تائهة في سرايا صفوان
الفصل الثاني والخمسون
"الجُزء الثاني"**********************************
داخل القصر، وتحديدًا غرفة الجدة، جذبت هاتفها سريعًا وهي تمسح دموعها، ثم ضغط باطراف اصابعها على شاشتهُ، ووضعتهُ على أذنها...
على الجهة الأخرى، انتهت الطبيبة ليلة من فحص زهرة، ثم رفعت بصرها لوليد مردفه:
_نقدر ننقلها أوضة عادية، بس هتفضل هنا، لحد ما نتأكد ان الحمل ثابت، ومفيش اي خطر عليهم...
أومأ وليد موافقًا، فخرجت الطبيبة بعد أن دونت بعض الأدوية للمرضة وموعد أخذها.
شعر باهتزاز هاتفهُ في جيب بنطالهِ، فوضع يدهُ في جيبهِ يسحب هاتفهُ، وطالع المتصل فوجدها جدتهُ، لاب وانها عرفت بأمر خلو البيت منهم.
فتح الأتصال وقبل ان يتحدث، استمع لها تقول بلهفة:
_وليد..!، اصحى يا بني وقوم، سامي خد بعضه ومسافر يا وليد، انزل الحقه....
أغمض عينيهِ بغضب على تفكير اخوه الأحمق، ابتعد وقد ظن ان هذا الحل الأمثل لتصحيح ما فعلهُ، تنهد بضيق، ثم قال:
_طلما هو اختار كدا، سبيه يا تيتا، بكرا يندم...
_هتسيه يمشي يا وليد،.. انزل هاته يا بني بالله عليك...
_أنا مش في البيت يا تيتا، زهرة تعبت امبارح وكان ممكن لا قدر الله الجنين ينزل...
قاطعتها مردفه بلهفة وقلق:
_استر يا رب، استر..، ايه الـ وحصل بس،...
ثم أكملت برثاء:
_ايه الـ حصلكوا يا ولاد سالم ومنال..!، استر يا رب...
هدأها وليد قائلًا بهدوء:
_الحمدلله يا تيتا قدر ولطف، هي دلوقتي بخير وخرجت من العناية وهتنتقل اوضة عادية...
_ ماشي يا بني، هخلي سعادة تحهزني واجيلك...
_ملهوش لازمة يا تيـ...
قاطعتهُ مرفه بحدة:
_ايه الـ ملهاش لازمة دي..!، البت لا أب ولا أم يا وليد مش عايزاها تحس ان ملهاش حد يسأل عنها يا بني...، ايوا انتَ الخير والبركة، بس برضوا ما يصحش...
اضطر ان يصمت فهو خير من يعلم انها أن ارادت شيء ستنفذهُ رغم عن انف الجميع، تنهد مضيفًا:
_ماشي يا تيتا، الـ انتِ عايزاه...
_طب وسامي، هتسيبه برضوا..!
مط شفتيهِ السُفلى بقلة حيلة، وأجاب:
_هو حر يا تيتا،.. خليه كدا لحد ما يعرف هو بيعمل ايه..!
*******************************
في أحد غرف القصر، في الدور الثاني، ولأنهُ يملك صلاحية الدخول والخروج بحرية، جاء براحة للمنزل.
تقدم بعد أن أدار المقبض ودلف لداخل، فوجدها تنام بعمق على سريرها، ولكن رأسها موضوعة بموضع غير صحي بنسبة لها.
اقترب بخطواتٍ متعجلة، ثم صعد على الفراش جوارها، وبدأت بإمالة رأسها نحو وضعها الطبيعي، اقترب من وجههُ لها يُقبل أحدى وجنتيها بحب، مُعربًا عن اشتياقهُ الحاد لها.
داعبت رائحة عطرهِ انفاسها، وظنت انها تحلم، فاستدارت بجسدها نحو جسدهِ لتجد ذراعهُ يستند بها على السرير فاحتضنها وضمتها لأحضانها، طوال الليل تبحث عنهُ في الفراش فقد تبرمج عقلها الباطن على دوام وجودهُ جوارها، والآن فقط وجدت الدفء الذي كانت تبحث عنهُ طوال الليل.
بدأ يُمس على شعرها بحنان وخفوت، مستمتعًا بشدة قربها منهُ هكذا، سيأخذها اليوم وتذهب جميع ما تفوهت بهِ من هراء الى الجحيم، فقد ابتاع شقة مخصوص ليكونوا سويًا بعد أن وجد ان وجودهم في بيت والدهِ تلك الفترة غير مُحبذة، سيعودان بعد أن تتماثل لشفاء.
طالعها مبتسمًا بحفوت، مُعجبًا باستغراقها في النوم هكذا، لا تنتظر ان تقوم الآن، فهي لتوها شعرت بالأمان داخلها.
*******************************
اليوم مختلف تمامًا بحياتها، تجاوز الوقت الساعة الرابعة عصرًا، وها هي الآن تستعد لعقد القرآن.
دقت سحر الباب، ثم دلفت لتجدها تجلس تحتض صورة والدتها ووالدها الراحلين.
اقتربت سحر وطالعتها بحزن، ثم هتفت وهي تقترب منها:
_ربنا يرحمهم يا حبيبتي،... أكيد مبسوطين وفرحنينلك دلوقتي ليدا...
طالعتها بأعين باكية، وهي تقول بحزن:
_سحورة، كُنت ءـايز هما يجوا،.. كُنت أفرح وهما مـءايا..
جلست جوارها، ثم قامت بابعاد خصلات شعرها _التي لم تذهب منهُ صبغتها_ خلف أذنها، ومسحت دموعها قائلة بلين:
_معلش يا حبيبتي،.. ربنا عايز كدا، قادروا دا كلوا يحصل، وتكوني هنا، واليوم دا واللحظة دي بتستعدي عشان تتجوزي،... أحمد بيحبك اوي يا ليدا، صدقيني يا بنتي هيكون ليكِ كل حاجه....
احتضنتها ماتيلدا سريعًا، وهتفت بخوف وحزن:
_سحورة،.. اوءـي تتجوز، وتنساني...
ضربتها برفق على قدمها، ثم طالعتها مردفه بعتاب مازح:
_ انسى مين يا بت انتِ،... دا انتِ الـ خليتي لحياتي معنى يا ليدا،.. وبعدين حد ينسى بنت اخوه..!، انا ايوا هبعد بس علطول هفضل معاكي، واجيلك وتجيلي.....
انهت كلماتها، فاحتضنتها ماتيلدا ثانيةً، فاستقبلت سحر الحضن بمحبة وحضنٍا مثيل، وربتت على ظهرها قائلة بحنان:
_ربنا يسعدك يا حبيبتي....، يلا قومي يا عروسة بقى عشان مفيش وقت...
بالفعل، تم تجهزيها والسعادة تشق قلبها لأنها ستُقرن باسمهِ اليوم، وتجاورهُ طيلة الحياة، من بين التجهيزات، أطلت على هاتفها لترى العيديد الرسائل والمكالمات منهُ وهي لا تُجيب، فقد أخبرتها سحر ان تتركهُ هكذا يتحرى شوقًا نحوها.
****************************
أنتهى من ربط حذائهِ، فرفع جسدهُ معتدلًا وهو يطالع المرآة أمامهُ قائلًا بصوتٍ عالي:
_خلصتي يا حبيبتي ولا لسا قدامك كتير..!
استمع لصوت حذاء الكعب يُطرق على الأرض الامعة، فانتبهت حواسهُ لها واستدار لمصدر الصوت، فوقعت عيناهُ اولًا على حذائها ذو الكعب العالي باللون الأسود، ثم صعودًا لتنورتها التايجر التي تصل وتُغطي ما بعد ركبتيها بكثير، وبلوزتها التي باللون الأبيض الحريرة الامعة، ثم أخيرًا شعرها الذي تركتهُ حرًا طليقًا.
التمعت عيناهُ بالشغف، وهو يطالع هيئتها متمتمًا:
_الصلاة على النبي يا أجنبي...
ثم غمز لها مشاكسًا:
_يا حلو انتَ يا حلو...
تقدمت منهُ وقد أخلجها اطراؤهُ عليها، تقدم منها هو الأخر ملتقطًا كفها ثم مال مُقبلًا اياهُ، واعتدل مردفًا:
_ايه الجمال دا..!
هتفت بخفوت، وارتباك:
_شكرًا،...
نظر إبراهيم نحو فتنة وجهها الحمراء القانية تلك، وقضب حاجبيهِ بضيق، وهو يمد طرف أصبعهُ الإبهام نحوها يزيل تلك الفتنة قائلًا:
_مش قولت متحطيش دا يا قمر..!
أزالهُ برفق من على شفتيها، ثم هتف بحنان مُغلف بالجدية:
_ اللون دا حطيه هنا براحتك يا حياتي انما برا لا يا قمر....
رغم سأمها وغيظها أومأت موافقة، فلم يُزال اللون، بل ترك طابع وردي أضفى لها رونق أخر، رفع كفها بين ذراعيه لتأبطهُ، ثم سألها قائلًا:
_كلوا تمام كدا..!؟، نمشي بقى..
سحبت هدية ماتيلدا من على أحدى الطاولات، ثم أومأت موافقة، فتحركوا سويًا للخارج، ثم هبطوا للأسف متجهين نحو سيارتهِ.
عاملها تلك اللحظة برومانسية، اعتادتها منهُ حيثُ تقدم وفتح لها باب السيارة، وانحنى بطريقة كلاسيكية، مشيرًا لها بأن تدلف بعد أن غمز لها بعبثٍا، فضحكت بخفوت قبل ان تتجه، وتدلف لداخل مستقلية مقعدها بجوارهُ، فسارع بغلق الباب، وتحرك يدور حول السيارةِ حتى وصل للباب الأمامي، ففتحهُ ودلف لمقعدهِ ماكثًا جوارها، لحظات وبدأت السيارة بالتحرك منطلقين نحو المنطقة التي تسكنها ماتيلدا، فأحمد سيأخذها ليعقد قرانهُ عليها في جامع كبير بالقرب من بيتهِ
******************************
لم تكن بصحة جيدة لتذهب اليوم لعقد القرآن، خصوصًا هذا الاضطراب والتشتت الذي تشعر بهِ بعد أن استيقظت وجدت نفسها مُحاصرة بين ذراعيهِ وهو يغفو جوارها.
ظلت تتأملهُ بصمت، وتفكر هل هي قادرة بالفعل على الابتعاد عنهُ، هل ستتحمل مفارقتهِ وبعدهِ عنها..!، وعند هذه الفكرة ألقت رأسها على صدرهِ، غير عابئة بقوة الصطدام الذي تأوه لأجلهِ، لن تقدر على الابتعاد عنهُ اطلاقًا، وبنفس ذات الوقت، لن تقدر على نسيان الأمر وكأنهُ طبيعي، شعر هو بحالة التخبط التي بها، فشدد من احتضانها دون ان يتحدث، طالعتهُ حنئذٍا بمشاعرًا منهكة مشتتة غير قادرة على التفكير، فاحتواها بحنان، مؤكدًا عليها بأفعالهِ انهُ لا خلاص منهُ ابدًا، ورغم جمودها الذي ترسمهُ أمامهُ الا انهُ يعلم تمام العلم مداخلها.
قطع حبل أفكاراها، خروجهُ من المرحاض بوجهٍ مفعم بالحيوية، قد افتقدتها بهِ اليومين الذي مروا، اقترب منها بهدوء وهو يجفف شعرهُ القصير، ثم وقف خلفها ناظرًا لنفسهِ بالمرآة بتقيم، ثم هتف وهو يمرر يدهُ على شعرهِ
_بفكر احلقهُ زي ما كان،... انتِ اي رأيك..!
صلعتهُ التي كانت حقًا تُخيفها منهُ، لا يحلم أن تبيت جوارهُ بتلك الهيئة المرعبة، ظن صمتها الشارد هذا ندمً على سلك هذا الطريق في الاعتزار، فطالعها وقد احتقن وجههُ بالغضب، وأردف:
_لدرجة دي ندمانه...!
ابتلعت ريقها بصمت، بعد أن ترجم سكوتها خطأ، وفضلت الا تتحدث، همت بالأبتعاد عنهُ فاستغل مكانهُ خلفها، وقبض على ذراعها موقفًا ايها بحدة، ثم اسطرد قائلًا بغضب:
_اقفي هنا وكلميني زي ما بكلمك...
حاولت نزع قبضة يدهُ من على ذراعها، هاتفه بضيق:
_سراج،.. ابعد ايدك..!
زمجر بها بحدة، وهو يزيد من قبضة يدهِ، مردفًا:
_مش باعد غير لما تردي عليا،... طلما ندمانه اوي كدا، وافقتي من الأول ليه..!
ومرة أخرى يُقابل صمتها، الذي حقًا بلغ فيهِ ذروة حنقها وغيظهِ منها، نفر يدها بحدة، ثم ابتعد هاتفًا بقوة وجمود، غير أبه بكلماتهِ:
_طيب، اعملي حسابك مفيش قاعد هنا تاني، عايزه تيجي معايا كتب الكتاب، اتفضلي اجهزي، مش عايزه اجهزي برضوا عشان هروحك،... شكلي غلط لما اتساهلت معاكي، وقولت مش مهم حقها تزعل شويا....
احتدت نظراتها نحوه، ثم عقدت ذراعيها حول صدرها، مردفه بحدة:
_وإن قولت مش رايحه معاك في حته يا سراج، وهفضل هنا في بيتي...
لم يستدر لها، بل أخذ المشط الموجود أعل دى التسريحة وبدأ يمشط خصلات شعرهِ، هاتفًا ببرود:
_وأنا مش بطلب منك يا سُمية، انا بقولك على الـ هيحصل،... ثم إن دا مش بيتك يا حبيبتي،.. كان زمان قبل ما تبقي على زمتي،... دلوقتي انا راجل وليا احتياجاتي،.. ارجع الاقي اكلي جاهز، بيتي نضيف، فرشتي جاهزه،..... انتِ مستنيناني...، مش كدا...!
_اههه لا دا انتَ كدا بقى عايز خدامة..!، مش عايز زوجة..!
طالعها رافعًا منكبيهِ، بلا مبالة ثم أردف:
_افهمي زي ما تفهمي،... اتفضلي عشان الحق البس، واروح اجهز....
جلست على أقرب مقعد لها، ثم قالت بحدة وضيق:
_مش ماشيه يا سراج،... وكلامك مع وليد لما يرجع بقى.....
كبح غضبهِ بصعوبة بالغة، مهما فعلت فهي الوحيدة التي لا يقدر أن يُنفث غضبهُ عليا،.. زفر بحدة بالغة، واقترب منها واقفًا امامها، ثم قال:
_مدخليش اخواتك في أمرنا الشخصية، عشان انا متأكد اني حتى لو اتكلمتي هيقفوا في صفي، لأن ولا واحد منهم يرضى ان مراتوا تسيبوا وتمشي كدا،.. أنا هادي معاكي وبتكلم بتحضر، عشان مش عايزك تزعلي مني....
عاندت كما لم تُعاند من قبل، مستخدمه كل أسلحتها، فهي الى الآن لم تعتاد المكوث خارج منزلها، ولا تستطيع قول هذا، تجد السكينة والطمأنينة داخل جدران هذا القصر عن سواه....، وهو خير من يعلم كيف يُعدلها عن قرارها ويخمد شعلة العند التي تُقاد كلما احتاج الأمر.
مرت ساعتين خرج هو أولًا من غرفتها، بعد ان ارتدى ملابسهُ واستعد للخروج، وقبل أن يهبط الدرج كانت تجاورهُ بخطواتٍ مستحية، تنظر يسارًا ويمينًا إن كان أحدًا قد شاهدهُ وهو يخرج من غرفتها بعد أن دلفها صباحًا.
حمدت ربها وهي في طريق خروجها لم تُشاهد أحدًا، والا كانت قد ماتت خجلة.
جاورتهُ في سيارتهِ، وبدى منشغلًا بتشغيلها وقيادة، الا انهُ كان يُتابع نظراتها خلسة، انتفخت اوداجهُ غرورًا برجولتهِ، والذي مهما حدث بينهم، يعلم أنها لن تقدر على مقاومتهِ، وبعد وحش العند والغضب الذي يتمكنانها، يستطيع ان يجعلها كالقطة الوديعة بين ذراعيهِ.
لم يتحدث أحدًا منهم، هو يفكر بها، وكيف عليهِ أن يراضيها ويصالحها، فمهما كان هو قد أخطأ، انا هي تلعن وتسّب حالها، على استسلامها المخزي من وجهة نظرها، انتبهت اخيرًا لطريق، فوجدتهُ يسلك طريقًا لا تعلمهُ، ظلت منتبه لطريق جيدًا، والى الآن لم ترغب في سؤالهِ.
توقفت السيارة، أمام أحد مداخل العمارات ذات الطابع الثري، فعقدت حاجبيها بدهشة، ثم قالت:
_وقفت هنا ليه..!
فك حزام أمانهُ، مردفًا:
_انزلي يا سُمية....
ولم يترك لها مجال للحديث، بل فتح الباب وهبط منهُ، فسارعت هي الأخرى بفتح بابها، تهبط منهُ قائلة بسرعة وحدة:
_سراج، اقف هنا وفهمني في ايه واحنا هنا ليه...!!، سراج....
تقدم منها ممسكًا كفها، هامسًا:
_مش عايز اسمع ولا كلمة لحد ما نطلع...
وكأنهُ القى عليا تعويذة، فانساقت خلف جذبهِ لكفها برفق تتحرك معهُ نحو مدخل تلك البناية.
وقف حارس العمارة مُهللًا بحفاوة:
_نورت يا سراج بيه، نورت...، الف حمدلله على السلامة يا هانم،... نورتوا يا بهوات....
ابتسم سراج بعملية، ثم هتف:
_الشنط طلعتها فوق يا سيد...!
_ايوا يا باشا عيب عليك،... الشنط طلعت من بدري،... وادي مفتاح الشقة اهي، انشالله تتهني فيها يا بيه، وتكون قدم السعد عليكوا....
أومأ سراج شاكرًا بعد أن أخذ منهُ المفتاح، ثم دس يدهُ بجيبهِ، مخرجًا ورقتين من فئة المئتان، ثم قدمها للحارس وهو يسلم عليهِ، فهت بفرحة:
_ ياخد عدوينك يا بيه،.. ياخد عدوينك...، اتفضلي يا هانم....اتفضل يا باشا العمارة نورت...
تقدم سراج خلف الحارس، وهو يمسك يد سُمية، التي استطاعت ان تفهم انهم سيمكثون هنا.
اوصلهم الخارسف نحو المصعد فقط، وأغلق عليهم الباب سويً،ا ثم ابتعد، ومن الداخل قام سراح بالضغط على الدور السابع، فابدأ المصعد بالتحرك.
ورغم انهُ واسع، التصق بها، فطالعتهُ قائلة بحنق:
_ابعد شويا هتخنق كدا....
نظر لها ببراءة مردفًا:
_عندي فوبيا من الأسانسير، اخاف اقع وانا بعيد عنك...!
انكمشت تعابير وجهها بسخرية، رغم انها تكتم ضحكاتها، ثم هتفت ساخرة:
_يا دلعوا..!
ارتفع صوت قهقتهُ عاليًا بشدة، حتى ألمتهُ معدتهُ، استجمع حالهِ ووقف مردفًا بيأس:
_انتِ مشكلة اقسم بالله....
رفعت حاجبها الأيمن وردت:
_دا إذا كان عجبك بقى..!
_يا نهار..!، دا عاجبني وعجبني كمان....
تنهد زافرًا الهواء بهدوء، ثم قال بجدية:
_هنقعد هنا فترة يا سُمية،.. محتاج اكون انا وانتِ لوحدنا في مكان خاص بينا...
******************************
_"بارك الله لكما، وبارك عليكما، وجمع بينكما في خير"، هكذا نطقها المؤذون بعد ان اتم مراسم الزواج، فعلت الزغاريد من مكان النسوة تلقائيًا رغم حرمتها في هذا المكان المقدس، فتناول المؤذون مُكبر الصوت ثانيةٍ، وهتف:
_ يُحرم الزغاريد في المسجد ايها النساء....
لم يسمعهُ أحد، أو لم يعطي لهُ بالًا، فالآن فرحة سحر نورهان وخالتهُ سوسن لا يسعها شيء، حتى أن سُمية حاولت معهم.
عند مجلس النساء، التقف نبيل المنديل المطرز _بعناية ودقة ابهرت جميع من رؤهُ_ سريعًا، وهو يستند على عكازهِ، قائلًا بمرح:
_دا بقى ليا يا شق...
وقف أحمد واحتضن اخوه بمحبة، هاتفًا:
_والله ما يغلى عليك، بس ليدا محلفاني،.. هات
وعلى حين غفلة التقطهُ منهُ، فصاح نبيل وهو يرى اخوه يبتعد عنهُ عندما انضم اصدقاؤهُ:
_ليك يوم اعريييس....
تركهُ نبيل مع اصدقاءهِ وذهب ليجلس على المقعد، كي يستريح قليلًا، وقد لفت انتباهُ أحد العاملين بالمسجد الشباب يوزعون عُلب المياة الغازية، وقطعة من الحلوى، فنادهُ نبيل، ليقترب منهُ، فهتف وهو يأخذ علبة مياة غازية:
_هات يا بني كدا وريني البتاع دا بيقول ايه..!، من الصيح واقف على رجلي...
ثم هز رأسهُ بيأس مصطنع، فهو لم يتحرك بالأساس.
عند أحمد، التفوا حولهُ دائرة، ونكزهُ سراج في ظهرهِ مردفًا بنبرة ملتوية:
_مبروك يا عريس....
استدار لهُ أحمد سريعًا مردفًا بنبرة قلقة:
_ اِهمد يلا، انهارده كتب كتاب بس مش الدخلة...!!
قهقة أربعتهم عليهِ، وهتف فتحي مازحًا:
_احنا بنحب نوجب مرتين...
سارع يقول بلهفة:
_لاء بصوا، انتوا وجبوا معايا زي ما انتوا عازين ليلة الحنة براحتكوا، انما انهارده لاء...
اقترب منهُ وليد هاتفًا بمكر:
_دا انا جاي اقرصك في ركبتك عشان احصلك في جمعتك يا ابوا حميد....
طالعهُ بحنق مردفًا:
_ما انتَ اتجوزت خلاص يا عم في ايه بقى،.. ابعدوا شويا عشان هتخنق كدا...
دفعهم إبراهيم من حولهِ، واقترب هو منهُ قائلًا بسعادة:
_ابعد يا بني منك ليه..!، الف الف مبروك يا صاحبي، عقبال الليلة الكبيرة يا باشا...
احتضنهُ أحمد بسعادة، مردفًا وهو يربت على ظهرهِ:
_حبيبي الله يخليك، والله انتَ الوحيد الـ بحسك فخيمة كدا،... ابن ذوات بجد م شويه الـ...... حلوين دول.....
اقترب سراج منهُ بعدما ابتعد إبراهيم، ثم احتضنهُ قائلًا:
_مبروك يا حبيبي، ربنا يتمملك على خير وعقبال الليلة الكبيرة،... الغدا فيها يكون مرتين....
ابتعد عنهُ أحمد ضاحكًا، ثم أعقب مازحًا:
_يا عم هحطلك الغدا عشر مرات، والعشا عشرين، بس سيب امي في حالها....
_هو أنا اتكلمت..!!
دفعهُ وليد بعيدًا كي يبارك لهُ، فاحتضنهُ أحمد بسعادة، وهتف وليد بسعادة:
_الف مبروك يا صاحبي، عقبال الليلة الكبيرة والنونو كمان.....
ابتعد أحمد ضاحكًا، ثم هتف مازحًا:
_ يااه يا عم، النونو كمان،... فعلًا سامي مجاش ليه..!
هتف وليد بملامح ونبرة جادة:
_سافر انهارده، جه شغل ضروري، كان لازم يا أنا يا هو نكون هناك، وعشان زهرة تعبت جامد بليل كان لازم افضل معاها....
أظهر أحمد لهُ اسفهُ على سماع ما أصاب زوجتهُ ببعض الكلمات، ثم سارع فتحي بأعادة المرح ثانية، وهو يقترب محتضنًا أحمد بقوة، قائلًا:
_ الف مبروك يا كبييير،... عقبال الليلة الكبيرة ان شاء الله.....
في مسجد النساء، كانوا جميعًا يرتدون حجاب فوق الرأس حتى ماتيلدا، لقدسية المكان.
صرخ مازن ابن خالة أحمد الصغير بصوتٍ عالي:
_ العريس وصااااااال.....
ابتعد جميعهم عن ماتيلدا، وأطل أحمد من الباب بوجهًا مبتسم يبحث بعينيهِ عنها، حتى وجدها.
اقتربت والدتهُ بأعين دمعة وهي تقول:
_ الف مليون مبروك يا حبيبي، ربنا يفرح يا بني، ويجمعكوا على خير ان شاء الله...
احتضن والدتهُ بحب، بعد أن قبْل يدها ورأسه، ثم رفع يدهُ لأعلى باستسلام مردفًا بمرح:
_ اسلم على عروستي الأول وبعد كدا، هسلم وابوس واحد واحد...
استمع لصوت ضحكاتهم، وتوبيخ خالتهُ ووالدتهُ، لكن لم يهتم، فقد سارع نحوها بخطواتٍ متعجلة محتضنًا اياها بحبٍا وشوق شديد، اخيرًا أصبحت زوجة أحمد الجبالي رسميًا.
دار بها وسط الحاضرين فاتسعت دائرتهم حولهم، وتعالا تصفيقهم الخار لهم بحفاوة.
أنزلها بعد لحظاتٍا، فأمسك كفيها ودنى مُقبلًا كفيها الإثنين بسعادة، ثم اقترب منها بوجههُ، مردفًا بغمزة:
_ اذيك يا مدام الجبالي....
داعب لقبها الجديد قلبها بشدة، فابتسمت فرحة بسعادة، مال عليها قائلًا بخبثٍا مازح:
_هو انا لازم اسلم، ماينفعش اخدك وامشي...!
_لا يا حبيبي مينفعش...
وثب في مكانهِ فزعًا، عندما خرجت خالته بينهم من حيثُ لا يعلم، فهتف بفزع زائف:
_بسم الله الرحمان الرحيم...
رفعت حاحبيها بدهشة قائلة:
_وحياة امك...!
مال عليها محتضن اياها، قائلًا بعتاب:
_عيب اسوسن، مش من أول لحظة كدا،... البت تاخد عني فكرة اني مش راجل ولا حمش، عيب والله....
لوت شفتها، وهي ترفع حاجبها الايمن، مُجيبة، وهي تربت على صدرهِ بفخر:
_دا انتَ راجل وسيد الرجالة يا حبيبي...
توالت عليهم المباركات من جميع الحاضرين، حتى استطاع أخيرًا أن يأخذها ويرحلوا بعد أن استئذن من جمال أن يحضروا العشاء سويًا في أحد المطاعم على باخرة نيلية، قد حجزها خصيصًا لهم سويًا الليلة.
*******************************
_يحيى، بليز بابي لو عرف صدقني مش هيحصل كويس ابدًا،.. انا مش عارفه عملت كدا اذاي..!
استمعت لما يُقال على الجهة الأخرى بقلبًا مرتجف، وهي تعض أصابع يدها ندمًا على ما فعلتهُ، عادت تتحدث بنبرة خائفة:
_يحيى،.. صدقني أنت مش في البيت، انهارده كتب كتاب ابن خالتي،.. مش هقدر اشوفك خالص،... انتَ ليه مش راضي تبعد عنــ...آآ
وعلى حين غرة وجدت الهاتف يُسحب منها دون إرادتها، فالتفت سريعًا للوقف خلفها يحدق بها بأعين غاضبة ووجهٍا محتقن، يستند على عكازهِ بغضب.
_انا ..آآآ..
ارتجفت شفتاها وهي لا تقوى على الحديث، او اعطاء اي مبرر لما حدث، نطق بجمودٍا وثبات:
_مين دا..!، وبيكلمك ليه، وعايز منك ايه..!
ثلاث اسأله، لم تعتدهم اطلاقًا، فأباها يترك لها مطلق الحرية في التصرف كما تُحب وتهوى، ولكن تلك الحرية كانت على وشك ضياعها.
ابتلعت ريقها بحزن، وصمتت، دون أن تُجيب، فهتف يُعنفها وهم بالقبض على ذراعها، لكن بدأت النساء الحاضرين بالخروج من مسجد النساء، وانقلب المكان الفارغ، لنسوة يستعدون للمغادرة.
رمقها بغضب وضيق، قبل أن يبتعد عن المكان، وبعد أن هتف لها بنبرة وعيدية:
_مستنيكي تحت....
شعرت ببرودة أطرافها رغم العرق الذب بدأ يتصبب على جبهتها، لا تعلم أتذهب وتنكمش بجوار والدتها، أم تذهب لهُ.
دقائق من التفكير، خاضها عقلها وهي تقف مكانها، قبل أن تتسحب وتهبط للأسفل، خارجه من مسجد النساء.
وقفت على جانب الطريق، فوجدتهُ يقف بالقرب منها، يتحدث مع أحدهم، ورغم حديثهِ المرح مع صديقهُ، الا أن ملامحهُ كانت جامدة، وعينها تنطق بالغضب حالما وقعت عليها.
اعتذر من صديقهِ بلباقة، ثم تقدم منها بخطواتٍ متعجلة، حتى وقف أمامها، قائلًا بجمود وهو يشير نحو أحد السيارات بعيدًا قليلًا:
_اسبقيني على العربية السودا الـ هناك دي...
ابتلعت ريقها بصعوبة، وهي تتقدم ورأهُ للسيارة، الاي تصطف أسفل منزلهم.
فتح الباب الخاص بالسائق، ثم حاول أن يمكث فيهِ دون أن يؤلم قدمهُ، دلفت هي وبعض لحظات استطاع أن يمكث في السيارة.
أغلق الباب، ثم اعتدل وطالعها بنظراتٍ متفرسة، قبل أن يقول:
_قوليلي بقى، مين يحيى دا وعايز منك ايه، ويعني ايه عايزك تقابليه، في بنت محترمة ومتربية تصاحب شباب وتطلع معاهم عادي كدا....، امك وابوكي عارفين الكلام دا يا نورين..!!!
ما بهِ يتحدث بهذا الهدوء، وقد ظن انهُ سيغضب ويثور عليها،.. وبهذا الهدوء شعرت هي باحتوائهِ فبكت،... بكت على شعورٍا لم تعهدهُ من قبل، لكن أدفئ قلبها.
طالعها مستغربًا من بكاءها، فاضطرب قليلًا، هاتفًا بتوتر، اخفاهُ بحنكة
_بتعيطي ليه طيب..!، اظن اني بتكلم بهدوء، يعني لو في حاجه قوليلي، عشان اقدر اتصرف....
وكأي فتاة مراهقة، انسلتت مشاعرها وراء تلك النبرة والنظرة الحانية، تُخبرهُ عن صديقها يحيى الذي تعرفت عليهِ في المدرسة الثانوية المختلطة، وعن عيد ميلادهُ الذي داعها اليه، ورفض والدتها وموافقة والدها، مخبرًا اياها انها لم تغدو صغيرةً، لكن ليتها لم تثق بهِ.
اتسعت عيناهُ زهولًا وهي تخبرهُ بمحاولة هذا الشاب الاعتداء عليها، قاطعها صارخًا بها بعنف وحدة:
_وانتَ ايييه...!!!، اتجننتي ولا جرا لنفوخك حاجه عشان تروحي بيت ولد متعرفهووش،... وابوكي دا عادي عندوا كدا...!!، ميعرفش حاجه عن الشرف ولا العرض ولا ليه في اي حاجه ليها علاقة بالرجولة،.... عارفه انتِ ورب العزة لو كنتِ بتي لكنت قطمت رقبت الـ خلفوكي...
انكمشت على نفسها للخلف تبكي بخفوت، فأشاح بصرهُ عنها، زافرًا بضيق، ثم هتف:
_وحصل ايه بعد كدا..!
استجمعت نفسها، وأمسكت دموعها قليلًا لتقول بين شهقاتها:
_بـ..بيرن عليا كل شويا...، يقولي..، يقولي عايز أقابلك.. والا.. والا هاجي أقول لمامتك... انك.. انك كنتِ عندي،... و..وبشهادة البواب كمان ...
اتسعت عيناهُ بدهشة، من سذاحة تفكيرها..!، ويبدو ان هذا الوغد قد لعب على تلك التقطة، واستطاع ان يوهمها بانهُ يمكن اذيتها حقًا.
مسك هاتفها، ثم مدهُ نحوها قائلًا:
_افتحيه...
ابتلعت ريقها وهي تُطالعهُ بدهشة، وتسأل، فلم يُجبها، بل مد يدهُ نحو جيبيه، يفرد قدمهُ المصابة ببطئ، ليخرج هاتفهُ.
فتحت هاتفها، وأعطتهُ لهُ، فقام بالدخول للهاتف والتقط رقم هاتف يحيى بكاميرا هاتفهُ، طالعها مُفكرًا قليلًا، ثم هتف بترقب:
_معاكي صوره ليه...
أومأت نافية سريعًا، فزفر براحة، ثم قال:
_اسموا ايه على الفيسبوك..
_يحيى عبدالعزيز بالأنجليزي،... ادخل على الفيس، هو.. باعتلي آدد.... بس ما قبلتوش...
دلف بالفعل على هذا التطبيق الشهير بالتواصل الأحتماعي، ثم ضغط على قائمة طلبات الصداقة، وبحث بين الموجودين عن اسمهُ وسرعان ما وجدهُ، فالتقط الأسم والصورة هذه المرة بعينيهِ وقد حفظهم جيدًا.
خرج من القائمة، فامتقع وجههُ عندما ضغط بالخطأ على صفحتها الشخصية، لتظهر امامهُ صورتها الشخصية، ترتدي بنطال قصير ضيق يكاد يُلامس ركبيتها، وتي شيرت قصير يصل لبعد السُرة.
مد يدهُ لها بالهاتف، يضعهُ نصب عينيها، قائلًا بضيق جمّ، فهمتهُ احتقار، خصوصًا وهو يهتف:
_بالله عليكي، دي صورة واحدة محترمة تتحط على الفيس الـ داخل والـ طالع يشوفها...!!!!
يأكلهُ التعجب والدهشة من ردود افعال والدها، فلوت كان لهُ ابنةً، لما سمح لها بهذا اطلاقًا،.. لا يُعارض أن تتزين وترتدي الضيق والشفاف والعاري ايضًا، لكن بمنزلهِ وبين احضانهِ وتحت عينيهِ هو، ليس أعين الغرباء، هتفها بينهُ وبين حالهِ وتلك المرة لم يستطع ان يكبتها، " اللعنة على أمثال هؤلاء الاباء، وألف لعنة تصيبهم"
******************************
الساعة الثامنة مساءًا، استندت على كتفهِ في وسط المياة التي تلونت باللون الأسود، والضوء القمر الساطع يلمع بها.
اخرجها من تأملها صوتهُ وهو يقول يحنان:
_مبسوطة يا ليدا..!!
ابتعدت قليلًا عنهُ وهتفت، وهي تُطالعهُ بحب وامتنان:
_أحمد،... ءـمري مش كنت مبسوط زي دلوءتي،...
وقفت تُطالع الأحواء حولها، ونسمة الهواء الباردة جدًا تضربها، لكنها تُنعش روحها، فقد اعتاد جلدها على البرودة، وتُعتبر تلك البرودة بنسبة لأجواء أمريكا ما هي الا جوًا رطب.
دارت حول نفسها بسعادة افتقدتها مُنذ موت والديها، هاتفة بفرح:
_ أنا حس، اني أطير من الفرحة أحمد...
وقف يُطالع فرحتها بسعادة، فمدت يديها نحوهُ فأمسك بهما، وأجبرتهُ على أن يدور مثلها، فأمسك يدها بقوة، وأدارها هو لترتفع تنورة الفستان للأعلى وهي تدور بسعادة، قائلة بصوتٍ عالي خرج من قلبها دق لهُ قلبهُ كالقرع على الطبول:
_فَــرحَــنَـاااااااااااااااااااا أحمد...
********************************
استكانت على السرير يتعب بعد أن زارها جميع أصدقاءهِ وزوجاتهم، لتوهَ قد خرجت سحر وفؤاد بصحبة، جمال ونورهان من عندهم، اقترب منها بخفوت يمسد على خصلات شعرها وهو ينظر لوجهها المرهق قائلًا:
_ معلش يا حبيبتي، والله كنت عايز أخلي الزيارات دي لبعد ما تخرجي، بس معرفتش...
ابتسمت بأرهاق وتعب، ثم أومأت قائلة:
_عادي يا وليد،.. أنا فرحت بيهم اوي،... وقمر كانت وحشاني اوي اوي...
_ ان شاء الله بعد ما تخرجي نعزمهم هي وريم كمان، وماتيلدا وتقضوا يوم سوا...
_لما اخرج ان شاء الله،... كان نفسي اروح كتب المتاب اوي، واشوف ليدا...
جلس جوارها على الفراش، بعد أن تزحزت لهُ قليلًا، ورفع يدهُ لتندس بين أحضانهِ، وهو مازال يمسد على خصلات شعرها، بعد أن أنزل حجابها، ورد قائلًا:
_أحمد قالي انهم هيجوا يشوفوكي،... أنا عارف انك كان نفسك تحضري،.... بس يلا تعوضي في الليلة الكبيرة بقى، وتبقى معاها من الصبح كمان يا حبيبي...
أومأت دون حديث، فقد ثقلت جفونها راغبة في النوم بشدة.
دقائق واستمع لصوت، تنفسها المنتظم، هتف مناديًا عليها بخفوت، فلم تُجييهُ، زفر بصوتٍا مسموع، وأنفاسًا حادة، عينيهِ تحملان وعيدٍا منتقم لتلك المدربة الملعونة التي كادت تسبب في قتل ابنهِ قاصدة، فقد رأى التسجيلات بأم عينيهِ وكيف استفذت صغيرتهُ لتخرج اسوء ما بها هكذا.
مال على رأسها يُقبل تلك المنطقة ما بين حاجبيها بعمق يتنفس بهدوء، فتداعب انفاسهِ صفحة وجهها البيضاء الباهتة.
ليتهُ يعلم نية تلك الحقيرة قبل أن يُدخلها بيتهُ، كادت أن تُبعد زهرتهُ عنهُ،... صغيرتهُ الذي يشعر نحواها بمشاعر لم يعهدها بوليد صفوان مطلقًا.
لو كان الألم إنسانًا لأخرج أحشاءهِ وهو يرى، على ما يفلعهُ بها وهي تكتمهُ وتظهر أنها بخير، لكنهُ يعلم انها تُعاني، ما بال عقاب رحمة التي تجرأت على أذاها، وكادت لولا ستر الله، فقت طفلها، وفُقدت هي ايضًا..!!
أومأ رافضًا تلك الحقيقة البشعة، وهو يتشبث بها بخوف، وعيناهُ تدور عليها، يستحيل أن تذهب وتتركهُ، ليس بعد تلك الراحة والسكينة اللتان يشعر بهما معها، تذهب هكذا وتتركهُ...!
********************************
قضى ساعة جوارها، يُملي عيناهُ منها، ويُبع روحهُ العطشة منها، حتى لو غافية بين ذراعيهِ، يكفيه هذا، ابتعد عنها بهدوء، دون إحداث اي ضوضاء، واتجه خارج الغرفة.
أوصى الممرضة التي تجاورها عند خروجهِ بأن تظل جوارها حتى يعود، بعد أن أعطاها مبلغًا من المال، فطالعتهُ بسعادة، قائلة:
__ حاضر يا باشا، في عيوني ما تقلقش خالص،... متحملش اي همّ يا بيه....
عاد لها يُلقي نظرة أخيرة عليها قبل أن يغادر، اطمئن أنا حالها بخير، وقد لزمت المنرضة مكانها على مقعدًا بجوارها، فخرج وأغلق الباب خلفهُ، ثم تقدم سيرًا نحو المصعد، يهبط لدور الأسفل.
خرج من المشفى، فسارع الحارس عندما رأهُ يقترب منهُ قائلًا:
_هجيب لحضرتك العربية حالًا يا بيه...
أومأ وليد قائلًا:
_لاء خليك، هات المفاتيح بس،... وقولي هي فين...
أشار الحارس على مكان وجود السيارة وأعطى المفتاح لوليد، فتقدم هو ذاهبًا نحوها.
لاحقًا، توقفت سيارتهُ أمام مخزن مبني بالطوب الأحمر، توجد حولهُ إنارة كثيرة، كان هناك رجلين يققان حول الباب يسيرًا ذهابًا وأيابًا.
تقدم وليد_ بعد أن وضع سيارتهُ جانبًا وهبط منها_ نحو الباب، فوقف الحارسين مردفين باحترام:
_نورت يا وليد بيه، اتفضل يا باشا....
فتح أحدهم الباب لهُ ودلف، ثم طالع المكان الذي ظهر مُصفح من الداخل، مليئ بالحجران المُغلقة بأبوابٍ حديدة، استمع لصراخ أنثوي، يخرج من أحد الغرف يقول بصوتٍ عالي:
_مش هاااخد البرشاااام،... مش هتشل زيهااا لو هموت من الجوع،... افتحوا الباب يا شوية*****.....
ابتسم وليد يمكر، ولم يعبئ لها إطلاقًا، بل سار نحو أحد الغرف، يطرق الباب ثم دلف.
وقف عادل باحترام مردفًا:
_وليد بيه، اهلًا يا فندم....
تقدم وليد منهُ قائلًا، وهو يطالع الشاشات التي تملئ الغرفة بالكامل، يظهر مداخل ومخارج القصر من جميع الجهات، كاميرات المشفى، والشركة، وجميع الغرف الموجودة هُنا، وفي الخارج، حتى انهُ وضع، خمس كاميرات في الشارع الخارجي والذي لا يمر بهِ أحد، ولكن لن يأخذ أي شيء للحظ، أو الصدف.
جلس على المقعد الموجود بجوار عادل، ثم قال:
_هات أوضة نيڤين....
اذعن لطلبهِ، وسرعان ما بدأ يطرق على لوحة المفاتيح امامهُ، فتغيرت أحدى الشاشات، وأتت بأربع صور عن أريع غرف هُنا.
ضغط عادل على غرفة نيڤين، لتتظهر بصورة كبيرة، تنام على السرير الحديدي بحالة يرثى لها، وقد غفت من كثرة الأرهاق والألم الذي يحيط جسدها.
التمعت عيناهُ بالغضب، وقد مر أمام عينيهِ صورة والدهُ في أخر حياتهِ كيف كان مكسورًا يتحاشى النظر لأعين أحدًا من اولادهِ، هي السبب في كل ما حدث وما يحدث، والأفعى الكُبرى هي سيد، فقد علم من سجلات توظيفها انهُ تم توظيفها في الوقت الذي ظهر فيه سيد بجوار والدهِ ثانيةً.
هتف بحدة وغضب:
_ابعت حد يكب عليها مايه، هي مفكرة نفسها نزلا في لوكاندة...
وقف عادل موميأً باحترام، ثم ابتعد لينفذ هو تلك المهمة، رأهُ وليد وهو يحمل دلو بهِ ماء، ثم اقترب من غرفتها وأخرج المفاتيح، ودلف لداخل.
سلط وليد بصرهُ على نيڤين، وابتسم بتشفي بعد أن وجدها تقوم صارخة بفزع وغضب تصرخ وتسّب عادل.
تركها عادل كما هي وخرج من الغرفة ثم عاد لغرفة المراقبة بعد أن أوصد الباب عليها بإحكام.
دارت نيڤين في الغرفة، ثك هتفت بوعيد وصوتٍ عالي ونبرة غاضبة حد الجحيم، مردفه:
_وليييييييييييد...!!!!!!، عارفه انك شايفنييي وسامعنييييي،.... مفكر ان الـ بتعمله داا هيعدس بالساااهل.....!!!، طلع أمر بقتل ابووك زمان، عشان اتنمرد عليناااا،... يس عزيز الـ**** هو الـ تصرف عشان ينتقم منواا،.... هيطلع أمر بقتلك وأنا الـ هقتلك،... هشرب من دمك يا ابن صفواان،..... افتح الباب دااا ..
لكن لا حياة لمن تُنادي، طالع وليد حالتها عبر الشاشة، يتنفس بعمق، أجل لم يقتلوا والدهُ كما فعل عزيز، لكن قتلوه من القهر والذل _الذي كان يُخفيهِ عنهم_ يوميًا، انقبض قلبهُ بشدة وشعر ينغزة حادة، وهو يُفكر إن كان قد تم استغفالهُ او لم ينتبه لنيڤين، او كانت الحقيقة مُخبأة ولم يعلم عنها شيء، كانوا سيهددهُ بزهرتهِ وطفلهِ وأخواتهُ،.. بجميت عائلتهُ..!!!، هز رأسهُ بحسرة، كيف تحمل والدهُ هذا العبئ الجثيم!!.
وقف عن مقعدهِ، حان الآن لكل فردًا أن يأخذ جزاءهُ، عليهِ أن يجمعهم جميعًا هنا، يقتص منهم أولًا ثم سيسلمهم لشرطة.
وقف عادل هو الأخر، وسار خلف وليد الذي أخذ يُفكر برضىى:
_مكنش ينفع استنى في الداخلية اكتر من كدا..!، اللواء دياب لو عرف ان الورق الـ بيلف عليه، والـ هيوقع الشبكة كلها.. معايا، مكنش رضى اني اسيب الشرطة، بس زي ما جبت حق ابويا من عزيز، هجيبه من الباقي،....... سامحيني يا زهرة!!
اقترب من أحد الغرف ووقف أمامها، فبادر عادل بفتحها بالمفتاح الخاص بها تلقائيًا، دلف وليد لداخل أولًا، وخلفهُ عادل، يُطالعان هذا المجثي أرضًا، مغمض العينيم ومكتوم الفم، موصدًا اليدين.
اقترب وليد، منهُ داعسًا بقصد على قدمهِ، ثم انتشل الغطاء من على رأسهِ، فانكشت ملامح رياض بألم، وهو يغلق عينيهِ فزعًا من النور القوي.
بدأ يفتح عينيهِ بهدوء، وقد تركهُ وليد يرى صدمتهِ الجلية على وجههِ عندما يفتح عيناهُ ويرى من يقف أمامهُ.
بدأ يفتح عينيهِ ببطىء، حتى اعتاد على الضوء، فعلقت عيناهُ بأقدام أحدهم يقف أمامهُ مباشرة، طالع جسد هذا الوقف بهيبة حتى استقرت مقلتيهِ _التي ارتسمت بمها ملامح الفزع والخوف_ على وجهه وليد الذي يُطالعهُ بشر، دنى وليد منهُ مردفًا بمزاح مصطنع:
_قولت مينفعش يبقى ابمبارح بتصيع وتعط، وانهارده يكون يوم حلو برضوا،... مينفعش يا رياض،... الحياة مش بتكون وردي علطول يا بابا...!!!!
ارجفت شفتيهِ وهو يحاول نطق اسمهِ بتوتر وخوف، فدنى وليد منهُ قائلًا
_بص، هنعمل deal سوا،... انا هسأل وانت تجاوب، ومن غير كلام كتير....،... وافتكر اني ما سبتلكش اوبشن انك تسأل..!
تقدم عادل وقام بجذبهِ ليجلس على أحد المقاعد الحديدة، ثم فك وصاد يدهُ وقام بإرجاعها للوراء، ووضع حولها أصفادٍا حديدة، مرتبطة بالمقعد.
جلس وليد أمامهُ على السرير، ثم وضع قدمًا فوق الأخرى، ورفع رأسهُ بكبرياء، واضعًا هاتفهُ بجوارهِ.
سعل رياض قليلًا، ثم قال بضيق:
_وأنا ايه الـ هيخليني اجاول عليك..!، ايه المقابل...!، هطلعني من هنا..؟!
حك أطراف شفتيهِ، وهو يمطهم بضيق، ثم قال بحزن مصطنع:
_يا رياض، يا رياض قولت مش بحب الأسئلة، ومش عايزك تسأل من اساسوا، انت روحك في ايدي يا حبيبي،....
ثم احتدت نظراتهِ وطالعهُ بوعيد، هاتفًا بشر:
_بمكالمة واحدة مني، عربيات الشرطة هتكون مترصصة برا، عايزينك عشان جريمة القتل الـ حصلت في شقتك الصبح......
جحظت اعين ناصر بصدمة جلية، اسعدت وليد حقًا، وما زاد من انتشاءهِ، حالة الهيجان التي اصابتهُ، وهو يحاول فك اوصادهِ مما جعل الكرسي يهتز بشدة، وهو يهتف بغضب وكره:
_انتَ كدااااب، بتقول كدا عشان تخليني اتكلم بس،.. لكن مش هقول حااجه، ومش هفتح بوقي يا وليد يا صفوااان.....
ابتسم وليد بهدوء، هاتفًا:
_هما كمان كانوا بيقولوا كدا...، بص كدا..
فتح شاشة هاتفهِ، ثم قربها منهُ لتظهر صورة الفتاة التي كانت معهُ ليلة أمس مدبوحة، هز رأسهُ بالنفي غاضبًا، وقبل أن يقول شيء، هتف وليد بحدة:
_ البنت دي اتقتلت انهارده الصبح، وقت ما خرجت بالظبط،... في شقتك يا رياض، يعني حكم مؤبد كدا....
أومأ رافضًا، ثم قال بخوف:
_بس انا مقتلتهاااش، معملش كدا، راجلك هو الـ خطفني، وانا سابها نايمة فوق،... مقتلهاش...
أغلق هاتفهُ واستكان بمكانهِ، ثم قال ببرود:
_منا عارف،... بس الحكومة هتعرف..!، القتيلة في شقتك، كانت معاك وتعرفها، ماتت وقت ما نزلت من شقتك، اختفاءك دلوقتي وهما بيقلبوا الدنيا عليك بيأكد انك القاتل..!!، ها لسا في تاني عشان الجريمة متكنش لبساك لبساك...!!!
ارتجف جسدهُ بخوف، وهو يرى أعين وليد التي تُقاد بالشر، مُعربة عن تصميمه أن يأخذ منهُ ما يريد، وجهه بصرهُ نحو عادل الذي وقف مبهوتًا من فعلة وليد، يكاد يُصفق لهُ أعجابًا لما فعل، وكيف يضغط على رياض بهذه الحجة، طالع رياض وليد ثانيةً، وابتلع ريقهُ بخوف، ثم هتف بتوتر واضطراب:
_هـ..هحكي...، هقول.. كل الـ انتَ عايزه،.. بسـ آآ..بس متسلمنيش للبوليس....
نمت على جانب شفتاه ابتسامة غرور وهو بأقل جهد اوقعهُ، بالطبع لن يلوث يديهُ بدماء عاهرة، ولكن ما هي الا خطة مع الرجل المسمى بـ حسن، وأوهما تلك العاهرة بانهُ سيفضحها، إن لم تستمع لحديثهِ، وفي المقابل ايضًا، ستأخذ مبلغ جيد على صنيعها.
تنهد وليد بصوتٍا مسموع ينم على راحتهِ، ثم طالع رياض الخائف، وابتسم قائلًا بهدوء ونبرة متوعدة:
_نبدأ بقى....!!
...................................................
.....................................
..........................
................
.........
....
..
.
أنت تقرأ
تائهة فِي سَرَايَا صَفْوَان © -مُكتملة-
Mystery / Thriller"دراما مصرية " _وليد إنت ليك علاقه بقتل محمود ..!! لم يستطيع الأجابة فقط أكتفى بهز رأسه بالايجاب ، فشهقت إلهام بصدمة وحزن في آن واحد وقالت: _اذاي .. اذاي يا بني ..! تنهد بحزن ثم اعتدل وطالعها قائلًا: _ ياسر يا إلهام هو الـ قاتلوا ، كان عايز يجندوا ب...