تائهة في سرايا صفوان
الفصل الثامن والخمسون
"الجُزء الثاني "꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂
ابتعد راكضًا نحو سيارتهُ، استقلها سريعًا، وقادها نحو الطريق الذي سار فيه ياسر، وهو الى الآن لا يعلم أن ياسر ليس بمفرده في السيارة!
عاد فايز يستقل سيارتهُ، فصاحت زوجته بخوف:
- ليه كدا يا فايز!، والله ما مطمنه للحصل دا ابدًا، دول ممكن يكونوا بتوع تجارة أعضاء يا فايز ويخطفونا!!
طالع فايز الطريق وهو يعود بالسيارة للخلف، ثم طالع زوجتهُ قائلًا بهدوء:
- اهدي يا سوسن!، الوليه بطلع في الروح، مش شايفه غرقانه في دمها اذاي!!، وبعدين الراجل دا هو الـ انتِ بتدعيله ليل نهار يا سوسن
حدجتهُ مشدوه، ثم همست باستغراب:
- هو دا الـ آآآ...
أومأ بنعم مردفًا:
- ايوا يا ام زياد، هو دا الـ عطاني الـ متين جنيه لما كنت بشتغل في الهايبر ماركت من حوالي خمس شهور فاكرا..، لما رنيت عليكي وقولتلك هاجي لما اخلص الشيفت وتنزليلي السبت بروشته زياد، وقولتلك ربنا رزقني، وبعد كدا رجعت البيت حكيتلك على الراجل الـ جالي وعايز حرنكش
اتسعت عيناها زهولًا، ثم تمتمت والى الآن لا تُصدق:
- ياااه يا فايز!!، سبحان الله، آد ايه الدنيا دي صغيرة اوي كدا، أنا مش مصدقة والله
ابتسم فايز، مردفًا:
- لاء صدقي، دلوقتي جه الدور عليا عشان الرد ليه جميله، انا لولا ربنا الهمني اني استقيل من الهايبر ماركت دا، واروح اشارك الحج الصالح بالفلوس الـ اخدته من الهايبر باقي حسابي والـ مية جنيه الـ اتفضلت من الميتين، مكنش بقى دا حالي ابدًا
تمتمت سوسن تؤكد حديثهُ، وهي تدعي لهذا الرجل وزوجتهُ، دون أن تعلم اسميهم، طالعت زوجها وهتفت بضيق وسخط:
- ما تسوق بسرعة شويا يا راجل لحسن البت تفلفص مننا، الله!!!
●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●
لم ينتبه ضاحي في هذا الظلام لتلك اللوحة المكتوب عليها " ممنوع صعود هذا الكوبري"، كان عقلهُ فقط يفكر كيف يستطيع أن يضلل وليد الذي يتبعهُ بضراوة في الخلف.
أخرج وليد يدهُ بالسلاح وهو يقود السيارة بحذر، بعد ان انتبه للوحة، هذا الكوبري لم ينتهي العمال من انشاءه، ويقبع أعلى نهر النيل، لكن عليهِ القضاء على ياسر حتى وإن كلف هذا الأمر حياته.
بدأ بأطلاق النيران على سيارتهم، وضاحي المخفي وجههُ يحاول الابتعاد عن الرصاص.
وعلى بُعد ثلاث مئة متر كان هناك كسر كبير في أرض هذا الكوبري من الأسفل، وبعض الحُفر ظاهرة بوضوح.
تهشم زجاج سيارة ضاحي -المؤجرة- من الخلف، وكان يحاول بكل جهدهِ ان يبتعد عن الرصاص، صرخ ياسر عندما ضُربت السيارة من قبل وليد بعنف، فصاح بهِ ضاحي بغضب:
- يلعن******، هنموت دلوقتي يا يا ابن الكلب، الله يخدك، يا رتني ما سمعت كلامك، ولا شوفتك يا حيوان يا ابن الكلب
أحاط ياسر رأسهُ بيديهِ وهو يبكي برعب عندما أطلق وليد رصاصة على زجاج الباب الذي يستند عليه، فتهشم فوق رأسهُ.
حاول ضاحي أن يضرب سيارة وليد بقوة، لكن وليد لم يتركهُ يفعل ذلك، وضرب سيارتهُ هو.
انتهت ذخائر السلاح الذي فيه، فتوقف عن أطلاق النار، ليسحب ذخائر أخرى من جيوبه، ثم وضعها بعجالة في السلاح، وهو يلعن ياسر، وينطق وعيدهُ بقتله.
أخرج يدهُ ثانيةً بسلاحهِ، وبدأ يطلق النار على السيارة ضاحي من الخلف.
التمعت عيناهُ ببريق السعادة، وهو يرى تلك النيران التي بدأت تندلع في السيارة من الخلف، اما ضاحي فقد جزع قلبهُ برعب، وصرخ بخوف شديد:
- العربية بتولع، العربية بتولع...
دق قلب ياسر رعب وفزع، وهو يرى نهايتهُ التي باتت وشيكة، مرت السيارة من على المكان المكسور بالكوبري، وبدأت الأرض تتهشم، وسقط جزء كبير من الكوبري في النيل.
أوقف وليد سيارتهُ وهو يرى السيارة الأخرى بدأت بالتمايل، فكر بأن يدفعها بسيارتهُ لتقع في الأسفل، لكن ياسر هالك لا مُحال، وهو لا يريد أن يُعرض حالهُ للخطر، تلك السيارة ستقع في النيل او تحترق بنيران، وأن خرج من السيارة سيقتله.
شحب وجهه ضاحي بشدة وأكل الخوف قلبهُ، لا لن يموت، صرخ بياسر الذي يحاول فتح الباب لينقذ نفسهُ من النيران، التي مسك بالمقعد الذيةأمامهُ وهو لا يعلم أن السيارة تتمايل على خافة الكوبري، وهتف ضاحي ضارخًا:
- الكوبري بيوقع يا ****، الله يلعنك الله يلـ...
مسكت النيران بجسد ضاحي وهو يحاول فتح الباب لينقذ نفسهُ، لكنهُ وقبل أن يضع قدمهُ خارج السيارة التهمتهُ النيران سريعًا، تزامنًا مع انهيار جزء كبير من الكوبري، ووقعت معهُ السيارة داخل ماء النهر الجارية، والنيران تُكمل أكل السيارة حتى أكلها الماء.
تهدجت أنفاس وليد وهو يبتعد بالسيترة للخلف، فالأنهيار وحافة الكوبري بالقرب منه، هبط من سيارته، واتجه نحو السور يشاهد الموجات والفوقعات التي أحدثها السيارة في الماء.
انتهى الكابوس!، انتهت مخاوفهُ، انتهى قلقهُ وارتيابهُ، انتهى كل شيء الى هُنا بنهاية هذا الوغد الجرذ.
انهارت قطعة أخرى من الكوبري ووقعت في الماء، فابتعد وليد سريعًا قبل أن ينهار الكوبري كُليًا، ويموت معهُ.
صعد لسيارتهُ، وقادها بحذر للخلف، بهدوء شديد، دون أن يحدث ضجيج، او سرعة ينتج عنها وقوع الكوبري.
تنفس الصعداء فور أن حطت السيارة على الطريق العام الزراعي، وكان هُناك حركة سيارات كثيرة، فهذا الطريق يعج بالمسافرين ليس مهجورًا، لكن في الساعة الفائتة لم يكن هُناك أحد، كما انهُ على بُعد ثلاثة كيلوا هُناك كمين ورجال شرطة.
●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●
دلف ثلاثتهم راكضين في أروقة المشفى الخاصة، والتي من لمعان جدرانها تعلم كمّ الطرف والثراء لأصحابها. اتجه سامي مسرعًا نحو الأستقبال، واتبعهُ كلًا من سراج وإبراهيم، هتف سامي مسرعًا بقلق لعاملة الأستقبال:
- لو سمحتي، في حالة لسا داخله دلوقتي، أحنا...، في حد كلمنا، كلمنا حد وقال، قالنا يعني ان مرات اخويا هنا، و..و وحالتها خطرة،.. اسمها زهرة، زهرة محمود الجمّال، هو طلب اسمها عشان البياناتـ..آ
كانت حالتهُ مضطربة جدًا، قلق، خائف، مرتعب منذ أن اخبرهُ هذا المجهول عن الحالة الحرجة لزوجة اخوه، واخوه غير موجود!، رباه!!، كيف هذا؟!، قاطعتهُ العاملة بابتسامةٍ لا داعي لها اطلاقًا، وتحدثت بهدوء لا يُناسب حالتهم، قائلة:
- اهدي يا فندم بس!، وخد نفسك كدا، الحالة بيجهزوه للعمليات في أوضة رقم 72، تقدروا تطلعولها، في الدور التالت الطرقة اليمين هتلاقيها على ايدك اليمين برضوا
اتجه سامي وسراج نحو الطريق الذي قالتهُ العاملة، بينما وقف إبراهيم أمامها وأخرج بطاقة الإئتمان خاصتهُ، ثم مدّ يدهُ لها بها، وهو يقول بحزم:
- اتفضلي، اي مصاريف لزهرة هانم خديها من الكيريدت دي، واوعوا تعطلوا حاجه عشان الفلوس، اي حاجه تحتاجوها حتى لو أبرة اسحبوا منها..
أراد التنبيه على علو مكانتهم، عندما شعر بنبرة استخفاف منها لسامي بحديثها، كلمة هانم وتلك الطريقة التي يتحدث بها، جعلتها رغمًا عن ما تشعر بهِ توميئ قائلة:
- العفو يا باشا، بس الـ جابها اداني كيريدت كارد اسحب منها برضوا، عشان كدا سجلنا الحسابات، وهيبدأو في العملية فورًا...
أومأ موافقًا وحاجبيهِ منعقدين بدهشة!، عن اي بطاقة إئتمان تتحدث، ومن اعطاها لها!، طالعها مردفًا بنبرة جادة آمرة:
- وريني الكيريدت دي
مطت شفتاها باستغراب، وهزت كتفيها بلا مبالة وهي تسحبها من أمامها، ثم مدّتها لهُ، مردفه بنبرة عادية:
- اتفضل
أخذ البطاقة، وتفحصها، ليعلم انها تخص وليد!، زاد إنعقاد حاجبيهِ، وسيطرت الدهشة عليهِ، ماذا يحدث، وأين هو الآن!. أعطاها البطاقة ثم ذهب دون حديث، متوجهًا نحو الأعلى، فجميع استفسارتهُ تكمن لدى هذا الرجل الذي رد على هاتف وليد وأخبرهم بوجودهِ مع زوجة صاحب هذا الهاتف، بأحد المشافي الخاصة!
في الأعلى، وقف سراج وسامي أولًا مع الطبيب الذي خرج من غرفة زهرة، كما اتجه فايز لهُ أيضًا وهو وزوجتهُ، هتف سراج متسألًا بقلق:
- طمنا يا دكتور حالتها عامله ايه!
هز الطبيب رأسهُ بأسى قائلًا:
- مخبيش عليكوا، الحالة حرجة جدًا، الجنين مات والرحم متضرر بس مش عارفين درجة الضرر آد ايه، يعني ممكن نضطر اننا نشيل الرحم..
تعالت شهقات الجميع بصدمة كبيرة، فرفع الطبيب يديهِ مشيرًا لهم بأن يهدوء، ثم تابع:
- وممكن لاء برضوا، كلها دعوات والله، ادعولها تقوم بسلامة، وأنا من نحيتي هعمل كل الـ في ايدي والتوفيق منهُ هو سبحانهُ وتعالى
انهى كلماتهُ رافعًا سبابتهُ للأعلى، مشيرًا لله عز وجل، فتمتم الجميع بـ:
- ونعم بالله..
تهاوت أقدام سوسن على أحد المقاعد، قائلة بخفوت وحزن ونبرة راجية:
- استر يا رب، استرها معاها يا رب، ومتحرمهاش من النعمة الـ وهبتها لينا دي، يا رب خد بإيدها وقومها لجوزها بالسلامة يا رب
استند سامي على الحائط وأرجع رأسهُ للوراء، قائلًا بهمس سمعهُ سراج وإبراهيم:
- وليد مش هيستحمل يسمع حاجه زي دي ابدًا..
وعلى ذكر وليد، اندفع إبراهيم نحو الرجل الذي يقف جوار زوجتهُ، والذي من هيئتهُ عرف انهُ بسيط الحال. وقف امامهُ، وأردف بجدية:
- معلش يا أستاذ، دقيقتين على جمب كدا
لم يرد أن يتحدث أمام زوجة الرجل، أومأ فايز بصمت وهمّ بالتوجه معهُ، فقبضت سوسن على ذراعهُ مردفه بقلق:
- فايز!!
احاط كفهُ يدها بحنان، لتلين قبضتها، حتى فك يدها عن يدهُ وهو يقول بهدوء:
- متخفيش يا أم زياد، أنا واقف قدامك اهو..
ثم طالع إبراهيم، وأشار بيدهِ للفراغ مردفًا:
- اتفضل يا باشا..
تقدمهُ إبراهيم، واتى سراج وسامي ليقفان معهم، وقف فايز أمامهم، فهتف إبراهيم بجدية:
- احكيلنا ايه الـ حصل من الأول خالص..
أومأ فايز موافقًا، ثم بدأ يسرد لهم ما حدث بتفصيل، وما فعلهُ وليد، حتى انتهى من سردهِ، ليقول سامي بخوف ولهفة:
- كان مضروب؟
طالعهُ فايز، قائلًا بجهل:
- والله يا باشا، الدينا كانت عتمة والبيه يعني لا مؤخذة كان متغرق دم، والهانم، حضرتك مشفتهاش وهي بين ايديه كانت عامل اذاي، ولا لما نقلوها على التورلي، دا انا بحمد ربنا اني لقيت مستشفى في طريقي، لحسن لو كنا استنينا شويا، لا قدر الله يعني، الشر برا وبعيد كانت اصفت!
زم سراج شفتاهُ بأسى، وهتف بخفوت:
- ربنا يستر من الـ جاي..
تعالا رنين هاتف أحدهم، وكان الجميع وجوههم هادئة، فنغمة الرنين تلك ليست لهاتف اي منهم، بينما هتف سامي بعد ثوانٍ:
- دا فون وليد!
توتر فايز قليلًا من فعلتهِ وانهُ لم ينبه للهاتف، ثم سارع باخراجهِ من جيبهِ، متمتمًا بحرج:
- لا مؤخذة يا بشوات، مخدتش بالي
أخذ سامي الهاتف، ليجد أنهُ رقم غير مسجل!، فتح الخط دون تريث أو تفكير، ثم وضع الهاتف على أذنهُ، ليأتيهِ صوت وليد، فانفرجت ملامحهُ بسعادة، هاتفًا:
- وليد!!، انتَ فين يا وليد!، قولي انتَ فين ابوس ايدك، وانا جايلك فورًا..
تأهبت ملامح الجميع للمكالمة، بينما على الطرف الأخر فقد اتاهُ صوت اخوهُ، مردفًا بقلق جمّ:
- قولي زهرة في انهي مستشفى بسرعة يا سامي!
طالع سامي وجوه الجميع، هاتفًا بنجدة:
- آآ أحنا في انهى مستشفى.. أحنا آآ
همس فايز سريعًا:
- الصفوة..
تحدث سامي بعجالة:
- الصفوة، الصفوة يا وليد،.. طمني عليك طيب!
- أنا جايلكوا يا سامي، خمس دقايق بالكتير وتلاقوني عندكوا...
ثم انقطع الأتصال، فرفع سامي وجههُ لهم، قائلًا بوجوم:
- الخط فصل، بس قال انوا قريب من هنا..
••••••
مرّة عشر دقائق، حتى وجدوهُ يأتي راكضًا من بداية الرواق، ثيابها بأكملها ممتلئة بالدماء، ويديهِ كما عنقهُ ايضًا. هرول ثلاثتهم نحوهُ بلهفة، وفزع من منظرهِ، وقبل أن يهتف أحدهم، أردف بنهيج ونبرة قلقة مرتعبة:
- زهرة يا سامي، مراتي فين وايه الـ حصلها
اقترب إبراهيم، وربت على كتفهِ، مردفًا:
- طب اهدى طيب، وخد نفسك
أومأ، مردفًا بحدة وصوتٍ عالي:
- طمنوني عليها الأول،.. ايه الـ حصلها
أشاحوا جميعًا أبصارهم بعيدًا عنهُ، لا أحد منهم يقدر على أخبرهِ بما قالهُ الطبيب قبل أن تدلف للعمليات. نظر وليد لوجههم والتي لا تنذر بنبأ السار اطلاقًا، فطالع سراج، وأردف بغضب:
- ما تنطق يا سرااج،.. ايه الـ حصل يا إبراهيم، حد يتكلم
ابتلع سراج ريقهُ بصعوبةٍ، ثم زيف ابتسامة مطمئنة وقال مخبرًا اياهُ بنصف الحقيقة:
- ان شاء الله هتكون كويسة يا وليد، الدكتور قال بس إن الجنين مات، وهما هيطلعوه، وهي هتكون كويسة..
حاول أن يكون حديثهُ متزن وواثق، حتى لا يشك وليد بهِ، تهدلت أكتاف الأخر، واستند على الحائط مغمغمًا بصوتٍ غير مسموع يملؤهُ الحزن والآسى:
- إنا لله وإنا إليه راجعون
••••••
خمس ساعات ولم يخرج أحدًا ليطمئنهم، وليد يستند على الحائط بجوار الباب مباشرة لا حول لهُ ولا قوة، بعد عراك شديد أحدثهُ بسبب تأخرهم في الداخل، وسامي ذهب لأحضار قهوة للمرّة الثانية، وإبراهيم يجلس على أحد المقاعد، وسراج يقف في أحد الشرفة يهاتف سُمية ويطمئنها عليهم.
رفع إبراهيم وجههُ لهُ، وهتف محاولًا للمرّة الثالثة:
- يا بني تعالى اقعد، بقالك خمس ساعات واقف، وقفتك دي ملهاش لازمة يا وليد، بس هتتعب!
وللمرّة الثالثة ايضًا لا يرد، شارد وقلبهُ يتأكل عليها من الخوف. تعالا صوت هرج ومرج بداخل غرفة العمليات، فوقع قلبهُ أرضًا، وبدون تفكير اندفع مهرولًا يزج الباب بقوةٍ، ليُفتح ثم دلف لداخل وقد صُعق قلبهُ فور أن صمّ أذنيهِ رنين جهاز رسم القلب الذي يدل على وقوف النبض، كما الطبيب الذي صرخ بالممرض وهو يمسك جهاز الصدمات الكهربائية، صارخًا:
- علي الڤولت كمااان..
ماذا يحدث لها؟!، هكذا تسأل قلبهُ الموروع لحالها، أمسكهُ اثنين من الممرضين مانعين تقدمهُ، وهو يصرخ بغضب وقوة:
- زهـــــــــرااة، زهــــــرااااة
لم يقدر أحد على منع ضراوتهِ، فعنفوانهِ الشديد وغضبهِ، منعهم من أن يستطيع أحد السيطرة عليه، ما زال الجهاز يصدر رنينهُ الأخرق.
وبرسالة خفية رفع الطبيب رأسهُ وأومأ بالرفض لطبيب الذي يقف من الناحية الأخرى وملامحهُ يملؤها الآسى، وكأنهُ يخبروهُ أن الأمر قد انتهى!
وضع الطبيب جهاز الصدمات أعلى المطاولة، بينما رفعت الطبيب الملاءة الخضراء على وجهه زهرة، فصرخ وليد بغضب مزمجرًا وهو يدفع الممرضين من حولهِ، ثم ركض نحوها وبطريقهُ أوقع طاولة طويلة مليئة بمعدات الجراحة.
نزع الملاءة من على وجهها، ورفع جسدها لأحضانهِ، رافضًا استيعاب من حدث، وهدر بنبرة عالية شرسة:
- اطلعواا برا كلكواااا، براااااا
ثم وجهه بصرهُ نحو جسدها الرخو، ورفع وجهها نحوهُ، مردفًا بحنو وألم:
- زهرة!، سمعاني!، عايزين يبعدوكي عني!، عايزين يخدوكي مني!، مش انتِ وعدتيني هنفضل سوا مع بعض!، صح..؟!
ضمها لهُ أكثر، متحدثًا بنبرة باكية موجوعة:
- مش انتِ بتبقى مطمنة لو أنا جامبك، انتِ دايمٍا بتقوليلي كدا!، وأنا كمان مش بطمن غير وأنا معاكي وجمبك!، قومي يلا خلينا نروح...
طالعها يحثها على القيام والذهاب معهُ، لكن لا يوجد استجابة منها، احتضنها بقوةٍ، حتى شعر أنها بين ضلوعهِ، وأغدقت الدموع وجههُ، وهتف بصوتٍ مختنق ونبرةٍ متحشرجة:
-طب خديني معاكي..، مش عايز ابقى لوحدي في الدنيا وانتِ مش فيها، أنا مش عايز غيرك والله...
- وليد.. وليد، انتَ يا بني!!
أخرجهُ من شرودهِ وهذا السيناريوا الذي مرّ ببالهِ، صوت سامي وهو ينادي عليهِ ليقدم لهُ القهوة، اعتدل وليد مغمغمٍا بكلماتٍ غير مفهومة، وشعر بشيئًا رطب على وجنتيهٍ، فرفع يدهُ ليتلمسهُ فوجدها دموعهُ!.
انفطر سامي لرؤية وليد هكذا، والتي حتى لم يراها بموت والدتهُ، فرفع كفهُ مربّتًا على كتف اخوهُ، قائلًا بنبرة حزينة:
- وحد الله يا وليد في ايه!، ادعيلها ربنا يقومها بالسلامة،.. خد اشرب القهوة دي، وصحصح كدا، وادعي ربنا يخرجها بسلامة، امسك..
أخذ كوب القهوة بعد أن مسح دموعهُ، وهو يدعو الله أن تخرج بخير. جحظت عينيهِ بصدمة عندما تعالا نفس الصوت الذي سمعهُ في مخيلتهِ منذ قليل، نفس صوت الهرج والإضطراب الذي حدث منذ قليل.
انفلت كوب القهوة من بين أصابعهِ، وهو يندفع نحو الباب مغمغمًا بجزع:
- زهرة!، لااء...
لم يُفتح الباب دليلًا على أغلاقهِ بإحكام من الداخل، فصرخ بصوتٍ عالي وهو يدفعهُ بقوةٍ، قائلًا بغضب:
- افتحوا البااااب،.. زهراااااة...
من دفعاتهِ القوية، فُتح الباب واندفع لداخل، فركض سامي وسراج وإبراهيم نحوهُ يحاولون إيقافهُ، قابضين على جسده، أما هو فقد كان في عالمٍ أخر، وهو يرى ما تخيلهُ حقيقة، قلبها قد توقف، والأطباء..!، اللعنة حتى انهم نفس الأطباء!، يشعر أن المشهد يتكرر ليس الا!
صرخ أحدهم بهِ بنفور:
- اطلع برا يا أستاذ لو سمحت!، مينفعش كدااا
كان نظرهُ مصوب نحو تلك الراكضة، لا تشعر بشيء جوارها، شعر بحلقهِ قد جف، وهو ما زال يحاول ابعاد قبضة اخوهُ وإبراهيم وسراج عنهُ، هبطت الدموع من عينيهِ، وهو يهتف راجيًا:
- بالله عليكي لاء...
الحقيقة أقوى من الخيال ألاف المرات، شعر بقلبهِ ينشطر لنصفين، ولم يعد أحد قادرًا عليه، ابعد الجميع عنهُ، وتمزق كتف قميصهُ في يد سامي وهو يحاول سحبهُ للخارج، واندفع هو نحوها.
مكث على ركبتيهِ أرضًا، وأمسك كف يدها اليُسرى بحنان، وانحنى مقبلًا اياهُ برجاء، ظهر في صوتهِ المختنق وهو يقول بألم:
- متسبنيش بالله عليكِ!، زهرة..
يتشبث بها كما يفعل الطفل الصغير بوالدتهُ التي على وشك الرحيل وتركهِ. ارتفع صدرها مع جهاز الصدمة والطبيب يجذبهُ لأعلى تزامنًا مع الشهيق الطويل التي أخذتهُ، معربةً وبقوةٍ عن تمسكها بالحياة وكأنها تخبرهم أنهُ ما زال لها قصةٌ لم تُكتب بعد!
لم يصدق أذنيهِ وهو يستمع لصوت شهيقها هذا، يليهِ عودة جهاز رسم القلب برسم تذبذب نبضاتها قبْل باطن كفها، ثم وقف سريعًا، وانحنى نحو رأسها يقبْل خدها بعمق، هامسًا بأحدى أذنيها بنبرة ممتنة مولعةٍ:
- كنت عارف، كنت عارف انك مش هتسبيني!
اطمئن الأطباء على حالتها، كما أخرج الممرضين سامي وسراج وإبراهيم للخارج، وظل وليد بعد أن رفض رفض مطلق أن يخرج من الغرفة، وتحت شدة أمرهِ اضطروا أن يتركهُ.
وقف عند رأسها يُطالع وجهها المليئ بالكدمات، ورأسها المجبرة بآسى، كان الأطباء مشغولون بجزءها السفلي، بعد أن أوقفوا النزيف بصعوبةٍ، والآن يخيطوا الجروح، وينقلون لها دماء استطاعوا توفيرها بسهولة من مخازن المشفى.
لم يتركها اطلاقًا، حتى انتهوا، ليخرج ويؤكد على إبراهيم بأن تأتي سيارة أسعاف لأخذها من تلك المشفى لخاصتهم، كما انهُ وكل مهمة دفن الجنين بمقابرهم لسامي اخوهُ، ولم يذهب هو، وأخبر سراج ان عليه الذهاب للقصر ليطمئن جدتهم، ومن هناك، ثم عاد ثانيةً ليكون جوارها.
●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●
يقف في رواق المشفى الخاص بهِ، جوار باب غرفتها، وأمامهُ يقف عادل يسرد عليه كل ما أمرهُ بفعله، حتى انتهى، ليقول:
- مخدناش كتير في الأجرائات يا وليد باشا، والڤيلا كدا كدا تبع عزيز يعني مفيش قواضي ولا حاجه عشان هو مات!
تنهد وليد بأرق، مردفًا بوجوم:
- ادفنت فين!
- في مقابر الصدقة سعادتك، وطلعنالها شهادة وفاة جديدة..
أومأ وليد مفكرًا قليلًا، ثم طالعهُ هاتفًا:
- مفيش أي أخبار عن الطب الجنائي في الجثة الـ لقوها في النيل!
هز رأسهُ رافضًا وقال:
- لاء يا باشا، لسا بيفحصوها، وبعدين الجثة محروقة كليًا غير انها مبشننه من المايا، مش عارفين يلاقوا بصمات حتى!، بس بيقولوا مستنين تحليل الـ DNA هو الـ هيحدد
زفر وليد بخنقة شديدة، ثم نظر لهُ قائلًا بحدة:
- عادل!، اوعى عينك تغفل عنهم، وأول ما يطلع التقرير تقولي علطول، لازم اعرف دي جثة ياسر ولا ضاحي!
أومأ عادل موافقًا، وقبل أن يقول كلمة واحدة، اوقفهُ وليد عندما رأى سُمية تقترب منهُ، وبيدها حامل طعام، فهتف لهُ:
- روح انتَ دلوقاي يا عادل..
هز رأسهُ بطاعة، ثم رحل، وتقدم من اختهُ يحمل الطعام عنها، مردفًا بضيق:
- ايه الـ جابك يا سُمية!، أنا مش قولتلك متجيش لوحدك تاني!
طالعتهُ بحنق، مردفه وهي تجلس على أحد المقاعد:
- عارفه اني لو مجبتلكش الأكل، مش هتاكل وهتفضل قاعد من غير أكل..
زفر بضيق وأسى، فأمسكت بكفهِ وأرغمتهُ على الجلوس جوارها، فأذعن لها وجلس على الكرسي الذي يجورها بإرهاق تام، مدّت يدها تربت على قدمهِ بحنان، قائلة:
- معلش يا حبيبي، ان شاء الله ربنا يقومها بالسلامة...
زم شفتاهُ بخوف، قائلًا:
- قلقان اوي يا سُمية، بقالها تلات أسابيع في غيبوبة، خايف يجرلها حاجه وحشه
احتضنتهُ مربّته على ظهرهُ بحنان، وقالت:
- متقولش كدا بس، ان شاء الله هتقوم بسلامة، وبعدين...، قضى أخف من قضى يا وليد، نحمد ربنا انها جات على حد كدا، واديك شايف الدكاتره مش مقصرين في حاجه ابدًا، انتَ بس ادعيلها واتصدق بنية شفاءها، وربنا هيقومها بالسلامة ان شاء الله
تنهد قائلًا برجاء:
- يا رب...
صمتت قليلًا، ثم هتفت قائلة بنزق:
- برضوا مش عايز تروح تناملك شويا، هقعد معاها والله لحد ما ترجع، ناملك ساعتين على الأقل..
طالعها، قائلًا برفض:
- مش رايح في حته يا سُمية، وبعدين أنا بنام هنا، خليني معاها، مش هطمن ابدًا اطلع واسيبها..
مرّة نصف ساعة جلست بها سُمية مع اخوها، حتى طلب منها الذهاب، فمكوثها لا داعي لهُ.
همّ بدلوف غرفة العناية المركزة، الذي يستقر بها مع زهرتهُ منذ وجودها هنا، لكن قاطعهُ صوت رنين هاتفهُ، فأخرجهُ ليجد أن المتصل من الخارج.
فتح الأتصال وهو يعلم هوية المتصل، ثم وضع الهاتف على أذنهِ مردفًا:
- ما الأخبار مايا، هل انتهى كل شيء!
- أجل سيد وليد، احرقنا الڤيلا بأكملها، وجميع الأوراق مع سارة، ستأتي الى مصر غدًا تُعطيها لك بنفسها..
ابتسم بتشفى واحتضن مقلتاهُ الثأر الوشيك، ثم هتف بامتنان:
- أشكركم حقًا
- لا شكر بيننا يا زميل!، نحن في الخدمة دومًا، الى اللقاء
انتهت المكالمة، التي جعلتهُ يتنفس الصعداء، فقد ذهب من على أكتافهِ حملًا كبير، يتبقى فقط أخذ الأوراق من سارة غدًا!، تلك الفتاتان سارة ومايا اللتان كانا معهُ في مهمة بيرلين، ولم يجد أحدًا يثق بهِ غيرهم.
تقدم وليد نحو غرفة العناية المركزة، ثم دلف لداخل، اقترب منها بخطواتٍ وطيدة متزنة، رغم وجههُ المرهق، ولحيتهُ التي نمت، وتلك الهالات التي تشكلت أسفل عينيهِ.
مكث على كرسي جوار السرير، ثم استند بمرفقيه على السرير، ووجه أنظارهُ نحوها، قائلًا بحزن:
- وحشيني يا زهرة!، مش عايزه تفوقي بقى ولا ايه!، دنيتي ملهاش طعم من غيرك والله..
ظل ماكث جوارها يُحدثها، يُذكرها ببعض الذكريات بينهم ويضحك هو بخفوت على كانت تفعلهُ بهِ.
●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●
أُحيط قصر صفوان الشناوي بحراس روسين، كما عاد الخدم ثانيةً للقصر، وقد أصلح جميع ما تُلف بهِ، ودبت الحركة فيهِ، الا انهُ ما زال يفتقد بريقًا أخر.
كانت تُبدل ثيابها، بعد أن ابتاعت ملابس كثيرة مناسبة لجميع الأوقات، تناسب بطنها الكببرة، ثم خرجت لتمشط شعرها أمام التسريحة، استمعت لصوت إغلاق باب الجناح بالخارح.
فأشرأبت بعنقها قليلًا، قائلة بصوتٍ عالي:
- عز!!
اتاهُ صوتهُ على مقربة منها، ويبدو انهُ يتقظ نحوها، قائلًا بصوتٍ مرهق:
- لاء، أنا سامي..
اضطربت قليلًا، ثم وضعت المشط مكانهُ، ووقفت، لتجدهُ يدلف الغرفة بجسدٍ متعب، وقف قليلًا يطالعها، ثم ابتسم بهدوء، مردفًا:
- مريم، معلش ممكن تطلعيلي بدلة جديدة، عايز الجاكت والبنطلون والقميص اسود، ومش عايز كرڤته، عقبال ما اخد شاور واطلع..
أومأت موافقة دون أن تسألهُ عن أي شيء، رغم أن الفضول يقتلها من الداخل، زفر بضيق من تجاهلها للأمر، ثم نزع جاكت البدلة التي يرتديها، ووضعها على السرير، ونزل القميص الأبيض، ثم اتجه نحو المرحاض.
انهت ما طلبهُ منها ثم وضعتهم بعناية على أحد الأمكان بغرفة الثياب، واتجهت للخارج. وجدت الجاكت والقميص الذي نزعهم من عليه، فأخذتهم ووضعتهم على ظهر أحد الكراسي، حتى يخرج وتضعهم في سبت الثياب المتسخة.
مرّة دقائق حتى انتهى وخرج بروب الأستحمام، رفع وجههُ لها قائلًا:
- حضرتيهم؟
أومأت بنعم، ثم وقفت قائلة بهدوء، دون أن تنظر لهُ:
- هنزل أقول لدادة تحضرلك الغدا
أوقفها قبل أن تذهب، ممسكًا بمعصم يدها فوقفت موليه اياهُ ظهرها، اتجه هو واقفًا امامها، وأردف بحدة:
- لحد امتى بقى هنفضل كدا
طالعتهُ بجهلٍ زائف، قبل أن ترد بلا مبالة مردفه:
- كدا اذاي!
زفر بغضب، ثم حاول أن يهدئ حالهُ حتى لا ينفعل عليها، ثم قال بهدوء مخادع:
- مريم، حبيبتي هنفضل لحد امتى بتتعاملي معايا ببرود كدا، أعمل ايه تاني طيب، اعتذار واعتذرت، مهاودة وهاودت، كل ما بنفتح الموضوع بسيبك تزعقي وتطلعي غضبك كلوا عليا، وعلى قلبي زي العسل، بس معتش قادر والله، قوليلي انتِ عايزه ايه وهعملهولك، لكن مش عايز احس اني زي الـ مربوط في سقايه مهما يجري ويتحرك هيفضل مكانوا!
أخفضت رأسها أرضًا، ولم تنطق، فأرجع رأسهُ للخلف بيأس، لا يريد أن يضغط عليها، لكنهُ لم يعد يطيق ابتعادها. تنهد مردفًا بحزم:
- مريم أنا بجد مش قادر اشوفك وانتِ بتتعاملي معايا بالبرود دا آآ
رفعت وجهها لهُ، وهتفت باندفاع وحزن:
- عايز تمشي تانيـ...
قاطعها مردفًا بحدة:
- امشي!!، دا أنا اغصبك عليا ولا اني اسيبك وامشي اصلًا
لانت نبرتهُ، وهو يقترب منها بحذر، حتى استقرت هي بين أحضانهِ دون ممانعة، وقال:
- عندي عشا عمل انهارده، واحتمال ارجع الساعه اتناشر، ابقى استنيني يا مريم..
يبدو لمن يقرأ أنهُ يطلب منها طلبً عاديًا، لكن في طياتهِ حمل الكثير، إن انتظرتهُ ستكون موافقة منها على فتح صفحة جديدة في كتاب حياتهم سويًا، أما إن رفضت فهي تنهي الحياة بينهم من الأساس!، وصمتها هذا كان بصالحهُ، حيثُ قبْل رأسها بحنان، مردفًا بنبرة حازمة، وكأنهُ ينهي الموضوع كلهُ بها:
- ولو لقيتك نمتي يا مريم، هصحيكي....
حسنًا، يخبرها بطريقتهُ أن اليوم سيضع حدًا لخصامهم هذا، ابتعدت بهدوء، وتركها هو بعد أن رفع يدها مقبلًا باطنها.
اتجه الى غرفة الثياب ليرتدي ملابسهُ، مرّة لحظات حتى صاح بصوتٍ عالي:
- كلمتي ماتيلدا انهار دا؟
اقتربت بخطواتٍ بطيئة، واستندت على الباب لتراهُ يُغلق سحاب البنطال، فأشاحت وجهها قائلة بخفوت:
- كلمتها، وقالتلي هيرجعوا القاهرة بليل
أومأ موافقًا، ثم التقط قميصهُ الأسود ليرتديهِ، وهتف بجدية:
- لو قادرة تيجي معايا بكرا نزورها تعالي، لو مش هتقدري خلاص
هزت رأسها رافضة، وقالت سريعًا:
- لاء طبعًا مينفعش، دي كانت بتجيلي علطول، ولما تعبت جات زارتني هي وسحر، مينفعش ما ردش الزيارة
تمتم موافقًا وهو ينتهي من أغلاق أزرار القميص، ثم سحب زجاجة العطر خاصتهُ ونثر منها على جسده، قائلًا:
- تمام، بكرا بعد المغرب كدا ان شاء الله نروحلهم
أومأت بنعم، ثم هتفت وهي تنوي الذهاب:
- هخلي الدادة تحضر الغدا..
التقف جاكت البدلة سريعًا، بعد ان انتهى من القميص، وكان قد لبس حذائهُ الأبيض، ثم تحرك سريعًا وهو يقول:
- لاء خليكي، مش هلحق، أنا لسا هروح المستشفى لوليد..
كان بمحاذاتها، فقبلها من أحدى وجنتيها سريعًا متمتمًا:
- مع السلامة...
ثم هرول نحو الخارج كي لا يهدر وقتً أخر، بينما هي نظرت في أعقابهِ، ورفعت يدها تُمسد على بطنها بحنان، وقد شق ثغرها ابتسامة رائعة، وهي تغمغم:
- الله يسلمك من كل شر
هذا الأبله يظن انها لم تسامحهُ!، هي فقط تنتظر ليرغمها على مسامحتهُ ويظل يُعيد ويزيد تكرارًا ومرارًا انهُ قد اكتفى من تمردها هذا، تنتظر فقط أن يخبرها بنبرتهِ الرجولية الحادة قد انتهى أمر الخصام بينهم وتصطفل هي بِعنادها، هذا ما تُحبه،... وعلى الأرجح هذا ما تُحبهُ كل أنثى!
●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●
بمدينة رفح، كان يحملها بين ذراعيهِ متوجهًا بها نحو الخارج، حيثُ سيارتهُ. طالعتهُ مبتسمة وقالت:
- أحمد، أنا واخد رصاص في دراعي، مّش رجلي أحمد!
نظر لها مبتسمًا بعبث، ثم أردف بجهل مصطنع:
- ايه دا بجد!، طب مش كنتِ تقوليلي بدل ما أنا شايلك من الأوضة لحد العربية كدا!
أنزلها أرضًا برفق، بجوار السيارة تمامًا، ثم فتح باب المقعد الأمامي المجوار لمقعدهُ، وساعدها في المكوث، ارتاحت بمكانها فهتفت سريعًا بشكر:
- thanks baby
ابتسم لها، قائلًا بمزاح:
- اي خدمة يا سكره
أغلق الباب، ثم سارع بالتوجه نحو مقعدهِ، وفتح بابهُ ثم استقل السيارة. أغلقهُ خلفهُ ثم طالعها مردفًا:
- نبقى نحود على أي مطعم نطلب أكل جاهز عشان أنا واقع من الجوع، ونبقى ناكل في المطار
أومأت موافقة، ثم تحسست تلك الجبيرة التي توضع أعلى كتفها الأيسر، كما ذراعها المجبر بالكامل، طالعها بأسف وهو يبدأ بأدارة المحرك قائلًا:
- أنا آسف يا ليدا، يا ريت لساني كان اتشل قبل ما اديتهم الأمر
تجهمت ملامحها بانزعاج، ثم هتفت بنبرةٍ معاتبة:
- أحمد!، انتَ ذنبك ايه!، انتَ تعمل الوجب أحمد، بس..آآ... لأهر لهظة أّول أحمد يعرفني، ويعرف انا ءــلطول
مدّ يدهُ ليمسك كفها محيطًا اياهُ باحتواء، ليقول:
- والله أول ما ظهرتي حسيت اني مش مرتاح، وللأسف مكنش في اي سبب منطقي لأحساسي دا، ولما قربتي، اضطريت اديهم الأمر، بس على أخر لحظة شوفت عنيكي عرفتك فورًا، بس للأسف كان الوقت فات...
تنهد بضيق جمّ، وهو يتذكر تلك الأحداث الكارثية التي مرّة عليهم سويًا..
"عودة بالوقت للوراء"
وصلت هي وسحر على قمة الشارع الخاص بهم، فهتفت سحر قائلة وهي تُطالع الطريق الفارغ:
- عايزين تاكسي ابن حلال كدا بقى، يودينا ويجبنا...
كانا ذاهبين لشراء بعض اشياء العرس لهم سويًا، والشارع الى حدًا ما خالي من المارة، وحتى القليل من السيارات التي تمر، اقتربت سيارة صغيرة الحجم سوداء، وبدون أي مقدمات توقفت أمامهم مباشرة، وفُتح الباب خلفي لها، ثم جذب أحدهم ماتيلدا لداخل فأُلقيت على أجساد الرجلين الذي يمكثون بالداخل لتصرخ بفزع، وقبل أن تنطلق صرختها للعلن، كان أحدهم كممّ فمها مانعًا صوتها من الخروج.
حدث كل هذا بلحظات، ثانية وقفت بها السيارة وثانية أخرى سحبوا ماتيلدا من جوارها، والأخيرة انطلاقهم وهم يغلقون الباب بقوة. صرخت بجزع وهي تركض خلف السيارة التي ابتعدت عنها مسافة كبيرة:
- يلااااااهوي، يلاااااهـــــوي، خطفوا بنتي يا ناااس، الحقونــــــي
صرخت عدّة مرات بعويل، حتى تجمع الناس حولها، ولكن للأسف كانت السيارة قد اختفت.
حاولت أحدى النساء تهدئتها لكنها لم تهدئ، بل ظلت تصرخ وهي تركض نحو بيتها. فتحت الباب الخارجي بسرعة وحدة، ثم انطلقت نحو الأعلى وهي تصرخ باكية قائلة:
- الحقيني يا ثريـــــــــا، ماتيلدا اتخطفت يا ثريا..
جحظت أعين ثريا بالأعلى وهي تستمع لحديث اختها، تحركت بكرسيها سريعًا نحو الباب، لتجد سحر تدلف منهُ بوجهٍ غارق في الدموع، وهتفت بجزع ونبرة متهدجة:
- مـ..ماتيلدا اتخطفت ياآآ ثريا، شـ..شدوها وانا واقفه جمبها
ضربت بيدها صدرها وهي تقول بحزن ولهفة:
- استر يا رب، جيب العواقب سليمة يا رب..
علم جمال أولًا بالأمر ثم فؤاد ودياب، والذي لم يترك شيء الا وفعلهُ وقد خصص فريق يرأسهُ أحد أمهر الضباط لديه للبحث عنها، وقد شدد عليهم جميعًا عدم أخبار أحمد نهائيًا حتى لا يتشتت وهو رأيس فريقهِ.
مرّ ثلاثة أيام، وكانت سحر تُحادث فؤاد باكية وهي تقول:
- لاء يا فؤاد، انا هرن على احمد اقولوا يرجع يدور على مرتوا، مينفعش كدا تلات تيام ومش عارفين تلاقوها!
- يا سحر اهدي، اهدي كدا وصلِّ على النبي
تمتمت بالصلاة على النبي، فتابع:
- أحمد في مهمة يا سحر وهو رأيس الفريق، مينفعش نقوله، دا أنا بحمد ربنا انوا قال لماتيلدا انوا مش هيقدر يتواصل معاها الفترة الجاية دي عشان صعب، لحسن كان زمانوا حس، وبقى بين نارين، مهما كان مراتوا وكل حاجه، بس مينفعش يمشي بمزاج كدا ويقول هروح ادور عليها، فهمتي!، لازم عشان يمشي يبعت طلب، ويا يتوافق عليه يا يترفض، وفي حالة انوا اتوافق عليه، ميقدرش يمشي قبل ما يجي قائد جديد، ولو جابوا قائد جديد برضوا مينفعش يمشي قبل ما يقولوا ايه الخطة بتاعتهم، والحاجات الـ توصلوا ليها، والأوراق، ويعرفوا الجواسيس، وكل دول يا حبيبتي، يعني موااال، يعني هيكون زمانا لقيناها من زمان كمان
رفعت يداها وبصرها لأعلى هاتفه بتضرع:
- يا رب، يا رب يا فؤاد، حتى ولاد الكلب دول لا رنوا طلبوا فدية، ولا حد اتكلم، ودا مش مطمني خالص
رغم قلقهِ هو الأخر، الا انهُ قال مطمئنًا اياها بالكذب:
- متقلقيش، ان شاء الله حد يطمى عليها، استهدي بالله بس، وصلي وادعيلها...
••••••
اليوك الثالث تحديدًا كان يوم الأشتباك والقضاء على تلك المنظومة في رفح بمدينة العريش. وقف فتحي جوار أحمد والإثنين يرتدون الزي الأسود، ووجوهم أسفل الخوذة.
نظر فتحي من المِنظار ليرى تلك الخيام والرجال التي على أهبة الأستعداد للقتال، فهتف:
- أحمد الرجالة هناك مليانه سلاح من كل نحية، عدد الـ قدامي حوالي اربع وعشرين بس الـ ورا الخيام ممكن يكونوا من الـ سبعة للعشرة، يعني العدد كلوا من الواحد والتلاتين للأربعة وتلاتين، دا الـ برا بس مفيش حد من جوا خالص باين، يعني منقدرش نقيم العدد الكلي.
احتلى الوجوم ملامحهُ، ثم هتف مقترحًا:
- طب أحنا مية جندي يا فتحي!، بيتهيألك عددنا هيبدهم، ولا نطلب أمداد؟!
وضع فتحي المِنظار على المنضدة، ثم سحب سلاحهُ قائلًا وهو يحثهُ على التقدم:
- التوكل على الله يا سيادة القائد وادي الأمر يلا..
وجد أحمد انهُ لا مفر حقًا، فحتى وإن كان العدد أكثر منهم، لا بد من أن تنتنهي تلك المنظمة اليوم.
رفع المِنظار، ليرى ويحسب خطواتهُ، ثم هتف:
- نزلهم يا فتحي..
أشار فتحي لأحد الرجال بالخلف، فركض نحو الثلاث سيارات السوداء، والتي تحمل داخلها المئة جندي، وفتح ابواب السيارة من الخلف، مردفًا:
- يلا يا رجالة الوقت أزف...
هبط الرجال جميعًا من السيارات، وأصوات نهيجيهم الحماسي يعلو ويزداد دبدبوا بأرجلهم في الأرض بقوة تحت الشمس الحارقة، أمام قائدهم، ومساعدهُ وصديقهُ الروحي فتحي، ولأن أحمد كان ملازم للوطن طوال سنين عمله، فهو الأقرب للجنود والتعامل مع المجرمين المصريين، وبسبب سفر فتحي لمهمتهُ في الخارج فهو الى الآن لم يرأس أي مهمة تحت طلبهُ، حتى يعتاد الأمر ليس الا، وليس تفضيلًا!.
أملى أحمد عليهن خطتهُ، ثم اختتم كلماتهِ قائلًا:
- اي كان عددهم، عايز افكركم ان منكم دخل مهمة مع العقيد مصطفى ابوا الدهب ، وكان عدد العدو تلات أضعافنا، يعني كل واحد قداموا تلاته، تخيلوا بقى انهم تلتمية نفر هناك، وكل واحد قداموا تلاته...
كانت تلك الكلمات تشجيعية بنسبة لهم، أُضيفت على حماسهم، أعطى أحمد لهم أشارة البدأ، ليأخذ كل واحدٍ منهم موقعهُ حسب الخطة.
ثم بدأوا بالتقدم نحو الخيم، واحدًا تلو الأخر، حتى أصبحوا على مقربة منهم، فوقفوا خلف التلال الرمبية يتحموا بها، وبدأوا اطلاق النار من مكانهم.
في الداخل أحد الخيم، كان الأمير واثنى عشر رجلًا يقفون، واثنين يثبتون الحزام الناسف وهي تقف ترتعد، فكرة انها تقف بين هؤلاء الرجال وحدها تجعلها ستموت في الحال.
استمعوا لصوت الرصاص في الخارج، فأطلقت صرخة فزعة، ليشهر أحدهم السلاح نحوها وهو يقول بحدة:
- اكتمي يا مرا..
ارتعدت فرائصها خوفًا ورعبًا، ثم وجدت أحدهم يضع لفافة حول وجهها ليحكمهُ كلهُ سوى عينيها العسلية فقط.
اقترب الأمير منها، يطالعها بتقيم، ثم أومأ موافقًا، وهو يقول:
- الله ينور عليكوا يا رجالة،..
طالعها متابعًا بنبرة حازمة وحادة:
- اسمعي يا الـ هقوله دا كويس، جوزك مفكر نفسوا بيفهم، وهيخلص علينا، ميعرفش اننا محاوطينوا جوا دايرتنا، وسلاحنا عليه، أي لحظة غدر هنحسها منك او انك تبينيلوا نفسك، هيموت معاكي، لو عايزاه تموتي لوحدك، متتحركيش من مكانك الـ هيتقالك عليه خالص، سامعــــه
وثبت فازعة بمكانها وأغرورقت عيناها بالدموع، أيمزح معها!، ستموت الآن!!.
-رؤوف...
هتف بها الأمير فاقشعر جسدها، وارتجف، أكمل وهو يوجه بصرهُ نحوها:
- يلا، جه دورك اطلع...
تقدم هذا الرجل رؤوف، وخرج من الخيمة، ثم بدأ بأطلاق النيران، أمام الجنود، وكان يتفادى الطلاقات بمهارة.
بمنطقة ليست بعيدة، هتف أحمد بنبرة مستغربة لفتحي:
- مش عارف ليه حاسس ان الـ طالع دا بيقرب علينا!!
أومأ الأخر موافقًا على حديثهُ، فقال أحمد وهو يتقدم مشهرًا سلاحهُ:
- طب تعالى ورايا كدا..
تقدم الإثنين، محتمين بالسلاح، حتى حاصروا الرجل، وهمّ أجمد باطلاق النار، فصرخ بفزع وهو يقول:
- لاه، معوزش أموت، احب على يدك، أحب على يدك، محدش يجتلني...
ركل فتحي يدهُ بقدمهِ فوقع السلاح من يدهُ، فانحنى ملتقطًا اياه، بينما وكزهُ أحمد بفواهة السلاح، ثم هتف بحدة:
- كام واحد جواه،.. انطق لو مش عايز تموت...
احتمى رؤوف بذراعيه، وهو يقول بنبرة راجية:
- گتير يا باشا گتير، احب على يدك ما تجتلني!، هجول على حاچة امهمه، بس وحياة عيالك ما تقتلني..
نظر أحمد لفتحي بترقب، فأشار لهُ فتحي وكأنهُ يقول اسمع ما لديه، فأردف بنبرة حادة وشرسة:
- اتكلم يلا وقول الـ عندك، لحسن ورب العزة هفجر سلاحي في نفوخك، وانتَ تحت رجلي
أحاط رؤوف رأسهُ بزراعيهِ، وهو يقول بنبرة باكية مصطنعة:
- لاه، أجب على يدك يا سعاة البيه، هجول الـ عندي،.. في راجل عليطلع دلوج بحزام ناسف..
جحظت أعينهم الإثنين، واضطربوا، حزام ناسف!!، من الممكن أن يفجر الجميع!، لم تمر سوى لحظات حتى وجدوا تلك القماشة ترفع ويخرج منها شخصًا ما.
كانت انظارهم مع هذا الشخص مطأطأ الرأس، وقبل أن يتحدث فتحي أو أحمد، لاحظ فتحي رؤوف وهو يخرج سلاح أبيض من أسفل عباءتهِ في الخفاء، وكاد أن يغرزها بقدم أحمد، لولا أن سلاحهُ كان الأسرع، فأطلاق رصاصة نحو رأس رؤوف لتنفجر في الحال.
انتفض جسد ماتيلدا بقوة، وقد لاحظها أحمد ولولا فمها المكمم لكانت قد صرخت، تمتم أحمد بصوتٍ مسموع لفتحي:
- فتحي، في لعبة في الموضوع، خد بالك..
أومأ الأخر قائًلا:
- كنت لسا هقولك
كان يقف جوارهم بعض الرجال، وعندما وجدوا هذا الشخص وهو ما زال مخفض رأسهُ يرفع يدهُ، وبيدهِ جهاز تحكم، فصرخ فتخي قائلًا:
- ادي الأمر بسرعة يا أحمد، قبل ما يفجر المكان..
لم يستطيع أحمد ان يحدد ماهية الأحساس الذي أحسهُ، ورغمًا عنهُ أمر بإطلاق النار، وهنا رفعة ماتيلدا رأسها بألم وعيونها مليئة بالدموع، استطاع أحمد معرفتها من عيونها فورًا، طالع الرجل الذي أشهر سلاحهُ وعمّرهُ، ثم صرخ بهِ وهو يركض نحوهُ تزامنًا مع خروج الطلقة من سلاحه ودفع أحمد لهُ قائلًا بصراخ:
- لاااء متضربش.....
لكن -سبق السبف العزل يا مولاي!-، حيثُ أطلق الرجل الرصاص نحو قلب ماتيلدا، ومع دفعة أحمد لرجل، أتت الرصاصة بكتفها، وتهاوت أقدامها فاقدة للوعي سريعًا من الألم والفزع.
وهنا خرج حوالي خمسون رجل من مخابئهم، ولكن بخطط أحمد وفتحي الذين سهروا طوال الليل ليضعوها، كان في المقابل ثمانون رجل قد انتشروا لمسافة أطول منهم، ليحاوطوهم مطلقين النار عليهم من لخلف سريعًا.
ركض أحمد بين اطلاق النار، وهو يدعو أن يصل لمكانها سالمًا، رغم العقل والمنطق الذي يخبرانهُ باستحالة وجودها هنا في أرض المعركة، لكن قلبهُ لا يخطئ بها أطلاقًا، تلك العينين يحفظ محاجرها عن ظهر قلب، لا يمكنهُ أن يخطئ فيهم أبدًا.
نزع الكوفية التي تحيط وجهها، لتتأكد شكوكهُ، وهو الى الآن غير مصدق وجودها، يشعر كمل لو انهُ بحلم.
هتف باسمها وهو يحملها سريعًا مبتعدًا بعا عن منطقة القتال حتى لا يصيبها ضرر، قائلًا بخوف جمّ:
- ماتيلدا، ماتيدا!!
وضعها برفق خلف أحد التلال الرملية، ووقف أحد الجنود أمامها يحميهم، وهو مشهرًا سلاحهُ في وجهه عدوه.
نزع تلك القماشة من فمها، فاستمع لصوت تأوها المتألم، فقال وهو يحاول نزع ثيابها:
- ماتيلدا، سمعاني يا حبيبتي..
همهمت بدون أن تتحدث، والألم يعصف بجسدها، توصل الى الحزام الناسف، ولكن كان يصعب فكه، اخرج سكين من أحدى الجبوب بسترتهِ، ثم حاول قطع أحد الأسلاك التي توصل بجهاز التحكم، ليس جميع الأسلاك، علم أن هذا الحزام لهُ جهاز تحكم عن بُعد، وقد ظل اثنين وخمسون ثانية حتى ينفجر تلقائيًا من نفسه بعد أن ضغط عليه من يتحكم بالجهاز.
حازل قطع جلد الحزام، الا انهُ كان متين جدًا، همست ماتيلدا وجسدها يهتز أثر عنف أحمد من قطع الحزام، قائلة بصوتٍ حزين مستسلم:
- أهمد، أنا أموت هـلاص
زجرها بنظرتهِ المرعبة، وهو يقول بغضب، ويداهُ لم تسكن بل ازداد من قوتهِ وحدتهُ بعد تلك الكلمات، وقال:
- اسكتي يا ماتيلدا، اسكتي، انا وانتِ هنروح من هنا، ومحدش فبنا هيحصلوا حاجه،... دا وعد مني
طالع الشاشة الرقمية والتي تُشير الى انهُ تبقى خمس عشر ثواني، وابدأ الجهاز باصدار صوت رنين، فصرخت قائلة بألم:
- ahmad, get out of here, blease!
"أحمد، أرحل من هنا، من فضلك!"
طلبت منه الرحيل وهي تستغيث راجية، تبقى خمس ثواني، كان قد أوشك على الأنتهاء، أربعة ثواني، حسنًا قد اقترب من النهاية، ثلاث ثواني، وتحت صراخها ضغط بحدةٍ على السكين وهو يشق نهايو الحزام فانقطع نهائيًا، ثانيتين، وقف وقام بإطاحة الحزام على طول يدهِ، ليقع بعيدًا، ثم قام بإلقاء جسدهِ على جسد ماتيلدا ليحميها، فهو لا يعلم كم قوة اندفاع نيران هذا الحزام، وصرخت هي متألمة من ثقل جسده، تزامنًا مع انفجار الحزام بقوة.
انفزع الجميع من صوت الإنفجار، وهمس فتحي بخفوت وهو يركض نحو التل الذي اختبئ خلفهُ أحمد وزوجتهُ سريعًا:
- أحمد!!
كانت النار قد أمسكت في سترتهُ من الخلف، وشعر هو بها، فقام بإبعاد جسدهُ عنها سريعًا، وهبط على الرمل، يحك ظهرهُ بالرمال لتنطفئ النيران، غابت هي عن الوعي ثانيةً لكن تلك المرّة بثقل، من شدة انفزاعها وصدمتها.
وقف فتحي امامهُ، فمدّ أحمد ذراعهُ كي يجذبهُ ليقف، وهتف فنحي بقلق:
- أحمد انت كويس!
طالعهُ أحمد من أسفل الخوذة قائلًا بمزاح، وهو يشهر سلاحهُ:
- أسد يلا في ايه!، يلا بينا..
ترك زوجتهُ خلف التل، وانضم لصديقهُ، ورجالهِ، مطلقين أعيرتهم النارية، حتى مرّة نصف ساعة، وكانوا حرفيًا أبادوهم!!
"عودة للوقت الحالي"
استندت ماتيلدا على ظهر المقعد في الطائرة، ثم مدّت يدها لتمسك بكف أحمد تتشبث بهِ، والطائرة في بداية إقلاعها، فطالعها مبتسمًا ثم قال بعبث:
- الأجازة دي هنعمل فرحنا، ومفيش تأجيل خلاص!.꧁꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂꧂
أنت تقرأ
تائهة فِي سَرَايَا صَفْوَان © -مُكتملة-
Mystery / Thriller"دراما مصرية " _وليد إنت ليك علاقه بقتل محمود ..!! لم يستطيع الأجابة فقط أكتفى بهز رأسه بالايجاب ، فشهقت إلهام بصدمة وحزن في آن واحد وقالت: _اذاي .. اذاي يا بني ..! تنهد بحزن ثم اعتدل وطالعها قائلًا: _ ياسر يا إلهام هو الـ قاتلوا ، كان عايز يجندوا ب...