تائهة في سرايا صفوان
الفصل الستون
"الجُزء الأول"
꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂
بعد مرور ثامنٍ سنوات، وقفت أمام البوابة الخارجية بلهفة شديدة، تنظر لساعة الهاتف كل دقيقة والأخرى، حتى وجدت الأتوبيس المدرسي يأتي من أول الشارع.
ابتسمت بسعادةٍ وهي تنظر لأقتراب الأتوبيس من باب القصر، وفور أن وقف اتجه اثنين من الحُراس يستقبلون أحفاد سالم صفوان.
اتجهت لهم سريعًا بفرحةٍ، فهو أول يوم دراسي لهم، هبط ابنها الكبير يمسك بكف اخيهِ الأصغر والذي يصغرهُ بعامٍ واحد، وخلفهم ينزل عز الدين أكبر أحفاد تلك العائلة.
فتحت احضانها لأولادها، فسارعوا نحوها وهم يقولون بفرحةٍ:
- مــامي
احتضنتهم بلهفةٍ، قائلة بنبرةٍ سعيدة:
- حبيايب ماما، حمدلله على سلامتكوا..
قاطع لحظتهم السعيدة تلك، عز الدين الذي هتف برخامةٍ:
- ايه جو العشق المفطوح دا، ابعدي يا زهرة من هنا كدا..
وكزتهُ في ذراعهِ، قائلة بخفوت:
- رزل زي عمك والله،..
التفتت لأولادها قائلة:
- سمعتوا كلام عز زي ما بابي قال، ولا ايه
تحدث ابنها الكبير، والذي يبلغ من العُمر سبع سنوات، وقد بدأت ملامحهُ تأخذ شكل والدهِ بقوةٍ، هتف وهو يجذب خصلات شعر اخيهِ الأصغر برفقٍ مازحًا:
- أدهم الـ كان مش راضي يبعد عن عُمر، وكل شويا يعيط عشان يروحلوا..
تذمر الصغير، وارتمى في أحضان والدتهُ، مردفًا بكذب:
- خالد بيكذب يا مامي..
همهمت زهرة موافقة، ثم حملت أدهم، وقالت:
- لاء بقى دا احنا لازم نقعد مع بعض قاعده طويلة، عشان نعرف اصل الحكاية يا افندي منك ليه،.. يلا
هتف خالد بأمل:
- مامي، هي زينة صحت!
ضحكت زهرة وهي تمسكهُ من تلابيب قميصهُ من الخلف قائلة:
- البت لسا ما كملتش شهر يا بني، اتهد..
انزعجت ملامحهُ، وقال بطفولة مغتاظة:
- هو عز راضي يخلي حد يجي جمبها يا مامي اصلًا..
هزت زهرة رأسها يأسة، ثم قالت:
- حقوا يا حبيبي، مش اخته الصغيرة،.. المهم شفتوا عُمر ومالك!
أومأ خالد موافقًا، ثم هتف:
- طنط قمر شفناها كمان.. وقالت هتيجي تقعد معانا في يوم الأجازة
ابتسمت زهرة، وهتفت بحب:
- تنور يا حبيبي طبعًا..
وضع أدهم رأسهُ على كتف والدتهُ، وقال بخفوت:
- مامي، عز اتعارك مع سيليا انهارده..
تنهدت زهرة بسخط، وقالت:
- عز وسيليا تاني يا ربي!!، چيداء قالت انها هتحولها من المدرسة!
طالع خالد أدهم وهتف متوعدًا:
- والله لروح اقول عز انك قولت..
ثم ركض سريعًا لداخل، وكانت زهرة قد وصلت بأطفالها الصغار، الى البوابة الداخلية، فدلفت لقصر صفوان، ثم تركت طفالها الصغير الذي ركض نحو جدتهُ منال بسرعة كبيرة، هاتفًا:
- نينااااااا
طالعتهُ منال من أسفل نظارتها، وابتسمت بسعادةٍ، ثم ساعدتهُ ليصعد على الأريكة التي تجلس عليها، فاحتضنها بقوةٍ حتى ارتد جسدها للخلف، فضحكت وهي تحتضنهُ، قائلة:
- حبيب نينا يا ناس، حمدلله على سلامتك يا حبيبي..
اقتربت زهرة منهم مبتسمة، ثم جلست بالقرب منهم، تُطالع لهفة وحب منال لأدهم الصغير، أقرب أحفادها لقلبها، هتفت مقاطعة احتضانهم:
- دادة سعادة هتيجي انهارده..
طالعتها منال، وأومأت موافقة، ثم هتفت بحزن:
- هتقطع بيا والله، ربنا يصلح حلها، ويبارك لها في بنتها، تخيلي يا زهرة معانا من ووليد عمروا اربع سنين بس، عمر برضوا، لولها هي وماما الله يرحمها كان زماني ضايعه خالص..
- هي كبرت في السن برضوا يا ماما...
تنهدت منال موافقة، ثم قالت:
- على قولك!، يا رب بس البنت الصغيرة دي بنت لنتها تعيش، لحسن بتقولي حالتها صاعبه خالص، والدكانرة فاقدين الامل في ناجتها..
زمت زهرة شفتاها بأسى، ثم هتفت:
- ربنا ينجيها يا رب، لما رحنا ليهم امبارح، حالة بنتها كانت تصعب على كافر بجد..
أومأت منال قائلة:
- يا حبيبتي عانت كتير اوي، متجوزة من زمان، ويعيني مفيش ولا حمل ثبت، وكل ما ربنا يرزقها وتكمل للأخر يموت الطفل!، ربنا ينجي بنتها دي بقى عشان تفرح..
- يا رب..
- سعادة ان شاء الله هتيجي انهارده وتمشي بعد بكرا على بليل كدا..
انكمشت ملامح زهرة بأسف، وهتفت:
- وليد هيزعل اوي عشانها
- سعادة تعتبر اموا التانيه يا زهرة،... الا قوليلي صحيح، مشي بدري انهارده الصبح يعني!، مبقتش عارفه اشوفه، دا انا بلمحه صدفة في البيت!
ثم تابعت بنبرةٍ لئيمة:
- الواد دا شكلوا بيتقل علينا يا بت يا زهرة، ولا احسن يكون متجوز يا بت..
شهقت زهرة بخضة، ثم طالعتها بضيق، قائلة:
- اخص عليكي يا ماما، ايه الـ بتقوليه دا!
ابتسمت منال، وهتفت مازحة:
- يا بت انا بضحك معاكي، يعني بالله عليكي تصدقي عليه كدا، دا بيحبك حب غلب سالم فيه!
تنهدت زهرة بحزن، عن اي حبٍ تتحدث وهي تشعر بهِ قد بدأ يندثر في قلبهُ، كما قالت والدتهُ، تراهُ صدفة هي الأخرى!.
في الأعلى وبجناح سامي صفوان، كان خالد يدلف الجناح، متوجهًا نحو غرفة الصغيرة، والتي من بعيد رأى أخوها يحملها بحنان ويغني لها بصوتهِ الشجي.
اقترب خالد منهم، وهتف برجاء:
- هات اشيلها والنبي يا عز..
زجرهُ عز الدين بحدةٍ، ثم قال:
- يلا يالا من هنا!
انكمشت ملامح الأخر بضيق، ثم قال متذمرًا:
- دا انتَ رزل زي عمك!
اتسعت أعين عز الدين بصدمةٍ، ثم بحرصٍ شديد سحب يدهُ من أسفل زينة وهو يضمها لصدرهِ بشدةٍ، ثم أمسك أذن خالد مردفًا بوعيد:
- والله لقايل لأبوك،.. سمعت مين بيقول كدا يا خالد..
تأوه الصبي من شدةٍ مسكتهِ، حتى قال بغضب:
- والله منا قايلك أدهم قال لماما ايه.. امشـــي..
- ولا يا عز!!
صرخت بهِ والدتهُ وهي تتجه نحوهم بثقل، فقد وضعت صغيرتها الجميلة مُنذ شهرٍ فقط، والى الآن ما زالت اثار الجراحة تؤلمها، اقتربت منهم، ثم استراحت على أقرب مقعد، وقالت بضيق:
- عز، سيب ابن عمك يا بابا عشان مقولش لأبوك..
طالعها عز مردفًا بضيق:
- دا قليل الأدب يا ماما، ولسانه اطول منوا، والله لاقول لعمي عليك اخليه يربيك من اوي وجديد..
ابتعد خالد عنهُ باكيًا، ثم ركض نحو الخارج، فنظرت لهُ مريم بضيق جمّ، وهتفت:
- دا عيل صغير يا عز!، حرام عليك..
أومأ عز الدين رافضًا، ثم هتف:
- عيل صغير يتربى يا ماما، بكرا يكبر ونلاقيه بيشتمنا في وشنا عادي كدا!
●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●
بمنزل سراج الجارحي، دقت الباب بخفوت، وهمّت بفتحهِ، لتجد صراخهُ يتعالا بالداخل قائلًا:
- اوعي تفتحي الباب، انا قالع يا ماما..
كتمت ضحكاتها بصعوبةٍ، ثم رفعت كتفيها وهي تعقد ساعديها حول صدرها مردفه:
- يعني هشوف ايه جديد يعني!، مين يا ولا الـ كان بيغسلك زمان!
استمعت لتزمر صغيىها بالداخل، مردفًا بطفولية ساخطة:
- يا ربي ليه ما خلقتنيش كبير يا ربي!
كادت ان تتحرك لولا انها وجدت طفلتها تاليا التي تحبوا على الأرض، تجلس وتمضغ شيءً ما بفمها، فسارعت نحوها بلهفةٍ، ثم رفعتها سريعًا وأدخلت اصبعيها بفمها لتخرج ما بهِ، مردفةً بخوف:
- يا لهوي! طلعي...، طلعي يا بت!
حاولت أخذ ما بفمها حتى نجحت بإخراجهِ، لتجدهُ بقايا منديل، فقالت بقلق:
- بلعتي الباقي يا تاليا!، الله يسامحك يا بنتي!
حملتها بين ذراعها وجانبها بطريقة مضحكةٍ للغاية، وتابعت وهي تتجه بها نحو المرحاض، قائة بنبرةٍ متحسرة:
- هتوقعي شعري شعراية شعراية يلي منك لله انتِ..
دلفت الى المرحاض، ثم اتجهت نحو الحوض، وفتحت صنبور الماء، وقامت بغسل يداها، ثم غسلت وجهه طفلتها جيدًا، والتي كانت تريد أن تُدخل يدها بالماء، فهي عكس أغلب الأطفال تعشق المياة بشدة.
خرجت من الحمام، ثم اتجهت تدور في الشقة بأكملها عن علبة المانديل التي أخذت تاليا منهُ المنديل، حتى عثرت عليهِ وبجوارها الدليل على جريمتها النكراء!، بقايا المنديل المطقوعة، والتي أكلت قطعة منهُ.
انحنت سُمية تُلملم تلك البقايا، وقامت بأخذ علبة المناديل من على الأرض، ووضعتها بمكانٍ مرتفع حتى يصعب وصول تلك الشقية لها.
واتجهت نحو صندوق القمامة الموضوع بغرفة المعيشة، وقامت بإلقاء البقايا بهِ.
نظرت سُمية لتاليا، وهتفت بتذمر:
- هتكبري امتى يا عفريتة انتِ، هتكبري امتى..
ظهر عُمر امامها، وقد بدل ثياب المدرسة، وارتدى ثياب المنزل. وقف أمام والدتهُ، وهتف متسألًا:
- الغدا جاهز يا ماما، ولا لسا!
- قداموا عشر دقايق بالظبط، وابوك قدامه نص ساعة..
أومأ قائلًا بسعادةٍ:
- خلاص هستنى لما يجي نتغدا سوا..
هزت رأسها موافقة، ثم جلست على أحد الأرائك، وجذبتهُ ليجلس جوارها، قائلة بابتسامةٍ جذابة:
- اقعد بقى يا حبيبي، واحكيلي عملت ايه في المدرسة...
●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●
تذرع الغرفة ذهابًا وأيابًا بقلبٍ وجل خائف، فُتح الباب ودلف ابنها الكبير، فركضت نحوهُ بلهفةٍ قائلة:
- مالك، ها يا حبيبي عرفت تتصرف!
أعطاها الاب توب الخاص بوالدهِ، وأومأ قائلًا بأسف:
- معرفتش يا ماما، أنا آسف..
ضربت وجنتها اليُمنى برفق، وهتفت:
- ابوك هيطين عيشتي!
دلف إبراهيم الحجرة، فالآن موعد رجوعهِ من العمل، ليتيبس جسد قمر بمكانها وسرعان ما أخفت الجهاز خلف جسدها الذي عاد لطبيعتهُ الى حدًا ما، عدا كونهِ أصبح أنثويًا بشكل أكثر جاذبية.
اقترب مالك من إبراهيم وحيا والدهُ، قائلًا:
- حدلله على سلامتك يا بابا..
قبّل إبراهيم رأس ولدهِ، وقال بحب:
- الله يسلمك يا حبيب بابا،... ايه يا قمر واقفه كدا ليه..
ابتلعت قمر ريقها بصعوبةٍ، وهتفت باضطراب:
- حمدلله على سلامتك يا حبيبي..
عقد إبراهيم حاجبيهِ باستغراب من بعدها، ثم دار بعينيهِ في الغرفة، وقال بلهفةٍ:
- موكا حبيبتي فين!
همست قمر بنبرةٍ ساخرة:
- لو تعرف الـ عملته هتولع فيها!..
طالعها إبراهيم باستغراب، واقترب منها قائلًا:
- الله!، في ايه مالك.. انتِ مخبيه ايه ورا ضهرك..
ابتعدت بتوتر للخلف، وأومأت رافضة، ثم هتفت بنبرةٍ مهتزة:
- مـ..مـ..مفيش..
توقف إب اهيم، وشعر حقًا بوجود خطبًا ما، فالتفت لمالك وهتف بهدوء:
- روح هاتلي أختك يا مالك..، واقفل الباب وراك
انكمشت ملامح قمر بخوف قليلًا، وهمست:
- ونبي لاء ونبي لااا..
خرج مالك كما قال والدهُ واغلق الباب، ولم يُعطي لقمر الفرصة حتى ، حيثُ سارع نحوها بقوةٍ، وانحنى على جسدها ملتقطًا ما بيدها في الخلف، بينما هي فقد صرخت فزعة، وتركت الاب توب لهُ.
أمسك إبراهيم جهاز عملهِ، ثم طالعهُ باستغراب يشوبهُ القلق، وهتف:
- في ايه!، انتِ كنتِ مسكاه كدا ليه!
حمحمت بإرتباك قائلة:
- هـ....هـ.. آآ
طالعها بحدةٍ، فهتفت تُهدئهُ:
- هـ..هفهمك، هـ..و.. هي..
فُتح الباب ودلف مالك وهو يحمل مليكة اختهُ المنفطرة في البكاء، فطالعهم إبراهيم، وسرعان ما جذب انتباهُ طفلتهُ الحزينة، فوضع الاب توب بإهمال على أحد المقاعد واتجه نحوها، يتلقفها من يد اخوها الكبير، قائلًا بلهفة:
- بتعيطي ليه يا حبيبتي!، ايه الـ حصل،.. طب اهدي طيب خلاص اهدي يا موكا
ظلت طفلتهُ تتشنج ببكائها، فطالع إبراهيم مالك مردفًا بغضب:
- ايه الـ حصل يا مالك!
نظر مالك لوالدتهُ التي أطرقت رأسها ارضًا، ولم يستطيع الصغير أن يفتن على والدتهُ، فطأطأ رأسهُ ارضًا ورفض الإجابة.
رفعت مليكة وجهها لوالدها وهتفت بنبرةٍ باكية طفولية للغاية:
- مامي،.. ضلبني يا بابي..
ثم أشارت لهُ على ذراعها الذي ضربتهُ عليهِ، فحدج إبراهيم قمر بغضب، وحول كظمهِ بشدة، حتى لا يُعنفها أمام اولادها، وهتف لمليكة، بعد أن قبّل وجنتها، وذراعها مكان ما اشارت:
- يبقى حبيبة بابا عملت حاجه غلط!
جلس إبراهيم، وأجلس مليكة على قدمهِ، والتي ابعدت وجهها عنهُ لتُخفي فعلتها، فهتف إبراهيم بحزم قليلًا:
- عملتي ايه يا مليكة!
همست بصوتٍ منخفض للغاية، خائف:
- وقعت بلاتوب المايه..
كتم أنفاسهِ، وهو يجذّ على اسنانهِ بغضب، جهاز الاب توب يحمل عليه جميع أعمالهِ، وللأسف بعض الأعمال لا يوجد لها نسختين، لكن للأسف الأكبر أن من فعلت هذا هي صغيرتهُ التي يعشقها،.. كوالدتها تمامًا!
- وانتِ ايه الـ ودا الاب توب معاكي للمايه يا موكا..
هتف بها بحنان، فزمت شفتاها بضيق قائلة:
- كنت عايسه اتفلج على سندللا عند البيثين
همهم إبراهيم مردفًا بحسرة:
- فداكي يا حبيبتي، فداكي انتِ وسندللا كمان!، خد مليكة يا مالك واشطفلها وشها، وروحوا عند تيتا..
أمسك مالك كف اختهُ مليكة، وقد أنزلها والدها من على أقدامهُ، واتجه بها للخارج. وقف إبراهيم وسار نحو الباب ليغلقهُ، ثم اتجه نحوها.
ابتلعت ريقها بخفوت، ثم قالت بصوتٍ هامس:
- انا انفعلت عليها يا هيما والله، لما لقيت الاب توب في البيسين!، أنا عارفه ان عليه شغل مهم جدًا ليك، وكنت وقتها مع مالك عشان لسا جاي من المدرسة، فماخدتش بالي، وهو معها، ورايحه بيه هناك..
تنهد إبراهيم بضيق، واضطر لأن يكتم غضبهُ،فهو بالطبع لن يصرخ عليها!، لكنه هتف محذرًا:
- قمر، تاني مرّة عاقبي بأي عقاب الا انك تمدي ايدك على حد فيهم،.. ممكن يكرهوكي يا قمر كدا...
أخفضت قمر رأسها بحزن، وعضت على شفتها سفلى محاولة كبح دموعها!، ماذا يعني أن يكرهوها أولادها!، هل ستكرر ماضيها مع والدها فيهم؟!
تنهد إبراهيم وقد علم ما تفكر بهِ، فاتجه محتضنًا ايها برفق، قائلًا:
- انتِ أحسن أم وأحسن زوجة يا قمر، وولادك بيحبوكي اوي، يمكن اكتر مني عشان انا مش بقعد معاكوا علطول، بس يا حبيبتي مينفعش تضربيهم!، ممكن أول مرّة هتزعلهم منك اوي، وانتِ لو محدش نبهك، ايدك هتاخد على كدا فهتضربي علطول اول ما يعملوا حاجه غلط، فمش هيعملوا الغلط دا تاني خوف منك، خوف انك تضربيهم، مش احترامًا ليكي، او انهم اتعلموا ان دا غلط.. لاء!
ثم تنهد قائلًا بتبرةٍ حزينة مازحة:
- وربنا يعوض عليا الشغل الـ راح دا، تعيشوا وتبوظوا يا حبيبتي..
ضحكت بخفوت على ما قالهُ وشهرت بالذنب يأكلها، فهتفت مقترحة:
- مينفعش توديه لحد يسحب المايه منوا ويرجع يشتغل تاني!
القى نظرة على الجهاز، وهتف بتسويف:
- هبقى أشوف بقى!
●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●
انسدل الليل، وبرد الجو للغاية، فقد بدأت اول الليالي الشتوية، ساعدة أولادها في الخلود الى النوم، ثم طالعت هاتفها، ترى رسالتهُ لها منذ ساعتين بأنهُ سيتأخر الليلة، ولا داعي لإنتظارهُ.
تحركت لتخرج من الغرفة، ثم اتجهت للخارج، وسارت نحو غرفتهم، دلف لداخل لتهاجمها رائحة عطرهُ التي تثبت في المكان دومًا، تنهدت بأسى ثم اتجهت نحو غرفة الثياب، لترتدي شيئًا أثقل من هذا، فهي عندما تعتليها البرودة لا تتخلص منها بسهولةٍ، انتهت من ملابسها، ثم خرجت وقامت برفع درجة حرارة المدفأة قليلًا، ثم عادت تسترخي على السرير بهدوء، وهي تمسك هاتفها، تنتظرهُ حتى يأتي!
تنهدت بابتسامةٍ حزينة وهي تتذكر موقفهِ من حملها بخالد، طفلها الحبيب الذي لولا القدر لكان قد نفذ وليد جريمتهُ الشنعاء
"عودة بالسنين للوراء"
وجدت ذراعهُ تقبض بحدةٍ على يدها أثر مسكتهِ لها، فرفعت يدها الأخرى وحاولت دفعهُ عنها قائلة بضيق:
- وليد،.. سيب ايدي لو سمحت!
- من امتى!
قست قبضتهُ أكثر، حتى ارتفع كتفها قليلًا للأعلى، واقترب جسدها منهُ، تأوهت بصمت وام تتحدث، فهتف وهو يجذ على أسنانهِ بغضب:
- شيلتي الشريط من امتى!، من امتى وانتِ مستغفلاني، ومنيماني على وداني،... من امتــــى؟، انطقــــــي!
صرخ بها بصوتٍ حاد غاضب للغاية، أسودت الدُنيا في مقلتيهِ، بتلك السهولة مستعدة لتفريط حياتها!، اختنقت الدموع بعينها، وتحشرجت أنفاسها، وشعرت بأن صوتها خرج مبحوحًا وهي تقول باكية بضعف:
- مـ..من حقي ابقى أم..
جذّ على أسنانهِ من فرط عصبيتهُ، وقال بغضب وحدة:
- ومن حقي مشفكيش تعبانه!، من حقي ما تبقيش أنانية وتفكري في نفسك وبس!!..
ابتلعت غصتها المؤلمة، وهتفت بقهر:
- أنانية عشان عايزه أسعدك!، أنانية عشان مش عايزه أشوف في عينك نظرة المحروم وانتَ بتبص لعُمر، ولا حتى عز!، أنا كدا أنانية يا وليد!
- وستين أنانية كمان، أنا ما شتكتش يا زهرة!، فرحانه وانتِ بتخاطري بحياتك كدا، هتتبسطي لما تجهضي وتتعبي اكتر من الأول، الدكتور قال في أول سنة خطر عليكي، خطــــر افهمي بقى!
تحدث أخر كلماتهِ بعصبية تامة، حتى انها فزعت منها، تابع بحدةٍ ووعيد:
- الـ في بطنك دا هينزل يا زهرة، سامعه،... مش هيعيش،.. ولو انتِ انانية بالشكل دا، فأنا هحارب عشان مخسركيش، بس تأكدي اني عمري ما هسامحك ابدًا..
دفع يدها برفق، فعادت خطوتين للوراء بصدمةٍ، كسرت قلبها، شعرت بدوار شديد يعصف بها، واختل توازنها، وفجأة وبدون أي مقدمات، وجدت قدمها تنزلق في المسبح خلفها، لتقع فيهِ وهي تفقد الوعي تدريجيًا وجسدها يغوص في الماء.
اتسعت عيناهُ زهولًا، وقبل أن يستوعب ما يحدث، قام بإلقاء نفسهُ في الماء ورائها، وفتح عيناهُ في الأسفل، ليجد جسدها قد تراخى على أرض المسبح، فغاص للأسفل أكثر، حتى التقط جسدها، وسارع بالسباحة لأعلى حتى وصل لسطح الماء.
رفع وجهيهما سريعًا، وضغط بذراعيهِ -الذي يحيطان جسدها بقوةٍ- بحدةٍ لينة ثم ختف اسمها بلهفة وقلق بالغ:
- زهرة!!، زهرة حبيبتي فوق، زهرة..
كانت بعالمٍ أخر بعيدًا عن صوتهِ، نزع يد واحدة عن خصرها، ليدفع بها الماء متجهًا الى الأرض، اسند جسد زهرته عليها، ثم استند بكفيهِ على الأرض، ورفع جسدهُ لأعلى، حتى وقف عليها.
لمحهم من بعيد إبراهيم الذي يُمازح قمر حتى تضحك، فسارعوا نحوهم بقلق، وقد رأى الجميع هرولة إبراهيم وقمر نحو جانبٍ ما خلف القصر، حيثُ أن المسبح يعدو في مكانٍ يحجب أصدقائهم عن رؤيتهم.
تسارعت دقات قلبهِ عندما أتى هذا التفكير القذر ببالهُ، هل سيقدر على خداعها كما فعلت هي!، لكن.. لكن هذا الجنين من الممكن أن يشكل خطرًا شديد على حياتها،.. لا لن يلعب دور المشاهد من بعيد ويتركها تُدمر نفسها!.
انحنى وليد على رأسها يلثمها برقةٍ، ثم هتف معتذرًا بنبرةٍ متألمة:
- أنا آسف يا زهرة سامحيني..
اجتمع الجميع حولهم، وجميعهم يتسألون عن حالتهم والقلق مرتسم على ملامحهم، هتف أحمد وهو يُربّت على كتف وليد:
- وليد،.. شلها بسرعة وتعالى نوديها المستشفى طلما مش راضيه تفوق!
ظنوا أنهُ قد حاول إفاقتهم وهي لا تستجيب، رفع وليد نفسهُ، وأخذ نفسًا عميق، ثم قال بحزم لسامي:
- سامي،.. روح هات مخدر من جوا..
"عودة للوقت الحالي"
قطع شرودها عندما وجدت الباب يُفتح ودلف هو بجسدٍ مرهق للغاية، يجر أقدامهُ بصعوبةٍ، لا يحتاج سوى السرير فقط.
أنت تقرأ
تائهة فِي سَرَايَا صَفْوَان © -مُكتملة-
Mystery / Thriller"دراما مصرية " _وليد إنت ليك علاقه بقتل محمود ..!! لم يستطيع الأجابة فقط أكتفى بهز رأسه بالايجاب ، فشهقت إلهام بصدمة وحزن في آن واحد وقالت: _اذاي .. اذاي يا بني ..! تنهد بحزن ثم اعتدل وطالعها قائلًا: _ ياسر يا إلهام هو الـ قاتلوا ، كان عايز يجندوا ب...