تائهة في سرايا صفوان
الفصل التاسع والخمسون
"الجُزء الأول"꧁꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂꧂
المرّة الثانية التي يترك فيها المشفى، فالأولى كانت لوالدتهُ والثانية، فهي الآن، يجلس بباحة أحد الفنادق من الطبقة العالية، تقدم أحد الشباب وهو يحمل بيدهُ صنية عليها فنجان قهوة وكوب ماء، ليضعهُ أمام وليد، الذي يجلس براحة على مقعد وثير، واضعًا قدمًا فوق الأخرى.
أومأ للعانل بهدوء، ثم أشار لهُ بالأنصراف، فابتعد بظهرهِ للوراء عدّة خطوات، ثم استدار وأكمل طريقهُ. دقيقتين حتى صدح صوت كعب عالي يُطرق على الأرض، كان من السهل أن يصل لمسامع أي شخص، لكن مسامعهِ هو كانت مغلقة، يفكر في زهرة وحالها، يخشى أن تعود تلك الغيبوبة عليها بالضرر فيما بعد.
توقف بالقرب منهُ فانتبه لها، وقف معتدلًا، ومدًت يدها تُسلم عليهم، فسلم عليها قائلًا بهدوء:
- أهلًا بكِ في مصر سارة...
ابتسمت بعد أن ابعد يدهُ، وأشار لها بالجلوس، فتقدمت لتمكث، بعد أن وضعت الحقيبة السوداء على الأرض، وجلس هو واضعًا قدمًا فوق الأخرى، ففعلت هي أيضًا، ثم هتفت بلهجة عربية ركيكة غير مفهومة:
- مصر مينور بهله Mr وليد
شق ثغرهُ ابتسامة فاترة، فهتفت مازحة:
- ظللتُ طوال الليل أتعلمها، لهذا لا تُخجلني رجاءًا..
مدّ يدهُ وسحب فنجان القهوة، بطبقهِ الصغير، ثم هتف بجدية:
- اللغة المصرية، وخاصة العامية تحتاج لأكثر من ثلاثة أشهر حتى تتعلمينها، كما أنكِ لن تستطيعي أن تتحدثي بلهجتنا أطلاقًا، فحتى وان مكثتي هُنا طيلة حياتك، ستظلين تتحدثين بنبرة ركيكة ليست جامدة مثلنا...
ضحكت بخفوت، ثم هتفت:
- حسنًا قد أغلقت جميع أمالي سيد وليد
- ليس الأمر هكذا،.. أولًا ماذا تشربين!
قطع حديثهُ، عندما تذكر أنهُ لم يطلب لها شيئًا، ليرفع يدهُ فرقعًا بأصابع يدهُ اليُمنى، فتقدم نفس العامل، ووقف باحترام خلف مقعد وليد ولكن بمحاذاتهُ، طالعت سارة العامل، وقالت:
- قهوة،.. لكن أحذر، أريد أن أشعر بنكهة مصر فيها، فأنا أول مرّة في حياتي أزورها...
ابتعد العامل، فطالعت سارة وليد مردفه:
- وإن عجبتني، سأتي فقط من أجلها
أومأ وليد قائلًا:
- ستُعجبكِ بالتأكيد،... ها ماذا كنا نقول!،. أجل!!، اللغة.. لا أعلم أنظريتي صحيحة أم لا!، لكن اعتقد أن أي شخص مصري يستطيع التعلم والنطق بالغات الأخرى بصورةٍ طبيعية، حتى اللهجات، من الممكن ان يتعلمها، لكن أن يتعلم الغرب لغتنا، ولهجتنا، فكما قُلت، ستظل نبرتهم معروفة، وتدل على أصلهم..
ابتسم سارة مُعقبة على كلماتهِ العظيمة:
- انها مصر يا سيد وليد، بتأكيد ستكون هكذا، وأنا أطوق شوقًا لرؤية بعض معالمها، حتى أنني أنشئتُ برنامج لرحلتي هنا، حتى استمتع واستجم قليلًا..
أومأ وليد مردفًا بهدوء:
- إذًا اتركي هذا الأمر لي، والسيارة تحت خدمتكِ طول إقامتكِ، كما أن إقامتكِ في هذا الفندق غير محدودة، استمتعي كما شئتِ، وسأوفر لكِ مرشد سياحي يُرافقكِ في الرحلة..
ابتسمت موافقة بحرج، وهي تقول:
- شكرًا للطفك..
تقدم العامل بفنجان القهوة خاصتها، ثم وضع ما على الصنية، على الطاولة الزجاجية المتينة، ثم انصرف بهدوء.
مدّت سارة يدها، وسحبت الحقيبة من على الأرض، وهي تقول:
- تفضل سيد وليد، هذا ما يخصك..
تناول الحقيبة منها، وتابعت:
- الرقم السري، كما قُولت..
ضغط على الأرقام، والتي كانت من اختياره، حيثُ أخبارها بيوم مولد زهرة، ليكون رقمًا سريًا لتلك الحقيبة، فتح وليد الحقيبة بعد ان شكرها، ثم ألقى نظرة شمولية على الأوراق، وفحص بعض الأوراق العشوائية ليأخذ فكرةً عن محتواها، ثم أغلقها.
وقف بجسدٍ صلد، وملامح جادة، مردفًا:
- يجب على الذهاب الآن، أشكركِ ثانيةً على تلك المساعدة
ثم رفع الحقيبة قليلًا مشيرًا اليها، فأومأت قائلة بهدوء:
- على الرحب والسعة
أغلق زرار بدلتهِ الوحيد، وهو يردف بأسف مجاملًا:
- كنت أود تودعيكِ قبل الرحيل من مصر، لكن لا اعتقد انني سأجد فرصة لهذا..
ابتسمت بامتنان، مردفه بنبرةٍ عادية:
- لا عليك، الى اللقاء سيد وليد
رحل وليد من الفندق الذي يملك بهِ بعض اسهمهُ، ومدّت سارة يدها نحو القهوة، تحتسيها بهدوء، واستجمام، تُقرر بين طيات عقلها، كيف استغلال تلك الأجازة أفضل اسغلال، خصوصًا بعد أن وفر لها سيد وليد جميع سُبل الراحة، فهو قد وفرها حتى مُنذ أن وطأت قدماها مصر، سائق وحراسة خاصة تُقلها لهذا الفندق الذي يمتاز بأنهُ من أحد الفنادق السبع نجوم في منطقة راقية جدًا، والآن يُخبرها بانهُ لا يوجد أقامة محددة، ولها ماشائت، يا لهُ من عرضٍ سخي!
●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●
استيقظت من نومها، بجسدٍ متعب للغاية، ومنهك، منهُ الحمل الذي باتت بهِ في نهاية الخامس، ومنهُ تلك الليلة التي قضتها بكنفهِ، مُبعدين أي خصام عنهم، مقررين نسيان تلك الفترة الكئيبة من حياتهم اطلاقًا.
حاولت الأعتدال قليلًا، حتى لامس جسدها ظهر السرير، فتأوهت بألمٍ من تيبس عضلات جسدها، طالعت الأجواء حولها، فوجدت الغرفة الى حدًا ما مظلمة، وتنبعث خيوط الشمس من بين الستائر المعتمة والتي وضعت خصيصًا لحجب ضوئِها، تسللت يداها قليلًا تُحيط بطنها البارزة، قائلة بخفوت مازحة:
- مالِك بقى، تعباني انهارده ليه كدا يا صغنون!
أخذت نفسًا طويل، ثم زفرتهُ ببطء، ومدًت يدها نحو هاتفها، تنظر لهُ حتى تعلم كم الساعة، لتجدها الواحدة والنصف بعد الظهر، اي انها تأخرت ثلاث ساعات بالنوم. أزاحت الغطاء عنها بهدوء، وأنزلت قدمها أرضًا، ترتدي خفها الخاص بتلك الغرفة، ثم اتجهت سريعًا نحو الحمام لقضاء حاجتها.
دقائق، حتى انتهت، وخرجت من المرحاض، ثم اتجهت نحو غرفة الثياب لتنتقي ملابس جديدة، كي تذهب لترى الجدة وابنها.
دلفت الغرفة، وفورًا وقعت عيناها على علبة صغيرة مخملية باللون الأحمر الداكن، واسفلها ورقة!
لم تُفكر بتاتًا في من وضعها، فهي تعلم صاحبها، ابتسمت وهي تتقدم ترفع العلبة، وتأخذ الورقة أولًا، وفتحتها لتقرأ محتواها، شقت الأبتسامة ثغرها وهي تقرأ أول سطر..
"صباح الجمال على أم ولادي، كان نفسي أقضي باقي اليوم معاكي، واخدك انتِ وعز ونقضي اليوم برا، بس للأسف عندي كذا اجتماع مهمين انهارده، هعوضك عن اليوم دا ما تقلقيش، أنا جبتلك الهدية دي امبارح بس من شوقي ليكي نسيتها، وافتكرتها وانا بلبس انهاردها، اتمنى تقبلبها واشوفها في ايدك انهاردها واحنا رايحين لماتيدا، هرن عليكي وقولك تجهزي امتى، ارتاحي وبلاش تتعبي نفسك، وعز الدين شبط فيا ابن الـ... حلوة، فاضطريت اخده معايا، نامي براحتك بقى."
ثم اختتم كلماتهُ بـ حبيبك، مما جعلها تتنهد بشوق محتضنه الجواب لصدرها، وقعت عيناها على العلبة، فاجتذبتها وفتحتها لتشهق بروعة من جمال الخاتم، الذي أثرها رونقهُ.
فقد كان من السولتير، مزين بفص ماسي من المنتصف، يلمع بعدة ألوان راقية، ارتدت الخاتم في أصبعها الرابع بيدها اليُسرى، ثم مدّت يدها للأمام تُقيمهُ.
كانت عيناها تلتمع بسعادة، والشغف، لا يتوانى أبدًا في اسعادها، اتهت لأحد الأدراج تفتحها، لتنظر الى تلك الهدايا القيمة، التي قد جلبها لها منذ أن عادت للبيت، علهُ يكسب ودّها بهدوء، دون ضغطٍ أو أجبار لكن لم يكن ينفع معها، أخرجت الهدايا، ووضعتها أعلى الخِزانات الأرضية التي تحتوي على الأحذية الخاصة بهم، ويعلوها عدّة أدراج، يحتل سامي ثلاثة أدراج لساعات والكراڤت والشرابات، ودرجً أخر لهُ بهِ ثياب داخلية لم تستخدم بعد، وهي تأخذ الباقي.
رفعت جسدها قليلًا، لتجلس عليها، ثم بدأت بفتح الهدايا واحدة تلو الأخر، بسعادة وحب
●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●
يجلس وهو يحتسي كوب العصير الذي قدمتهُ لهُ تلك التي ملكت قلبهُ وتمكنت منهُ، طالع ماتيلدا القابعة على أحد الأرائك، ثم هتف مازحًا لسحر:
- بصي بقى يا بنت الحلال، احنا نعمل فرحنا يوم الجمعة الجاية، قبل ما حد يتخطف تاني،.. أنا بدأت أحس ان فرحي منظور والله، كل ما اقولها يلا تحصل مصيبة
علقت ثريا ضاحكة:
- طب والله العظيم بدأت أحس بكدا أنا كمان، يلا بقى شهلوا عشان معتش فيه داعي تتأخروا
وضع فؤاد كوب العصير، ثم طالع سحر مردفًا بجدية:
- يوم الجمعة ان شاء الله!
خجلت سحر واضطربت قليلًا، وهمّت لطلب المزيد من الوقت بتوتر، مردفه:
- استـ..آ
قاطعها فؤاد، قائلًا بنبرة حزمة، محذرة:
- يبقى على بركة الله بقى، هكلم جمال ونحدد كل حاجه سوا، نعمل الفرح هنا، وان شاء الله نقضي اسبوع في اي حته في مصر هي تختارها
تجاهلت ما قالهُ في الأول، لتصيح بلهفة:
- اسكندرية،.. نفسي اروحها اوي، احنا لسا في أول الربيع، وأكيد هتبقى حلوة في الوقت دا
أرسل لها غمزة في الخفاء، مردفًا بعبث:
- أكيد طبعًا هتبقى حلوة
أشاحت وجهها بعيدًا عنهُ بحنق مصطنع من هذا الأربعيني الذي يستغل كل دقيقة ليشاكسها، نظر فؤاد لماتيلدا موجهًا حديثهُ لها، قائلًا بتسأل:
- أحمد محددش الفرح لسا!
أومأت ماتيلدا بالرفض، ثم قالت:
- أحمد يقول أخر الشهر
- امم، اخر الشهر وانهارده حداشر، يعني تلات أسابيع الا كام يوم، نكون احنا اتجوزنا، وفات أسبوع كمان..
صمت قليلًا مفكرًا بالوقت، فهتفت ثريا براحة:
- لاء متقلقش، هيكون في وقت مناسب
طالعها فؤاد، مردفًا بهدوء:
- أنا بقول بس، عشان سحر تكون معاها، ان شاء الله الوقت يكون مناسب..
●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●
خرج من غرفة المراقبة، يحمل تلك الحقيبة التي إن خرجت، ستؤدي إلى هلاك ثلاثة أرباع رجال الأقتصاد بمصر، والشرق الأوسط، هذا الملعون يمسك بين قبضتهِ أُناسٌ لو تركهُ لهم لقتلهُ وقطعوهُ إربًا بأسنانهم.
تقدم نحو زنزانة سيد أولًا، عليهِ تصفية الحساب معهُ، اليوم سينتهي كل شيء يخصهم.
فتح باب الزنزانة، ثم دلف لداخل، ليجدهُ يجلس على الأرض، وأحد أقدامهِ مقيدة بأصفادٍ حديدية. رفع سيد رأسهُ لوليد وكم كان ضعيف البنية، وجههُ شاحب، وقد تفاقمت الأمراض بجسده.
جذب وليد أحد القاعد ووضعها أمامهُ مباشرة، ثم مكث واضعًا قدمًا فوق الأخرى، نظر لهُ نظرة شمولية، وسيد يطالعهُ بترقب، فهتف وليد ساخرًا:
- تخيل اني أنقذتك من الموت يا سيد!
تجهم وجهه الأخر بضيق، مما تفوه بهِ لتو، ونظر لهُ مردفًا بتهكم:
- وهي فيه موته اكتر من الـ أنا فيه!، بقالي شهرين وداخل في التالت مشفتش نور الشمس، ومخطوف من عيل!، مش عارف ليه دا كلوا! والـ مستغربه بجد اذاي محدش سأل عليا ولا شكوا في غيابي!
أومأ وليد قائلًا بهدوء:
- لاء متقلقش، رياض مظبط كل حاجه، قايلهم انك في اليونان بتتعالج نفسيًا من الصدمة الـ حصلتلك بعد ما بقيت على الحديدة
ثم طالعهُ بنظرةٍ ماكرة، وتابع:
- ماتقلقش، أنا بقالي شهر بحالوا قاعد اخطط اجيبكوا اذاي، واحد ورا التاني!
ارتاب سيد من حديثهِ، ثم همهم بخفوت ورعب:
- و..و...ورياض قالهم ليه كدا!
رفع وجههُ مبتسمًا، وهو يقول بمزاح مصطنع:
- رياض!، دا بقى صاحبي يا عم!، آه والله، طب دا حتى الراجل الطيب هو الـ ساعدني اجيبك!، الله يمسيه بالخير بقى!،... لاء استنى
طالعهُ بخبث، متابعًا بنبرةٍ ماكرة:
- دا هو الـ خلاني اعرف مكان صفية،... مرات عزيز،.. الـ كانت على علاقة بمحمود صاحبكوا،... الـ كنتوا متراهنين عليها سوا، فاكرها يا سيد!
شحب وجهه سيد بشدة، وضاقت أنفاسهِ، كيف علم رياض هذا الأمر، وبما أوشاهُ لوليد!، حاول التماسك قدر المستطاع، وهتف بنبرةٍ مرتجفه من خوفهِ:
- صـ.. صفية، صفية مين!،.. دي..ددد... دي ماتت من زماآآن...
وانقطعت كلامتهِ لتوترهُ وخوفه، ابتسم وليد مردفًا:
- لاء هي فعلًا ماتت، بس مش من زمان اوي، من حوالي شهر كدا
جحظت عيناهُ صدمة وزهولًا، فتابع وليد بتعجب زائف:
- لاء والغريبة يا سيد، انهم لاقوا جثتها في ڤيلا عزيز، الـ هو ميت من اكتر من تمن شهور!، يعني اذاي!!
زاغت أبصارهِ، وشعر بأن الحجرة تضيق عليهِ، دوار عاصف أتاح برأسهُ، وتملكهُ الخوف والرغب. تشفى وليد من حالتهُ تلك، ثم مدّ يدهُ وقام بالتربّيت على كتفهِ بقوة شديدة، قائلًا بخبث:
- لاء ماتخفش اوي كدا، محدش جاب سيرتك، ولا قال انك خطفتها بعد ما عزيز طردها وقال انها ماتت، وحبستها عندك، لحد ما رجعت لعزيز تاني واشتريت منوا الڤيلا بتاعت الزراعي، والـ للأسف ولحسن حظك مفيش أي أوراق تثبت انها بتاعتك، عشان كدا جثتها اتشتالت وادفنت، والقضية هتتقفل، أصل مفيش دليل على انها بتاعتك،.. غير رياض!
اختنقت انفاسهُ أكثر، وتصبب جبينهُ عرقًا من فرط توترهِ، تابع وليد بنزق:
- شوفت بقى انتَ مدين ليا بشكر اذاي!؛ عشان طلعت جدع ومروحتش قولت أقوالي أنا ورياض، وعرفتهم انك حابسها هناك من زمان، وماتت من الجوع..
وقف وليد، مطالع ساعتهُ، قائلًا:
- وقتك معايا خلص..
ثم انسحب من الغرفة للخارج، نام سيد على الأرض، منكمشًا على نفسهِ متخذًا وضع الجنين، وجسدهُ يرتعش بقوة، قد أوشكت حياتهُ على الأنتهاء، وليد يمسك بأطراف روحهِ من الأعلى، سيحركهُ كيفما شاء كعروس الماريوينت تمامًا!!!!.
●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●
أغلق الباب بإحكام، وجذب الحقيبة التي تحوي على الأوراق، وتقدم من الباب الحجرة التي تجاور حجرة سيد، ثم فتحهُ وتقدم لداخل، فرفع الأخر بصرهُ نحوهُ، يُطالعهُ بتدقيق ثم ابتسم ساخرًا، وهو يقول بجدية:
- 30 مليار وتسبني!
اتجه وليد نحو الكرسي، الذي يقبع بجوار محمود الماكث على السرير، وجلس عليهِ، واضعًا قدم فوق الأخرى، ثم رفع رأسهُ وهو يضيق عينهُ اليُمنى بتفكير فيما قالهُ!
لاحت الأبتسامة ثغر محمود، المال.. مطمع الجميع، وأمام مبلغ كهذا، لا يظن أن وليد سيرفضهُ. رفع وليد الحقيبة ليطالعها محمود، وقال بمكر:
- الأوراق الـ في الشنطة دي، لو وصلت لأيد أصحابها، هيدفعوا اكتر من كدا بكتيــــر
شجب وجه محمود على الفور، وارتابت نظراتهِ مطالعًا الحقيبة، يُخبر عقلهُ ويصر مما يجعلهُ يصدق ما يقول بأن تلك الحقيبة ليس بها أي شيء!، لهذا طالع وليد بنظرةٍ الى حدًا ما غير خائفة، وهتف بنبرةٍ واثقة:
- مفهاش حاجه!، مفكر اني هصدقك، او مفكر نفسك كدا هتخليني انخ واخاف...
ابتسم وليد بتهكم، مردفًا:
- لاء انا مش مفكر الصراحه!، انا متأكد يا محمود
ثم وقف ودار حول السرير الذي يقبع بالمنتصف، وتابع:
- الاوراق الـ انتَ شايلها في بيتك في جزيرة في زينزيبار يا حوده، كلها معايا، دا غير الأوراق الـ الحج الله يرحمه سرقها منك...
ابتلع ريقهُ بخوف، وزاغ بصرهُ تلك المرّة، ولوهلة شعر بأن وليد صادق، وانهُ بالفعل يمسك عليه ما يدينهُ.
اقترب وليد من الكرسي، وقام بوضع الحقيبة عليه، ثم فتحها، وطالع محمود قائلًا:
- الصراحه انا قعدت افحص الأوراق ورقة ورقة، وطلعت الـ يدينك ويوديك في ستين الف داهية، وطلعت الأوراق الـ انتَ ظالم بيها الناس، وممضيهم على عقد الشراكة في أعمالك المشبوه من غير ما يعرفوا، زي ما كنت عامل مع ابويا كدا...، وهي دي الأوراق بتاعت الناس الـ نصبّت عليهم يا حوده
ثم ادار الحقيبة لتكون نصب عيني الأخر، حرفيًا كما يُقال شقاه وتعبهُ، لم يتوصل محمود لتلك المكانة التي بها من الفراغ، حتى وإن أُنهك وشقى وتعب، لكن ما بُني على باطل فهو باطل، ولابد من العقاب على ما فعلهُ، زم وليد شفتاهُ وهو يخرج شيئًا ما من جيبهُ، وهتف بنبرةٍ أشبه لفحيح الأفعى:
- انتَ ما قتلتش ابويا يا محمود، بس الـ عملته فيه قتلوا بدل المرّة الف في اليوم، وأنا عارف أن دا هيقهرك، لما تشوف الـ قضيت سنين عمرك بتعملوا بيتحرق قدام عينك..
ثم ألقى عود الثقاب -الذي أخرجهُ من علبة الكبريت- على الأوراق التي بالحقيبة، فبدأت النيران بألتهامها. تصاعدت ألسنة النار الصغيرة الى أن كبرت، وانعكست صورتها على أعينهم الإثنين، محمود الذي شعر بانقباض قلبهُ، وسنون حياتهِ، تحترق أمام عينيهِ، تلك النسخ الأصلية من الأوراق، كيف عثر عليها هذا الملعون، هكذا فكر محمود، بينما وليد فقد أخذ نفسًا عميق من رائحة دخان الأوراق المحترقة، وزفرهُ على مهل، نظر لوجه محمود الجامد، وابتسم متشفيًا، ملامحهُ تحكي ان الأمر لا يُعنيه، بينما عيناهُ تنطق بالألم.
لم يكن بيديهِ شيء، سوى أن يتمتم مردفًا بوعيد:
أنت تقرأ
تائهة فِي سَرَايَا صَفْوَان © -مُكتملة-
Mystery / Thriller"دراما مصرية " _وليد إنت ليك علاقه بقتل محمود ..!! لم يستطيع الأجابة فقط أكتفى بهز رأسه بالايجاب ، فشهقت إلهام بصدمة وحزن في آن واحد وقالت: _اذاي .. اذاي يا بني ..! تنهد بحزن ثم اعتدل وطالعها قائلًا: _ ياسر يا إلهام هو الـ قاتلوا ، كان عايز يجندوا ب...