الفصل الرابع والأربعون الجُزء الثالث

4.2K 198 37
                                    

تائهة في سرايا صفوان
الفصل الرابع والأربعون
"الجُزء الثالث"
.......................................................

تجمع من بالمنزل على صوت صراخها واستنجادها بهِ، كان سراج إنذاك يجلس في حجرة مجاورة، وعندما استمع لصوت صراخها وثب واقفًا بفزع، ثم اتجه نحو الخارج ركضًا، ليرى تجمع كثيف من الدخان الأسود يخرج من تحت الباب، دق الباب بعنف هاتفًا بخوف ولهفة:
_ سُميااااهه... سُمياااه...
أتاهُ صوتها المرتجف وهي تقول:
_الحقني يا سرااااج، هموووت...
انكتم صدرها بالدخان فسعلت بحدة، بينما هو هتف محاولًا دفع الباب:
_ اطلعي البلكونة بسرعةة ...
صعد وقتها والدته ووالدهُ واخته، فشهقت النسوة بخوف، بينما هتفت سُمية باكية:
_النااار ورا الباب، اوعى تفتحوااا....
صرخ بها وهو يركل الباب غاضبًا:
_ اطلعي البلكونة طيب....
_الباب مش بيفتح...، الحقني يا سراج أبوس ايدك، النار بتزيد....
شعر بالضياع وخفقان قلبه يزداد، ثم سرعان ما ابتعد عن الباب متوجهًا للخارج فأوقفته والدتهُ بحدة هاتفه:
_انتَ رايح فين ياا ابني ...
هدر بنبرة عنيفة :
_ راايح الحق مراتي الـ هتموت جوا دي ..!
ثم تركها وفتح أحد الأبواب ليظهر سُلم يؤدي لسطح، ركضت سُلطانة خلفهُ قائلة بعويل:
_ترووح فين انتَ اتجننت، ... سراااج .. سرااااج...
لم يستمع لها بل واصل صعودهُ للأعلى، فاقتربت سُلطانة من سُليمان وقالت باكية:
_الحق ابنك يا سليمااان ..، ابنك هيروح فيهااا.....
في الأعلى كان سقف الفيلا مصقولًا على هيئة مُثلث، جلس سراج على الأرض وبدأ يزحف للأسفل حتى وصل لنهاية السور، والذي من حسن حظه يعلم أن به حديدة لكن لا يعلم إن كانت ستتحمل ثقل جسده ام لاء، لكن ليس عليه الأختيار حيثُ هتف متضرعًا:
_ ياااا رب ...
في الأسفل حيثُ غرفة سراج وسُمية، كان سُمية تضع يدها على فمها واليد الأخرى تحاول سحب الباب الزجاجي، كانت ستدلف للمرحاض الى أن النار شكلت سد أمامه ايضًا، وقد أوشكت على محاصرتها.
حاولت ثانيةً أن تفتحهُ، الا انها تراجعت وشهقت بفزع عندما وجدت جسد سراج يظهر أمامها فاجأه مُعلقًا في الهواء، هتفت صارخه ببكاء:
_سراااااج.....
حاول دفع جسدهِ للأمام ليهبط في الشرفة، وبالفعل استطاع، حيثُ اندفع ساقطًا على الأرض، وارتطم جسدهِ بباب الشرقة بحدة.
وقف سريعًا وحاول فتح الباب بقوة، مرة والثانية حتى انفتح أخيرًا.
جذبها من يدها للخارج ثم سُرعان ما أدخلها داخل أحضانهِ بشدة، محتضنًا اياهَ بقوة شديدة ورهبة، علىٰ صوت نحيبها فابتعد عنها قائلًا بخوف وقلق:
_سُمية النار طالتك..،. حاجه بتوجعك طيب ... سُمية ...
هتفت بصوت متهدج:
_كُـ....كُـنت... هموووت....
جذبها لأحضانها ثانيةً وهو يقول بلهفة شديدة:
_ بعيد الشر عليكي..، بعيد الشر ...
ازدادت ألسنة اللهب داخل الغرفة وأكلت المكان التي كانت توجد به سُمية، دق قلبهِ بعنف وخوف، ماذا إن كان خرج من الفيلا كما كان ينوي أو ماذا لو تأخر في نجدتها..!
حملها سريعًا فتشبثت بهِ قائلة بخوف:
_هتـ..هتعمل ايه ..!
كان هُناك كرسي ثقيل من الخشب موضوع في الشرقة فوقف عليها ثم على السور بثبات وأردف:
_ هنط في الماايه ...
وقبل أن تعترض أو تصرخ حتى، دفع جسده في الهواء وهو يحملها فصرخت بفزع وهي تتشبث بهِ في خوف شديد.
كان حمام السباحة، يقع أسفل الشرفة لكِن على بُعدًا ليس بقصير ايضًا، اندفع جسديهما بشدة في الهواء، وبسبب الثقل لم يظلا كثيرًا، حيثُ هبط سراج وهو يحمل سُمية في الماء، ولولا القدر وعناية الله، لكن ارتطم جسد سراج بحافة الحمام، وكان سينتُج عن تلك الوقعة، ليس أقل من كسر بالعمود الفقري.
هبطت سُمية في الماء داخل أحضانه فاقدة للوعي من خوفها الشديد.
حاول سراج العوم بسُمية نحو الحافة، وهو يشعر بأن عظام جسده بأكمله مبتعدة عن بعضها، ولا يقوى على العوم حتى.
جاءت سُلطانة وسُليمان وشجن، ليجدوهم هكذا، فشهقت سُلطانة بخضة وهي تقول:
_ياااالهوي، انتَ نطيت من فووق عشاانهاا...!!
أمسكت شجن يدها سريعًا، فأدركت خطاءها، لتهتف محاولة تصليح الموقف:
_ااا اقصد يعني..اا
قاطعها سُليمان، وهو يرمقها بشرر مردفًا بحدة:
_روحي انتِ وبنتك هاتي فوط وهدوم ليهم...، وقفين ليه...!!
أسرع الإثنين نحو الداخل بخوف، بينما مد سُليمان يدهُ ليحمل سُمية من سراج، أخذها منهُ ثم وضعها على مقعد طويل-شازلونج- .
استند سراج على الحافة وجاهد لرفع جسدهِ للأعلى حتى نجح، ثم اتجه نحو زوجته، وجلس بجوارها، لاحظ ما ترتديه من ثياب فرفع وجههُ نحو والدهِ وجده مشغولًا بمحادثة الأمن في الخارج كي يأتوا ويطفئوا النيران تلك.
كانت ثيابها عبارة عن منامة سوداء ضيقة الى قبل الركبة بكثير، وأعلاها روب الى الركبة مفتوح من الجانبان.
مدّ يدهُ اسفل ركبتيها وظهرها، ثم رفعها ضاممًا اياهَ لصدره، وهو يمسك بين قبضته طرفي الروب كي لا ينفتح وينكشف ساقيها.
اتجه بها نحو الداخل سريعًا، فوجد شجن تأتي بمنشفتين كبيرتين، اقتربت منه لتجدهُ يقول بعجالة
_ افرديهم وحطيهم عليها بسرعة....
فعلت كما قال، وأمسكت المنشفتين وفردتهم الإثنين ثم وضعتهم على جسد سُمية فضمهم سراج على جسدها ثم أفلت قبضتهِ على طرفي المنامة.
بدأ التحرك ثانيةً، لكن بعد أن هتف للأختهِ:
_شجن، روحي افتحي اوضة الضيوف
اتجهت اختهُ نحو غرفة الضيوف التي بطابق الأرضي وهو خلفها، وقفت شجن أمام الغرفة، وقامت بفتح بابهت ليدلف سراج بسُمية، مقتربًا بها نحو السرير، ثم وضعها عليه وقام بسحب المناشف.
ابتعد أحد طرفي الروب عن بعضهم، وأظهر قدمها بسخاء، طالع اخته وكاد أن يتحدث فوجدها ترمق جسد زوجته بنظرات لم يفهمها.
بينما شجن، فقد ازادت مقتها وحقدها على سُمية فهي أجمل منها بمراحل، انتبهت لقول اخوها الحازم:
_شجن روحي هاتي اي حاجه تلبسها وتدفيها من هدومك او هدوم أمك وخلي حد من الخدم يبعت اي حاجه دافيه بسرعه...
أومأت بنعم وهي تنسحب للخارج، فاتجه سراج خلفها ثم أغلق الباب، ورجع لها بعد ذلك.
تطلع لهيئتها ثم جلس بجوارها مربتًا على وجنتيها برفق بيد والأخرى يضغط بها بلّين على يدها، وهو يهتف باسمها بنيرةٍ خائفة :
_سُمية،... سُمية حبيبتي .. فتحي عينك ... سُمية ...
صوتهُ ويدهِ التي تضغط على يدها والأخرى التي يُربت بها على وجنتها، جعلتها تفيق.
همهمات وهي تُحرك جسدها بضعف وألم، ثم ارتعشت فاجأه بين يديه عندما تذكرت أن أخر ما رأتهُ هو حمل سراج لها ثم قفزهما في الهواء.
انتفضت فزعة وهي تتمسك برقبة سراج تتطلع لما حولها بخوف وهي تقول وجسدها ينتفض:
_احنا ..و..واقعنا ..، موتـ..نـاا... سـ..سراج...
هتفت اسمهِ بضعف وهي تستند برأسها على صدرهِ المبتل، فضمها لهُ يبث الدفء لها والأمان، متحدثًا بنبرة رخيمة وهو يقول:
_ عيون سراج...، مفيش حاجه حصلت يا حبيبتي، انتِ بخير وكويسة ما تقلقيش...
ابتلعت ريقها وتنهدت قائلة دون أن ترفع رأسها، لكنها قد لاحظت الغرفة الغريبة التي بها:
_احـنـ..ا فيــ..اا فين ..!!
_ما تقلقيش، في أوضة الضيوف تحت...
دق الباب بحدة قليلًا فأفزعهم سويًا، ثم لم يُتيح الطارق لهم الأعتدال وانفتح الباب، فقامت سُمية بترتيب الروب فوق جسدها، أثناء دولف سُلطانة من الباب وهي تحمل بيدها قطعة ملابس باهتة اللون .
تقدمت بإبتسامة مصطنعه ثم قدمت لسراج العباءة وقالت:
_ خد يا بني،... سلامتك يا حبيبتي...
تفحص سراج العباءة بإزدار وحنق من فعلة والدتهُ، وهنا قد تبيّن لهُ انه سُلطانة لا تحب سُمية زوجته، فبعد مكيدة العشاء التي فعلوها، ق شك بأمرهم لكن الآن تيقن.
انتبه لقول والدتهُ الحانق:
_الأوض ولعت اذاي يا سراج،... يعني لا بتشرب سجاير ولا في ولاعه ولا حاجه، ... امال ولعت اذااي...
هُنا تذكرت سُمية انها السبب في اندلاع الحريق، فحمحت باربتاك وهي تتحفظ بجلستها، رمقها سراج بخفوت ثم قال:
_مش عارف يا امي...
قبل أن تُجيب، ظهرت احدى الخادمات وهي تحمل بيدها كوبً من أحد السوائل الدافئة ودقت الباب المفتوح.
أذن لها سراج قائلًا:
_تعالي...
دلفت الخادمة ووضعت الكوب على أحد الطاولات ثم استئذنت وخرجت، اضطر سراج لأن يقول وهو يقف:
_هطلع أجبلك عباية من الشنطة الـ لسا ماتفتحتش في اوضة الأطفال....
أمسك العباءة التي أتت بها والدتهُ، ثم اقترب منها وهتف بنبرة جادة وعيناهُ تُعاتبانها:
_اتفضلي يا امي ...، ارميها..
أخذت والدته منهُ العباءة بقوة، وهتفت بحدة وهي ترمق سُمية بقرف:
_هاات، خُسارة فيهااا...
ثم خرجت من الغرفة بخطوات مسرعة، فطالع سراج زوجته التي اخفضت عينها بحزن، ليقول بحنانٍ:
_ما تشغليش باالك ،... هي ساعات كدا ما بتبقاش طايقة حتى باباا...
اضطر للكذب فهو بالتأكيد لن يُخبرها أن والدتهُ تكرهها، اتجه سراج نحو الخارج، وأغلق الباب خلفه.
أستندت سُمية على الوسادة خلفها، وهي تتنهد بضيق من معاملة سُلطانة لها، وخوفها من المستقبل المجهول مع سراج في هذا البيت ايضًا.
دقائق وعاد سراج بعباءة بيتية منمقة ورقيقة للغاية، ساعد سُمية في نزع ملابسها المبتلة وتجفيف جسدها، ثم ألبسها العباءة التي أحضرها.
مدّ يدهُ نحو الكوب الموضوع عليه قرصًا دائري كي لا يبرد، ثم نزع الغطاء وارتشف منه القليل ليتحسن سخونتهُ، أومأ مردفًا وهو يُعطيهِ لسُمية:
_ مش سخن اوي، خدي يا حبيبي ...
أخذت منه الكوب، ثم احتضنتهُ بكفيها، رفعت عيناها لأعين سراج لتجدهُ يطالعها بحنان، فارتجفت شفتاها وهي تقول بخفوت:
_سراج..، احلف بالله انك ما خونتنيش....
جلس بجوارها ثم تنهد هاتفًا بعتاب وثبات:
_بعد الكلام الأهبل الـ انتِ قولتيه دا، كنت حاسس انء هفقد اعصابي واعمل حاجه هندم عليها عمري كلوا، لو فضلت واقف واسمع كلامك، لما طلعت كُنت عايز امشي من البيت، بس معرفش اي الـ خلاني قاعد ودخلت الاوضة التانيه، وفضلت أفكر الروچ دا جه منين لحد ما افتكرت ان في بنت خطبت في ضهري وانا نازل من الشركة عشن كعبها اتكسر باين ولا معرفش اي الـ حصل،... فاعتقد انها لما خبطت ضهري الروچ بتاعها طبع على كتفي...
أومأت موافقة بخجل من شكها به، لا تعلم ماذا حدث لها فور رؤية تلك العلامة على كتفهِ، عاد حديثها في بالها والكلامات القاسية الجارحة لهُ التي قالتها.
توقفت عن شُرب الكوب، ثم مدّت يدها نحوه تضغط عليها برفق فانتبها له، لتقول بحرج وارتباك:
_أنا آسفة يا سراج ما تزعلش مني، ..مـ..معرفش انا قولت كدا اذاي والله ... أنا آسفة...
احتضن كفها بحنان هاتفًا بنبرة هادئة حملت التحذير:
_هسامحك عشان اي ست مكانك ممكن هتعمل كدا،... وعشان هقول مبقلناش غير اسبوع بس سوا، ويمكن لساا ما تعرفنيش...
أتت لتعترض فأوقفها مردفًا:
_أنا بقول يمكن يا سُمية...، أنا ممكن اتعصب لكن مش أخون....
اصمتها بحديثهِ، وابعد الشك من داخل قلبها،.... رجلًا اخر كان من الممكن ان يفتعل الأفاعيل ويعنفها على ما قالت، أو كان من الممكن أن يُطيل خصامها أو يعاملها بجفاء، لكن احترم سراج غيرتها ووضع نفسهُ مكانها،... من الممكن انهُ سيقتلها بها ان انقلبت الأدوار...!
...........................................................

تائهة فِي سَرَايَا صَفْوَان  © -مُكتملة- حيث تعيش القصص. اكتشف الآن