الفصل الثامن والثلاثون

7.4K 241 37
                                    

تائهة في سرايا صفوان ..
الفصل الثامن والثلاثون
.....................................................
وقف في شرفة تلك الشُقة التي تطل على النيل يرى قرص الشمس البرتقالي وهو يتوسط السماء بشرود ، ممسكًا بيده كأسًا من النبيذ الأحمر به قطع مكعبة من الثلج الذي لا يذوب سريعًا .
دق الباب ثم فُتح ليدلف رجلًا يبدو عليه ملامح الشيب في العقد الخامس من عمره ،وقال باحترام :
_ ياسر باشا ،الضيف وصل ...
استدار ياسر بجسده للرجل ثم توجه نحو البار الصغير الموجود في الغرفة ليصنع كوبًا أخر وهو يهتف بهدوء :
_ دخله ..!
رجع العامل بظهره بضع خطوات للوراء ، ثم خرج من الغرفة ، بينما ياسر فقد أمسك زجاجة مجسمة كبيرة ذو فواهة ضيقة ، فتح الغطاء ثم امسك كأس أخر ،وقام بوضع قليل جدًا من محتوى الزجاجة في الكأس ، ثم تركها بعد أن أغلقها ، ودلف هنا هذا الضيف فهتف ياسر :
_ اقعد يا ضاحي ..
جلس ضاحي على أحد الأرائك وهو يطالع ياسر الذي أمسك زجاجة أخرى وفتحها ثم وضع بعضًا من شرابها الأحمر في الكأس ، ثم مدّ يده لدلو صغير مملوء بالثلج يأخذ ثلاث قطع بالماسك الحديدي ، ثم وضعهم في الكأس .
امسك كأسه والكأس الاخر الذي صنعهُ واقترب من ضاحي ،ثم جلس بالقرب منه ومد يده بالكأس المملوء له مردفًا :
_ اشرب ...
ابتسم ضاحي وهو يأخذ منه الكأس هاتفًا :
_ مينحرمش منك يا باشا .. تسلم ....
ثم ارتشف الكأس مرة واحدة ،وسرعان ما تحولت تعابيره للتجهم وانكمشت وأخذ يسعل بحدة ، فهتف ياسر بعدم اكتراث :
_ دا ڤوتيكا وتكيلا يا ضاحي ...، مش بيبس ..!!
هدأ سعاله قليلًا ، فحمحم بصوت واضح ، وهتف :
_ لسا بنتعلم منك يا باشا ..
_ اخلص .. جبت الـ قولتلك عليه ...
أومأ ضاحي بنعم ، وهو يخرج هاتفه من جيب سترته ، ثم اضاءه وأعطاه لياسر ، أمسك ياسر الهاتف وهو ينظر له بدون ادنى تعابير وصورة وليد وزهرة في ليلتهم هذه تظهر أمامه واحدة تلوا الأخرى حتى انتهى من مشاهدتهم جميعًا ...، فهتف بحنق :
_ دول الـ صورتهم يا ضاحي ..!!
أومأ ضاحي بنعم ،وهو يقول :
_ لا مؤخذة يا باشا ، .. كانوا منعين التصوير اصلًا ،.. أنا جبت دول بطلوع الروح ..
امسك ياسر بهاتفه يأخذ الصور من هاتف ضاحي ، وبعد ان انتهى مدّ له هاتفه وهو يضع قدمه على الأخرى بتكبر ، ثم ارتشف القليل من كأسه وهتف :
_ والطلب التاني .. !!
ابتلع ضاحي ريقه وهو يجيب باضطراب :
_ بصراحة يا باشا ....، يعني خبر مش كويس ...، أنا اطقست جامد على الأوستاذ الـ قولتلي اسمه ،.. وبصدفة عرفت من واحد كنت مقضيله مصلحة في الداخلية ،.. انوا كان مسجون عندهم من شهر باين ..، واترحل من أسبوع بالظبط ....
حك مؤخرة عنقه وهو يُكمل :
_ بيقولي مطلوب في الأنترآآ... حاجه كدا افرنجي مش عارف انطقها يا باشا ....
تجهمت تعابير ياسر بشدة ،... فذراعه الأيمن هنا قد تم الأمساك به ...! ، وقف هاتفًا بتعالي وهو يلقي رزمة أموال أمام أعين ضاحي على الأريكة قائلًا :
_ فلوسك اهي يا ضاحي ..، امشي دلوقتي ...
لمعت أعينه ببريق الجشع والطمع ، ثم مدّ يده يأخذ المال وهو يقول بسعادة :
_ تسلم يا باشااا ، ... يجعله عامر دايمًا ، .. بالأذن أنا ..
ثم حمل حاله ورحل ، أما ياسر فقد رفع هاتفه ليرى صور وليد وزهرة أمس والسعادة تكاد تقفز من بين أعينهم ، فهتف بغيظ وكره وهو يطبق بيده على الهاتف :
_ ورحمة الغالين لأحسرك عليها يا وليد ... ، والله لأهدم سعادتك دي على دماغك ، ... بس ومالوا .. افرحلك شويا ... ، ودا مش لأجل حبي فيك ، بس عشان العيش والملح الحرام الـ كلناه سوا ...
............................................
شعرت باهتزاز جسدها فجأة بعد إعلان إقلاع الطائرة بعشر ثواني ، احست بالتعب الشديد فمدت يدها تُمسك كفهُ واليد الأخرى وضعته على فمها كي لا تُطلق صرخة عالية ، وعينها مغمضتين بشدة ، فهتف وهو يجاهد ليمسك ضحكته :
_ زهرة اهدي يا حبيبي ... الموضوع سهل ، ثواني وهنبقى في الجو وكلوا هيبقى تمام ..
شعرت بأن الضغط يقل بشدة ، فنزعت يدها التي كانت تضعها على فمها ومدتها لوليد بتيه فأمسك بها وهي غير واعية ، أو لم تستمع اصلًا لما قاله ، ثم هتفت بصعوبة وتشوش :
_ وقـ..آآفهااا ، .. هموت ...مشـ آآ
ارتخت قبضتها من على يده مع رجوع ظهرها للوراء وفقدت الوعي ،اتسعت عينه برعب ونزع حزام الأمان بسرعة ووقف وهو ممسكُا بيدها هاتفًا في وجل :
_ زهرة .. زهرةة .. حد يسااعدنااا ..
ربت على وجهها بقلق بالغ وهو يهتف باسمها عدة مرات ، جاءت فتاة من فتيات طاقم الضيافة ، وهتفت :
_ عنئذنك يا فندم أنا هاقدر اساعدها ..
ابتعد وليد قليلًا ومازالت يده ممسكه بيدها ، فاقتربت المضيفة لتنسك يدها اليمين تتحسس نبضها من عند المعصم ، وهتفت متسألة :
_ هي بتعاني من اي مرض مزمن .. ؟!
أومأ وليد رافضًا ثم قال :
_ لاء ..، هي أول مرة تركب طيارة ...
هزت رأسها بتفهم ، وبدأت إسعافاتها الأولية لإفاقتها ، حتى استجابت لها وبدأ تفيق من إغماءتها ، اعتدلت المضيفة وهي تهتف :
_ دي حاجه بسيطة يا فندم ، بستأذنك تخليك معاها ثواني ، عقبال ما أجيب لها برشامة تفوقها ..
اقترب وليد من زهرة بعد أن ابتعدت المضيفة وبدأ بالضغط برفق شديد ولين على خدها هاتفًا بصوت مضطرب من القلق :
_ زهرة ..، انتِ كويسة يا حبيبتي ..
فتحت عينها براحة ، وطالعته وهو يقف بقربها هكذا ، فظنت انها على سريرها كالصباح عندما استيقظت ووجدته امام ناظريها .
تلقائيًا انتشرت السخونة بجسدها ، ولم تستوعب بعد أنها في الطائرة وأمام الناس ، .. في الواقع مازالت في حالة اللاوعي .
أمسك كفها الأخر وهو يقول برفق :
_ انتِ كويسة يا روحي ..، حسا بدوخة او حاجة ...
اغمضت عينها وهي تشعر بصداع يفتك برأسها ، استمعت لصوتًا أنثوي لم تعرفه يقول :
_ اتفضل يا فندم ، خليها تحط البرشامة دي تحت لسانها ..، ودي كمان لو حست بـ nausea "غثيان " ..
اعتدلت بجلستها وظل الأمر للحظات حتى استوعبت أين هي وماذا حدث ، وحلما وصل لبالها فكرة أنهم الآن بالجو ،أمسكت يد وليد بحدة وهي تشعر باختناق ، فاقترب منها واحتضن جسدها مربتًا عليه وهو يقول :
_ اهدي ،.. خلاص يا حبيبي احنا في الجو والله وكلوا تمام ، ما تقلقيش ..
استكانت قليلًا بين احضانه وارتخت عظامها عندما توغلها نبرته الهادئة والدافئة ، لكن يبدو أن القدر ليس مع وليد هذه المرة حيثُ ضُربت الطائرة بمطب هوائي مما جعلها تهتز قليلًا ، فاحتدت مسكتها ليده وبدأت بالبكاء بينما هتفت المضيفة بنبرة مستنكرة :
_ دا مطب هوائي يا مدام والله .. عادي .. !!
نظر لها وليد قائلًا بحدة :
_ طيب تقدر تتفضلي انتِ ..
رحلت المضيفة ، وجلس وليد على مقعده ومازال جسده محتضنًا جسدها ،وهو يربت على ظهرها بحنو ، ثم هتف :
_ زهرة انتِ كويسة مفيش حاجه يا حبيبي ،.. دي عشان أول مرة تركبي طيارة بس ..
همست بصوت منخفض ونبرة مرتعشة قليلًا :
_ عـ..آآ ...ايزه ،... آآ انزل ..
اقترب بوجهها من وجهها ، عندما شعر بانه تتحدث وهمهم قائلًا :
_ امم ..، بتقولي ايه .. !!
ابتلعت ريقها ، ثم جاهدت لتجعل صوتها يبدو واضحًا وقالت :
_ عاايزه .. آآ انزل ..
_ حاضر ..، صدقيني دقايق وهنكون وصلنا ،.. اهدي بس ..، وخدي دي حطيها تحت لسانك ..
ابعد جسدها عنه ، وأمسك فكها برفق رافعًا اياها لأعلى ثم قال :
_ افتحي بوقك يا زهرة ...
فتحت فمها وعينها أيضًا بخفوت ، فنزع وليد البرشامة ، وهو يهتف مقربًا يده من فمها :
_ ارفعي لسانك يا حبيبتي ...
رفعت لسانها كما قال فقام بوضع البرشامة أسفل لسانها ،فهتف :
_ خلاص نزلي لسانك ..
أنزلت لسانها وأغلقت فمها ،وجاءت لتستند على كتفه بين احضانه ،فابتعد هاتفًا :
_ لاء يا زهرة ... ، خلاص احنا بقينا في الجو ومش هيحصل حاجه صدقيني ..، بصي في الشباك كدا .. ، السحاب حوليكي منظروا جميل اووي ..
بالفعل ابتعدت عنه قليلًا وقد شعرت بالسكينة بعض الشيء ،وأدارت رأسها لتنظرت نحو النافذة الزجاجية ،لترى مشهدًا لم يسبق لها أن شاهدته بحياتها .
تركت كفه الأيسر لتتيح لجسدها أن يستدير نحو النافذة ، لتضع وجهها بالقرب منه ، وهي تُشاهد ،كتل السحاب الأبيض تعبر من جوارها بهدوء .
حاول وليد أن يسحب كفه من بين كفها ليترك لها مساحة التحرك بحرية لتقتري اكثر من النافذة وترى بوضوح ، لكنها التفت لهُ هاتف بخوف :
_ لااء ..،ما تسبش ايدي ..
ابتسم رافعًا يدها لفمه مقبلًا اياها بحنين ، ثم قال وهو ينظر لمقلتيها :
_ ماتخفيش يا حبيبي ،.. مش هسبها ،أنا بس عايزك تتفرجي براحتك ...
نظرت نحو النافذة وهي تقول :
_ لاء انا كدا شايفه كويس ...
ثم نظرت له قائلة ببعض الفرحة :
_ المنظر حلو اوووي يا وليد ..، بص السحاب ماشي اذاي .. !!
مازحها قائلًا :
_ احنا الـ ماشين يا حبيبتي ،مش هو الـ ماشي ..!
لاحقًا .. ،بعد ساعة الا ربع ، عبرت زهرة وهي تتأبط ذراع وليد بسعادة وهو يدفع عربة عليها حقيبتين ، وتمسك بالذراع الأخرى حقيبة يد كبيرة بعض الشيء .
هتفت بعد أن خرجت من المطار باستغراب :
_ الله ..، الجو دافي هنا ...
حيثُ كانوا بمنتصف شهر نوفمبر والذي كان في القاهرة في هذا الوقت برودتهُ عالية ، أما هذا المكان الذي لم يفصح وليد عنه لم تعرفه بعد ،حتي انه سد عليها جميع الطرق لتعلم أين هم ، وهي لم تسأل أحد ، فقط ظلت على جهلها حتى يفاجئها هو .
وقف وليد امام المطار من الخارج ، وهو ينظر يمينًا ويسارًا ، حنى أشار لأحد السيارات السوداء فجأت سريعًا له .
هبط السائق من السيارة سريعًا ووقف امام وليد قائلًا باحترام :
_ نورت أسوان يا باشاا ..
سبه وليد في نفسه ، ونظر لزهرة التي ظهر على محياها علامات السعادة أكثر وأكثر ، ثم مد العربة للسائق هاتفًا بامتعاض :
_ دخل الشنط يا متولي ورجع العربية مكانها ..
أخذ متولي الحقائب من العربة ثم توجه ليفتح شنطة السيارة ، بينما فتح وليد باب المقعد الخلفي وأشار لزهرة بالدخول هاتفًا :
_ ادخلي يا حبيبتي ..
دلفت داخل السيارة بحماس ،فدلف ورائها ،وهتف بحنق :
_ كان نفسي افاجئك بس متولي قام بالدور الله يسامحه بقى ...
أردفت ضاحكة :
_ خلاص قولي لما نوصل وأنا هعمل نفسي اتفاجئت ..
_ يا سلام ...
_ وحياة عبسلاام ...
ثم قهقهت هي على دعابتها ،فطالعها مبتسمًا وهو يقول :
_ الله ..!! ،احنا بنألش اهوو . ماشي لينا اوضة فندق هتلمنا كمان شويا وقتها اشوف عبسلام دا .. !!
ضحكت ثانية على حديثه ، ثم صمتت عندما جاء السائق بعد أن أرجع العربة ،وبدأ بالقيادة .
مرت نصف ساعة وصلوا فيها للفندق المنشود ، فهبطوا من السيارة وطالعته زهرة من الخارج وهي تقف مدهوشة بشدة ،.. ثم تمتمت بعدم تصديق :
_ ايه داا ..!!! ، دا بجد ..!
..........................................
خرجت من المرحاض وهي تُجفف شعرها الأسود بعد ان نعمت بحمامًا دافئ بداخل حمام الجناح خاصتهم ، تطلعت حولها بارتياب من اختفائه وهتفت :
_ سرااج .. !
لم تستمع لأي ردة فعل ،فقامت سريعًا بتبديل ثيابها لمنامة حريرة سوداء أظهرت بياض قدمها وعنقها المرمري ، ثم قامت بتجفيف شعرها اولًا ،وبعد ذلك مشطته بهدوء وعجالة .
استمعت لصوت باب الغرفة يُفتح يليه دخول سراج الغرفة ،فاستدارت بجسدها له وقالت :
_ كنت لسا طالعا أشوفك يا سوس ..
امتعض وجهه من هذا اللقب الذي أصبح ملازمًا له ،والذي وافق علي بمضض أمس كبداية عربون امتلاكها ، اقترب منها بعد أن وضع حقيبة بلاستيكية كبيرة بيضاء تحتوي على العديد من التسالي ، فقالت بحنق وهي تنظر للحقيبة :
_ نازل يوم صبحيتنا تحيب لب وسداني يا سراج ..!!!
وقف امامها هاتفًا وهو يجعلها تستدير لتعطيه ظهرها :
_ الساعه خمسة المغرب يا مفترية ..! ، كل دا نوم ..! ،دانتِ لو بقالك قرن منمتيش مش هتعمليي كدا .. !
ضغط على كتفها لتجلس على مقعد التسريحة ثم مسك المشط وبدأ هو بتمشيط خصلات شعرها ،وهو يُكمل :
_ قولت يا واد يا سراج ،انزل هاتلها حاجه حلوة من الـ بتحبها دي ..، واهو يكون عربون محبة جديدة ولا انتِ ايه رأيك .. ؟!
ثم غمز لها معربًا عن سوء نيته تمامًا، فانتفضت واقفه وهي تسحب المشط منه هاتفه بغيظ تداري خلفه خجلها :
_ هاات يا سراج ..، مش عاوزه منك حاجه ... والـ عربون الـ خد الـ جبته دا يا حبيبي مش عايزه منه حاجه ..
لم تُتيح له الفرصة رؤية ثيابها البيتيه عندما دخل ،لكن الآن وهي واقفة أمام استطاع ان يراها بوضوح ،.. وما ساعده الاختلاف الشاسع بين جلدها الأبيض ومنامتها السوداء مما أظهر جسدها بوضوح سخي، يراها وكأنهُ لم يراها من قبل، فدومًا ما كانت ترتدي الفساتين المحتشمة، أما الآن فمظهرها جديد بنسبة لهُ
ابتسم لها بإعجاب ،ثم صَفر غامزًا لها وهتف :
_ ايه الحلاوة دي يا بنت صفوان ...
اقتربت تلكزه في كتفه هاتفه بنبرة متعالية مصطنعه :
_ دا اقل ما عندي على فكرا ...
ثم تقدمت وانحنت لتأخذ الحقيبة رغمًا عنه ، فاستمعت لهتافه وهو يطالعها بنظرات لوعة مازحًا بمكر:
_ لاء منا واخد بالي اوي ...
جلست على أحد المقاعد الوثيرة تفتح الحقيبة وتأخذ منها ما اشتهت عينها وبدأت بفتح الأكياس واحدًا تلو الأخر تقضم منه ثم قالت بنبرة سعيدة :
_ سراج .. انتَ احسن زوج في الدنيا والله ...
اقترب جالسًا بجوارها محتضنًا اياها من جانبها وقال مستنكرًا :
_ وانتِ عشان شوية تسالي ..، عملتيني أحسن زوج .. !
تركت ما بيدها وادارت وجهه لهُ ناظر في عينيه ثم قالت بنبرة عاشقة :
_ انتَ مهما تعمل وتجبلي ،هتفضل أحسن زوج في عيني يا سوس ...
ثم طالعته بمكر ، فهي تعلم أن هذا الاسم الذي تناديه به منذ الأمس يستفذه بدرجة لا معقولة ، اما سراج فقد كبح غضبه واظهر لها ابتسامه تبدو باردة او سمجه الا انه يكاد يطير فرحًا من حديثها ،ورد قائلًا بنبرة ساخرة :
_ تسلمي يا روح قلبي ...
أدارت وجهه له سريعًا بعد أن أخذت قطعة من الكيك الجاهز بطعم الشكولا السوداء والبيضاء وذمت شفتاه ثم أرسلت له قُبلة عبر الهواء وهتفت :
_ حبيبي ..
سحب من يدها الأكياس وهو يهتف جاذبًا لذراعيها :
_ هااتي دول كداا، من هنا ورايح صحيان المغربية دا تنسيه، انا مش هصحى اكلم نفسي بعد كدا..
زمت شفتاها بحزن، وطالعتهُ بنظراتٍ وديعة، مردفه:
- ايه يا سراج على شويه وقت نمتهم يعني، انا كنت تعبانه، يعتبر بقالي اسبوع منمتش، اخس عليك بجد!
تأثر لنبرتها تلك، وكالأبله قام باعطاءها الكيس وهو يحتضنها مقبلًا رأسها، وهو يقول:
- خلاص انا آسف متزعليش مني، نامي براحتك...
فتحت عينها تخفي ابتسامتها الماكرة، وجدتهُ يربت على ظهرها بحنان مكملًا:
- خلاص بقى متزعليش...
....................................................
استيقظت من النوم بصعوبة بالغة على صوتًا لم تعتاده يهتف :
_ قمي .. ياا قمي ...، يا بنتي الساعة تياته ايعصي ...، هتنامي ايييي واينهار ويا ايه ..!!
تململت قمر في نومتها ، ثم وضعت الوسادة أعلى راسها في محاولة لأن ينكتم هذا الصوت المزعج ، الا أن ريم اقتربت تُزيح الغطاء والوسادة عنها قائلة بضجر :
_ يا بت بقا قومي .. ،منا مش هفضي كُي شويا اطيع وأنزي أشوفك عشان سي إبياهيم بتاعك دا يهدا ...
كانت قمر مازالت نائمة بعد ، تشعر بأن عظام جسدها لم تأخذ كفايتها من الراحة ، وهتفت وهي نائمة :
_ سبيني شويا بـ آآ..
انقطع حديثها بسبب استغراقها في النوم ثانيةً ،وقبل أن تعود ريم لإيقاظها مرة أخرى وجدت هاتفها يدق ، فنظرت له _حيثُ كانت ممسكة اياها بيدها _ ووجدت إبراهيم من يهاتفها ، ففتحت الخط هاتفه بضيق وضجر :
_ إبيااهيم ..، يسا نايمه واييهِ ..
_.............
_ ياء حيام عييك ..، سبها نايمه يا أخي ..، ويما تيجي صحيهاا ..، شكيها تعبانه ومجهده ..!!
_.........
_ اوك ، سيام ...
وضعت ريم الهاتف على الكومود ثم أعادت وضع الغطاء الثقيل على جسد قمر كي يدفئها من برودة الجو ، ووضعت أيضًا بجوارها الوسادة ، ثم توجهت تغلق زر الإضاءة وبعد ذلك خرجت من الغرفة لتترك قمر تنعم بباقي وقت نومها .
هبطت للأسفل فوجدت آمنة تخرج من المطبخ بعد أن انتهت من تحضير الطعام ، فاقتربت منها قائلة :
_ ماما آمنة ، .. هيوح أزوي چاسمن صاحبتي بعد شويا ...
رفعت آمنة رأسها لريم ، وفكرت قبل ان ترد مردفه بجدية :
_ هتتقابلوا فين يا ريم ..
_ في الـ club
_ استئذنتي فتحي جوزك الأول ..
اطرقت رأسها خجله من هذا اللقب الذي لم تعهده بعد ثم أومأت بنعم وهي تردف :
_ ايوا قويتيوا ...
_ ماشي يا بنتي ، بس ما تتأخريش برا برضوا .. ، والسواق يوديكِ ويجيبك ، وتعملي حسابك تيجي قبل ما نحط الغدا ..
_ حاضي .. ، عايزه حاجه ..!
قالتها وهي تهم بالرحيل فقالت آمنة رافضة :
_ لا يا حبيبتي عايزه سلامتك.. آهه ..من حق قمر لسا نايمة برضوا ..
اومأت بنعم وهي تقول :
_ ايوا ،.. يسا نازيه من عندها .. محدش يصحيها عشان شكيها تعبان ...
_ حاضر .. هبقى اشوفها وقت الغدا لو صحت تمام لو مصحتش هسبها ...
_ اوك يا ماما آمنة سيااام ..
خرجت ريم من القصر وهي تفتح شاشة هاتفها على أحد تطبيقات التواصل ، لتبعث رسالة لفتحي محتواها :
_ انا ماشيه دلوقتي يا حبيبي ..، ساعة كدا وهرجع ..
ثم أغلقت الهاتف وتوجهت نحو البوابة ،لتجد البواب يجلس يشرب كوب شاي دافئ فقالت مبتسمة :
_ معيش يا عم حسن ،.. فين عم أحمد ..!
وقف حسن سريعًا وهتف مهللًا :
_ يا مساء الورد على عروستنا الحلوة ..، هرنلك عليه اهو استني ثواني بس ...
ثم أخرج هاتفه من جيب سترته يدق لسائق :
_ الوا .. ايوا يا احمد ،انتَ فين يا بني ..!
_..............
_ اهه ...، طيب دقايق وتكون هنا عشان ست ريم عايزه تخرج ...
_...........
_ ماشي سلام ....
أغلق حسن مع أحمد ،ثم طالع ريم وهتف باعتذار :
_ معلش يا ست هانم ..، بيسحب معاش امه بس ..، لو كنتِ ادتينا علم إن حنابك طالعه كان زمانوا مستنيكي ....
أومأت ريم بدون عناء وقالت بنبرة عادية :
_ مفيش مشكلة يا عم حسن ..، هستناه في الـ garden ......
********************************
توسط الإثنين حجرة تبدو رملية ،أو انها جحر كبير داخل كهف مُعد بطريقة جذابة وإمكانيات عالية ، .. هتفت ومازالت ملامح الصدمة مرسومة على وجهها :
_ لاء برضوا مش مصدقة .. !
أخذ وليد يدها بين كفه ، ثم سار به نحو اتجاه الشرفة التي تطل على منظر أبدع الخالق في تصويره ، ورغم انها قد تهيأت لرؤية ما يثير اندهاشها الى انها شهقت بخضه خفيفة وهتفت غير مصدقة :
_ وليد ..!!
كان المكان فندق ليس كبير لكن واسع جدًا ، تظن من الوهلة الأولى انه جبل قد قام أحد المهندسين ذو العقلية الغير سوية تمامًا بتهيئته ليصبح فندق هكذا ، حتى أنك تشعر بنفسك في عصر الدولة الفاطمية او شيء من العصور قديمة الأزل ، حيثُ كان الفندق بالكامل من الحجر الرملي مع عدم اتاحة اي وسائل تواصل ، حتى الاضاءة والكهرباء لم تتوفر ، فقد كان الجناح الذي قام وليد بحجزه مزود في كل ركن من اركانه بوسائد من ريش النعام الطبيعي ، ومدفئة من النار والسرير ارضي من ريش النعام ايضًا ، وطاولات تحتوي علي معادن ذهبية ثمينة ، والشموع مضاءه في عيدان ذهبية اللون تفوح منها رائحة طيبة .
اقترب منها، يحتضنها وهي بجورهُ فاستندت برأسها على صدره ، وهي تطلع للمظهر البديع أمامها ، حيث كانت الحديقة تحتوى على بعض الهضاب الرملية وتنتشر جداول ماء لنهر النيل ،وبحيرة واسعة من مياه النيل المنقية وبعض أشجار الزينة والنخيل .
تنفست زهرة بشبق حتى امتلأت رئتيها من الهواء النقي والمنعش ، همس وليد بجوار اذنه :
_ تعالي ندخل ننغير ونرتاح شويا ،وننزل نلف بعد كدا ....
أومأت بنعم ثم دلفت معه لداخل وهي تمط جسدها بتعب قليلًا فهي لم تنعم في النوم سوى سويعات قلائل ، طالعتها مردفًا بشك:
_ بقولك ايه لازم نرتاح اوي يعني ..!!
امتعضت ملامحها، وهي تبتعد عنهُ قائلة:
_ ابعد يا وليد ، انا عايزه ارتاح والله......
- من اولها ابعد يا وليد، لاء بقى انا الراجل هناا، وكلمتي تتسمع، كلمتي ايه!!!
أخرجت لسانها، مردفه وهي تبدأ بالركض:
-متتسمعش..
أكملت ركضها عندما أصبح بالقرب منها ، بصورة سريعة ولم تنتبه لتلك الوسادة الكبيرة التي وضعت بجوار بعضها كشكلًا دائري فتعرقلت بها ووقعت .
التمعت عينها بخبث ثم انحنى لها هامسًا :
_ بقيتي في قبضتي ..، شوفتي لو جيتي بزوق افضل من الفرهدة دي ... كنا وفرنا مجهود الجري دا لجري الفسحه
أمسك بأقدامها فركلت وهي تصرخ بصوت مازح عاليًا :
_ ابعـد يا وليد ..،والله هضربك برجلي ...
قهقه عاليًا على محاولاتها البأسه في ابعدها ،.. ودون قصدًا افلت قدمها من بين يده وبين ركلاتها فقامت بضربه في بطنه ،.. ابتعد عنها متآوهًا بألم ،.. فاعتدلت بسرعة واقتربت منه هاتفه بقلق :
_ ياالهوي .. ،وليد ..!!
ظل ثواني متكاومًا على نفسه ،مما زاد في قلقها ، وعلى حين بغتة قام بحملها سريعًا برشاقة وهو يهتف بنبرة متوعدة:
_ احنا فينا من الرفس والحاجات دي .. طب انا عايزك تطلعي كل الـ عندك ماتكتميش جواكِ يا بيبي ...
_ والله لو وقعتني لتزعل ...، ماا تهبدنيييييش ... ياللهوي ..
كانت متوقعة منه أنه سيقوم برميها بحدة على السرير الأرضي وبالفعل هذا ما حدث فقد قام بإلقاء جسدها بعنف على الفراش ،هاتفًا :
_ لو اتحركتي من مكانك هعلقك، وعنف بعنف بقى...
أومأت موافقة بدون حراك ، فاعتدل بجسدها ،وتقدم من الباب الخشبي والمصنوع من خشب الزان مصمم بطريقة قديمة جدًا ،لكن جذابة بنفس الوقت .
عاد بعد لحظات يحمل صينية دائرية كبيرة تحتوي على العديد من الأكلات الشهية المصنوعة من أيدي طباخين من أهل هذه البلدة محترفين ، ثم تقدم منها فرجعت للخلف قليلًا لتفسح له المكان ، فجلس بجوارها ووضع الصينية أمامهم ليظهر ما عليها من طعام شهي ،من حمام ولحم الديك الرومي ومعكرونة بالباشميل ورقاق بالحمة كما انه تم طهي أرز بأواني فخارية ملئت رائحة اللبن والسمن الفلاحي الموضوع به المكان ، فهتف زهرة وقد شعرت أنها جائعه بشدة :
_ وليد ..الأكل ريحته تجنن ..! ، على فكرا مش اي حد بيعرف يعمل الرز المدسوس دا ..، دا ليه تكنيك خاص عشان يطلع وشوا محمر كدا ..!!
أمسك بمعلقة واحدة من المعالق ، وقام بدسها في إناء الرز وسحب منه جزءًا ثم قربه من فمّ زهرة مردفًا :
_ طب دوقيه ..!!
فتحت فمها بحرج قليلًا قهي لم تعتد أن يطعمها بنفسها ،وقامت بأخذ المعلقة بفمها تسحب الطعام من عليها ،أمسك وليد بجزء من لحم الديك الرومي يقطعه منه قطعة تستطيع مضغها وقربها من فمها وهو يقول :
_ يلا يا زوزه ...، عايز الأكل دا يتمسح حالًا ..
*******************************
خرج من المقابر وهو بصحبة بعضًا من رجال الأمن وقد قارب وقت المغرب من الدلوف ، هتف چورچ وهو يرى عادل مقتربًا منه :
_ خلاص دفنتوها ..
زفر عادل بضيق وهو يقول :
_ ايوا خلاص ..
_ هتكلم وليد بيه تقولوا ..
طالعها مستنكرًا وهتف بسخرية :
_ الراجل لسا فرحوا امبارح يا جورج هرن عليه اقوله الست ماتت .. انتَ بتهزر يا بني ..!!
هز جورج كتفيه بعدم اكتراث ثم تحدث بـ :
_ خلاص يا عم ..، طب وحوار ياسر يا عادل ..!!
تنهد بضيق وضجر وقال :
_ برضوا يا جورج ،مينفعش يعرف ..! ، وليد بيه لو عرف خير زي دا هينهي اجازتوا وينزل علطول وهيشدد الحراسة وفرحته هتروح ، فبلاش ...
_ طيب ،هتزود الحراسة الـ عليه ولا ايه ..!!
أومأ رافضًا وأردف :
_ وليد بيه لاماح اوي ، مش هينفع لو حس بحاجه كدا ولا كدا هيكلمني ،ومش هقدر أكدب .. فمينفعش ..
فتح باب السيارة وهو يهم بدلوفها مهمهمًا :
_ خلينا نمشي دلوقتي ،.. ونفكر سوا ويحلها ربنا .. يلا ..
*********************************
اقتربت من صديقتها بعد أن لوحت لها بحماس ،ووقفت قبالتها فوقفت الأخرى وسلمت عليها بمحبة قائلة :
_ هاي ريم ..، بقالنا كتير مش بنشوفك يا بيبي ..!
سحبت ريم الكرسي ، ثم جلست عليه وهي تهتف معتذرة :
_ سويي يا چيسي بجد ..،مشغويه اوي الفتيه دي عشان الفيح وكدا ..
غمزت لها جاسمن بمكر وهتفت :
_ ايوا بقا يا عم هنيالوه ..!
ابتسمت ريم بحرج وهي تقول :
_ بس يا بت ...!
_ اهيي هناااك اهييي ...
استمع الاثنين لصوت انثوي يهتف بهذه الجميلة ، فدفع ريم فضولها لتستدير برأسها للخلف هي وصديقتها .
اقترب منهم ثلاث فتيات وشاب من أعمارهن ، لم تستطيع ريم قرَأت ملامحهم ،لكن نبرتهم ومشيتهم نحوهم تدل على غضبهم .
وقفت أحدى الفتيات أمامها وهتفت بغضب :
_ سامح فين يا ريم ..!!
عقدت ريم حاجبها بدهشة ،لما تسألها عن هذا الوغد ، طالعتها بازدراء واحتقار فلطالما عُرفت هذه الفتاة اللعوب في ناديهم بالسيرة السيئة ، وضعت ريم يدها بجيب بنطالها الجينز وتحدثت بلهجة صحيحة ساخرة :
_ استني كدا اما اشفهولك في جيبي ...!!
' وما لبثت ان احتدت ملامحها وقالت مباشرة قبل ان تسمح للأخرى بالكلام :
_ سامح مين دا يا ماما الـ هعرف مكانه ..! ،مبقاش غير الحثالة الشمام دا الـ اعرف هو فين ...
هتفت الفتاة بوقاحة :
_ اهه يا ختي ...، واذا كان هو شمام فانتي برضوا عامله دماغ ومزاج من وراه ..، مش كان هو الـ بيجيبلك التوليفه يا بت ..!!
تحدثت احدى الفتيات التي بجوارها بحنق :
_ دودي اهدي مش كدا ،.. الـ club كلوا بتفرج علينا ..!
بينما ريم عقدت حاجبها باستغراب ،من اين لها ان تعلم بهذا الموضوع ..! ، لم تترك لخصمها أن يشمت فيها بسبب وشك انفضاح امرها ، بل هتفت مستنكرة بوضوح جلي :
_ توليفة ايه يا ام توليفة ..، مبقاش لريم هانم الساعي غير اني اصاحب الأشكال دي ...، فين الأمن الـ هانم يشيل الزبالة دي ويطالعهاااا ...
صاحت ريم بصوت عالي جدًا مما ادى الى وجوب تدخل أفراد الأمن ، هتف أحدهم على معرفة بريم وماهيتها :
_ تحت أمرك يا ريم هانم ..!!
اشارت ريم نحو دودي وقالت بنبرة لم تظهر فيها انفعالها :
_ طلع البنت دي برا يا محمد ،.. بدل ما اعرف شغلي معاها ودا مش هيعجبها نهائيًا ...
اقترب رجال الأمن على رأسهم محمد ،وقاموا بالأشارة لدودي بالابتعاد بدون ضجيج وهتف محمد بنيرة جامدة :
_ اتفضلي اطلعي بدون شوشورة ،عشان مانحولكيش لمجلس ادارة النادي وتتمنعي من الدخول ..
نظرت دودي لريم بغضب ،وقالت :
_ هخليكِ تندمي يا ريم ...، هعرف عيلة سامح الـ قلقانين عليه انوا كان أخر مرة معاكِ ...
ثم حملت حالها ورحلت ورائها اصدقائها ، امسكت ريم هاتفها وقبل ان تتحدث هتفت جاسمين :
_ سوري يا ريم والله أنا معرفش الموضوع دا ،..
هتفت ريم بدون اهتمام وعجالة :
_ ولا يهمك يا جيسي ..، سوري عندي مشوار مهم لازم امشي ..، باي ..
ثم رحلت بدون ان تستمع لرد صديقتها ، خرجت ريم من النادي ولمحت سيارتها تقف مكانها ، فقد قام السائق بوضعها هنا وذهب هو على أن يعود بعد نصف ساعة ثانية ، حمدت ربها أنها اخذت مفاتيح السيارة معها ، فتوجهت لها وفتحت الباب واستقلتها بعد ان تركت رسالة مع أحد افراد الأمن إن تم السؤال عنها من اي احد فيخبره انها رحلت ..
جلست ريم في السيارة وهي تفكر مليًا في الأمر ، ثم لم تجد أي معلومة قد تُفيدها لهذا قررت أن تتوجه له ، فهي تعلم أنه على علم بمكان هذا الوغد الآن ..
***********************************
دلفت من الشرفة وهي تمسك بيها فستانها الذي حضرت به ليلة أمس ،وجدت جمال يجلس في الردهة فهتفت :
_ الساعه كام دلوج ..!!
طالعها جمال باستغراب وهو يقول :
_ ايه يا نورهان ،.. كل شويا تسألي على الساعه ..، حساكِ عارفه هو جاي ليه بس مش راضيه تقولي ..!!
ارتفع منكبيها برائة ثم قالت :
_ انا ..!! ، لاء متحمسه بس ..!!
رفع حاجبه بعدم تصديق وهتف :
_ اما نشوف ..، من حق البقعة راحت ..!
نظرت لثوبها لذي بين يدها وقالت :
_ ايوا الحمدلله ، كنت هنزعل جوي لو مطلعتش ...
ابتسم هاتفًا :
_ كنتِ جميلة اوي امبارح يا نونا ..، انتِ اصلًا جميلة كل يوم ..
تذكرت طالتها امس في الفرح بفستان سهرة من قماش الدانتيل باللون البيج ،مرصع بنجوم لامعة من اللون الذهبي تحت منطقة الصدر اما الباقي فقد تُرك ينساب بنعومة بطبقة چل تعلوها قماشة دانيل من نفس اللون ، واكمام واسعة تضيق من عند المعصم مسافة خمس سنتيمترات ، ابتسم وهي تُطالعه خجله بسبب اطرائه وأردفت :
_ عنيك الـ جميله يا جمال ..
كاد أن يرد لولا انه استمع لصوت الجرس يرن ، فوقف هاتفًا :
_ اكيد هو ... ادخلي انتِ يلا ...
دخلت ركض لداخل ، تُعلق ثوبها بسرعة ثم راحت تقف بالقرب منهم بمكان يمكنها أن تراهم سويًا وعيونها تلمع بسعادة وقامت بالتقاط بعض الصور لهم ..
استقبل جمال فؤاد بترحاب شديد ، فهو قد كان خدم في نيابة الشرقية من قبل واستطاع ان يتعرف على فؤاد وكيل النيابة ،لكن علاقتهم سويًا لم تكم قوية جدًا .
جلس فؤاد قبالة جمال بعد ان وضع الهداية التي قام بجلبها معه والتي كانت هدية لزوجته نورهان ،وصندوق كرتوني كبير محاط بحقيبة بلاستيكية قيمة تعلوها أحد أهم وأشهر شعار لمحل حلويات شرقية وغربية في القاهرة .
كان الوقت ليلًا لهذا لا يُفضل تقديم القهوة في هذا الوقت ، مدّ جمال يده بكأس من العصير الفرش لفؤاد هاتفًا :
_ اتفضل يا حضرة الوكيل ..، انت في بيتك ماتتكسفش .
اخذ فؤاد الكأس منه ثم قال مبتسمًا :
_ بلاش حضرة الوكيل دي ...، أنا جاي اشيل الرسميات اصلًا ....
ابتسم جمال هاتفًا :
_ اعذرني يا فندم ..، مش فاهمك والله ..
ارتشف فؤاد من الكأس قليلًا ثم وضعه على الطاولة ، وطالع جمال ،ولوهلة شعر بالحرج .. وأن الحديث اختفى من على لسانه ...
عند نورهان ،قامت بفتح تطبيق المراسلة وأرسلت لسحر :
_ عندي ليكِ حتت مفاجأة ..!!!
وجدت علامتين باللون الرصاصي بجوار الرسالة فقامت بمهاتفتها سريعًا كي تنتبه لرسالة ، أغلقت الرنين ،.. ولحظات ووجدت سحر قد شاهدت الرسالة فأرسلت لها
_ ايه .. ! جيبالي حاجه حلوة ..
اتسعن ابتسامتها وهي تجاهد ان لا تنفلت ضحكتها من كثرة الحماس ثم كتبت لها :
_ دي حلوة بعجل ..!! ، دا مجسم حلاوة ..
ثم ارسلتها لها ...
في الجانب الأخر عند سحر ، طالعت الرسالة وقد ازداد تعجبها وهتفت لثريا :
_ مرات ابنك دي هنفخها ..، مبحبش الفضول دا ..
_ هي بتقولك ايه ..!
_ بتقولي ليا عندها مفاجأة .. ، ومش راضـ.. ايه دااا ...!!!
شهقت فزعة عندما وجدت عدة صور قد ارسلتها لها نورهان وعندما فتحتها وجدت فؤاد يجلس مع جمال في ردهة منزله وارفقت الصور برسالة :
_ حضري فستناك يا عروسة ...
وثبت سحر واقفه وهي تصرخ هاتفه بفرحة عارمة :
_ ثرياااا ،ثرياا.. فؤااد عند جماال يا ثريااا .. ،،فؤاد عند جمااال ..
ثم اعطتها الهاتف لترى الصور وظلت تضحك وتصرخ بسعادة طفلة ليلة عيد .
عند جمال ، حمحم فؤاد وهتف برسمية قليلًا :
_ مش بحب المقدمات ..، ودايمًا بمشي دغري ومباشر ...، فأنا جاي هنا وطالب القرب منك يا جمال يا بني .. في عمتك سحر ...
عقد جمال حاجبه بدهشة وفرحة في آنً واحد ،وتحدث مبتسمًا بغبطة :
_ ايوا .. بس حضرتك تعرفها منين يعني ..
تنهد فؤاد وهو يستعد ليسترسل في حدثه ثم اخبره بما حدث معه ، وحياته منذ الصغر وكيف يعرف سحر وعن زواجه ايضًا .
انتهى من سرد جميع ما بجعبته فهتف جمال بتفهم :
_ بص يا أستاذ فؤاد ،.. أنا طبعًا مش هقدر اقرر واديك اي كلمة من غير مارجع لخالتي الأول ..، بس يعني .. اطمن هي شكلها كانت مستنيياك وعندها أمل ترجع لها ...
ابتسم فؤاد بفرحة ، ثم أردف :
_ أنا مستعد من كل حاجه ، وعايز كتب الكتاب علطول ، .. يعني في ظرف شهر اكون متجوزها ،.. وطبعًا هتيجي معايا الشرقية عشان حياتي كلها هناك ...
أومأ جمال متفهمًا ثم أردف :
_ أنا هقولها كل حاجه ان شاء الله ،والـ فيه الخير يقدمه رينا ...، بس مش شايف ان شهر قليل اوي ..
_ مبقاش في العمر آد الـ راح يا جمال ..،وأنا عايز امني نفسي بيها قبل ما اقابل وجه كريم ..، ويااه لو ربنا بيحبني يرزقني منها بعيل ويطول في عمري شويا اربيه معاها ...
_ ان شاء الله تفرح وتتهني كمان وهي هتوافق ان شاء الله ، بس معلش سؤال ... هي عارفه انك جاي انهارده ..
هز رأسه رافضًا وقال :
_ لاء .. هي عارفه اني هكلمك بس متعرفش اني جاي انهارده ..
******************************
توقفت بسيارتها أمام الجهاز الامني للقوات الخاصة ، ثم ترجلت من السيارة بعد ان صفاتها في أحد الجوانب وتقدمت بخطى شبه متعجلة نحو البوابة الحديدية والتي يقف على جانبيها رجلين أمن .
اعترض طريقها أحدهم هاتفًا بجدية :
_ على فين يا فندم .. !
رجعت ريم عدة خطوات للوراء وهتفت بنبرة جامدة:
_ أنا مدام الرائد فتحي المنياوي ودخلاله ..، اي اعتراض ..!
انسحب الرجل مرة اخرى وهتف بنبرة لبقة :
_ لا يا فندم ،اتفضلي ..
تقدمت ريم للداخل وعبرت البوابة الحديدية ،ثم صعدت بضع درجات ودفعت الباب الزجاجي لتدخل ، استوقفها أحد العساكر هاتفًا :
_ خير يا فندم اي أوامر ..؟!
_ عايزه الرائد فتحي المنياوي ..، الاقي مكتبة فين .. !
_ سيادة الرائد حاليًا مش فاضي يقابل حد ،.. مـ ..آآ
مطت شفتاه بضجر مردفه :
_ أنا المدام يا حضرة ..، قولي مكتبة فين بقا ..
ظهر التوتر على محياه قليلًا وقال :
_ بعتذر يا فندم ..، سيادة الرائد مكتبة الدور التاني رابع مكتب على ايدك اليمين ...
أومأت موافقة ثم شكرته بعملية وتوجهت نحو الدرج الرخامي وصعدت لدور الثاني ، كان جميع عساكر المبنى يُطالعنها باستغراب ، فتواجد أنثى في هذا المكان بزي كاجول ليس عسكري يُعتبر لا يحدث عندهم البتة ..!
تقدمت من مكان مكتب زوجها فوجدت أحد العساكر يمكث بجواره ، وعندما وجدها متوجهة اليه وقف هاتفًا بنبرة خشنة :
_ خير حضرتك ..
طالعته حانقة على الجميع فهي للمرة الثالثة تُسأل عن سبب تواجدها ...، ولكن للأسف مضطرة ان تجيب ، فقالت بنبرة ممتعضة :
_ سيادة الرائد فتحي موجود ...
_ مش مسموح اقول اي حاجه قبل ما اعرف سبب وجود حضرتك هنا .. !
كظمت غيظها داخلها ،وتحدثت بحدة :
_ انا المدام ..، موجود بقا .. ؟!!
ارتخت تعابير وجهه العسكري قليلًا ،وهتف :
_ اتفضلي حضرتك هنا عقبال ما اديلي خبر ...
حسنًا لهنا ويكفي ،... لم تستمع لما قال حيثُ توجهت نحو الباب وأدارت المقبض ، وهمت بالدخول والعسكري يهتف زاجرًا ايها :
_ مينفعش كداا يا مدآآآ ...
انفتح الباب ولفت ريم ،لتجد فتحي يجلس وأمامه كوبًا من القهوة وعدة أوراق وجهاز لاب توب ، ويرتدي الزي الرسمي الأسود ،.. وحلما دلفت طالع هو هذا الدخيل الذي جرأ على فعل تلك الفعلة ولكن انكمشت تعابيره مستغربة بحدة ووقف هاتفًا باسمها ، ثم انتبه لقول العسكري :
_ انا آسف يا سيادة الرائد .. دخلت غصب عني ....
عقدت ريم ساعدها امام صدرها ورفعت حاجبها الأيمن وهي تزم شفتاه بضيق ، فطالعها فتحي مندهشًا ثم قال للعسكري :
_ خلاص اطلع انت ..، واي وقت الهانم تيجي فيه ،تدخل فورًا ...
_ تحت أمرك يا حضرة الرائد ...
ثم عاد أدراجه وخرج ، فابتعد فتحي عن المكتب واقترب منها فاتحًا ذراعيه يهم باحتضانها وهو يقول :
_ ايه المفاجأة الحـ..آآ
قاطعته وهي تضع كفيها على ساعده تمنعه من احتضانها ،وهي تهتف :
_ سامح فين يا فتحي .. !!
تجهمت تعابيره بعد أن كان منفرجه بسعادة ، وتحدث هاتفًا :
_ سامح ..!! ، وانتِ عايزه تعرفي مكان ابن **** دا ليه ..!!
_ اممم .. ،يعني صح ، احساسي طلع صح انك عارف مكانوا ..، ممكن تقولي فين ..
تنغض جبينه وهتف مستنكرًا بتعجب :
_ وانتِ عايزه تعرفي ليه ..، ايه الـ حصل عشان تفتكري ابن الـ ..*** دا ..!!
اهتزت نبرتها وهي تقول بانفعال :
_ بنت في النادي تعرفوا ..، جات وزعقت معايا وبتقول انوا كان معايا اخر مرة ..، وانا مشفتهوش من يوم ما قابلتني لما كنت تايهة ..، لاء وزاد وغطى انها عايفـ..عارفه اني كنت بـ ..آآآ
صمتت وهي حزينة خجله أن تقول ما فعلته ، اقترب فتحي منها محاولًا تهدئتها وربت على كتفها فمالت قليلًا اتجاها فاحتضنها هو ،وهو مازال يربت على كتفها وظهرها بحنان ، اخذها وجلسوا سويًا على أحد المقاعد الكبيرة في الغرفة ،ثم تحدث قائلًا بغضب هادئ :
_ الزفت دا مخرجش من مكانه من يوم ما إبراهيم جابه يا ريم ...
ابتعدت عنه قليلًا وهتفت مستغربة :
_ اذاي ..؟!
_ زي الناس ..، ومش هيخرج غير لما انا اقرر بدا يا ريم ..، ومتقلقيش محدش من أهلوا سائل هو بيكلمهم كل فترة ومفهمهم انوا بيشتغل لما قلقوا عليه فترة ولعد كدا هدوا ..، اما حوار البنت دي انت هتصرف معاها ،.. وهعرف اذاي عرفت بموضوعك يا ريم ما تخفيش ...
ضغط على يدها برفق ولينّ وأردف :
_ الفترة دي عدت من حياتك بحلوها ومُرها يا ريم ،.. يعني مش عايزك تفتكرها ولا تفكري فيها حتى ...، عايزك تستعدي كويس ليوم فرحنا وخلي دا شاغلك الكبير ،وملكيش دعوة باي حاجه بعد كدا ..
تنهدت بضيق من هذا الأمر الذي كدر يومها بالكامل ، ثم قالت باستسلام وقد بدأت تعود لطبيعتها قليلًا:
_ اوك .. هحاوي ..
_ ايوا كدا ،.. طلما لدغتك رجعت يبقى أنا واثق ان  مودك اتعدل ...
طالعته مبتسمه ،ولوهلة شردت بليلة أمس .
"عودة بالوقت للوراء "...
ارتفع زامور سيارته البيضاء من نوع "kia stenger "فقام حسن بفتح الباب صائحًا :
_ نورت يا سيادة الرائد ..اتفضل
القى فتحي عليه التحية ، ثم دلف بسيارته لداخل حيث الممر ودار بالسيارة حول نافورة واسعة ليتمكن من التوجه نحو باب القصر الداخلي .
هبط من سيارته بحلة سوداء جذابة وأنيقة جدًا ،من قطعتين بنطال يضيق الأسفل مظهرًا جزءًا من قدمه داخل حذائهِ الأسود الامع وجاكت بدلة بأزرار مزدوجة ، وسلسال فضي مشبوك بجيب البدلة العلوي الى الطرف بالأعلى ، مما اضفى عليها ما يجعلها مثير للانتباه .
صعد درجات السُلم برشاقة سريعة ،ثم دق الجرس وعاد لمكانه ثانيةً ،يضم ساعده من الأسفل ، لحظات وانفتح الباب وخرجت ريم بطلة بنفسجية من قماش الشيفون ، حيثُ كان فستانً واسع بشدة بأكمله يتوسط خصرها حذام من اللون الأسود ، ومليء بالطيات وقصّة مثلثية من عند الصدر ويتدلى من عنقها سلسال أبيض لامع ينتهي بنقطة ماسية كقطرة الماء نهايتهُ عند زاوية القصّة المُثلثية اما حذائها فقد كان صندل من اللون الأسود ذو كعبًا عالي ،يتواجد من بعد اطراف الأصابع شريط يلتف حول قدمها مرصع بالفصوص السوداء الامعه
اتسعت ابتسامته بشدة وأردف بإعجاب واضح :
_ ايه القمر دا .. !
دارت حول نفسها ليتسع فستانها من الاسفل ويظهر اتساعه الشديد وهي تهتف :
_ بجد ..، حيو ....!
_ هو حلو بعقل .. ! ، استني ...
عقدت حاجبها باستغراب وهي تراها يهبط السلالم ثم يتوجه نحو سيارته فاتحًا باب المقعد المجاور لسائق ،ثم مد يده وأخذ من على المقعد بوكيه ورد أبيض اللون وصندوق هدايا باللون الأحمر ، ثم أغلق الباب وعاد لها ثانيةً .
التمعت عينها بسعادة طاغية وهي تراهُ يتقدم نحوها ، ثم وقف قبالتها ومدّ يدهُ بهما ،وقال بابتسامة تزين ثغره :
_ اتفضلي يا حبيبتي ..، دول عشانك ...
أخذت بوكيه الورد والصندوق وهي تهتف بنبرة سعيدة فرحة بشدة :
_ اييَه يا فتحي ..! ، ميسي اوي اوي
اتسعت ابتسامتهُ وهو يراها سعيدة بهديته هذه ، قربت الورد من انفها تستنشق عبيرهُ الفائح ، فهتف وهو ينظر لساعته السوداء الإلكترونية والتي تحمل شعار أحد شركات التكنولوجيا العامة Apple، :
_ يلا يا حبيبي عشان منتأخرش ...
رجعت خطوتين للوراء ثم انحرفت اتجاه اليسار وهي تمدّ يدها اتجاه الجرس وهي تردف :
_ هدي يحد يطيعوه فوق ايأوي ... ثواني بس ...
فتحت لها أحد الخادمات ، فأعطتها الورد والصندوق مخبره اياها بأن تضعهم في حجرتها ريثما ترجع من الحفل.
"عودة للوقت الحالي " ...
وقف وهو يمدّ يدهُ نحوها قائلًا بابتسامة :
_ تعالي ننزل نلف شويا ،.. أنا موريش كتير ولما ارجع هبقى اخلص الـ لسا مخلصتوش ... هاا قولتي ايه ..!
زال التوتر والاضطراب عنها قليلًا ، فوقفت ومدّت كفها ليحتضن كفها وهي تهتف مبتهجة :
_ قويت موافقه طبعًا ..، ودي عايزه كيام ..!!
***********************************
تمطعت بجسدها بشدة وهي تتأوه مستمتعة بهذا الدفء والشعور براحة الذي تشعر به في سائر جسدها ،بعد هذا الألم المعضل الذي انتابها بعد ليلة أمس .
سحبت جسدها لأعلى قليلًا وهي لم تفق بعد ، وضعت يدها على فمِها وهي تتثاءب ثم حركت كتفيها بحركاتً دائرية ، وهي تهتف متأوهَ :
_ آآهه ..، الواحد حاسس إن قطر داسوا .. أوف ..!
اعتدلت في جلستها ، ثم استرعاها مظهر الغرفة التي لم تعتد عليه ، ففتحت عينها باتساع تطلع اليه ،وما لبثت حتى تذكرت أين هي ، كما مر ببالها ومضات سريعة ولحظات مما عايشته أمس معه بعد انتهاء الحفل وتلك الرسالة التي ارسلها لها على هاتفها
"عودة بالوقت للوراء " ...
كانوا جميعًا يقفون في مدخل الفندق يودعون زهرة أمام باب المصعد الكهربي ، انفتح الباب ثم دلف وليد وهو مسمكًا بيد زهرة وساعدها في رفع الفستان قليلًا كي لا يعيق حركتها .
رفعت قمر يدها تلوح لها بالسلامة فابتسمت زهرة ورفعت يدها هي الأخرة تلوح لها ، انفض الجمع بعد قليل فرجعن قمر تأخذ حقيبتها من القاعة وهي تبحث بعينها عن إبراهيم .
اهتز هاتفها بيدها حيث انها فعلت وضع الاهتزاز ليُسهل عليها الشعور به إن وصلتها رسالة أو مكالمة ، اضاءت الشاشة لترى انها رسالة من أحد تطبيقات التواصل فهتف بحنق بدون أن تنظر لرسالة :
_ يا نهار أزرق .. الـ data مفتوحه ..!!
أغلقت سريعًا بيانات الهاتف ،ثم ولجت إلى الرسالة لتجدها من إبراهيم ومحتواها :
_ أنا مستنيكِ تحت في الجراچ انزلي ..
مطت شفتاه بضيق ، وهي تهتف داخلها :
_ الشُنط فوق لسا ..! ، هنزل اشوفها واطلع اخدهم ..
قررت ان تتوجه لمرْكن السيارات في الخارج لترى ماذا يريد وما سر غيظه وحنقهُ منها الذي أحست به طوال الحفل ، ثم تصعد ثانيةً لتأخذ أشياءها .
توجهت بالفعل للخارج ومنه نحو مرْكن السيارات وما إن ظهرت بهذه المنطقة حتى ارتفع زامور سيارة ما ، فاشرأبت بعنقها قليلًا تنظر يمينًا ويسارًا حتى استطاعت أن تُلاحظ السيارة السوداء الخاصة بإبراهيم .
هبط من السيارة بحلة رصاصية اللون من قطعتين وتحتوي بدلتها على شقين من الأمام ، وأربع أزرارًا موحده كما علىٰ من طرفها الأيسر دبوس فصي اللون ، ومنديل تم وضعه بعناية في الجيب العلوي على صدرهِ الأيسر وقميص ناصع البياض والبنطال مضبوطًا بالتمام عليه ويضيق من عند أطراف القدمين وحذاء أسود اللون ولم يضع رابطة عنق ، دار حول السيارة ليكون بالقرب أكثر منها وهي تقترب متهادية في مشيتها بثوبها الأحمر الداكن والذي يضيق على جسدها مظهرًا منحنياتها بسخاء جلي ،وأطراف الفستان من الأعلى تضيق من عند الرقبة ملتفة حولها أما ذراعيها فقد ظهرا بوضوح ، ومن أطراف الفستان السُفلى تتسع بمقدار ثلاثون سنتيمتر حولها لهذا لا يظهر حذائها الأسود ذو الكعب العالي ، وانساب شعرها الطويل الى حدًا ما خلف ظهرها بانسيابية ونعومة .
وقفت أمامه ثم هتفت باضطراب قليلًا من نظراتهِ الحانقة ، وقالت :
_ نعم .. عا...يز ايه ..!؟..
كان وجهه محتقنًا ومغتاظًا منها وهو يهتف باستنكار ونبرة شبه منفعل :
_ يعني مش عارفة انا عايز ايه ..؟! .. ، دا الـ قولتي عليه مفاجأة يا هانم ..، مبسوطة وانتِ جسمك كلوا متفصل كدا ، والـ رايح والـ جاي شايف ايه الطخين وايه الرفيع .. !! ، بذمتك حتى مش حاسه بالسقعه الـ احنا فيها دي .. !
بالفعل كانت تشعل بالبرد ينخر عظمها بسبب ثيابها الخفيفة تلك ، والشال الأسود خاصتها لا تعلم كي نسته في الأعلى قبل ابتداء الحفل .
احتضنت ذراعيها الاثنين ببعضهما وهي تمشي كفيها على عضدها وهتفت معتذرة :
_ سـ..سوري يا هيما .. مـ..ما كنتش أعرف انوا .. هـ.. هيضايقك كدا ..، كنت مفكراك .. هـ..هتفرح بيه .. !
تقلصت عضلات كتفه من الخلف وهو ينزع الجاكت الخاص بالبدلة ، ثم اقترب منها ومد يديه لورائها واحاط ذراعيها به وهتف بنبرة هادئة بعض الشيء :
_ كنت هفرح بيه لو ليا لوحدي يا قمر ، ..مش ليا ولأمه لا إله الا الله كلها .. !! ، بلاش لبسك يكون بالطريقة دي تاني يا قمر لو سمحتي ..
همت أن تتحدث فأوقفها وهو يكمل حديثه موضحًا مقصده :
_ وكلامي دا مش معناه تحكم زي ما بتقولي ..، لاء معناه غيرة .. اني بغير على مراتي من عيون الناس الـ بصتلها وإحنا جوا .. ،أنا مردتش أكلمك واحنا جوا عشان منكدش عليكِ ولا أضيع فرحتك بزهرة ..، ولا تفضلي مكلضمه طول الفرح ولويه بوزك برضوا ... ، بس عشان تعرفي ان مهما كان سعادتك عندي أهم يا قمر ...
أخجلها بحديثه هذا ، ... لم تختبر من قبل تلك المشاعر التي خاضتها الآن معه ، .. فهي تجذم إن كان قد استمر الحال مع والدها ووالدتها وقد رأها اباها بمايوه البحر لم يكن ليعترض أبدًا ، لم تعيش إحساس الغيرة عليها من قبل ، ابتسمت بخجل وهي تومِأ رأسها موافقة فالغيرة المحنكة هذه تعتبر دليل قوى على الحب الشديد ، ولكم أحبت هذا الإحساس .
أغلقت البذلة على جسدها قليلًا لتدفئها ، بينما هتفت إبراهيم وهو يتوجه ليفتح المقعد المجاور له :
_ يلا بينا .. انا خليت واحدة من الـ room service توضب حاجتك وتجبها .. ، كانوا شنتطين صح ..!!
أومأت بنعم وهي تردف :
_ ايوا صح ..
_ امممم ..، وأكيد الشنطين دول فيها هدومك الـ هوقعدي بيها عندنا ، على كدا افهم انك موافقه على قُعادك عندنا ...
اومأت بنعم ثم هتفت :
_ ايوا موافقة .. ، بس هروح كل يوم اجيب الحاجات الـ جبتها أنا وزهرة وأرصهم في الجناح بتاعك الـ في القصر ...
_ طب يلا تعالي .. ، انتِ شوفتي الجناح في الصور .. ، روحي ارتاحي وبكره لما تصحي ان شاء الله هوريهولك على الحقيقة ...
اقتربت بخطواتها نحو باب السيارة ثم صعدت به ، فأغلق إبراهيم الباب وتوجه سريعًا نحو المقعد الآخر .
انكمشت ملامحها بتعب وتأوهت بصوتًا مسموع من ألم ظهرها وعنقها خاصة ، فتح إبراهيم الباب ومكث في مقعده ثم أغلق الباب ودار المفتاح وبدأ في قيادة السيارة
احنت قمر ظهرها بشدة حتى لامس فخذيها وهي تمدّ يدها تقوم بخلع حذائها الذي يؤلم قدميها كثيرًا ، لاحظ إبراهيم انحنائها وعبثها في الأسفل فهتف بفضول :
_ بتعملي ايه عندك تحت ...
_ بفك الـ shoes عشان وجعلي رجلي اوي ..
أمأ متفهمًا ثم أبصر الطريق الخالي من معظم السيارات ، نزعت قمر الحذاء ووضعته على جانب ثم مططت قدميها قليلًا وهي تفرك أصابع قدمها ببعض ، ثم أراحت جسدها للوراء لتسترخي في جلستها أكثر وهي مغمضة الأعين.
مدّ إبراهيم يدهُ نحو يدها يمسك به ، ثم طالعها بنظرة خاطفة عندما فتحت عينها وظهر على وجهها الإجهاد والتعب ، فقال :
_ شكلك تعبانة ومجهدة ..
_ اممم ..، فعلًا جسمي وجعني اوي من الأيام الـ فاتت دي ..
_ لما نروح ابقي ادفي كويس وهطلعلك اي حاجه سخنة تشربيها وتنامي علطوول ...
" عودة للوقت الحالي " ...
حطت أنظارها على هاتفها الموضوع أعلى الكومود ، فسحبته بثقل تطلع للوقت ، وكم الساعة الآن .
جحظت عينها بصدمة واندهاش وهي تهمس :
_ يالهوي ..، الساعه 6 ، الناس تقول ماكنت بتنام ومصدقت تلاقي مكان تنام فيه .. !! ، وايه دا كمان ...، نهار أزرق عليا missed call 15 من إبراهيم .. !
قررت أن تضع الهاتف الآن ، وتذهب لأخذ حمامًا ساخن أولًا يفك عضلات جسدها التي مازالت متشنجة ،ثم تهاتفهُ .
أنزلت قدميها من على السرير بعد أن ابعدت الغطاء ، ثم توجهت بعد أن بحثت بعينها عن المرحاض ،فوجدته يقبع بأقصى اليسار .
انحرف مسارها نحو حقيبتها اولًا تسحب منها ما ستحتاجه لاستحمامها ،ومنهم الليفة الخاصة بها والشامبو وجميع لوازمها حيث من العيب ان تستخدم حاجات ريم الخاصة بها ، كما انها لا تُحب ان تُشارك او تتشارك مع أحدًا في مثل تلك المسائل الشخصية .
دلفت للمرحاض ، وقضت حاجتها اولًا ثم بدأت بنزع ملابسها بعد أن ضبطت المياه لتكون مناسبة لجسدها في برودة الجو تلك ، من ثم غطست في المغطس وهي تتلوى بجسدها بعشوائية ، ليرتاح أكثر ، تنهدت مرتاحة وهي تستمع لصوت طقطقة عظامها ، ثم استرخت تمامًا وبدأت تنعم بدفء المياه على جسدها ، ورائحة الياسمين الخاصة بالشامبو الذي وضعته داخل الماء تنتشر في الحمام بأكمله.
انتهت من حمامها وجففت جسدها بهدوء ،ثم ارتدت ملابسها ومشطت شعرها داخل المرحاض ، ثم خرجت وطالعت نفسها بالمرآة وهي راضية تمامًا ، ثم أمسكت هاتفها وقررت مهاتفة إبراهيم .
عند إبراهيم في الشركة ، كان منهمكًا بين الأوراق التي بين يدهُ ،يقوم بدراسة أحد المشاريع الهامة جدًا .
أمسك بسماعة الهاتف الأرضي ثم رفعها على اذنه بعد ان ضغط أحد الازرار ، ثم قال :
_ هُدى ،ابعتيلي المحامي دلوقتي ...
ثم أغلق الهاتف دون أن يستمع لردها ، أمسك بأحد الأوراق يقرأها بعناية ، لكن قطع تركيزه صوت هاتفها الذي صدحت نغمته الخاصة بأحد تطبيقات التواصل الاجتماعي .
أمسك هاتفه ، ليرى صورتها على هذا التطبيق فابتسم سريعًا ثم فتح المكالمة ، وضغط على مكبر الصوت وفتح الكاميرا لتظهر صورته عندها ، وهو يهتف :
_ يا مساء الجمال ،... نموسيتك بمبي يا ستي .. ! ، كل دا نوم ..
فتحت الكاميرا خاصتها ايضًا ، وهي تضحك مردفه :
_ بجد مش عارفه انا نمت اذاي دا كلوا ..، جسمي كان مدغدغ ...
_ معلش ،هتلاقي عشان ايام الفرح بس..، انهارده السبت ،اتفقي مع سنتر وروحي اعملي مساج يفكوا عضلات جسمك ... عشان ما تجيش يوم الفرح تقوليلي عضلاتي قفشا عليا يا إبراهيم ..!!
قهقهت بصوت عالي على مزحته ، ثم قالت :
_ لاء ما تقلقش ....، انا الحمدلله خدت shower بمايه دافيه ،وكمان نمت بكفاية فبقيت أحسن ...
_ اوك يا حبيبي ..، نزلتي من الاوضة ولا لسا ..
_ لسا قولت اكلمك الأول وبعدين انزل ..، هتيجي امتى ...
ضغط على ايقونة السهمين الموجودين وراء بعض ،لتختفي صورته وتظهر صورة المكتب بالملفات التي عليه وهو يقول :
_ بالطريقة دي ...،احتمال ابيت هنا انهارداا ...
اعاد الكاميرا لوجهه مرة أخرى ، وهو يرى ملامح الحنق على وجهها وهي تقول:
_ هتبيت عندك ..!!
أومأ بنعم وهو آسفًا :
_ للأسف اهه ..، انا عايز أخلص كل حاجه قبل الفرح عشان أخد اسبوع اجازة براحتي ...، كان نفسي اوي نقضيه برا مصر بس الجو مش حلو خالص برا ..،ان شاء الله على أول الصيف كدا ليكِ عندي شهر عسل محترم ..
وغمز لها في نهاية حديثه فابتسمت بحرج وهتفت :
_ فعلًا الجو وحش اوي برا،.. زهرة وسُمية هنا في مصر ... ايه دا ..! ،اتصدق مكلمتش زهرة اطمن عليها ..
مط شفتيه بضيق هاتفًا :
تطمني عليها ليه ، انتِ امها ..! ، وبعدين وليد معاها وعمروا ما هيأذيه ... ،فمتقلقيش .....
تنهدت شبه مقتنعة ثم قالت :
_ اوك ..، ربنا يهنيها ..
_ ويهنينا احنا كمان ونتلم في بتنا بقى ...
دق باب مكتبه فهتف سريعًا قاطعًا ايها من الحديث :
_ قمر ،هقفل دلوقتي يا حبيبتي عشان معايا شغل ، هكلمك كمان شويا .. ، سلام
ثم أغلق هاتفه معها وأذن لطارق بالدخول .
عند قمر أغلقت معه الهاتف ، ثم توجهت نحو الباب تفتحه ، ومشت قليلًا في الطرقة حتى اصبحت امام درجات السُلم .
هبطت للأسفل وهي تطلع حولها ترى المكان جيدًا وتحفظه ايضًا ، كان القصر مليء بالتحف والصور التذكارية ، وارائك ثمينة غالية ايضًا .
_ قمر ..، صحي النوم يا حبيبتي ...
صدح هذا الصوت في الأسفل من الجانب الأيسر ،فنظرت للمتحدث وجدتها آمنة وهي تتوجه نحو المطبخ ،فأسرعت في خطواتها لتهبط للأسفل نحوها .
اقتربت منها مبتسمة وهي تردف
_ اذي حضرتك يا طنط ...
انكمشت ملامح آمنة بانزعاج مصطنع وهتفت :
_ طنط ..! ،طنط ايه دا بقا دانتِ مرات ابني حتى ..، قوليلي يا ماما آمنة زي ما ريم بتقولي ..
_ حاضر يا ماما آمنة ...
انفرجت تعابيرها بسعادة ، وهي تقول :
_ الله ..، ماما طالعه منك زي الشهد ..، ربنا يسعدك يا بنتي ... كلمتي هيما ،دا من الصبح قارف ريم طلوع ونزول تشوفك صحيتي ولا لسا .. !
أومأت بنعم وهتفت :
_ ايوا كلمته ..، وبيقول احتمال ما يجيش النهارده ،ويبيت في الشغل ...
_ امم ..،هتلاقيه عشان الفرح ،ما تقلقيش انا هكلم عمك علّي ما يتقلش عليه ،وبرضوا هيكون موجود ايام اجازته وهيشيل الشغل عنوا ...
_ اكيد هيما مش عايز يتقل على انكل علّي برضوا ...
أومأت موافقة وهي تبتسم بسعادة ثم ربتت على كتفها بحنان وهي تقول :
_ اكيد برضوا ..، ربنا يسعدك ويهنيكوا ببعض يا حبيبتي ...، معلش يا قمر اطلعي هاتي جدك ممدوح من فوق عشان السفرة خلاص جهزت يا بنتي ....
_ حاضر ...، اوصفيلي اوضته بس ..
_ هتلاقي قاعد في الڤراندا الـ قبل اوضته ..
ثم اشارت لها كيف ستتجه لتنادي ممدوح إلى سفرة الغذاء ، صعدت قمر متوجه كما أشارت لها آمنة وهي تشعر بالسعادة والألفة في هذا المنزل الجديد عليها
*********************************
اليوم الثاني صباحًا الساعة الحادية عشر ، كان يقف في حمام غرفته ،يمسك بمكينة الحلاقة بحزن ويتطلع لوجهه في المرآة ، مط شفتاه بضيق ثم ضغط على زر تشغيل باللغة الإنجليزية ليصدح صوت المكنة واهتزازها الطفيف بيده .
وضعها على شعره من الجانب ثم بدأ بحلاقة الجانب الأيمن وحرك يده تدريجيًا على رأسهِ من اليسار لليمين ،حتى انتهى تمامًا .
طالع نفسه في المرآة بغيظ وحنق ، بمظهره هذا الذي لم ولن يتقبله مطلقًا ، هتف في نفسها وهو يجذ على أسنانه :
_ اثبت يا بلبل ، كلها شهرين وترجع تعيش حياتك عادي ...
أزال شعره الذي تبعثر على الحوض وألقاه في القمامة ، ثم وضع رأسه تحت الماء الدافئ ليغسل رأسهُ الأصلع جيدًا .
خرج من مرحاض غرفته بعد ان انتهى ، ثم توجه نحو رداءهِ الميري الموضوع بعناية بعد ان تم كيّه وتحضيره جيدًا على يد والدتهُ .
أخذه وبدأ بارتدائه وهو يتطلع لمرآة التسريحة ،يضبط من نفسه ، وبعد ان انتهى تنفس بهدوء ، ثم قاد نفسه للخارج وهو يحمل في يده قبعتهُ .
فتح باب غرفته وخرج ، ثم تقدم نحو المطبخ حيث تقف والدتهُ تغلف له بعض الطعام الطازج البيتي ليتناولهُ في طريقه .
اشتمت والدته رائحته فهتفت دون النظر :
_ خلصت حلاقة يا حبيبي ،وجهزت حالك ...
_ اه يا ست الكل ..، سيادة الرائد فين .. !
ابتسمت زينب بغبطة وردت قائلة :
_ نزل يشوف هو وليدا عفش الشقة بتاعتهم ،... ربنا يتمم ليهم على خير يا رب ...
توجه الى أحد الاطباق يأخذ منها خيار وهتف :
_ الخيار دا مغسول ..!
_ ايوا يا حبيبي ،انتَ عارف اني ما بحبش احط اي حاجه مش مغسولة في المطبخ ، اول ما بجيب الفاكهة والخضار بيتغسلوا علطول ...
_ امم ..، عارف ، المهم ما لمحلكيش هيعمل الفرح امتى ان شاء الله ...
_ لا يا بلبل مقالش ، بس أكيد مش قبل ما تخلص جيشك ،... دا غير انوا بيقولي شغال على مهمة حساسة وواخده منه كل وقتوا ..، فربنا يعينوا يا رب ...
جلس على كرسي الطاولة ، وأردف بتحسر :
_ كان نفسي أحضر فرح إبراهيم وفتحي اوي ..
كانت قد انتهت من جمع الطعام ، فقامت بوضعه على الطاولة وأخذت حقيبته الظهرية الكبيرة والذي وضع فيها ملابسه وجميع احتياجاتهُ الخاصة ، ووضعت عازل على الملابس ثم بدأت برص الطعام بعناية في المكان الفارغ في الحقيبة ، وهتفت لنبيل :
_ معلش يا حبيبي ،.. لما ترجع ابقا روح بارك ،.. وبعدين ما أديك حضرت فرح وليد وسراج اهو ..
_ ما دا الـ مصبرني ....، ماما وحياة عيالك ما تقلي الشنطة اوي ، انا مش رايح أجاهد .. !
_ معلش عشان تعرف تاكل في الطريق كويس وما تتعبش ..، انتَ هتقولي على أكل الجيش ..!
امتعضت ملامح وجهه بنفور وتقزز وهو يجيب :
_ اكل ايه بس ..! ، دا احنا قلة الأكل ارحم بكتير ...، اللحمة هناك بتبقا كَوتش ..
أغلقت السحاب الخاص بالحقيبة بعد أن انتهت ، ثم قالت:
_ خلاص كلها شهرين والأرف دا ينتهي ،الحمدلله ...
_ الحمدلله ... ،خلصتي !
_ ايوا يا بابا ،اطلع البس جزمتك يلا وانا هجبهالك ..
وقف نبيل وتوجه نحو والدته وأخذ هو الحقيبة مردفًا :
_ عنك يا ست الكل عشان ضهرك ..
ربت على ظهره بحنان ثم قبْلت كتفه وهي تقول بحنان :
_ الله يسلم طريقك يا بني ويوقفلك ولاد الحلال قادر يا كريم ...
وضع يده خلف رأسه والدته ثم مال مقبلًا رأسها وهو يقول :
_ربنا يخليكِ لينا يا حبيبتي ...
ابتسمت له بحنان ، وهي تراها يتوجه نحو الخارج بحقيبته ليرتدي حذائه ، بعد أن أخذ قبعته من على الطاولة .
انتهى من ارتداء حذائهِ ،ثم رفع رأسه وارتدى القبعة وامه تقف امامه ، حمل الحقيبة خلف ظهره ثم مط جسده براحة ليضبط وضع حقيبته الثقيل على جسده ،ثم مدّ يده يأخذ كف والدته مقبلًا اياها وهو يقول :
_ دعواتك يا ست الكل ...
ربتت على كتفه قائلة :
_ بدعيلك انتَ وأخوك يا حبيبي ،رينا يسّلم طريقوا من كل شر يا رب ...، يلا يا بني عشان ما تتأخرش ...
فتح نبيل الباب وهو يقول :
_ حاضر ..، لا إله إلا الله ...
_ محمد رسول الله ....، ابقي طمني لما توصل يا نبيل ..
_ حاضر ..
أغلقت الباب خلف ولدها بعد أن استقل المصعد ، ثم توجهت سريعًا نحو الشرفة لتراها للمرة الأخيرة وتودعه بنظراتها قبل أن يغيب عنها لمدة ثلاثة أسابيع كاملين .
خرج من بوابة العمارة ثم توجه نحو اليسار ليتقدم من الشارع الرئيسي كي يركب أحد سيارات الأجرة لتوصله الى مكان اصدقائه والاتوبيس الذي سينقلهم جميعًا الى الإسكندرية حيث مكان التدريب الخاص به .
شيعته والدتهُ بنظراتها الى أن وجدته انحرف عن الطريق وتوجه نحو الشارع الرئيسي ، تحركت سيارة سوداء بسرعة كبيرة حالما ظهر في أول الشارع ، وعندما همّ بالتحرك للجانب الأخر من الطريق قام سائق السيارة بالضغط على البنزين فاجأه بعد أن كانت تمشي بهدوء فانطلقت السيارة كطلقة الصاروخ في اتجاه نبيل الذي لم يستطيع ادراك الموقف وفي لحظة واحدة ارتفع جسده على الأرض بعدة امتار ثم حط جسده على الأرض الصلبة بعنف وحدة مكونًا حول رأسه بركة واسعة من الدماء .

........................................
..............................
..................
...........
.......
...
.

تائهة فِي سَرَايَا صَفْوَان  © -مُكتملة- حيث تعيش القصص. اكتشف الآن