الفصل السابع والثلاثون

7.4K 255 80
                                    

تائهة في سرايا صفوان
الفصل السابع والثلاثون ...
...............................................
كان يجلس معها في الردهة التي تجاور غرفتها ،أمسكت بالسكين تُقطع قشر البرتقال تحت إضاءة خافتة وبدون حدوث اي ضجة تجلب على اثرها أحد .
فسخت البرتقالة وفصصت فصوصها ثم وضعتهم بالطبق وقربته من هذا الذي يمكث بهدوء يطالعه متخيلًا نفسه بمنزله هو سارحًا بخياله حد الثمالة في النتائج المترتبة على تلك الجلسة .
أخذ منها الطبق بسعادة ،هاتفًا بخفوت :
_ ماتتخيليش قعدت قد ايه ادعي ربنا الطريق يكون فاضي عشان اعرف اجيلك ..
"عودة بالوقت قليلًا "
انتهت ليلتهم الشبابية بعد ثلاث ساعات من مكوثهم ، حيثُ رحل أغلب الأصدقاء ، ولم يظل سوى أحمد وفتحي ، فهتف سراج باصرار :
_ يا عم ما تخليك انت وهو ...، البيت فاضي علينا مفيش غير الحج ،ونام خلاص ...
مط فتحي شفتيه بضيق ثم اجاب :
_ والله كان نفسي يا بني ..، بس الكهرابائي هيجي يشطب باقي الكهربة في الشقة .. آآ
قاطعها وليد ساخرًا :
_ وانتَ جايب الكهربائي الساعة اتناشر بليل .. !!!
قهقه الجميع على جميلته هذه فهتف فتحي مستنكرًا :
_ والله انتِ لو تصفي النية وتسلك ربنا هيفتحها في وشك ...، الشقة المفترض استلمها جاهزة من كل حاجه من ايد المهندس ، بس اكتشفت ان في سلوك داخله في بعض ، وكذا اوضة مفتح النور بتاعها واحد ..، عك يعني ، كنت هقدم شكوى ضدهم لمجلس الادارة ، بس قالولي هيبعتوا مندوب يصلح الخطأ دا فورًا ،... واتفقوا معايا على الساعه 11 قولتهم الساعة 12 هكون فاضي ..، فوافقوا ..
أومأ إبراهيم بنعم ثم تحدث مردفًا :
_ الناس دي لو هتجيلك الفجر ..، بس ما تقدمش شكوى فيهم ... ويخسروا شغلهم ... واحمد باشا ..
رد أحمد بعجالة :
_ احمد باشا ، طالع من الجهاز على هنا ،هموت وأنام ومش بعرف انام غير في سريري ..
لاحقًا ، رحل فتحي وأحمد ، وبقى سراج وإبراهيم وووليد ، اما سامي فقد ذهب للمبيت في القصر .
دلفوا ثلاثتهم لداخل الڤيلا بعد ان أغلق سراج اضاءة الحديقة ، هتف بهم بتفكير :
_ بقلكوا ايه ..
انتبه له الاثنين ، فاكمل :
_ الساعة اتناشر ونص ،.. محدش هيروح للبنات انهارده عشان انا عارف دماغكوا .. !!
هتف وليد مستنكرًا :
_ بنات ايه ..! ، لاء انا مش قادر امشي خاالص ... انا هطلع ارمي نفسي على السرير اصلًا ...
رفع إبراهيم حاجبه بعدم تصديق هاتفًا :
_ يا راجل ..!!!
أومأ وليد بنعم متحدثًا :
_ ايوا طبعًا ،.. انت ناوي تروح ولا ايه .. ؟!
فكر إبراهيم قليلًا ، ثم أجاب :
_ لاء مش رايح ..، انا زيك هطلع انام ...
تنهدر سراج براحة سريعًا ما اخفاها وأردف بحزم :
_ خلاص ..، محدش هيخرج انهارده ولا يشوف البنات دا اتفااق رجاالة هاا ..، يعني اي حد هيخلي بيه ، هنعمل حلقة ذكر وندعي عليه في ليلتوا ...
"عودة للوقت الحالي " ..
ابتسمت باستحياء مردفه :
_ طب خد بالك دي اخر برتقانه هقطعهالك ..، والله لو حد شافك هنا ليعلقوك يا سراج ..
اعتدل في جلسته ومضغ فص البرتقال الذي بفمه ثم هتف باستنكار :
_ انتِ مستأليه بجوزك ولا ايه يا هانم ..، الشرع والقانون في ايدي ..، طب يبقا يفكر حد يقولي تلت التلاته كام وانا هنفخه .....
_ دا أنا هالنفخ الـ جايبنك ....
رنت تلك الكلمات في اذنهم الاثنين بصوت جاهوري افزعهم ، وقف سراج عن مقعده بصدمة ووقفت سُمية هي الأخر مما ادى الى وقوع طبق الفواكهه من حجرها ، ثم دلفت لغرفتها سريعًا واغلقت بالمفتاح وهي تضرب على وجنتها برفق هاتفه بعويل :
_ يا نهار اسود ...، موتك انهارده يا سُمية .....
في الخارج قفز سراج سريعًا خلف المقعد وهو يبتلع ريقه بتوتر ،.. هتف وليد بهدوء يسبق العاصفة :
_ مش هتعصب .. هنتكلم بهدوء وبعقل ...، ايه الـ جابك هنا ومقعدك مع اختي ... !!!
كان ابراهيم يقف قبل تقاطع الردهة متحفظًا قليلًا كي لا يلمح سُمية إن كانت تجلس بأريحية ،لكن عندما استمع لصوت الباب يغلق بحدة شك بانها قد دلفت ، لكن بقى كما هو كي لا يضع نفسه بموقف محرج .
على بُعد أمتار منه ،تشدق سراج بحنق ونبرة متهكمة :
_ مراتي على فكراا ..!!!
اقترب منه وليد بعصبية هاتفًا :
_ ياخيي جاتك مرارة لما تتفقع في عينك ...، بتعمل ايه هنااا يلاا ..!!
امسك سراج السكين التي كانت تمسك به زوجته منذ قليل حيث وجده ملقى على الأرض بالقرب منه فانحنى وهو يركض من وليد وتلقفه ،.. ثبت مكانه ودار لوليد وهو يوجه السلاح نحوه واستطرد قائلًا بمكر :
_ عندك يا ابوا النسب بقى... لحسن بدل ما تبقى دُخلتك تبقا خرجتك .. ،وعلى يدي ..!
هتف وليد بصوت عالي ساخرًا :
_ تعالي يا هيما شوف الـ انا فيه ..،هاتلي السلبة من عندك يا بني دا ناوي على موتوا انهارده ...
دلف ابراهيم وهو ينظر لهم ، ثم انفجر ضاحكًا بصوت عالي وما لبث ان وضع يده على فمه كي لا يستمع أحدًا له ، نظر سراج لإبراهيم وهو يلوح بسكين في اتجاه وليد ثم قال ساخرًا :
_ الله ..!! ،دا ابن الساعي كمان هنا اهوو ...، طب وليد ودا بيتوا .. بتعمل ايه هنا ..
هتف ابراهيم بلا مبالة يغلفها التحدي :
_ جاي لمراتي يا ابن الجارحي ..، ليك شوق في حاجه ..!!
_ الله الله ..! ،حلو الكلام دا ، ولا واحد التزم بالإتفاق ، يبقا كلوا واحد يروح يشوف مراته ونتقابل قدام القصر بعد نص ساعة ...، هاا ..؟! ،.. قبل ما حد يصحي ..
اردف بهذا الحديث سراج يُمني نفسه بقضاء وقتًا اطول مع زوجتهُ،... وللأسف كان على وليد الموافقة في مقابل أن يرى زوجتهُ ايضًا ..، اما بالنسبة لإبراهيم فكان سيراها رغمًا عنهم .
اقترب وليد من سراج هامسًا بوعيد :
_ عارف لو قربت من اختي هعمل فيك ايه ..! ، تقعد هنا وهي هناك ..
واشار له بمكان جلوسه وجلوس اخته ايضًا ، هتف سراج وهو ينظر في شاشة هاتفه :
_ طب بسلامة انت يا ابوا النسب عشان فات دقيقتين .. والوقت كالسكين بقى ...
اصطنع البصق عليه هاتفًا بغيظ شديد :
_ عبوشكلك يا اخي ..
ابتسم له سراج بسماجه وهو يشعر بانتشاء وسعادة لا مثيل لها ، فوليد أكثر من سامي بكثير في غيرته على اخته منه ، .. سامي يتفهم حب سراج لأخته اما وليد فهو يعتبر كدخيل متطفل عليه أخذ جوهرته حتى أنها كتبت على اسمه ..! ، اختفى وليد وإبراهيم من امام سراج ، فوضع الأخر يده خلف رقبته مردفًا بسعادة :
_ دا انا هطلع عينك يا وليد ..، اصبر علي بس !! ،سُمية من حق ..
وأسرع يطرق بابها بخفوت حتى لا تمر نصف الساعة كاملة دون أن يحظى بما يشبع عينيه بها حتى يحين اللقاء الكامل غدًا .
همست من خلف الباب :
_ عايز ايه سراج ...
_ اخوكي مشى افتحي بقى..
_ سرااج ،.. والله وليد لو رجع ليقول مافي فرح بكرا ..، دا مجنون ويعملها ...
مط شفتاه بامتعاض ، وهتف بحنق :
_ والله مجنون ويعملها .. يعني انا مش عارفه !
*******************************
يدعو الله أن تكون في الشرفة كما قالت ولم تدخل ، التف حول مبنى المضيفة ليكون بالقرب من الشرفة بطريقة تتيح له النظر بها ويرى إن كان يقف فيه أحدًا ام لا ، ولا يراه من بها .
التمعت عيناه ببريق مختلف وشق ثغره بسمة عريضة وهو يراها تقف تعطيه ظهرها ، اقترب اكثر ووقف بالقرب منها بدرجة كبيرة لكن متخفيًا في السور ، فتح هاتفه وفعله وضع الصامت وكتم جميع الإشعارات ثم فتح إحدى تطبيقات التواصل الاجتماعي الذي كان يحدثه عليه من قبل ، دلف لدردشة الخاصة بهم والذي يثبتها أول واحدة ثم بعث لها :
_ بتعملي ايه يا حبيبي ..
رأها تعتدل في وقفتها وسمع تلك التنهيدة العميقة التي خرجت منه تدل على سعادتها بمحادثته ، لاحظ يدها الذي بدأت تتحرك بشكل سريع مما يدل على أن اصابعها تتحرك بكثرة ، فعلم انها تكتب له شيءً ما ،وما زاد شكه يقين عندما وجد كلمة يكتب باللغة الإنجليزية التي تتوجد تحت اسمها بالأعلى .
ارسلت له :
_ واقفه في البلكونه لسا ، كنت فاتحه فيس ، وانت.. ؟!
ابتسم لردها ، وكتب مجيبًا على سؤالها :
_ انا يا ستي دلوقتي جمب اكتر حد بحبه في الدنيا ...
ثم ارسلها لها ،.. عقدت حاجبيه بضيق وهي تمط شفتاه بسخط ، حسنًا ستمنع نفسها من كتابة ذلك السؤال الذي يدور بباله .. لن تكتبه .. لن تفعل ..!
جحظت عينها بصدمة وهي ترى نفسها قد كتبت له بالفعل من ..، لاء وأرسلتها ايضًا .. وقد رأها ..، يبدو انها في حال اللاوعي .. بتأكيد لا محال .. !
أغلقت شاشة الهاتف ، ووضعت يدها على جبينها هاتفه :
_ يا لهوي ايه الـ كتبته دا ..!!
أعلن هاتفها عن رسالة جديدة ، ففتحته بتوجس وهي تنظر لرسالته التي وجدتها :
_ جمب القمر ..
وأرسل لها مرفقًا برسالته وجهه القمر رمزًا من الرموز التعبيرية المزودة بهاتفه ،... دارت جسده عكس اتجاه لتشاهد القمر حيث كان يظهر معظمه في هذا السواد الكاحل وتلك الغيوم الكثيفة ،تهدد بهطول الأمطار قريبًا .
ابتسمت تلقائيًا وهي معتقده انه يقف في الشرفة ايضًا يطالع القمر .
عقدت حاجبيه باندهاش وهي غير مستوعبة أنها تشم رائحة الـ بيرفيوم الخاص به ..! ، الهذه الدرجة تُفكر به .!
كتبت له بعد تردد :
_ أقولك على حاجه بس ما تقولش عليا هبلة .. !
أرسل له رمز تعبيري على هيئة وجه ضاحك عدة مرات ثم ارفقه برسالة :
_ قولي ومش هقول عليكِ هبلة ..
ثم أرفق الرسالة بنفس الرمز التعبيري ، أرسلت له :
_ ريحة البرفيوم بتاعتك شامها جامد اووي زي ما تكون هنا ...
وضع يده على فمه ليمنع من خروج صوت ضحكاته ، اشرأب بعنقه ليراها مازالت على وقفتها تلك فاقترب منها بهدوء دون أن يثير انتباهاها ..
*******************************
وقف أمام باب المضيفة من الداخل ورغم أن المفاتيح معه لم يكن ليدخل بسبب وجود قمر أيضًا ، لهذا فشلة خطته بأن يفاجئها بوجوده .
أخرج هاتفها وقرر أن يهاتفها ويخبرها بانه في الاسفل ، وضع الهاتف على اذنه وانتظر اجابتها :
_ الوا .. ايه يا زوزه ، بتعملي ايه ..!
_..............
_ اممم ،.. طيب انا تحت انزلي
ابعد الهاتف عن وجههِ باستغراب بيّن عندما سمع صوت صفارة اغلاق المكالمة ، عقد حاجبيه باستغراب وهمّ ان يدق ثانية الا أنه وجد الباب يُفتح وزهرة تطل منه بوجهه مشرق والابتسامة تعلو ثغرها ، وضع الهاتف بجيبه وهو يبتسم لها بحب قائلًا وهو يشاكسها :
_ ايه الحلاوة دي ..
ابتسمت باستحياء فقد تم تزينيها كعروس مما احدث طفرة في وجهها تثير الناظرين ، هتفت بخجل :
_ عينك انت الـ حلوة ..، ايه الـ جابك السعادي ..
رفع اكياس الفاكهة أمام ناظريها وهتف :
_ كانت عايز اثبت لحد كدا اني وليد صفوان ...
اتسعت ابتسامتها ثم انفجرت ضاحكة وهي تأخذ منه الأكياس بسعادة كبيرة ثم هتفت :
_يا نهار ابيض ..، دا انت وليد صفوان بجد جدًا ...، شكرًا اووي يا وليد ، مكنتش متخيله انك تعرف تجـ..آآ
قاطعها مردفًا :
_ تاني ..!!!
_ خلاص خلاص ...، تعالى ادخل ، قمر في البلكونة وهعرفها انك هنا ..
دلف وراءها هاتفًا :
_ لاء ملهوش لزوم تقوليلها اساسًا هيما معاها ..
لفت جسدها له وقالت باستغراب :
_ ايه دا بجد ..!
أومأ بنعم ، فأخذته نحو غرفة جانبية فدلف ورائها واغلق الباب ، وضع الأكياس على الطاولة وقال :
_ اتفضلي يا ستي ..، ام الحرنكش الـ نزلتيني عشانوا ..
اقتربت من أحد الأكياس واخذتها ثم جلست على الأريكة ووضعته بحجرها ثم فتحته وبدأت تخرج منه ثمرة ثمرة تنزع قشرها الهش ليظهر كورة صغيرة من اللون البرتقالي تبدو شهية للغاية .
اخذتها سريعًا بفمها وهي تتلذذ من مذاقها قائلة باستمتاع :
_هممم ،.. ماتتخيلش بموت فيه اد ايه ..، دا فاكهة الصيف على فكرا ،.. بابا دايمًا مان بيجبهولي وهو مروح من عندكوا ...
اعتدلت بجلستها ثم اسطردت قائلة :
_ اصل كان دايمًا بيمر من على سوق كدا ،.. وكان فيه واحد اسموا عم مسعود دا الـ كان بيجيب الحرنكش علطول ،لما بابا كان بياخد من عند علطول ، بقى لوحده يحفظ له كيلوا دايمًا ولما يحود عليه يقولوا انا جهزتلك طلبيتك ،... حتى تعرف ...
وجدت انها انهت نصف الكيس تمامًا وهي تقص عليه دون ان تعزم حتى ولو بواحدة ، فهتفت بحرج :
_ يادي العيبة ..! ، هو انت مستنيني اقولك خد يا وليد ..! ، .. اتفضل
ثم مدت يدها بالكيس فسحب اربعة منه وهو يبتسم مردفًا :
_ كنت مركز معاكِ ،... بقالي كتير مكلتوش ..
_ يلا أديك اكلتوا على حسي ...
اكل اثنين وقال :
_ تصدق طعموا حلوا اوي ..، انزاحي انزاحي ..
افسحت له المجال ليجلس بجوارها ملتصقًا بها ثم وضع الكيس بينهم ليأكل معها ، .. هتف وهو يلوك الثمرة بفمه بعد ان ابتلعها وهمّ ليأخذ غيرها :
_ كملي يا زهرة ...
عقدت حاجبيها مستغربة ثم ما لبثت ان قالت :
_ امم ..،حكاية الحرنكش ..، مافيش يا سيدي ... بابا كان بيجيبوا ،.. ونقوم فرشين فرشة حلوة كدا في البلكونة ...، وبعدين بيجيب السبرتايه ... بابا كان كَيِيف قهوة اصلًا ،.. وكنا نحط كلوا في ارضية البلكونه وشوية تسالي كدا وبشغل الاب على فلم لـ اسماعيل يسٰ وكنا بنقضي احلى وقت والله ....، يا ريت كنا فضلنا زي ما احنا كدا يا وليد ،... مكنش بيخليني انعى هم اي حاجه ابدًا ... تعرف ..!!
احاط خصرها بيده كانه يدعمها فاراحت راسها على كتفهُ واكملت حديثها حتى نهياته ،.. همهم مردفًا :
_ امم .. !
أكملت وهي تعود بذكرياتها للماضي الذي عاشته ،وبالأخص نحو تلك السنوات التي لم تشهد لهم مثيل من الألم ،.. وقالت بنبرة حزن :
_ وانا عندي اربع سنين بابا حس اني بدأت اكبر وهو مكنش متواجد معايا علطول ، فكان بيقعدني عند جارتنا الـ في البيت الـ قصادنا لحد ما يرجع ، بس حسا انوا بيتقل عليها عشان كدا اتجوز واحدة تانيه ..،عشان ترعاني ..
تفاجئ بحديثها بالفعل ، لم يكن يعلم ان هذا الرجل الطيب قد تزوج مرة اخرى ،.. انصت لباقي حديثها باهتمام :
_ اتجوز واحدة مطلقة معاها عيلين اصغر مني ،... كان مفكر انها هتاخد بالها مني وترعاني بجد ..، بس دي معملتش حاجه غير انها كانت بتضربني وساعات بتنيمني من غير عشا ...، وطبعًا كانت بتفضل عيالها عليا اووي ،.. هات يا محمود فلوس عشان اجيب هدوم لزهرة ،.. هات اجيب مش عارفة اي لزهرة ..، هات عشان زهرة ..، عشان زهرة ،... وطبعًا دا كلوا كان بيروح لعيالها ...، تصدق ..! ، عمري ما انسى انها اخدت هدوم بنت اختها الـ يعتبر قديمة شويا وقالتلي خديها دي هدوم العيد وانا ماتكلمتش ،.. عشان مكنتش اعرف حاجه ...، بس بعد كدا بقا لقيت نفسي مش قادرة استحملها ، .. وقررت اقول لبابا على كل حاجه ،.. بس قبليها لازم اعاقبها .. تعرف عملت ايه ..!!!
ثم رفعت وجهها له فقال ضاحكًا :
_ عملتي ايه يا وش المصايب ..!
ضحكت بخفوت وقالت :
_ حطتلها سم فيران في الأكل ...، مكنتش اعرف بتاع ايه دا ،.. لأن كلامه كان بالإنجليزي ومعرفتش اقرأ ،.. بس قولت يلا مش خسارة فيها ،.. وحطيت في طبقها ،... فضلت تصوت من الوجع بليل بقا ، وبابا خدها على المستشفي وعملوا غسيل معدة ... ،ورجعت زي القردة بنت الايه دي ..! ، بعدها باسبوع قومت قايله لبابا على كل حاجه ...، على الهدوم الـ كانت بتجبها من بنت اختها على اساس جديدة وتحط الفلوس في جبها ،... ولا الكتب المستعمله الـ كانت بتحبهالي زمان عشان تاخد فلوس الكتب هي ... تخيل انها راحت الدرس بتاعي عشان تقول للمستر ، .. معلش احنا ظرفنا على اد حالنا ومش هنعرف ندفع المصاريف وكدا ..، قالها مفيش مشكلة يا حجة احنا هنعلمها من غير فلوس ،... بابا لما عرف الحوار دا ماسكها ضربها.... والله كلت علقة! ... وبعد كدا اطلقوا ،... من يومها وبابا هو الـ مهتم بيا وهو الـ كان بيجيب ويعملي كلوا حاجه ،....
تنهدت بثقل مردفه :
_ يا ريتوا فضل عايش ...، وشافني وانا بتجوزك ...، يا ريتوا كان وكيلي في كتبت كتابي ومسابنيش ..!
قبْل اعلى راسها بحنو وقلبه من الداخل يتمزق ،.. فقد أشعلت فتيل الكراهية والبغض اتجاه ياسر أكثر وأكثر ،... لن يكفه انه أخذ كل شيءً من يده ،.. بل سيذيقه العذب عن طريق والده ،... هتف بصوت جاد يحمل بين طياته العزيمة ووعود :
_ طول منا عايش يا زهرة مش عايزك تفكري في اي حاجه تتعبك ....، أنا وعدتك قبل كدا ان حقك هجبهولك لحد عندك يا زهرة ...، دا دين في رقبتي وان شاء الله هوفيه بس اصبري ...
ابتعدت عنه واعتدلت في جلستها قائلة بجزع :
_ وليد ...، اوعي تعمل حاجه تضيعك مني ..،كل حقيقة مهما طولت هيجي يوم ليها وتنكشف ..، ربنا مش ظالم ابدًا .. ابدًا ..
ابتلع ريقه باضطراب ..، بالفعل سيأتي يوم وسينكشف كل شيء ،وستعرف انه السبب فيما حدث لوالدها ،.. يرجو الله ان حبهَ له يشفع تلك الذلة .
رنين هاتفه اخرجه من شروده هذا ، .. امسك الهاتف ليرى المتصل فوجده سراج ،.. فوقف قائلًا :
_ الوقت اذف ..
وقفت هي الاخرة مستغربة :
_ وقت ايه ..!
طالعه مبتسمًا :
_ اصل متفقين نص ساعة بس وكلوا هيجمع قدام القصر ...، يعني كان فيه اتفاق اولاني اصلا ان محدش هيجي هنا ..، بس قولت لازم اعرفك وليد صفوان يقدر يجيب لبن العصفور ..، مش حبة حرنكش ..!
_ احم ..، لاء وليد صفوان على سن ورمح يعني ..
قالتها بنبرة فخر ان هذا زوجها ،.. لم تكن تحلم بأن تكن في هذه المكانة التي كانت تقتصر في مشاهد بين اثنين من الابطال التركين ،.. تلك المسلسلات التي تعشقها وتذوب فيها .
خرج من عندها فرافقته للخارج حتى الباب فهتف :
_ خلاص ادخلي انتِ ،.. اشوفك كمان كام ساعة ،.. انا الـ هوصلك الفندق ...
ابتسمت قائلة :
_ ان شاء الله تصبح على خير ..
رحل ورحلت معه ابتسامته حزنً لفراقهِ ولو لساعات ،.. اغلقت الباب ثم استندت عليه وهي تنظر للأعلى قائلة بحب :
_ خلاص .. مفيش غير نهار بكرا .. وليله هيكون معايا ...
*******************************
امام بوابة القصر
خرج ابراهيم آخرهم ، وكان سراج اخذ سيارته وانطلق بها هو ،.. فتح باب السيارة ثم استقله بجوار وليد دون ان يتحدث فقال وليد ساخرًا :
_ مالك يا عم الجميل ..! ، لطعني هنا مستني جنابك ، كان هاين عليا امشي وتيجي موصلات والله ..
كان يبدو شاردًا ، فلكزه في كتفه بخدة قليلًا مخرجًا اياه من شروده ، انتبه له إبراهيم ،فقال وليد :
_ ايه يا بني مالك ..!
_ مافيش يا وليد .. اطلع يلا عشان دماغي مصدعة وعايز انام ...
ظل ينظر له باستغراب فقال ابراهيم بانفعال :
_ ايه يا عم بتبصلي كدا ليه .. بقولك اطلع يلا ..!
قاد السيارة وبدأ بالخروج من محيط القصر وهو يجزم أن هناك ما حدث بينه وبين قمر ..
هتف بعد وقت من رؤيته لصمته الشارد هذا :
_ احم ..، لو عايز تحكي حاجه .. انا موجود ..
هتف بدون ان يتحرك أو يشغل اي عضلة بوجهه حتى الا الفكين وهو يقول :
_ متشغلش بالك ...
*******************************
استندت على السور وهي شاردة ، والدموع تهطل من عينيها تلمع كالنجوم تمامًا حول القمر ،.. رفعت يدها ثم هبطت على حد السور بحدة عدة مرات تنفث غضبها في تلك الضربات المتتالية حتى احمرت يداها ،.. ودت لو صرخت عاليًا ... عاليًا بشدة ...، ودت لو احتضنت والدتها الآن .. ، يكفيها هذا الحضن فقط .
شردت في لقاءه المفاجئ هذا بحنق وهي غير مستوعبة ما آلت اليه الأمور بينهما وماذا فعلت ..، والأسوأ ماذا قالت هي .... !
"عودة للوراء قليلًا "
شهقت فزعة بشدة حتى انها القت الهاتف من يدها وكادت ان تصرخ بعدما وجدت من يقبلها من خدها ، وضع ابراهيم يده على فمها وهو يقول بفزع :
_ هشششش ،.. اسكتي يخربيتك هتفضحينا .. !
اغمضت عينها وهي تتنفس بسرعة وصدرها يعلو ويهبط بحدة ،.. حتى رأها هدت تمامًا فقام بإبعاد يده عن فمه ،.. هتفت بغضب .. مصطنع :
_ انت اتجننت يا ابراهيم ..، قلبي وقع يا اخي ..
عقد ساعديه على السور واقترب بوجهه منه قائلًا بخبث :
_ سلامتك من الوقعه يا عيون هيما، جمدي قلبك كدا...
ابتسمت بسماجه وردت :
_ مممم .. ،بايخ على فكرا ... ،ايه الـ جابك دلوقتي ...
جلس على الأرض خلف السور ، فاقتربت تستند على السور ونظرت للأسفل حيث يجلس ،.. همس بصوت سمعته :
_ قلبي الـ جابني يا ستي ...
_ امممم ،... وقلبك جابك هنا ليه بقى ..!
رفع منكبيه وهو يزم شفتاه بعدم معرفة ثم قال مازحًا:
_ مش عارف ..، لقيتوا بيدق بسرعة كدا ،وبيقولي روح يا واد يا هيما لقمرك بسرعة لحسن اقف ... ،وانتي طبعًا مايخلصكيش قلب هيما يوقف ...
ضحكت على حديثه بخفوت ،واجابت :
_ لاء ما يخلصنيش ... ، يعني انا كدا مكنش بيتهيألي اني شامه ريحة البريفيوم بتاعتك ..!
هز رأسه بنفي ، ثم وقف سريعًا واضعًا يده الاثنين على السور وقام برفع جسده لأعلى وقفز لناحية الاخرة بصورة سريعة ،ناسيًا امر قدمه المبتورة تلك وأن بقفزة كهذا من الممكن ان تجعله قعيد الفراش .
تأوه بصوت عالي من الألم الشديد الذي ألحق به ، فاقتربت منه بفزع جلي وأردفت بقلق :
_ ابراهيم مالك في ايه ...
انكمشت ملامحه بتعب شديد ،فبدون دراية منه قام بادخال مقدمة قدمة المبتورة في قدمه الاصطناعية زيادة عن الحد بسبب ضغطه المفاجئ عليها .
عاونته في الجلوس ثم استفسرت عن سبب تأوه وملامحه التي مازالت منكمشة وقالت :
_ ايه الـ حصل يا هيما خلاك تتألم بشكل دا ..!
تنهد بضيق ،ثم ابتسم ساخرًا وتحدث مردفًا :
_ نسيت اني عاجز على نطه زي دي ،... ممكن تقعدني في السرير اسبوع لولا ستر رينا ...
مدت يده تلقائيًا ووضعتها على قدمه تتحسسها ببطئ مردفه بتسأل :
_ بتوجعك لسا ..؟! ....
_ عادي يا قمر اتعودت على وجع دا من تلات سنين ..، سيبك انتِ شويا والألم هيروح .....
جلست بجواره لكن امامه ، ثم أمسكت يده وقالت بحب :
_ على فكرا يا هيما انت مش عاجز ولا حاجه ،... العجز في القلب يا هيما يعني تبقى جاحد او قاسي ،.. او عاصي كمان ...، دا العجز يا هيما ،... انما انت كدا لا عاجز ولا حاجه دي إصابة مش هتأثر على حياتك ابدًا ....
ابتسم ابتسامة جانبيه بتهكم بيّن ، ثم هتف :
_ هتأثر يا قمر ...، يوم فرحنا مش هقدر اشيلك والف بيكِ ،... لما نطلع فوق مش هقدر اشيلك ادخلك ...، لو في يوم وقعتي انا مش هقدر اشيلك يا قمر ...!!
ابتسمت بحنو ثم أردفت وهي تتحسس يده برفق :
_ اممم ..، لازم تشلني يعني ..!
نظراتها جعلته يبتسم رغمًا عنه ففتح ذراعيه لتأتي بأحضانه فلم تجعله ينتظر كثيرًا واحتضنته بالفعل ،قبل أعلى راسها بحنان مردفًا :
_ رينا يخليكي ليا يا قمري ....
صمت قليلًا ، ثم تحدثت فاجأة وكأنها تذكرت شيئًا ما ، وهتفت :
_ هيما ، انتَ شيلتني لما كنا في أمريكا ..!
أومأ مردفًا :
_ ايوا ..، بس عشان كنت لابس الرجل الصناعية عادي ، انما انا لما ابقى معاكي لوحدنا ... ، مش هتكسف اقلعها قدامك يا قمر ... ، وقتها مش هقدر أحمل على رجل واحدة ....فهمتي
_فهمت ..
تنهدت بعمق وهي تشعر براحة كبيرة تتوغلها ، وبعد لحظات استمعت له يقول :
_ هنعمل فرحنا يوم الجمعة ان شاء الله ،.. جدي بدأ يتصرف على الأساس دا ....
أومأت بعد ان ابتعدت عنه وقالت بحياء :
_ ان شاء الله ...، زهرة قالتلي اشتري حاجات اول شهر بس وبعدين ننزل سوا نشتري تاني ...
تنغص حاجبيه وهتف باستنكار :
_ وانت نزلتي اشتريتي حاجه ..!
_ اممم ..، بقالي تلات ايام اهو وامبارح من الساعة تمانيه الصبح نزلت انا وهي ورجعنا حوالي تسعه بالليل ...، مش انا قولتلك يا هيما ..!!
_ ايوا قولتي بس فكرتك هتحيب مع زهرة حاجات ليها..، مجبتيش سيرة انك هتجيبي ليكي حاجه ..!
طالعته باستغراب ،وتشدقت بنبرة رافضة وهي تقول :
_ وهو انا لازم اقولك ...!!
_ مش حوار لازم ولا مش لازم يا قمر ..، بس انا هجبلك كل حاجه ..، انا بالفعل متفق مع ماما تاخدك وتنزلوا سوا بعد الفرح بتاع وليد وسراج وتجيبي كل الـ انتِ عيزاه ...
_ أنا كنت هقول لطنط تيجي معايا بعد الفرح ،.. عشان معرفش حد هنا لسا ، .. ولا الاماكن ،.. يوم الاحد ان شاء الله هستئذنها تيجي معايا ...
_ متنزلوا السبت ..! ، بعد الفرح هتيجي عندي ..، ماما مظبطالك اوضة ريم عشـ..آآآ..
قاطعتها مردفه بشدوه واستنكار :
_ استنى استنى ..، انت قولتلي اني هاجي عندك وانا قولتلك اوكي ..؟!!
اومأ رافضًا وهو يتحدث بتهكم وحنق في آنً واحد :
_ نعم يا ختي ..! ،هو انا لازم اقولك ..!!
_ايوا طبعًا ،.. افرض محبتش اجي عندك ..!
_ وهتكوني فين بقا ..! ، مه مستحيل اسيبك تروحي شقة خالك وتقعدي لوحدك الأسبوع دا ...، ولا هسمحلك تفضلي قاعده عند صاحبي هنا ... ،ربنا عالم انا سيبك قاعده هنا اذاي اصلًا ...، وبعدين مهي زهرة قاعده عند جوزها عادي اهي .. ! ، سيادتك هتعترضي ليه ..!
زفرت انفاسها بضيق ، فقد حاصرها من جميع الاتجاهات ..، وعليها اذًا ان تنتقل من هنا لهناك ومن هناك لهناك .. لهناك ..! ، الى متى ستظل تتنقل هكذا ..!! .
هتفت منهي النقاش :
_ طيب ربنا يسهل ....
_ هيسهل ان شاء الله ...، اديني قولتلك اهو عشان بكرا ماتتكلميش كتير ،... وان شاء الله تنزلوا السبت تجيبي كل الـ تحتاجيه ..
تنهدت مردفه :
_ بلاش يوم السبت ..، عطلة رسمية والبنك مقفول يا هيما ....
طالعه بعدم فهم قائلًا :
_ بنك ..! ، ليه هنا فتحوا فرع ملابس فيه ولا ايه ..!
_ ملابس ايه يا إبراهيم ..! ، هجيب جزء من الفلوس بتاعتي .. ولو احتـ...آآ
قاطعه مردفًا بغيظ :
_ فوآ.. ايه يا عنيه ..!!
_ الفلوس بتاعتي يا إبراهيم ..، ومتقولش مش واخده حاجه وتعمل حوار زي حوار المرة الـ فاتت ..!
_ لاء يا قمر هعمل ..، انا قايلك طول ما انتي على زمتي تنسي الفلوس دي حصل ولا محصلش ..!!
_ اوكي حصل ..، بس برضوا يا ابراهيم ...، مش هاخد منك فلوس اجيب حاجه ليا يا ابراهيم ...
هتف باسمها بحدة :
_ قمر... ! ،قولت لاء يعني لاء .. انتهينى ... مش أنا الراجل الـ مراتوا تصرف من فلوس امها وهو عايش على وش الدنيا ...،لما اموت ابقي اتصرفي زي ما انتِ عايزه ... لكن كدا لاء ..، وفلوسك الـ اخدتهم منك ليلتها زي ما هما في الظرف معايا ... وهدهملك تروحي ترجعيهم مكانهم ...
نظرت له غير مصدقة لحديثه ثم هتفت بعند :
_ وانا قولت لاء يا إبراهيم ...، هاخد من الفلوس الـ امي سيبهالي ...، انا مش اقل من زهرة ،ولا ماتيلدا ،ولا سُمية ..، ولا حتى ريم بنت عمك ..، مفيش ولا واحدة من دي خدت فلوس من جوزها عشان تشتري حاجتها .. ، وانا مش اقل منهم عشان تشتريلي حاجتي ..!!
لم يكن يود ان ينجرف الحوار بينهم لهذا الحد ، امسك يدها رغم اعتراضها وهتف:
_ ومن امتى بينا انا وانتِ يا قمر ..،احنا الـ اتنين واحد يا حبيبـ..آآ
سحبت يدها من بين كفه ووقفت تنظر له وهي ترف سبابتها بوجهه قائلة بغضب وانفعال :
_ لاء يا ابراهيم .. لاء ، متشتتنيش ، انا هجيب من فلوس الـ موجوده معايا ،.. زي ما كلهم جابوا وزي ما كل البنات بتجيب ..، أنا مش بحب حد يتحكم بيا بالطريقة دي ... ولا اسلوب النقاش يكون كدا ...، اتكلمنا مرة وقولتلي فلوسي ما جيش يمها ..، واكيد شوفت انا أد ايه معترضة يبقا ،ما ترغمنيش على حاجه اعملها مش عوزاها
وقف هو الأخر وشعر باهتزاز هاتفه في جيبه فعلم أن أحدهم يدق عليه ، فقام بالضغط على زر غلق الهاتف ليصمت ،.. ثم تحدث ببرود :
_ انا قولت الـ عندي يا قمر ..
عقدت ساعديها امام صدرها ، وهزت أحدى قدميها بعصبية وهتفت :
_ وأنا كمان قولت الـ عندي ...، وهو الـ هعمله يا إبراهيم ...
_ اممم عايزه تقولي انا هعمل الـ عايزها غاصب عنك ...
رفعت منكبيها بدون اكتراث وهتفت بلا مبالة :
_ والله هفهما زي ما تفهمها بقى..
أومأ بنعم وقال وهو يتقدم من السور :
_ تمام ..، اعملي حسابك ان برضوا كلامي الـ هيمشي يا قمر ...
ثم قام بالقفز مرة اخرى لكن بشكل احرس حيث جعل ثقل جسده بالكامل على قدمه الأخرة ،.. تسمر بمكانه من هول جملتها التي شعر بان صداها يتردد حوله :
_ خلاص يبقا نفضها سيرة يا إبراهيم ...!
طالعها غير مصدقًا لما تفوهت به ، وهتف مشدوهًا :
_ ايه ..!!!
توترت نظراتها وهي تعض على شفتاه باضطراب شديد ،ما هذا الذي قالته ..! ، كرر إبراهيم جملته بصيغة أخرى وهو مازال مصدومًا :
_ انتِ قولتي ايه ..، سمعيني كدا ... ؟!
_ آآ أنا ... أناآآآ ...
طالعها قليلًا بتدقيق ، فرأى علامات التوتر على وجهها جليه ، يبدو انها قالت هذه باندفاع ، غير مدركة لعواقب جملة كهذه لهذا قاطعها مردفًا بسخرية :
_ روحي نامي يا قمر ..، بكرا يبقا لينا كلام . .. يا مراتي ...
ثم تركها ورحل ..، همت أن تناديه لكن لم تعرف ..، وقف اسمهُ على مقدمه لسانها ولم تستطيع نطقه أو تناديه ...
"عودة للوقت الحالي "
دلفت لداخل وأغلقت الشرفة بعد أن لسعتها برودة الجو ،.. نظرت في الأرجاء فلم تجد أثر لزهرة ،فصعدت نحو غرفتهم التي يمكثون فيها .
دلفت لداخل وجدت صوت المياه يصدح من مرحاض الغرفة فعلمت انها تستحم ، هتفت بصوت عالي جاهدت في ان تجعله بخير :
_ زهرة ..، أنا هنام يا بيبي عايزه حاجه مني ..!!
ثواني ،وجاءها رد زهرة الذي كان قريب جدًا فاستنبطت انها تقف خلف الباب ، ثم فتحته وأخرجت يدها وهي تقول :
_ معلش يا قمر ، هاتي مخمرية والكريم الـ لونه اصفر عندك على السرير دا ..
نظرت قمر لما على السرير ،وتقدمت تأخذ ما طلبته حيث وجدت مجموعة كبيرة من الكريمات بجوار بعضها ، اقتربت من المرحاض واعطتهم اياها ثم قالت ساخرة :
_ انتِ هتحطي من كل الـ على السرير دا ..!!
هتفت زهرة بعد أن اغلقت الباب وهي تضحك :
_ لا يا ستي في حطيت منوا وفي لسا ..، عروسة بقا ..
تنهدت قمر بغبطة وقالت بنيرة سعيدة بعض الشيء :
_ ربنا يهنيك يا زوزو ...
ثم اقتربت من السرير وقامت بجذب جميع عبوات المريم ووضعتهم على التسريحة بشكلًا مرتب وقالت :
_ حطتهم على " upsweep" " التسريحة " اهم عشان هنام ..
_ تمام يا حبيبي ...
توجهت قمر نحو السرير تسحب الغطاء ثم دثرت نفسها به وشردت في إبراهيم ..
*******************************
انكمشت تعابيرها بألم شديد وهي تفتح عينيها بعد ان فقدت الوعي للمرة الثانية بسبب الجوع والعطش ، .. اعتدلت في جلستها فأصدرت حركتها صوت اصطدام سلاسل حديدة ببعض ، نظرت تلقائيًا لقدمها لترى احداهم مقيدة بإسوار حديد يمتد بسلسلة تخرج من الحائط .
استندت على خشبة السرير العريض بإنهاك شديد ، ثم بكت ترثي حالها .
استمعت لصوت الباب يُفتح فوجدت أخر واحد تتوقع وجوده الآن ...
_ يـ..آآاسر ..!!
هتفت بها بغرابة شديدة وهمس غير واضع بسبب عدم قدرتها الحديث لقلة طاقتها .
اقترب ياسر منها بابتسامة عريضة تخفي اسفلها الكثير من الغضب ، .. جلس بجوارها مقتربًا منها بشدة ،ثم ابعد بعض الخصلات التي توجد بجانب عينيها ،وهو يقول :
_ تمارا ..، ايه الـ عمل فيكِ كدا يا حبيبتي ...، تؤ ..تؤ .. اخص عليهم بجد ..! ،متوحشين ..!
هتفت بهمس شديد وكأن الحديث يخرج بروحها :
_ هـ..آآموت من آآجوع ...، عـ.. آآطشانه .. آوي....
اقترب بأوجهه منها وهو يقول :
_ هاا ..، جعانه يا روحي ..! حالًا ... محماااد ..
في لحظات دلف أحد الرجال ضخم الجثة أسود البشرة يحمل صينية من الطعام عليها قنينة ماء ، اشار له ياسر بأن يقترب فاقترب منهم ووضع الصينية على الفراش ، فأشار ياسر له بالخروج ففعل كما امر .
امسك صينية الطعام ووضعها على قدم تمارا وهتف بابتسامة باردة :
_ يلا يا حبيبتي ..، ألف هنا وشفا على قلبك ...
نظرت لطعام بتوجس وخوف ثم لياسر ، همست بصوت متعب :
_ حاآآطط ... فـ.. الأآآكل ... حااجه ..!
هتفي بصوت نافي مستنكر :
__ تؤتؤتؤ .... كدا أزعل منك ...، انا مش دي طريقتي في الانتقام يا روحي وانتِ عارفه كدا ...، كلي عشان في تقيل جاي قدام وعايزك بصحتك كدا ...
لم تفقه حديثه ، لكن ارتكزت جميع حواسها على رائحة الطعام النفاذة ، نظرًا لأنها لم ينزل شيء في جوفها منذ ان وطأة قدميها هذا المكان .
أكلت حتى شبعت وشربة من الماء ما جعلها تستكفي ليومين كاملين ،.. أراحت ظهرها على عارضة السرير وهي تتنهد براحة ، راقبها ياسر حتى انتهت من الطعام والشراب بنظرات خبيثة تنوي الكثير وتخفي الأكثر تحت طياتها .
هتف متذكرًا وهو يخرج ورقة من جيبه :
_ بقولك يا روحي ...، شوفي الخط دا كدا ، حاسس اني اعرفه ...او اممم .. بشبه عليه كدا ....
ثم وضع الورقة نصب عينيه ، رفعت نظراتها لمحتواه وما لبثت ان انفرجت تعابيرها بصدمة موحشة وهي تجد رسالة وليد لها في هذا اليوم ،... تلك الرسالة التي ظنت انها ألقتها ولم تعبأ لاختفائها امرًا .. !
هزت رأسها نافية بشدة ، تنفي تهمة كذلك عنها ، هتفت بصوت متقطع :
_ لا للا .. اا انا .. ، مش.. .. معرفش .. معرفش ..
وقع عينيها على بؤبؤ عينه الذي تحول لسواد قاتم ، جعل جسدها يرتعد من الخوف وهي تعلم انها هالك لا محال .
هتف ياسر بحنان وهو يتحسس كفها البارد :
_ مالك يا حبيبي ، ... جسمك سقع كدا ليه ،... لا لا أنا عايزك جامدة لأخر لحظة
تجمدت اطرافها اكثر بينما هو بحركة مفاجئة امسك فكها بين قبضته بحدة ، تحدث من بين أنيابه :
_ عايزك لسا بصحتك يا توتي ، عشان الـ جاي هيكون شرس شويا عليكِ ،.... تخيلي تمن خيانة ياسر العدوي ايه يا روحي ... ! ، سلمتي رقبتي ليه ...، وأنا الـ مفكرك مخلصة ليا ....، مخلصة ايه .. !! ، دا انا كنت ناوي اعملك مراتي يا بت الشاحتين ...، بقاا كل دا وكل الهلومة الـ انت فيه والعنتظة دي خطة مع ابن الـ ***** ، والـ البت جايه من باريس ...، البت من الهاي هاي كلاس ،.. وانت محصلتيش خدامة عندي ...، دانا هسففك التراب سف يا تمارااا ...، هخليكي تقولي حق برقبتي .... محماااااد ...
انفتح الباب ثانية ودلف نفس الشخص ، فتحدث ياسر بهدوء وكأن شيء لم يحدث :
_ عايز تمارا هانم ،ماتشتكيش من الخدمة هنا ابدًا يا محمد ،... لحد ما يجي دوره ...
ثم طالعه غامزًا :
_ اصل لسا في غنيمة اكبر منك ،... هخلصها وأفضالك على رواقة .... سلام يا توتي ..
ثم تركها وخرج ، نظرت في اعقابه بخوف شديد ثم سلطت أنظارها على هذا الرجل باضطراب وتوجس ،... ابتسم له ابتسامة موحية ثم تمتم بكلمات غير مسموعة وهو يرميها بنظراتً وقحه ، ثم هتف وهو يتوجه للخارج :
_ ساعتك لسا مجتش يا لوزة ،.. بس وقتها هننبسط .......
ثم خرج بدون أن يضيف أي كلمة اخرى ،لكن كانت تلك الجُمل البسيطة تأثير مرعب في نفسها ، احتضنت جسدها بيديها بخوف وهي تبتلع ريقها بصعوبة ، نظرت حولها وبدأ جسدها يرتجف من البرد والخوف ايضًا ،... فقد أصبحت عارية تمامًا أمام ياسر ترى ماذا سيفعل بها .. !
.............................
صباحًا ...
توقفت ثلاثة سيارات أمام قصر صفوان الشناوي ،وهبط منها ثلاثة رجال يشهد الجميع بهم ،.. كان لوجودهم هكذا هيبة طاغية ، حيث وقف كل واحدًا منهم قرب سيارته منتظرين أميرتهم حتى تهبط .
خرجت سُمية أولًا ، فاقترب منها وليد محتضنًا ايها بحب اخوي شديد ، وربت على ظهرها قائلًا بسعادة مبطنة بنبرة حزينة :
_ خلاص كلها ساعات ومش هتبقى في بتنا ... أخر ليلة ليكِ هنا يا سمسمه ...
ابتسمت وهي تبتعد عنه قائلة بحماس :
_ لاء ما تقلقش .. يوم عندكوا ويوم عند سراج ،.. أنا مقدرش ابعد عنكوا يا وليد ...
_ نعم يا اختي ..!! ، دا عند مين ان شاء الله ..!
قالها سراج وهو يقترب منها بغيظ مصطتنع ، فقال وليد بحدة :
_ ايه الباشا عندوا اعتراض ولا ايه ..!!
تراجع سراج وهو يرفع يده مستسلمًا ثم هتف بنيرة مهزومة زائفة :
_ اعتراض ايه بس ..! ،دا احنا هننقل حاجتنا عندكوا ونقيم هنا ...
رفع وليد حاجبه الأيمن مردفًا :
_ اممم ،... بحسب ..!
اقترب إبراهيم منهم ،وسلط نظراتها على سُمية مردفًا بسعادة :
_ الف مبروك يا سُمية ....، الولا دا لو عمل معاكِ حاجه ،.. وليد مش هيسمي عليه ماتقلقيش ....
ضحكت سُمية قائلة وهي تقترب من سراج :
_لاء منا عارفة ...، والله يبارك فيك ،... عقبالك انت وقمر ان شاء الله ...
هتف مبتسمًا باصطناع :
_ بعدكوا باسبوع علطول اهو ...
جاء ثلاثة من عاملين القصر يحملون حقائب عدة ، هتف أحدهم بعملية :
_ نوصل الحاجات فين يا فندم ..!
اشار وليد لسيارات قائلًا :
_ حاجة سُمية هانم في العربية دي ...، وحاجة زهرة هانم هنا ... وقمر هانم في الـ اخيرة دي ...
جاءت زهرة وقمر في أخر حديثة ، وسلمن على سُمية فقال سراج مباركًا :
_ مبروك يا زهرة ..،
_ الله يبارك في يا سراج ...، مبروك ليكوا انتوا كمان ....
رد سراج لها وسُمية ايضًا المباركة ثم التفت سراج لقمر وقال :
_ كمان قمر يعتبر ورانا علطول مبروك يا ستي ..، لولا اني كان نفس احضر كتب الكتاب بس تتعوض في الفرح ان شاء الله .....
هتفت قمر سريعًا رافضة :
_ لاء آآ...
قاطعها إبراهيم مسرعًا :
_ ان شاء الله يا سراج ...، تشوفنا وتفرح يا عم ... وابقى كل مرتين مرة لكتب الكتاب الـ متعملش والفرح كمان ....
قهقه الجميع على مزحته ،بينما طالعت قمر إبراهيم بنظرات حانقة ، فقابلها بأخرى باردة .
توجه الجميع إلى سياراتهم بعدما وضع العاملين كل حقيبة ملابس وحاجتها التي ستحتاجه لأول يومًا كعروس وحقيبة ملابس لقضاء شهر العسل ،.. هذا بالنسبة لزهرة وسُمية اما قمر فقد اكتفت بفستان الفرح الخاص بهذا اليوم السعيد .
في سيارة وليد وزهرة ،أمسك كفها مقبلًا اياه بحب ، وهتف قائلًا :
_ خلاص كلها ساعات بس يا حبيبي ...
ابتسمت مستحية ، فأكمل :
_ هنقضي الليل بس في الفندق ..، وان شاء الله بكرا هنسافر ...
تشدقت بأخر كلماته مردفه :
_ مش هتقولي برضوا رايحين فين ... !
_ تؤ ..، بس في مصر هنا ..، مش هقدر اقول غير كدا ... ! ،حاجه مش هتخطر على باالك ...
_ اممم ..، مدينة ساحلية ولا ..!
_ لا طبعًا لو قولتلك ممكن تعرفيه مع اني اشك ..! ، متفكريش كتير ..، صدقيني مش هتخطر على بالك ..، أنا اصلًا شوفتها صدفة ... ،وعجبتني فكرة الفندق اوي ..
_ شوقتني يا وليد ...
_ كلها الليل وكام ساعة بالطيارة وشوقك يروح ..
تنهدت بسعادة چمة ،.. ثم سلطت بصرها على الطريق نحوها ، ويداها مازالت ممسكة بيده ،.. وقع بصرها سيارة ظلت ورائهم تارة وبجوارهم تارة اخرى مما اثار ريبتها ..، فهتفت ببعض القلق :
_ وليد ..
كانت عينها مرتكزه على الطريق فهتف دون أن يحيد بصره :
_ امم ..
_ العربية دي من ساعة مخرجنا وهي ورانا .. !
نظر وقتها حيث تنظر بتوجس ..، سرعان ما ارتاحت تعابيره وهو يقول:
_ ماتقلقيش يا حبيبتي ..، دي عربية الحراسة .. وعادل فيها ...
تحدثت بتذمر :
_ هو انت رجعت تمشي الحراسة وراك تاني يا وليد ..!
رفع يدها ليقبله ثانية وهو يقول بأسف :
_ معلش يا حبيبتي ..، انهارده بالذات مش عايز اي حاجه تضيع فرحتنا ...
.........................................................
في السيارة التي تتواجد بها الحراسة ،وخاصة ما وقعت عليها عين زهرة حيث انها لم تكن سيارة ولا اثنين فقط ،.. بل خمسة ،.. ولم يكن وليد يعلم بهذا العدد فهو معتقد أن سيارة عادل فقط هي ما تتبعه .
وضع عادل يده على عجلة القيادة يدور بها ، وملامحه منفعلة بشدة ،.. أمسك هاتفه وقام بمهاتفة أحدهم ثم وضعه على اذنه وقال :
_ ايوا يا جورج ..، عربية وليد بيه وإبراهيم بيه وسراج بيه ماتغبش عن عينك ...، ولو حسيت بأي حركة حانبية تتصل بيا فورًا ...
_....................
ضرب عجلة القيادة بعصبية وهتف :
_ بقوولك اي حركة يا جورج ...، ومتتصرفش من دماغك قبل ما ترجعلي ...، تصحصح جامد لطريق ..، وتبعت حد من الأمن عند الفندق الـ هوانم هيكونوا عندوا وتكون معاهم ...لحد ما أمن مداخل ومخارج الفندق كويس ... ومن غير ما وليد بيه يعرف ...
_.........
_ ايوا من غير ما يعرف ..، مش عايزين نهدد سعادته بالليلة دي يا جورج ... سلام
ثم أغلق هاتفه وتمتم بخفوت :
_ ربنا يستر ويعدي الليلة دي على خير ... يا رب
......................................
بسيارة إبراهيم كان الصمت قد بلغ ذروته ، .. فلم يتحدث إبراهيم بتاتًا وكان يتعامل وكأنها غير موجودة نهائيًا ،.. أمسك هاتفه عندما استمع لرنينه وفتحه مردفًا :
_ ايوا يا أحمد ...
_.........
_ لاء أنا بوصل قمر للفندق ..، معلش كنت عايزك تجيب البدلة بتاعتي من الدراي كلين ...
_..................
_ طيب يا حبيبي تسلم ..، هتكون هناك امتى .. !
_............
_ تمام .. كويس اوي ،.. وليد هيرجع الشركة عندو احتماع ضروري مش عارف ايه الـ حطه في اليوم دا ،.. بس هيرجع الفندق على العصر كدا يجهز ...
_..............
_ ماشي يا أحمد .. سلام
أغلق الهاتف معه ،ثم وضعه على -تابلوه- السيارة ونظر بزاوية عينيه لقمر بدون أن تشعر فوجدها شاردة في الطريق ولا تعيره ادني اهتمام .
ذك شفتيه بضيق ،.. ثم تحدث قائلًا بجدية :
_ لسا مصرة على رأيك برضوا ..!
اجتذبها من شروده بجملته هذه ،.. فاعتدلت ونظرت له مردفه بنبرة مستسلمة :
_ مش هاجي يم الفلوس بتاعتي يا إبراهيم ...، وقراري دا مش خوفًا منك ولا حاجه ... ،بس احترام لرغبتك عشان انت رافض حاجه زي كدا ... لكن عايزه افكرك بعد كدا قبل ما تعارضني في حاجه ،.. أنا مش بحب حد يتحكم فيا ابدًا ...
مد يده ممسكًا بيدها التي اشهرتها بوجهه رافعة اصبعها السبابة امامه ، كعلامة تهديد ،.. لكن كلماتها جعلت الابتسامة تشق ثغرهُ بحيوية ، فتحدث قائلًا :
_ صدقيني يا قمر .. الموضوع مش موضوع تحكم ولا حاجة ...، بس انتِ مراتي واي حاجه تطلبيها او تعوزيها أنا الـ مسؤول اجبهالك يا حبيبتي ...، طب اقولك ..! ، ايه رأيك تاخدي الفلوس دي وتحطيها في بناء مسجد ،.. او مستشفى خيري .. تكون صدقة على روح والدتك ... هاا ..؟!
اعجبتها فكرته بشدة وقد لمعن عيناها بحماس طاغي وهي تقول :
_ موافقة طبعًا ..، دا أنا هحط كل الفلوس ،...
ثم تحولت نبرتها للحزن وهي تُكمل بـ :
_ يمكن مقدرتش الحقها من الموت ..، بس هعمل حاجه تكون جارية دايمًا ليها ...، ربنا يرحمك يـ مامي ..، كانت هتكون اكتر واحدة فرحانه بيا الأيام دي ...، وبزهرة كمان ....
ضغط على يدها برفق هاتفًا :
_ ربنا يرحمها .. ويرحم عم محمود ،أكيد الاتنين في مكان أحسن من هنا ...
ارجعت راسها للواء ثم ابتسمت بحزن قائلة :
_ أكيد ... ، وأكيد اتقابلوا كمان .. مامي كان نفسها نرجع هنا عشان تشوفوا اوي ... كانت بتحكيلي عنوا كتير ... وانها نفسها توصلوا بس للأسف مش عارفة ... !
_ ربنا يرحمهم يا حبيبتي ...
......................................................
في سيارة سراج وسُمية ، كان الوضع بينهم أكثر مرحًا وحبً ، اقتربت سُمية على حين غرة وقامت بالضغط في منتصف عجلة القيادة ،ليصدر صوت من البوق خاصتها ، فهتف سراج ضاحكًا :
_ بتعملي ايه يا هبلة ... !
تحدثت بحماس يشوبه الفرحة العارمة :
_ عندنا فرح يا عم ..، وانهارده فرحي يا جدعاان ...
تداخل معها هاتفًا بغناء ، ليصدح صوتهم هم الإثنين وهي تضغط على زامور السيارة ليطلق صوتها عدة مرات :
_ انهارده فرحي يا جدعان
عايز كلوا يبقا تمام.....
كانت سيارتهم مقتربة من سيارة وليد ، فهتف وليد لزهرة :
_ نزلي الازاز كدا ...
قامت بإنزال زجاج النافذة ثم ابتعدت للوراء قليلًا ، فطالعهم وليد ثم قاطع غنائهم الإثنين ، وهو يقول ضاحكًا وعينها على الطريق تارة وعلى سراج تارة أخرى :
_ اتهدوا يا مجانين .. ضحكتوا الناس علينااا ....
راقص سراج اكتافه له وهو يرفع حاجبيه مغيظًا له ، ثم تحدث بصوت عالي :
_ انهاارده فرحي ياا جدعااان ..
ثم انحرف بسيارته اتجاه سيارة وليد ضاربًا اياها بدون احداث أصابات ،.. فقهقه الاخر ثم بدأ بالإسراع في القيادة وهي ينحرف اتجاه سيارة سراج ليقوم سراج سريعًا بإبعاد سيارته قبل أن يصبها ضرر ما ...
في سيارة إبراهيم ، شاهدت قمر ما يحدث بين سيارة سراج ووليد ، ثم قالت بدهشة :
_ هما بيتعاركوا ولا ايه ؟!
هتف إبراهيم ضاحكًا :
_ لاء دول بيهزروا مع بعض .
هتلاقي سراج ناغشه ولا حاجه ...
.................................................
لاحقًا توقفت جميع السيارات أمام الفندق فهبط جميع الفتيات منه وودعوا رجالهم ، بينما أخذ بعض عاملين الفندق الحقائب الخاصة بهم وصعدوا بها للغرفة التي جهزت خصيصًا لتزين العروسين ، غير جناحهم الذي سيستقبلهم ليلًا .
هتفت زهرة متسألة :
_ هتيجي هنا امتى ..؟!
رد بضيق جلي :
_ كان فيه معاد مع مستثمر اجنبي اتأجل اكتر من تلات مرات وللاسف اتحط انهارده ..، ساعة بالظبط اخلصه وأكون هنا ...
زمت شفتاها بضيق قائلة :
_ مش سامي بينجز كل حاجه هناك ..
_ اممم ..، بس مش بيحب يقعد مع مستثمرين لوحده ..، سامي لسا مشربش الصانعة يا زهرة .. لحد ما ربنا يكرمه ويبدأ يتعلم كويس .. أنا هتكل عليه في كل حاجه ...
ابتسمت بهدوء قائلة :
_ طيب يا حبيبي تروح وتيجي بالسلامة .. هطلع انا بقى عشان منتأخرش ..
ودعها هاتفًا :
_ ماشي يا حبيبتي .. خدي بالك من نفسك ..
دلفت لداخل ، بينما نظر وليد حوله وبشك وقد اثارته تحركات كثيرة من الأمن ، وعادل الذي يقف يتحدث مع جورج بعيدًا بحدة ،.. نادى عليه فجاء له مردفًا :
_ تحت أمرك يا وليد بيه ..!
_ في ايه يا عادل حاسس ان في حركة غريبة ..!؟
أومأ نافيًا بكذب وتحدث بهدوء :
_ مفيش حاجه غريبة يا فندم ، ... كلوا استعدادات روتنية عشان سلامة سعادتك وسلامة سراج بيه والهوانم ..
طالعه بشك هاتفًا :
_ متأكد ...
أومأ بنعم ثم قال :
_ ايوا يا فندم ما تقلقش ..
_ مفيش جديد برضوا عن تمارا ...
_ لاء يا وليد بيه .. رجالتنا تحت بيتها ومحدش شافها نهائيًا ، وكمان التاكسي الـ ركبته من قدام الشركة للأسف وصلنا لصاحبه انهارده الصبح بس قال انوا كان مسروق منه ولاقاه انهارده قبل ما يبلغ مركون على أول شارع بيتوا ....
تنهد وليد بانزعاج ، وهو يجذب خصلات شعره الطويلة إلى حدًا ما ، هاتفًا:
_ طب ووالدتها ..؟!
_ لسا في العناية يا فندم ..
صمت ، ثم شرد بعينيه يفكر في امرًا ، وسرعان ما هتف متذكرًا بلهفة :
_ وياسر ... أنا متأكد ان هو ورا اختفاء تمارا ..، ياسر يا عادل متعررفش عنوا اي حاجه ..؟!
أومأ نافيًا للمرة الثانية بالكذب ثم قال :
_ مفيش جديد عنوا يا وليد بيه صدقني...
أغمض عينيه زافرًا الهواء من رأته عن طريقة فمه بحرقة وضجر ، ثم توجه نحو سيارته بدون أن يتحدث مستقلًا ايها وبدأ في الرحيل .
أشار عادل لجورج بعينيه نحو سيارة وليد ففهم الأخر ما يرمي اليه ، فاسرع عائدًا لسيارته واستقلها هو ثلاثة رجال ثم بدأُ بالتحرك خلفه في الخفاء كي لا يعلم ان الحراسة حوله مما سيجعل الشكوك تساور عقله لا محال .
نظر عادل في أعقاب السيارتين ثم تنهد قائلًا في نفسه :
_ معلش يا باشا ..، مضطر اكذب عليك عشان الليلو الـ مهتصدق تفرح فيها يفضل بالك مشغول بالكلي دا ..، كدا أحسن لحد ما ترجع ان شاء الله ..!
..........................................
بداخل منزل العقيد الراحل عماد الجبالي ...
صاح أحمد وهو يقف أمام باب المنزل من الداخل :
_ هجيب ماتيلدا وعمتها واسبقكوا على هناااك يا ماما ...
هتف نبيل من داخل غرفته وهو يقوم بإغراق نفسه من عطره الرجالي :
_ طيب بس أربط الـ GPS ببتاعي عشان لو توهت في الطريق ولا حاجه ...
وضع يده على مقبض الباب وهتف سريعًا وهو يرحل :
_ اوك .. سلام ..
هبط للأسفل ثم خرج من مبنى العمارة ، واستقل سيارته راحلًا لمنزل محبوبته .
في بيت سحر لطفي مدبولي
دلفت سحر غرفة ماتيلدا ، لترى ماذا أحدثت ، ثم صفقت بصبيانية قليلة هاتفه بإعجاب :
_ ايه الجمال دي يا لولوو .. ، أحنا هنافس بعض ولا ايه ..!
كانت ترتدي فستان نبيتي يبدأ كُمْه بضيق حول اليد ثم يتسع بشدة إلى أول الكتف ، ومزدان من الخصر برباط عريض به الكثير من المشغولات الرقيقة المتلألئة ، ويهبط باتساع مناسب إلى الركبة ،وارتدت صندل ذو كعبًا عالي قليلًا مفتوح من الثلاث جهات الأمامية والجانبين ، وينتهي بشريط طويل يلتف حول قدمه للأعلى كثعبان الكوبرا ،.. وما أعطى لها جاذبية أكثر لون شعرها الاسود الغجري الذي اصطحبت فيه سحر لصبغه في أحدى مراكز التجميل الكبرى بالقاهرة ، بعد عناء الوصول للمركز .
هتفت ماتيلدا وهي تضع يدها على شعرها تتحسسه بخفوت :
_ تفتكري أحمد يحب لون كدا .. ! ، ولا يزعل ..؟!
اقتربت سحر منها وأمسكت بساعديها مردفه بجدية :
_ بصي يا بنتي ..، شيء جميل وحلو انك تشاركي الراجل الـ هيتجوزك حاجات انتِ بتعمليها هيشوفها عليكِ ،... يعني زي ما قولتلك قبل كدا ، اسأليه نظام الهدوم الـ بيحبها ايه والـ بيحب يشوفها عليكِ عشان انتِ هتكون معاها باقي العمر ...، وهو برضوا يسألك تحبي تشفيني بهدوم عمله اذاي والوانه ..، ولو مقالش أفرضي نفسك عليه انتِ ،... بس بقا لو مش بتحبي بعض الألوان الـ قاله ..، مش مهم تجبيها ...، هاتي الـ بتحبيه برضوا ، ولما هيشوفك حباه وهو بيحبك هيحبك حتى لو لبستي فحلوقي مُشع ...
عقدت حاجبيها بعدم فهم ورددت :
_ what ..! فلهوقي موشح ..!!
طالعته بامتعاض ثم دفعته نحو المرآة مردفه بحنق :
_ روحي كملي الـ بتعمليه يا بت ..، آل فهولقي آل .. !!
أخذت سحر هي الأخرة جانبًا بجوار ماتيلدا ، لتضع لمساتها الأخيرة على وجهها ، سحبت عبوة الماسكرا ، وبدأت تضع منها بتوازن وهي تهتف لماتيدا :
_ انتِ يا بت مش وش نعمة ..! ، بقا لولا يقولك هحجزلك مع البنات في الفندق عشان الكوافير ..، تقوليلوا لاء ..
أجابت ماتيلدا وهي تضع بعض الألوان الجذابة من الأسود والاحمر الغامق كالون فستانها فوق عينها وتدمجهم براحة :
_ مش أحب هناك سهورة ... ، plus didn't have good time experience .... "لم تكن تجربة جيدة المرة السابقة"
_ أنزلي بالترجمة ااوختي ..
_ يـءـني ..، مش بحب هد يـءمل .. في my face
_امم ..، امال يوم الفرح هتعملي لنفسك يعني..!!
أمسكت سحر بعلبة الأيلينير لتضع منه ، بينما أجابت ماتيلدا بحنق :
_ لما يجي سـ حورة بقى
استمعت ماتيلدا لصوت بوق السيارة الخاصة بأحمد فقفزت بسعاد هاتفه :
_ أهمد جه ... آوتش ..
طالعته سحر بغضب ، فبحركتها تلك حركت يد سحر عن موضعها الثابت وهي ترسم على جفنها بثبات مما أدى إلى انحراف مسار القلم ، ... نظرت ماتيلدا لسحر بتوتر قائلة :
_ OMG... really I'm sorry .. ahhh ...
"يا اللهي ... ، أنا حقًا آسفة .. اوووه "
ألقت سحر باتجاهه دُمية كبيرة قبل ان تنهي حديثها ، فركضت ماتيلدا بعيدًا عنها قبل أن ترمي بشيء أخر ، بينما هتفت سحر بانفعال :
_ يا متخلفة يا ماتيلداا ..، بوظت البتااع يا حيوانة انتِ ...
كتمت ماتيلدا ضحكتها بصعوبة كي لا تنفعل سحر اكثر ثم قالت وهي تأخذ حقيبة يدها وهاتفها :
_ استنااك تحت .. bye bye
ثم فتحت الباب وهبطت للأسفل تاركه سحر تمسح ما اتلف منظر عينها وتعيد ترتيبه ثانية .
وجدت هاتفها يرن واسمه مقرونًا بصورته تضيء الشاشة ، ففتحت الاتصال على الفور وأجابت :
_ اهمد .. أنا نازله اهوو ..
_.....
_ اممم سهورة .. تـ ءمل .. هاجه وانزل برضوا ..
_.......
_اوك ..
ثم اغلقت الهاتف واسرعت بالنزول للأسفل ، .. كان الباب مقفولًا فقتحته ثم طلت منه بابتسامة واسعة وهي تقول بسعادة :
_ أهماااد ..
طالعه مبتسمًا ،.. ثم زادت ابتسامته اتساعًا وهو يرى هيئتها المهلكة هذه ، خاصةً لون شعرها الذي اضفى لها رونقًا خاص .
اقتربت منه فمد يدها محتضنًا كفها وهو يقول :
_ ايه الحلاوة دي .. !
خجلت من اطرائه هذه وقالت :
_ مرسي ..
ثم اتاحت لنفسها النظر له ، لترى وسامتها هذه ، لم يفشل ولا مرة بأسر قلبها بهيئته في كل مرة يتقابلان بها ، مما أعطها تعريفًا جديدًا عنه انه منمق جدًا ويختار ثيابه بعناية ، كان يتأنق بحلة من اللون النبيتي بخطوط صغيرة باللون الرصاصي والبنطال باللون الرصاصي الغامق ،ويمتد الچاكت من جيب الصدر الأيسر بسلسال ذهبي إلى الاعلى قبل بداية ياقة البدلة قليلًا ، مما جعل منظره جذابًا اكثر .
فتح لها باب سيارته السوداء من النوع KiA Sportage ،
الغنية عن التعريف بالطبع ، ثم مد يده له بالدلوف هاتفًا بنبرة تعظيمية :
_ اتفضلي يا جميلتي ..
اجابت بسعادة :
_ thank you ...!handsome man....
"شكرًا لك ايها الرجل الوسيم "
استقل هو الأخر السيارة من الجانب الأخر ، فهتفت ماتيلدا :
_ سهورة نازل ،...
تنغض جبينها استغراب وهي تراها يدير المفتاح في مكانه ليشغل السيارة ثم ضغط بقدمه على أحد الدوسات وبدأ ينطلق بالسيارة ، فهتفت بفزع :
_أهمـاااد .. استنى .. سحر أنزل ...!!
اجابها رافضًا بقلة حيلة :
_ معلش يا حبيبتي ..، دي أوامر من السلطات العُليا اني اسبها وماخدهاش معايا ..
ثم رفع كتفه بقلة حيلة وهو يذم شفتاه ،.. بينما هي ضربت الباب بغضب وهي تهتف صائحة :
_ Ahmaaad...! Stop the car on the case .... Now ..
" أحمد ، أوقف السيارة في الحال ... الآن "
امسك يدها كي تهدأ وهو يوقف السيارة بالفعل ، لكن قام بإغلاق أبوابها أوتوماتيكيًا ، هو يقول بهدوء :
_ هشششش اقعدي سااكته ..، شوفي مين مستنيها وراا كدا ..!!
نظرت في مرآة السيارة التي بجوارها لترى من بالخلف ،فوجدت سحر تقف أمام سيارة بيضاء وهي تنظر يسارًا ويمينًا ثم هبط صاحب السيارة وتوجه لها ..
انفرجت تعابيرهت بدهشة ممزوجة بصدمة وهي تُردف مستنكرة :
_ انكل فؤاد ..!!
هتف ساخرًا وهو يعيد تشغيل السيارة :
_ الجملة الوحيدة الـ قولتيها صح ..، ايوا يا ستي هو الـ هياخدها للفندق ..، نتهد بقى ونمشي ... ممكن ..!!
عادت تجلس مكانها باستكانة ثم قالت محمحمه باعتذار :
_ .. احم ..، سوري أحمد .. اوك .. يروهوا سوا .. I think سهورة مش اعترض .. !
أدار عجلة القيادة وبدأ التحرك من مكانه وهو يردف ساخرًا بهمس :
_ مش اعترض ..!! ،دا إن مفرجتش عليه الشارع ما تبقاش سحر الـ انا اعرفها ... !!
بعيدًا ليس بكثير ..
خرجت سحر من بوابة المنزل الخارجية ، بفستان سهرة من اللون البترولي ، ينتشر كثير من الفصوص البيضاء على منطقة الصدر ، ثم ينزل باتساع حتى قبل عرقوب القدم وترتدي حذاء من اللون الأوف وايت وعقدت طرحتها طريقة سورية مظهرة جزءًا من رقبتها واذنها يتدلى منه قرطًا دائري واسع بعض الشيء من الذهب ، يعلوه حلقًا صغير يبدو كماسة بيضاء مما أضفى لشكلها سحرًا خاص ، ووجهها الذي لم تملؤه بمساحيق التجميل ، فهي لم تعتد عليهم ،لهذا يحتفظ جلدها بنضارته ولم تظهر عليهم علامات الشيخوخة اطلاقًا كحال بعض النساء .
خطت من امامها سيارة بيضاء اللون ، من النوع "Jeep Grand Cherokee ، لم تنتبه لها بل ظلت تنظر يسارًا ويمينًا ثم تحركت للوراء قليلًا ظن منها أنها تقف في الطريق وهذه السيارة التي توقفت أمامها لا تستطيع العبور .
فتح فؤاد باب السيارة وهبط منها ، بحلة سوداء اللون ليست رسمية بعض الشيء ، ثم اقترب من سحر التي اخيرًا انتبهت له .
التمعت عينها ببريق السعادة والإعجاب في آنً واحد وهو يطالع هيئتها الجذابة تلك فيبدو انها اختارت هذا اللون خصيصًا لتكون اصغر من عمرها بكثير ... بأكثر من كثير حتى .
همست متعجبة :
_ فؤاد ..!
وقف قبالتها وعينها تُطالعها بحب ، ثم قال :
_ ايه الجمال الـ يخطف القلب دا!
ابتلعت ريقها بإحراج ثم أجابت وهي تتجاهل حديثه :
_ فؤاد ، ايه الـ جابك هنا .. !
_ اممم ..، جيت عشانك ...
اتسعت ابتسامتها التي كانت تشق صغرها في الخفاء ، ثم نظرت له مردفه بخفوت :
_ عشاني.. !
أومأ بنعم ، ثم فتح باب السيارة لها وهو يردف بحماس :
_ يلا بينا عشان منتأخرش ..
كان قلبها يود الذهاب ..، بل انها شعرت انه خرج من مضجعها وتوجه للمقعد ، اما عقلها فوبخها على تفكيرها هذا ، أشاحت وجهها وهي تقول رافضة :
_ لاء مش هينفع ..، انا مستنيه أحمد وماتيلدا ... هنا عارفين اني جـ..آآ
قاطعها ببرود :
_ مشيوا ..
انفرجت تعابيرها فزعه وهي تردد قوله :
_ ايه ..!! ، مشيوا ..!!!
أومأ بنعم وهو يحاول جاهدًا أن يسيطر على تعابير وجهه ، ثم قال :
_ يلا يا سحر ..، اختك وراحت مع ابنها وكنتها ..، وماتيلدا راحت مع أحمد ..، هتروحي مشي ولا ايه ..!!
رفعت حاجبها الأيمن وهي تتني رأسها قليلًا هاتفه :
_ والله ..! ، دا انت عارف كل اخبارنا بقى...
_ اممم ..مش اوي ..، يلا بقا عشان منتأخرش ...
زمت شفتاه بضيق وهي تنظر في الطريق على امل ان يأتي أحمد ، لكن خاب املها ، أمسك فؤاد بكفها جاذبًا اياها إلى السيارة وهو يقول بعجالة :
_ قولتلك مشى والله ... ، هنتأخر بالشكل دا ..
اضطرت ان تصعد لسيارة مستقلة المقعد الأيمن ، وأسرع فؤاد إلى الجانب الأخر ليمكث في مقعد السائق ، .. أدار المفتاح لتبدأ السيارة بالعمل ، فتوقف قائلًا وهو ينظر لها :
_ المرة الجاية هتركبيها إن شاء الله وانتِ مراتي ..
.....................
الساعة الثامنة وأربعة وعشرون دقيقة ..
أصدر الحهاز صوت رنين متتالي ليوقظ تلك التي غفلت بدون إرادتها أثناء مناوبتها الليلة ، جحظت عينها بصدمة وهي تهرع نحو المريضة أولًا لتتفقد جهاز رسم القلب الذي يعطي رنين متتالي لا يبشر بالخير أطلاقًا ، .. لهذا هتفت بصدمة :
_ ينهار أسود .. ، قلبها وقف .!! دكتوور ...
ثم هرعت نحو الخارج وهي تهتف باستمرارية :
_ دكتور وااائل ...، المريضة قلبهاا وقف ... يااا دكتورر الحقنااا بسرعااه ..
هرع بعض الممرضين إلى الغرفة ، وجاء الطبيب وائل يركض من اول الطرقة ، ثم دلف داخل غرفة العناية سريعًا وهو يرتدي القفازات ، ولحقت به الممرضة .
توجه للمريضة ثم بدأ بمحاولة اسعافها وإعادة ضربات القلب ثانية ، وهو يمسك بين يديه جهاز الصدمات الكهربي يفرك القطعتين ببعضهما وبينهما سائل لزج ، بينما أسرعت أحدى الممرضات بفسخ زيها من عند الصدر لتصبح عارية ، فوضع الطبيب الجهاز أعلى نهديها وقام أحد الممرضين الرجال بتشغيل الجهاز لتصعقها الكهرباء لمدة ثواني ثم أبعده الطبيب ليرتفع جسدها الرخو معه ثم يهبط مصطدمًا بالسرير ، .. هتف الطبيب بنبرة حادة :
_ علي الڤولت شوياا .. ، أحنا بنفقدهاا كداا ..
أدار الممرض القرص الصلب قليلًا لتزداد حدة الكهرباء ،ثم صعقها ثانيةً وثالثةً .... لكن لم يستجب جسدها فعلموا أنها فارقت الحياة بالفعل .
همد كل شيء بعد دقائق ، بعد أن ازاحوا جميع السلوك والخراطيم والإبر التي كانت موصلة بجسدها ، وسحبوا الملائة لأعلى وجهها مغطيًا معالمها بالكامل .
خرج الطبيب وهو يتنهد بضيق وخنقة ، فهتفت أحدى الممرضات :
_ عمرها كدا يا دكتور وائل .. ، ربنا يرحمها ...
_ ربنا يرحمها ..، خلصوا الأجرائات واحجزوها في المشرحة ، ... لحد ما اشوف هبلغ وليد باشا اذاي ...
زمت الممرضة شفتاها بإنزعاج وهي تهتف :
_ الباشا فرحوا انهارده يا دكتور .. ، أستاذ عادل رأيس الأمن هو الـ جايبها ، ووصى لو أي تطور حصل إذا كان بالسلب او الإيجاب نرن عليه هو .. وهو هيوصل للباشا ...
زفر الطبيب وائل بضجر هاتفًا :
_ ودا هنوصله اذاي ..؟!
_ ماتقلقش يا باشا .. رقم تليفونوا في الإستقبال تحت .... أنا هبلغ رشيد وفتحي يجهزوها ، وتتحط في المشرحة وهما يبقوا يستلموها .....
_ طيب تمام ..، وابقي طمنيني برضوا ...
_ عنيا يا دكتور ..
تركها وائل وتوجه نحو نهاية الطرقة هابطًا للأسفل حيث يقبع مكتبه ، بينما اتجهت الممرضة إلى داخل العناية المركزة لتهيئ المريضة والتي لم تكن سوى والدة تمارا ، .. إلى أن تكون بالمشرحة مع زملاءها. .
..............................................
كان الحفل مقام بأحد قاعات فنادق القاهرة الشهيرة
"Grad Nile Tower
.. والتي لا يتواجد فيها سوى علية القوم من جميع البلدان ، .. قرر وليد بالمشاركة مع سراج ان يختاروا هذا الفندق بسبب صيته الواسع وشهرته ، بالإضافة الى الخدمة الفائقة به .
كانت القاعة مظلمة الا من بعض الإضاءة الخافتة ، حيث سُلط ضوء أبيض قوى على باب كبير من يراهُ يظن أنه باب لقاعة أمير من أمراء العصور القديمة ، فقد زينة بطريقة ملفتة للأنظار .
كان أمام الباب سجادة حمراء اللون تقبع في المنتصف بالطول وعلى الجانبين وضعت أجهزة تضخ النيران ، .. اقترب وليد من الباب ببذلة سوداء اللون من ماركة برونيلو كوسينلي والتي صُممت خصيصًا له تتكون من ثلاثة قطع جاكت مع بنطال ضيق إلى حدًا ما وصدرية متناسقة اللون يغزوها خطوط من اللون الماهوغني كاللون المنديل المطوي بعناية في الجيب الأيمن ، كانت صدرية البذلة مزودة بأزارا احادية عمودية كثيرة ، لهذا لم تُضع أزارا على چاكت البذلة .
تقدم وليد حتى وقف أمام الباب ثم مد يده الإثنين ليفتح الباب وتطل منه زهرة وهي تقف خلفه ، اتسعت ابتسامته باتساع وهو يراها تقف أمامه بطلتها البيضاء تلك خجلة تنظر للأرض ، حيث تأنقت في ليلتها الوحيدة بفستان أبيض ناصع البياض لم يكن مزركش بطريقة مبتذلة حيث كان من الحرير الطبيعي موضوع عليه بعض الماسات التي لمعت ببريقًا أزرق مع الإضاءة التي سُلطت عليها ، كانت أكمام الفستان واسعة شفافة لكن أسفلها طبقة أخرى ضيقة على الذراع ، أحاطت رأسها بتاج أبيض مشغول بالكثير من الفصوص الامعة ، وطرحة لم تُغطي شعرها بالكامل ، مع طرحة اضافية تركت وتم وضعها بعناية لتنسدل على طول ظهرها حتى حطت على الأرض وأهتمت بعض العاملات بنفشها على الأرض .
احاط خصرها بيده محتضنًا اياها بشدة متنهدًا براحة وكأنه فاز بجائزة عظيمة ،أو ربح مسابقة شاقة ، ... اي يكن شعوره الآن وهي بين أحضانه وبالفستان الابيض لا يضاهيه اية شعور ، ... أنزل يده اليُمنى للأسفل وهو مازال محتضنًا اياها ليمسك بكفها الأيسر ثم رفعها قليلًا وأحنى ظهره طابعًا قبلة عميقة علي ظهر كفها ، اعتدل في وقفته وهو ينظر لوجهها الذي برغم من وضع مساحيق التجميل بكثرة إلا انه أظهر ملامحها بشدة ، هتف بصوت هامس :
_ تبارك الله يا زهرة ... الف مبروك يا نور عيني ...
رغم تلك الأصوات الهادئة التي صدحت بأغنية رومانسية إنجليزية الا انها تفهمت عليه فابتسمت بحياء مجيبة :
_ الله يبارك فيك ...
لكن هذا الحدث المهيب جعل جسدها يتوتر مع سخونة وجنتها التي اشتعلت من الخجل ، ..اقترب بوجهه مقبلًا أعلى جبينها وهو يمسك بكفها الإثنين ، ثم رفع كفيها مقبلًا اياهم وهو ينظر لعينيها بعشق ،مما جعلها تذوب خجلًا ، بعد ثواني تأبطت ذراعه بتوتر واضطراب سرعان ما هدأ قليلًا وسارا الإثنين معًا عبر الممر الذي كان يقف في مقدمته وليد ، والنيران من جانبهما تعلو وتنخفض اتباعًا .
في أقصى اليمين من القاعة ، فتح سراج الباب أيضًا بنفس التوقيت ليهل عليه وجهه سُمية البراق ، وعلى ثغرها تُزين ابتسامة حماسية سعيدة مليئة بمشاعر الحب اللامتناهي .
كانت تُزين فستانً أبيض يميل للون الفضي ضيق من الأعلى متسع بشدة من الاسفل ، مزركش بالكثير من المنقوشات المتداخلة والفصوص الامعة والتي ظهرت كالنجوم على سحابة بيضاء اللون ، تقدم منها سراج والذي كان يرتدي حلة توكسيدو زرقاء اللون من الدرجة الداكنة ،وتتكون من قطعتين بنطال وجاكت البذلة والذي يتواجد به زر واحد فقط ، كما انه وضع حول رقبته رابطة عنق ' ببيونه ' من اللون الازرق الداكن لكن ليست نفس درجة البدلة .
أسرع سراح في خطواته محتضنًا إياها بشدة همسًا بجوار اذنها بلوعة :
_ أخيرًااا ... ، يا ربي مش مصدق بجد ..
ابعد وجهه عنها ثم قبل أعلى جبينها ، هاتفًا :
_ الف مبروك يا روح قلبي ...
هتفت بابتسامة واسعة :
_ الله يبارك فيك يا حبيبي
امسك يدها اليسرى ووضعها بيد يده اليُمنى وسارا الإثنين بجوار بعضهما ، حتى عبروا الى الأماكن المخصصة لهم بالجلوس .
أضاءت القاعة فاجأة تحت تصفيق حار من الموجودين ، وظهرة القاعة بوضوح في الضوء حيث أن القاعة كانت مزينة باللونين الأبيض والبنفسجي ، وكانت الاماكن الخاصة بهم ، تبدو كشازلونج من اللون الأبيض مصنوعة من الجلد ، لكن شكلها الخارج الأقرب لشازلونج جعل منها مقعدًا فخمًا بشدة ،بينما المقعد الأخر والذي كان يخص سراج وسُمية ، كان مكملًا للمقعد الأخر ، بينما يتدلى من السقف مجسم مربع الشكل يهبط منه فروع مضيئة باللون الفضي كأنما يهبط منها ثلوج .
كانت المقاعد تتواجد في مكانً أعلى من بحوالي ثلاث درجات ، ثم من عند الدرجة الثالثة في الأسفل يمتد ممر طويل من اللون الأبيض الرخامي ليقبع نهايته على اول مربعة كبير من نفس اللون لكن ليس رخامي ، بل زجاجي مضاء بالأسفل بإضاءة فضية تُضيء وتنطفئ فأعطى مظهرًا جذابًا بشدة .... كانت القاعة بأكملها مزدانة بطريقة عصرية انيقة تحتاج كتابًا لوصفها .
بعد دقائق من الترحيب الحار بالعروسين ، بدأت فقرة رقصة الـ 'سلوو' ..، وكانت جميع الأغاني التي بدأت وستبدأ من اختيار زهرة وسُمية فقط .
أحاط وليد خصر زهرة بحنان بينما هي رفعة يديها على أول كتفه ، وبدأ بالتمايل بانسجام مع أنغام الموسيقى الهادئة قبل أن تصدح كلماتها ... بينما الحال عند سراج وسُمية فقد أمسك كفها الأيسر بكفه الأيمن ووضع كفها الأخر على مقدمة كتفهِ، ثم هبطت يداهُ محيطًا ظهرها من المنتصف ..
ومازالت الموسيقى تصدح في الأرجاء مع هدوء المكان حتى بدأت الكلمات بالتراقص في القاعة بأكمالها ، نظرت زهرة لأعين وليد ثم بدأت تحرك شفتاه بتأثر بالغ مع الكلمات، لحظاتٍ حتى أقتربت زهرة من رأس وليد وهي تهتف بجوار اذنهِ كلمات الأغنية اللطيفة:
_ بعترفلك قلبي دايب من بداية الحكـاية ....
استندت على كتفهِ بهدوء، رغم الصخب الذي يعلو داخلها رهبة مما يحدث، همس بجوار اذنها :
_ وأنا كمان ...
لم يستطيع رؤية تلك الابتسامة العاشقة التي قفزت على ثغرها.
....
أنتهى حفل الزفاف على خير ، فتنهد عادل مردفًا بفرحة :
_الحمدلله عدت على خير ....
في أحد الطوابق والتي تقبع خصيصًا في الأعلى ، حيثُ صمم أخر خمسة أدوار ليكونوا عشرة أجنحة مصممة على أحدث التراز بالطريقة التركية .
زفرت براحة بعد أن لامست قدمها الأرض ثم طالعته بغيظ ، الا أن ابتسامته جعلتها رغمًا عنها تشيح وجهها بعيدًا عنه .
اثنى قدميه الإثنين ، وجلس على الأرض مستندًا على ركبته ، فأصبح قبالتها بعض الشيء ، ثم أمسك يدها وقبلها بحنين ، وأردف بلوعة وهيام :
_ أنا مش مصدق نفسي ،... أخيرًا بقيتي معايا .. وعلطول ..
تخلت عن حرجها قليلًا ، وهتفت تمازحه :
_ أنت كنت عايزني اروح ولا ايه ..!!
هب واقفًا وهو يقول مستنكرًا :
_ تروحي ايه ..!! ،دانا قاتيلك انهارده وعمري الـ جاي..!!
تراجعت للوراء بحذر عندما وجده يرفع يدها نحوها وهي تهتف ببعض الخوف :
_ ايه في ايه ..!!
ابتسم بحنان ، ثم مد يده يجذب التاج الموضوع أعلى رأسها مردفًا :
_ ماتخفيش يا ست البنات ..، هفك لك الطرحة بس ...
بدأ بنزع دبابيس الطرحة ، وكان كمًا كبيرًا حتى لا ينفلت منها اس شيء وتكون مثبتة بإحكام ،.. انتهى من نزع الدبوس الأخير ثم سحب الطرحة بأكملها لتقع في الخلف ، سحب بنسة الشعر خاصتها وقام بإفلاتها فانسلت جميعه في الخلف بانسيابه ، كانت اول مرة له في رؤية شعرها هكذا على الطبيعة ، ففي المرات العدة الذي رأه فيها. كانت عبر صور ترسلها له بعد زواجهم ، أو عندنا يهاتفها مكالمة فيديو .
وضع يدهُ على شعرها يتحسسه براحة وإعجاب بنفس الوقت ، فدفعته للخلف قليلًا وهي تقول بإضطراب :
_ هـ..هروح ...، اقلعه ... و .. والبس الأسدال ...
ثم ركضت من امامه تبحث بعينها عن المرحاض ، حتى وجدته فدلف سريعًا وهي تعلم أن ثيابها بالكامل فيه .
وقد وقعت أول ليلة بينهم ، ليلة شهدت فيها السماء والأرض على حب هذان العشقان ، وخطا معًا أول دري من دروب الحب والهوى ، وبدأ الإثنين في الانسجام معًا هذا العالم الجديد متخذين مقعدًا بين كبار العشاق ، بل وقمتهم فقد أجاد قيس في مدح ليلة ، وأبدع عنترة في إنشاد شعره لعبلة ، أما وليد فقد أجاد وأبدع في رسم العشق ذاته على قلب زهرة، فهنيئًا له بقلبً طاهر ،نقي ، وروحً مفعمة بالحب والعطاء ... !
وهنيئًا لها برجلًا قلما وجد في هذا الزمان ، أقسم على بناء قصرًا لها في قلبه تملكه سيدة النساء وتاجهم في عينيه ...
............................................
................................
......................
..............
.......
...
.

تائهة فِي سَرَايَا صَفْوَان  © -مُكتملة- حيث تعيش القصص. اكتشف الآن