا قالتلوا هتنزل تعمل حاجه برة الشركة وهو ياضنايا قالها ماشي ..، ونزلت وولاد الحلال كانوا خرموا كوتش العربية بتاعتها ،وابوكي كان طالع بتاكسي من جراش العربية وهيمشي يشوف رزقوا ، فهي وقفتوا عشان تمشي .. ومأخدتش بالها إن دا محمود .. وقبل ماتركب تلفونها رن وفتحت اتكلمت وابوكي سماعها،وهي بتقول ان الورق معاها والمناقصة هترسي على عزيز مش سالم ، محمود ابوكي بقا لبس طاقيه .. خاف تعرفوا وبعت رسالة لسالم فقالوا يوديها مخزن كدا من بتوعوا
.، محمود كان عارف إن المناقصة دي سالم داخل فيها بكل الـ حيلته ..، واختفت بقا البنت دي لحد ما المناقصة طلعت ورست على سالم ..، عزيز بقا يسكت ... أبدًا ،أجر ناس وهو مروح من الشركة وكان تاني يوم عامل حفلة عشان المناقصة دي ..، المهم عربيته ولعت الـ كان سايقه أبوكي .. ، وقبل ما النار تمسهم جيه واحد وقاله عزيز بيسلم عليك ومشوا ،فعرف بقا إن الحادثة من تخطيط عزيز ، وقتها النار كانت هتمسك فيهم بس فاتحوا سقف العربية ونطوا منها الاتنين .. ، واختفوا محدش عرف عنهم حاجه غير أنهم عايشين .
لحد ماظهروا بعد أسبوع بقا ...وكتيير يابنتي أبوكي الله يرحمه كان من خيرة الناس الـ عرفتهم ..، عشان كدا مش عوزاكي تحسي اني غريبة عنك ،ولا اني هانم عشان محبتش الكلمة دي امبارح ومردتش اتكلم ..،تقوليلي تيتا انتي والبت قمر القمر دي
أبتسمت زهرة لها بعد أن أعتدلت قائلة :
_ حاضر ...
_يحضرلك الخير يابنتي... الا قوليلي هي قمر تقربلك ايه بالظبط عشان مسمعتش ان محمود ليه قرايب خالص
_ لاء قمر بنت عمتي منيرة .. هي كانت مسافرة قبل ما بابا يتجوز ماما والاتصال قطع بينهم من زمان .. وكان نفسوا يشوفها اوي ..
_وهي مجتش مع بنتها ليه ..
_ توفت من أسبوعين ..
_لا حول ولا قوة الا بالله ..، زي مايكون نفسوا يشوفها اوي فرحلها ..
_الله يرحمهم
_اللهم آمين ، قومي نامي يا حبيبتي عشان ماتتعبيش
أماءت لها موافقة ثم وقفت متوجه لغرفتها ، أحست بدوار شديد فاستندت على الجدار تحمد ربه ان الحائط موجود ليخفيها عن اعين إلهام ...، أستعادات نفسها فاندفعت ببطئ نحو غرفت والدها .
ما ان فتحت الباب حتى هاجمتهت ذكرياتها مع والدها الحبيب ، رائحة عطره ..، هنا كانت تقف تهتف بأسمه ، هنا كان يقف يصلي القيام ، وهنا دومًا جلسته أسفل الشباك الممتلئ بالورود ..
تقدمت تمسك دورق ماء تسقي وروده حتى لا تذبل ، ثم توجهت لخزانته تأخذ منها احد قمصانه ترتديه وذهبت لفراشة ودثرت نفسها بين الأغطية تبكي ..!

***************
في الصباح ..
كانت تجلس بجواره تطعمه من الحساء الدافئ ،لا يعلم ما هذا الخمول الذي يغتال جسده ،وكأنه أصبح كهل في السابعون من عمره .
أبعدت خصلاتها السوداء عن عينها وهي تقرب الملعقة من فمه قائلة بحزن:
_ايه الـ حصل امبارح يا وليد ...،ايه الـ فيك قولي مش أنا أختك
مد يده يحيط بظهره مقربًا وجهه منه يقبل جبهتها قائلًا:
_ونور عيني كمان..، أنا كنت مضايق شويا ومعرفش ايه الـ حصلي ..
طالعته بترقب تحاول سبر أغوار عينيه تستكشف كذبه أو صدقه .. إلا أن سوداوته الغامضة لا تلمح بأي شئ ..!
كادت أن تتحدث لولا الباب الذي فتح بشدة وطل منه سراج وقبل أن يتحدث ،وجد وليد يرفع الغطاء بحركه سريعة يلقيه على شعر سمية مانعًا سراج من مطالعتها ..،وهو يهتف بغضب وغيرة :
_مش تخبط يا بهيم إنت ...!! ، اطلع برا يا سراج
وماكان منه سوى أنه عاد أدراجه واغلق الباب ،فأنزلت سمية الغطاء وقد أحمرت وجنتاها فمنذ الثامنة عشر من عمرها لم تظهر إلا بحجابها وهو رأها مرتين هكذا ..!!
نظر لها وليد قائلا بغضب طفيف:
_فين طرحتك يا سمية ..
دارت عيناها بالغرفة وقالت بتعلثم :
_مطلعتش... بيها ..،محدش بيطلع هنا من الـ بيشتغلوا معانا ومفيش غير سامي ..
أكفهر وجه وأردف :
_وسراج اهوو .. قومي بقا ادخلي الدريسينج لحد ما انادي عليكي تقومي طلاعا على برا علطول.... سامعة
هزت رأسها وهي تضع الحساء على _الكومود_ ثم ذهبت إلى غرفة تبديل الملابس وأغلقت الباب .
_ادخل يا عم ...
صاح به وليد مغتاظًا ففتح الباب وعيناه تدور عليها ليتبع وليد حديثه قائلًا بتوعد:
_عينك يا جحش لعورهالك ..
طالعه بصدمة وهو يقول مستغربًا :
_ايه الألفاظ دي يا راجل يا مثالي ..،يلي العيبة مبتطلعش من بوقك ..
تجاهل حديثه وقال وهو يشير برأسه في نقطة ما :
_أقف قدام السرير هنا ...
_ليه ..!
_من غير ليه .. اقف ،ولو عينك جات كدا ولا كدا بالمعلقة الـ جمبي دي وفي عينك
وقف أمام السرير كما قال ،ليهتف وليد بأسم سمية ،فاستمع إلى صوت باب حجرة الملابس يفتح ويغلق سريعًا وخطوات متوجه إلى باب الغرفة ثم إغلاقها ...
أرتفع حاجبي سراج بدهشه ثم قال :
_دي بنت عمتي على فكرا وقريب هتبقى مـ...
_دا عند ست الحجه هناك ... سمية مش صغيرة عشان تشوفها كدا يا سراج!
أنكمشت ملامحه بسخط فيبدو أن وليد تضايق كثيرًا ،ليقول وقد نسي ما اتى لأجله:
_لاء بقولك ايه ..! إنت عارف إني بحب سمية وإنها ليا ...يمكن مقولتش بس أكيد حسيت وا...
قاطعه مردفا بلهجه باردة :
_سمية متقدملها عريس يا سراج وأنـ....
هتف بنبرة هادئه غير متماشيه مع الحوار:
_نعم يا خويا ..!!!
قال ببطئ:
_سمية متقدملها عريس يا سراج
_دا عند عمتي الـ هي أمك ..،والله أقتلوا وأقتلها وأقتل نفسي ..، أنا موافق وهي موافقة يبقا مش عايز موافقتك إذا كان صحاب الشأن موافقين...،والعريس الـ جاي دا تبله وتشرب مايته
أرتفع حاحبيه بتعجب مما يهتف به هذا الأبله ..،ثم قال منهيًا النقاش :
_وهي ملهاش رأي بعد راي يا سراج، اختِ مش هجوزها غير الـ أنا هختاره وعايزه ليها، الحب بكرا يخلص وميبقاش موجود...
ثم همس وهو يشيح وجههُ عنه:
- مش هستنى اشوفها جايه مضروبة ولا مطلقة، عشان عصبيتك!!

............................
....................
...........
.....
..
.

تائهة فِي سَرَايَا صَفْوَان  © -مُكتملة- حيث تعيش القصص. اكتشف الآن