الفصل السادس والثلاثون

6.7K 261 38
                                    

تائهة في سرايا صفوان
الفصل السادس والثلاثون
.................................................
بعد مرور يومين ..وقف وليد أمام عادل متسألًا :
_ برضه يا عادل مافيش جديد ..؟!
أومأ عادل بنعم وتحدث بنبرة يأسه :
_ دورنا في كل حته يا وليد بيه ،.. والتاكسي كان من غير رقم ،صدقني مفيش مكان الا ودورت فيه عليهم، بس مكلم ناس لو لمحوا موصفات تاكسي بالشكل دا يكلموني ، ورجالتنا الـ قدام بيت ياسر مفيش اي حد شاف فيهم حركة مريبة ، دا غير إن مفيش اي حُجزات طيران باسم ياسر عزيز العدوي ...، فلو خرج فعلًا من مصر يبقى بطيارة خاصة ....
تنهد وليد بضجر ،ثم تحدث مردفًا :
_ ومامتها ..؟!
_ في غيبوبة لسا .. ، السرطان اتنقل لدم
زفر بحنق من هذا الأمر الذي تكاتل فوق رأسه ، فقد علم صدفة عندما أرسل رجاله لمحاوطة منزل تمارا ووالدتها ، واكتشف رجاله عدم رجوع تمارا الى الآن ،وجزع والدتها وصراخها مرعوبة عليها عندما مر الليل بأكمله وهاتفها المغلق ودون أي استجابة منها .
اتي إليهم سراج وهو يهتف على عجالة :
_ بقولك ايه يا وليد كروت الدعوة اتوزعت كلها معتش فاضل غير سليمان الحكم وأوس الأسيوطي ، مش عارف أوصلهم ..!
نظر وليد لعادل وقال :
_ طيب روح انتَ يا عادل وخليك متابع مع الموضوع ...
ذهب عادل ، فطالع وليد سراج وقال :
_ معرفتش توصل لحد فيهم ..!
هز رأسه نافيًا ثم تحدث بـ :
_ أوس بيه في بيت العائلة .. سافر من أسبوعين ، والسكرتيرة بتاعتوا بتقول معطاش اي موعد هيرجع فيه ..!
تنهد مردفًا :
_ طب هكلمه أعزمه أنا وكارت الدعوة ابعتوا على الشركة بتاعتوا ...
_ اشطا ،... وسليمان الحكم ..!
_ دا بقا وصله لبيته ، عشان سمعت إنوا برا مصر ، بحيث نكون عملنا الواجب برضوا ومنسناش حد ..
_ طيب ...إدارة الفندق كلموني وقالوا إنهم جاهزين خلاص ، والأكل والمشاريب كلها جت ..، يعني كلوا جاهز ..
ابتسم وليد براحة ثم هتف :
_ يلا ربنا يعدي بكرا على خير يا رب ..
_ ياا رب .. هروح اخلي حد يبعت دعاوي أوس الاسيوطي على شركته ويوصل بتاع سليمان الحكم لبيته ..
أومأ موافقًا ، فذهب سراج من أمامه لينفذ ما قال ، واتجه وليد ليرى أخر ما تم من تجهيزات ليلة الحناء الخاصة بالعروسين .
********************************
كانت تُمسك في يدها بطاقة الدعوة لحفل زفافهم بأعين لامعة ومتحمسة .
أخرجتها قمر من شرودها بقولها :
_ زهرة ..، خلاص كل حاجه جهزت يلا بينا ..
طالعتها زهرة ثم طالعت العديد من الحقائب الملونة الموجود بباحة المنزل ، وقالت فرحة :
_ طيب خليهم يطلعوا يخدوهم .. بس أقولك استني ...
تقدمت من أحد الحقائب وفتحتها ثم أخرجت هاتف والدها من أحد جيوبها ، فتسألت قمر :
_ بتاع مين الفون دا ..
ابتسمت زهرة بحزن وهي تطالعه مردفه :
_ بتاع بابا الله يرحمه ، خليه معايه عشان أقرب فرصة اشحنه واشغله ، عليه صور كتير لبابا ...
ابتسمت قمر بحزن هي الأخرة ، وتوجهت زهرة تضعه في الحقيبة التي ستأخذها معها شهر العسل ، بينما توجهت قمر للشرفة كي تأذن لرجال بالصعود ليأخذوا الحقائب .
كان وليد قد أرسل سيارات خاصة لنقل حقائب ملابسها لقصره ، طالعت بطاقة الدعوة ثانية ثم أردفت بسعادة :
_ الكارت حلو اوي ، أنا عمري ما شفت كدا بجد ..
اقتربت قمر منها ، ثم قالت وهي تمد يدها تمسك البطاقة الزجاجية :
_ مصدقتش لما هيما قالي الكلام مكتوب عليها بماية الدهب ...
هتفت زهرة مؤكدة :
_ اممم ، مش بقولك شكلوا يخبل ....
أخذت زهرة البطاقة ووضعتها في الصندوق الصغير الذي أتت فيه ثم فتحت إحدى الحقائب ووضعتها به لتحتفظ به كذكرى .
هبطت قمر وزهرة بعد أن صعد الرجال ليأخذوا حقائبها ثم وضعوها بالأسفل في السيارات المجهزة لهم .
صعدت زهرة وقمر للسيارة المخصص بنقلهم حيث قصر صفوان الشناوي المقام به حفل ليلة الحناء الخاصة بالنساء فقط .
وكانت هناك سيارة لتقُل 'ام علّي وأطفالها .
*********************************
وصلت السيارات إتباعًا الى وجهتهم وهي قصر صفوان الشناوي ، دلفت السيارات جميعهم لداخل ، فنظرت زهرة من الزجاج لترى الحديقة الواسعة وقد زُينت بطريقة تخطف الأنظار وتُذهل العقول ، حيث أكد وليد على المصمم ، أن يتم فرد ستائر بيضاء حول المكان بأكمله لتكون عازل عن الرجال الذين يقفون في الخارج لتأمين ، وتم لف شِباك من الأفرع المضيئة على طول الستائر بأكملها بإضاءة من اللون الذهبي ، وتم تجهيز مقعدين للعروسين كما وضع خلفهم دائرة ملفوفة بالكامل من الزهر الأبيض يتوغلها زهرة باللون الأحمر ، ووضع بجانب كل مقعد طبقة دائرة قطرها حوالي ثلاثين سنتيمتر يخرج منها عمدان طويلة غير متساوية تنتهي بمصابيح ذات حواد مدببة تُضئ باللون الذهبي ، والسقف تُرك لتغطيهم سماء الدنيا بلونها الكاحل المزين بالنجوم البيضاء ،كان المكان ساحر بالشكل اللامعقول يخطف لُب الناظرين بدون سابق إنذار ،كما أنه تم وضع مقاعد أرضية مدسوسة بالقطن الـ -فيبر- كي تكون مريحة للجالسين ، وتم تشكيلهم كحلقات دائرية حول مقاعد العروسين .
هبطت زهرة من السيارة لتجد وليد في منتظرًا اياها ، يطالعها بأعين عاشق حد الثمالة .
هتفت قمر التي هبطت بعدها ، وقد رأت وليد :
_ هدخل أنا اشوف سُمية ، سلام ..
ثم تركتها بدون أن تستمع لردها ، اقترت زهرة من وليد باستحياء تتهدى في خطواتها ، كان هو يقف يعقد ذراعيه حول صدره ،متأملًا اياها وهي تأتي عليه بنظراتها الخجلة .
اقتربت حتى توقفت أمامه ،فهتف ناظرًا لأعينها :
_ كل دا تأخير..
ابتسمت خجلة ، ثم تجاهلت كلمته وردت :
_ معلش، عامل ايه ..!؟
_ اممم ..، عامل الحمدلله ، اما نشوف اخرتها معاكِ ..
طالعته مبتسمة ثم اردفت مازحة :
_ اخرتها فُل إن شاء الله ...
فك قيد يديه من مكانهم ، ثم أمسك يدها مردفًا وهو يتجه بها نحو الحديقة :
_ يا مهون هون يا رب ...
ضحكت بخفوت ، ثم سارت معه حتى دلف الإثنين داخل المكان المخصص لنساء الذي تحدثنا عنه ، كان هناك بعض الرجال الواقفين يضعون بعض اللمسات الأخيرة فأشار وليد لهم بالخروج الآن فخرجوا .
تقدم معه يسيران داخله وهو ممسك بيدها ، هتف قاطعًا هذا الصمت :
_ ايه رأيك في المكان ...
تفحصت المكان بصور أكبر من الداخل ، وعيناها تلمع ببريق السعادة ، هتفت بنبرة فرحة للغاية :
_ جميل اوي بجد ...، مكنتش متخيله إنوا هيطلع بالحلاوة دي ...، يعني فااق كل توقعاتي ...
ابتسم فرحًا لسعادتها هذه ، وقف أمامه متطلعًا لعينها ثم تحدث بصوتًا رجولي واعدًا :
_ أوعدك يا زهرة إني هعمل كل الـ في وسعي عشان اشوف دايمًا السعادة الـ في عينك دي ....، بكرا فرحنا يعني هتكوني معايا لأخر عمري قصاد ربنا والناس ، وهمشي اقولهم دي مراتي وحبيبتي وأم عيالي إن شاء الله ...
هتفت بخجل :
_ إن شاء الله ..
ابتلع ريقه ثم تحدث بنبرة مضطربة بعض الشئ :
_ زهرة ..، عايزك توعديني إنك مهما تسمعي وتعرفي عني حاجه ممكن تخليني أقل من نظرك ، ...قبل ما تقرري تقوليلي ونتكلم سوا ... مش سهل إنك تتجوزي رجل أعمال ليه أعداء كتير وبيحاولوا يدمروني ..، وأنا بفضل ربنا واقف ليهم بالمرصاد ،وقادر عليهم ،.. بس الـ مش هقدر عليه إنهم يستخدموكي ضدي ...، أوعديني يا زهرة إن مهما حصل تيجي وتكلميني وتعرفيني وأنا أقولك أسبابي ،.... زهرة أنا لحد ما أموت هيفـ آآ..
اقتربت سريعًا تضع يدها على فمها مردده برفض :
_ لا لا .. ماتجبش سيرة الموت ابدًا يا وليد ...، إنتَ عيلتي وكل حاجه ليا ... كل حاجه ، مش هقدر استحمل خسارتك يا وليد ، لو ... لو آآآ .. صدقني يا وليد لو جرالك حاجه هدفن نفسي جمبك ... أنا مش حِمل خسارتك ، كفاية وحدة لقلبي لحد كدا ....
وأدمعت عينها بتأثر ، فرفع يديه واحده قام بإحاطة كفها الذي على فمه دافعًا ايها قليلًا لوجه مقبلًا باطن كفها ، ثم بيده الأخر مسح دموعها مردفًا :
_ الموت علينا حق ..، بس بدعي ربنا ما ياخدنيش ليه غير بعد مأعيش حياتي كلها معاكي واكتفي منك ، .... رغم إني عارف إن مهما أعيش معاكِ مش هكتفي من وجودك أبدًا يا زهرتي ..
طالعته ناظره لعينيه بعدة نظرات، الحامسة والشغوفة والمحبة، أبعدت يدها عن فمه ، فنظر هو لها .. لوجها بنظره شموليه ثم وقعت عينها عليهما..! ، كم يتبقى من الساعات لتكون معه ببيته أخيرًا .
إرتفع صوت إحدى مكبرات الصوت الذي كانت تعمل من قبل ،لكن قام أحدهم برفع الصوت أكثر حتى وصل لمسامعهم :
ويا أجمل أحساس في الدنيا ممكن يتحس
خد عيني ، خدني بأحلامي ،بالعمر الباقي في أيامي
وكفايه أشوفك قدامي وأنا عيني في عينك
لو تطلب نجمة أجبهالك ،من حضن الليــل
هعملك كل الـ في بالك ودا رد جميل ...
توقف الصوت فاجأه ، وكانت زهرة تنظر لصميم عين وليد وكأنها تُهديه تلك الكلمات ،وحينما توقف الصوت ،همس بنبرة قوية منخفضة :
_ ربنا يخليكِ ليا يا حبيبتي..
بالرغم ما قدمه لها من مشاعر فعليه تستشعر حبهُ العميق لها ، لكن لوقع كلماتهِ مباشرة شكلًا أخر على قلبها ،جاءت لمسة رياح قوية لترفع الستائر من حولهم بحدة ، فهمست بخجل وحياء :
_ ويخليك ليا يا وليد
ورغم صوت الرياح الشديد هذا الا انه استمع لهمسها ، نظر لها بحب وحنين، احتضنها مقبلًا رأسها بحنان ، ثم هتف بجوار أذنها :
_ ربنا يقدرني وأسعدك يا حبيبتي ..

تائهة فِي سَرَايَا صَفْوَان  © -مُكتملة- حيث تعيش القصص. اكتشف الآن