الفصل الرابع والخمسون

3.8K 190 20
                                    

تائهة في سرايا صفوان
الفصل الرابع والخمسون
**************************
خرج العامل من أبواب الفندق، بعد أن ابلغهُ ديڤيد بانتهاء مهمتهُ، وتأكد من قتلهِ، ذهب نحو الطريق الذي أخبرهُ انهُ سيجد جثة وليد بهِ.
لحظات، حتى توقف في المكان المنشود يبحث يسارًا ويمينًا عن وبيد، لكنهُ لم يجد أحد، حتى لا يوجد دماء..!.
وقف مصعوقًا، كيف حدث هذا ومن أنقذهُ، واين هو..!، ظل يدور في المكان بحثًا عنهُ، لكن لا يوجد أحد..!
في أحد الغرف، دلف أحدهم بالحقيبة للأعظم بداخل، ووضعها على المكتب، وعيناهُ يخشى رفعها، ثم تحرك خارجًا.
خرج الأعظم من عتمتهِ، وسار نحو المكتب، وقف امامهُ، وطالع الحقيبة بغرور، ها قد انتهى ممن كان يقيد حياتهُ ويهدد امبراطوريتهُ، فتح الحقيبة، والتي استغرب لكونها لا تحمل اي رقم سري بها.
لكن لا يهم، المهم انها بقبضتهِ، ظهرت الأوراق مقلوبة أمامهُ، فجذب أول ملف، وفتحهُ بفرحة، ما لبثت أن انطفئت وعينها تقرأ ما دوّن عليها
_"ابن سالم صفوان".....
اتسعت عيناهُ صدمة ورعب في آنً واحد، أين الورق..!، اين هو..!، ظل يقلب الأوراق الموجودة بعصبية وعنف، فلم يجد شيئًا، فقام بضرب الحقيبة بقوة فوقعت أرضًا.
وقعت عيناهُ على هاتفهُ فجذبهُ، وأخرج رقم الراجل المُكلف بأتيانهِ بالجثة.
رفع الهاتف على أذنهُ، بعد أن طلب الرقم، وانتظر لحظات، حتى فُتح الأتصال، فقال بغضب:
_هو فييين...
في الحديقة، ارتعب الرجل حتى شعر بأن قديهِ ترتجفان، وهو يستمع لنبرتهِ، والتي باتت أكثر خوفًا بالمضخم الصوتي، ابتلع الرجل ريقهُ مردفًا بخوف وقلق:
_ليس موجود، اختفى ولا يوجد حتى أثر لدماءٍ على الأرض سيدي......
ألقى الهاتف في الحائط بقوة مزمجرًا بصوتٍا حاد وقوة، تنم على غضبهِ المتضاعف أثر ما فعلهُ وليد بهِ..!
أخذ صدرهُ يعلو ويهبط أثر انفعالهُ، فجلس على الكرسي يضع يدهُ على قلبهِ، متنهدًا بقوة، لحظات حتى عاد يتنفس بطبيعتهُ، ثم هتف متوعدًأ:
_ماشي يا ابن سالم، انا هخليك تجيلي لحد عندي برجلك....
●○●○●○●○●○●○●○●○
في أحد المنازل القريبة من هذا الفندق، فُتح باب شقة ما، ودلف رجلين يُساندون رجلًا مصاب، هتف أحدهم بعجالة، وهو يطالع الواقف ينظر بشرود للبحر:
_ اتصاب يا باشا،...
استدار الواقف يُطالعهم بثبات، مقتربًا منهم، فتابع الرجل:
_اخد صاصتين في نفس المكان اخترقوا الواقي،.. بس أصابة سطحية يا وليد بيه متقلقش...
طالع وليد الرجل المصاب وسترتهِ الغارقة بالدم، مردفًا وهو يتفحصهُ بدقة، قائلًا:
_دا الدم الصناعي..!
رفع الرجل المصاب وجههُ مردفًا بإرهاق:
_هو يا باشا...
طالع وليد أحد الرجال الذين يقفون، وهتف:
_خده على اقرب مستشفى وخيطولوا الجرح...
أومأ الرجل بطاعة، ثم خرج بالرجل من الغرفة وخرج الاخر معهُ، عاد وليد يقف نحو الشرفة مُبتسمًا بمكر، وهو يتذكر ما حدث منذ ساعة...
"عودة بالوقت للوراء"
بعد أن أغلق وراء العامل، اتجه لداخل ثم حقيبتهُ وصعد الدرج، اقترب من أحد الأبواب دقها بخفوت، ثم دلف..
_وليد بيه، اهلًا يا باشا.....
كانوا خمسة رجال وامرأة بالغرفة، اقترب من المرأة التي تقف بجوار رجلًا ماكث على المقعد رافعًا وجهها لهُ...
طالع وجه الرجل بتدقيق، وهتف بإعجاب:
_براڤوا،.... حاسس اني شايف نفسي بالظبط...
رفعت المرأة وجهها لهُ وابتسمت بسعادة لإعجابهِ، ثم قالت:
_شكرًا يا باشا، أنا قربت أخلص خلاص...
اتجه وليد وجلس على أحد المقاعد، وظل يتابعهم حتى انتهوا، فابتعدت المرأة عنه مردفه:
_ خلصت يا ...باشا اتفضل شوف...
أدارت كرسي الرجل، ليظهر أمامهُ، شخصًا مماثل لهُ تمامًا، رمقهُ بإعجاب فعلًا، ثم أشار لأحد الرجال قائلًا:
_البدلة هتلاقيها في الشنطة، طلعها وادهالوا...
اقترب الرجل من حقيبتهُ، حملها ثم اتجه بها ووضعها على الفراش، وفتحها ثم أخرج البدلة شبيه اللون للتي يرتديها وليد.
وقف الرجل الذي أصبح مماثلًا لوليد، واقترب أحد الرجال منهُ، واقفًا امامهُ ثم قال:
_ارفع ايدك يا عبادة...
رفع عبادة ذراعيهِ رفعة استسلام، ثم البسهُ الرجل واقي الرصاص، انتهى فابتعد بعد أن اتم مهمتهُ ليقترب الرجل الذي سحب البدلة من حقيبة وليد، وساعد عبادة في ارتدائها.
رن هاتف وليد فوقف مبتعدًا عنهُ، وفتح الأتصال بنوعٍا من اللهفة وكأنهُ كان ينتظر هذه المكالمة من مدة:
_ايوا يا مصطفى..، ايه الأخبار...
_زي ما خططت يا باشا الشحنة اتصادرت في الجمارك، وياسر هرب وهو داخل مصر....
تنهد براحة، ثم تسأل بقلق قليلًا:
_ياسر تحت عينك يا مصطفى صح، اوعى تقول لاء، وهرب منك كمان....
_لا يا باشا، تحت عيني، وضاحي كمان، بس أنا كدا عايز نفر كمان معايا يا باشا، عشان عيني مش هتبقى على الاتنين، رغم اني متأكد ان ياسر مش هيخرج خالص...
صمت وليد مفكرًا، فيمن سيأتي بهِ، ويكون محل ثقة، هتف قائلًا بتسويف:
_طب سبلي مكانك، وعينك تبقى على ياسر اكتر من ضاحي يا مصطفى، وأنا هشوف حد من رجالتي وابعتهولك...
أغلق وليد مع مصطفى، ثم استند على الطاولة امامهُ، اللعين هذا تحت قبضتهُ من جديد، ترى ماذا يفعل بهِ، وكيف يؤلمهُ..
"عودة للوقت الحالي"
اقترب من هاتفهُ الموضوع على الطاولة، ثم مسكهُ وبحث عن اسم عادل، ولأن الوقت قد تأخر لم يشئ أن يُحدثها ويزعجها.
وضع الهاتف على أذنهِ وانتظر الرد، الذي جاءهُ سريعًا:
_ايوا يا عادل، ايه الأخبار عندك..!
_كلوا تمام يا باشا، الرجالة رايحه وجايه والدنيا أمان....
زفر براحة، ثم هتف محذرًا:
_عادل، عينك رايحه وجايه حولين القصر،.... متنمش يا عادل انتَ سامع!..
_تحت أمرم يا وليد بيه ، متقلقش.....
أغلق وليد الهاتف، متمتمًا بخوت وسخط:
_والله أنا ما خايف غير من متقلقش دي، حاسس ان في مصيبة هتحصل....
●○●○●○●○●○●○●○●○
توقف خمس سيارات بالقرب من قصر صفوان الشناوي بعيدًا عن مرمى البصر، وكانت السيارة محملة بحوالي عشر رجال مسلحين ومسجلين خطر، وجوههم تحمي بمفردها بطولات أجرامهم.
هتف كبيرهم بخشونة وهو يشير لمجموعة منهم بوراء القصر:
_عسوي ورجالته هتستلم ورا القصر،.. منصور ورجالته الرجالة الـ قدام البوابة، عيسى الـ جانبين، وأنا برجالتي هنجيب الهانم من فوق،.. ولو حد وقف في طريقوا اضربوا ناس، بس متقتلوش زي ما الباشا أمر....
لحظات وانتشرو كالنمل جميعًا حول القصر: وراءهُ، وعلى الجانبين، وفي الخلف.
شق السكون صوت الطلقات النارية وكأنها تُمطر عليهم رصاصًا من السماء، بدأو باطلاق النيران وراء القصر فوقع رجالًا من كلا الفريقين، وهكذا على الجانبين، أما في الأمام، فقد وقف كبيرهم ورجالهُ، يطلقون النيران على عادل ومن معهُ والبواب، الذي لم يستطيع الصمود فخر أرضًا، بعد أن تلقى رصاصة في بطنهِ.
احتمى عادل وبعض الرجال في البوابة من الخلف، وبدأو باطلاق النيران عليهم بقوة، اوقعوا معظم رجالهِ.
اخترقت رصاصة كتف عادل، فانكمشت ملامحهُ ألمًا، فقال أحد الرجال جوارهًا بعجالة:
_عادل باشا!!..
أشار عادل باليد السليمة قائلًا، وهو ينطلق لداخل:
_عطلوهم على آد ما تقدروا...
داخل القصر سيطر عليهِ حالة من الهرج والمرج، والجميع يركضون حول بعضهم وصوت صراخ النسوة يدق الأذن من قوتهِ ورعبهم.
صرخ عز الدين في أحضان والدتهُ التي اندفعت خارج الجناح صارخة بالنجدة، وهبطت زهرة من جناحهم وهي تبكي بخوف وقلق، ثم انضمت لمريم يحتضنان الإثنين أنفسهم باكين.
اندفع عادل داخل القصر، ثم أغلق الباب خلفهُ، وأنزل المزلاج الكبير على باب القصر، ثم ركض وهو يشير لسعادة التي تقف ووراءها الفتيات يبكون:
_هاتيهم واطلعيي فوق يا حجة سعادو بسرعااااه.....
صعدو جميعًا خلفهُ، وكاد أن يُكمل عادل صعودهُ لكن توقف على أثر صراخ إلهام المزعورة وهي تهتف بصراخ:
_ايه الـ بيحصل يااا عااادل، وايه ضرب النار دااااا...!!
اتجه عادل نحوها، ثم هتف بعجالة:
_ناس جات ضربة على القصر، وعايزين يدخولوا هناا....
أشارت إلهام لسعادة والفتيات، قائلة بلهفة:
_ادخولوا على جوا بسرعة يلاا،... اطلع هات زهرة ومريم وعز يا عادل بسرعة،.... بسرعة يا بنييي....
دلفن الفتيات لداخل منكشين على أنفسهم بخوف ورعب، وصعد عادل للأعلى ليجد زهرة ومريم متخذين ركنًا ما محصورين بهِ ويبكون بخوف، اقترب منهم قائلًا:
_زهرة هانم، مريم هانم، تعالوا معايا أوضة الحجة الكبيرة....
وكأنهُ اعطاهم الحل السحري، كبيرتهم!!، انطلقوا الإثنين ومريم تحمل عزالدين وخلفهم عادل الذي انتابهُ الخوف من سكون الصوت فجأة.
دلفت زهرة ومريم لداخل لتقابلهم إلهام أمامهم فارتموا بأحضانها باكيين، ثم هتفت زهرة بألم وهي تمسك بطنها:
_ايه ضرب النار دا يا تيتا...
ربتت إلهام على ذراعها مردفه باطمئنان، رغم انها ترتعب خوفًا عليهم داخلها، وقالت:
_ متقلقوش، خير ان شاء الله، روحوا اقعودو بس، انتوا حوامل، كفاية القلـ..آ
انقطع صوتها وشهقت بفزع مع صراخ الباقي، عندما استمعوا لصوت تهشيم زجاج النوافذ في الأسفل بقوةٍ، أطفئ عادل النور الخاص بالغرفة مردفًا :
_محدش يتكلم خالص....
ثم أغلق الباب عليهم سريعًا، فانكمشن على أنفسهم أكتر، وقامت مريم بدفن وجهه ابنها بصدرها وهي تهتدهُ وتهمس في أذنهِ كي يصمت.
تسارعت الأقدام في الأسفل عندما انتهوا من قتل جميع من بالخارج، وأصابة البعض و و و..!.
انطلق كبيرهم هذا عابرًا من النافذة التي حطم زجاجها لتو، وخلفهُ جميع رجالهِ المتبقين، بدأ بعضهم بالبحث في الدور الأول، وصعد كبيرهم ببعض الرجال على الدرج راكضين للأعلى.
توقف عندما لمح عادل يقف بأحد الطرقات، فاقترب منهُ مردفًا بقوة وغلظة:
_الهواانم فين يلا....
طالعهُ عادل مشهرًا سلاحهُ بيدهِ السليمة، ثم هتف بسخرية:
_يلا دي تقولها لأمك في البيت، خمس دقايق والشرطة تكون محاوطه المكاان...، وهنبقى نشوف مين الـ هيقول لتاني يلا....
تحرك أحد الرجال باندفاعية قلب الأسد، فاطلق عادل النار عليهِ دون أن يرمش حتى.
وعلى صوت الطلق الناري، تعالت صرخات النسوة بداخل، والتي خبت بسرعة.
طالع كبيرهم باب الغرفة، ثم بدأ يتقدم، فأطلق عادل رصاصة في كتفهِ مردفًا بحدة:
_ولا حركة محدش هيتحرك خطوة، والا على جثتي...
انحني الرجل قليلًا يمسك كتفهُ بألم، وعلى حين غرة أشهر سلاحهُ في صدر عادل ثم أطلق النار عليهِ.
وقع عادل فاقدًا للوعي، وارتفعت صرخات النساء من الداخل، تحرك كبيرهم نحو باب الغرفة، ثم دفعهُ بكتفه السليم، وأتى الرجال أيضًا يدفعون معهُ، حتى نجحوا بفتحهِ.
تجمدت أعينهم وتوقفت أنفاسهم، محاولين التقهقر للخخلف اكثر من هذا، وهو يرون هؤلاء الرجال يقتربون منهم.
أشارت إلهام لهم بعصاها في حدة، مردفه بقوة وعنف:
_عايز ايه يا كلب منك ليه!!...
طالع الرجل وجوه جميع النساء، حتى وقعت عيناهُ عليها، فاقترب من زهرة مردفًا بلامبالة:
_عايز ديي...
صرخت بخوف شديد، وتشبثت بمريم، وحاولت الخادمات الدفاع عنها، لكن أشهر جميع الرجال أسلحتهم في وجوههم، جعلوهم يتراجعون رعبًا.
هبطت إلهام على كتفهِ المصاب بعصاها بقوة، فصرخ الرجل ألمًا، وقام بدفعها بحدة صارخًا بها بوقاحة:
_يا وليه يا ****....
صرخت مريم على أثر وقعت إلهام بخوف وبكاء:
_تيتاااا...!!!
وقفت زهرة، وركضت سريعًا محاولةً الهرب، لكن لم تكد تصل لباب الغرفة، حتى قبض الرجل على شعرها من أعلى طرحتها، فصرخت ألمًا وحاولت التململ من يدهِ وهي تُبعد يدهُ القذرة عن شعرها، صارخة بقوة وألم:
_ابعد يا حيوااااان يا ابن الكلب...
هبط بقبضة يدهُ على رأسها بقوة، جعلتها تفقد الوعي في الحال، وقبل أن تقع حملها سريعًا على كتفهُ السليم، وخرج بها من الغرفة، هاتفًا:
_محدش يتحرك من مكانه غير لما امشي بيها.....
وخرج من الغرفة، تحت صراخ النسوة وبكاء عزالدين الحار.
●○●○●○●○●○●○●○●○
_وانتَ هتجيبه اذاي بس يا وليد،.. الـ في دماغك دي أوهام، مفيش أي أثبات على الكلام دا يا بني..!!!
تنهد وليد بإرهاق، ثم هتف بتصميم:
_هو الوحيد الـ سافر إسرائيل يا إبراهيم،.. ومفيش ليه اي شغل حكومي هناك او اي اوراق باسمه في اي حته...!
أرجع إبراهيم ظهرهُ للوراء، واستند بجزعهُ على يد الكرسي، وهتف متسألًا وهو يحك أطراف أصابعهُ في شعر ذقنهِ، مردفًا بتفكير:
_طب..، اشمعنى هو يعني..!
عاد هو الأخر بظهرهِ للوراء، رافعًا بصره للأعلى شاردًا في لقاءهُ مع سيد
"عودة بالوقت للوراء"
_يعني هو الـ دخلك السكة دي..!
تسأل وليد بنبرة ساخطة، يريد الوصول معهُ لنقطة محددة، يستطيع البدأ منها، أومأ سيد مردفًا:
_معرفش، أنا جالي واحد وقالي انوا مرسال، وان محمود بيقولي، الفلوس لعبت في ايدهُ شبه الرز، وعايزني معاه....
_طب شفته..!
أومأ رافضًا، فطالعهُ بتدقيق قائلًا:
_يعرف ان ياسر ابنه مش ابن عزيز..!!
اتسعت عيناهُ زهولًا لمعرفة وليد بأمرًا كهذا، ترى ماذا يعرف أكثر هذا الرجل، ابتلع ريقهُ بصعوبة، وهو يفكر في شيئٍا، لا يعرفهُ أحدًا سواه، تنهد قائلًا باحتراس:
_عرفته،... بس مردش عليا ولا اتكلم في الموضوع دا خالص، فنسيته....!!
حك ذقنهِ بخصلات شعرها القصيرة جدًا، ثم هتف متلاعبًا:
_طب وصفية الـ كانت مراتهـ..آ
_معرفش...
باغتهُ بهذا السؤال فورًا، قبل حتى أن، أن يُكمل حديثهُ، رفع حاجبهُ بدهشة لردهِ السريع، فتلجلج وهو يقول باضطراب:
_اا اقصد،.. مـ..ماتت،.... ماتت من زمان
اخفى ابتسامتهُ سريعًا وهو يومئ موافقًا، وقد تيقن انهُ يخفي شيئًا ما:
_اهه منا عارف.....
خرج من شرودهِ على صوت إبراهيم الذي يصيح قائلًا بحنق:
_ياا عم، الفون بتاعك،... رد..
انتبه لرنين هاتفهُ فجذبهُ، ليجد الرقم الأرضي للقصر هو من يدق عليهِ، فتح الإتصال سريعًا دون أن يتردد، ووضعهُ على أذنهُ، وقبل أن يهتف، استمع لسعادة تقول ببكاء وخوف:
_الحق يا وليد،... الحقنى يااا بني، خطفوا مراتك وقتلوا كل الـ الحرس،... قتلوهم يا وليد.....
وثب واقفًا بفزع وخوف، وجحظت عيناهُ زهولًا ورعبًا، وهو يهتف بصدمة:
_زهرة!!!، زهرة فييين يا داادة...
_خدوها يا بني، ووقعوا الحجة إلهام،.. والحراس مقتولين...
إزدادت حدة انفاسهُ وسرعتها، تسأل بعجالة وهو يلتقط معطفهُ، من أعلى المشجب، ويأخذ سلاحهُ قائلًا بغضب:
_عادل فين..!
_ضربه عليه نار هو كمان....
وقف إبراهيم، وهو يرى صدمتهُ وانفعالهُ مما يستمع اليه، والذي لهُ علاقة بزهرة، اقترب منهُ مانعًا خروجهُ، وهو يقول بحدة:
_اهدى يا بني بس، وفهمني في ايه....
_ابعد يا ابراااهيم..
فتح باب الغرفة بعد أن دفع إبراهيم عنهُ بحدة، متمتمًا بشر:
_ابن الـ****دا خطف مرااتي وقتل كل الـ حرس.....
ركض سريعًا للخارج نحو باب الشقة، فلحق بهِ إبراهيم سريعًا، وجذبهُ بحدة بعد أن أغلق الباب، قبل أن يخرج.
همّ وليد بالصراخ عليهِ، فقاطعهُ إبراهيم مردفًا بغضب:
_اهدى يا عم!!!، لو روحت هناك ولا قربت منهم هيقتلوك!!، ديتك رصاصة عندهم وخلص الكلـ..
دفعهُ وليد مُقاطعًا اياهُ، هادرًا في وجههِ بقوة:
_بقولك خطفوا مرااتي، خدوا زهرة يا إبـ..
_ولو روحت دلوقتي مش هتحصّل حاجه، هيقتلوك ويقتلوها بعد ما يعرفوا منك مكان الورق، ايه الـ هيحصل بعد كدا،.. ولا حاجه..!!، ارجع يا وليد وخلينا نفكر سوا، اذاي نجبها ونعرفه، والورق يفضل معانا...
كان يهم بقول أنهُ سيرمي تلك الأوراق لهم بالفعل، مقابل أن يتروكها، لكن...!!!، هتف إبراهيم بهدوء، محاولًا ثنيه عما يفكر، وهو يدفعهُ للداخل، قائلًا:
_أنا عارف بتفكر في اي، والـ أكيد لو كنت مكانك، من غير ما يكون معايا حد مش مضغوط زي، هروح واديهم الورق، واجبها، لكن الأول فكر كدا،...... هيقتلوكوا انتم الاتنين، القتل عندهم أسلوب حياة يا وليد،.... وبعدين فكر كدا في البنات الـ بيخطفوهم، ولا الشباب الـ بيدخللهم مخدرات وأرف،.. أكيد انت عارف اكتر مني بيعملوا ايه..!، لو عملت الـ في دماغك دا، هتضيع وضيع كل الناس دي معاك..!
زفر بخنقة وحدة، وعلى حين بغتة وقف أمام الحائط، يضربهُ بقبضة يدهُ، ينفس عن ألمهُ وغضبهِ الحاد، مزمجرًا بقسوة وغّل، لم يشيء إبراهبم على ردعهِ، تركهُ ينفث عن غضبهِ كما يشاء، قبض على يدهُ بغضب يحاول أن يثبت ولا يتحرك، عندما وجد دماء يد وليد تلوث الحائط، وهو لا يزال يضربهُ.
سكنت ضرباتهُ، بعد أن خبت قواهُ، فاستند على الحائط، يُخبئ دموعهُ، ثم تهاوت قدمها ليسقط أرضًا، غير قادر على الوقوف.
أشاح إبراهيم نظرهُ، عن صديقهِ، وهو يراهُ يسقط هكذا، الأمر فوق قوة تحملهُ...!
●○●○●○●○●○●○●○●○
تُحيط بطنها بذراعيها، وقلبها امتلئ رُعبًا، وصداع يفتك برأسها، تكتم أنينها في جوفها حتى لا ينتبه لها أحدًا، وتكون العاقبة وخيمة.
ارتفع رنين هاتف ما بالسيارة، فانتبهت وأصغت لما يُقال..
_ايوا يا باشا معانا، عيب عليك دا انا المعم شلدوفه!
_............
_ولا يهمك يا رجولة، شوف هتستلم السنيورة فين بالظبط، وأنا جاهز، واخد باقي ضيافتي....
_........
_حبيبي يا باشا كل زوقك..
توقف الحديث، فعلمت أن المكالمة قد انتهت، زفرت بخفوت، تُناجي ربها الخلاص من أيديهم، هداها عقلها لهُ، فتسألت كيف حالهُ الآن عندما يعلم بأمر اختطافها، لابد وانهُ سيقلب الدُنيا رأسًا على عقب.
تنهدت بألم قليلًا وهي تبتلع ريقها الذي جف، هامسة:
_وليد..!
●○●○●○●○●○●○●○●○
رنين هاتفهِ، هو من أهبهُ للوقوف سريعًا، يلتقطهُ من على الأرض، فقد وقع أثر دفع إبراهيم لهُ ليدخل.
اقترب إبراهيم منهُ، مردفًا باستغراب:
_مين!!...
_رقم مش معروف...، الوا
فتح الخط وأجاب،.. فصمت الطرف الأخر قليلًا، حتى هتف:
_يعني مش انت الـ انصبت،.... عشان كدا كنت مخطط لخطة تانيه، عارف انك مش هتستسلم بسهولة....
احتدت ملامحهِ هاتفًا بشراسة وقوة:
_كويس انك عاارف، واكيد عارف برضوا اني هاجبها وارجعها، وهحط دماغك تحت رجلي...، وهتشوف!!!...
ارتفعت قهقهة عالية منهُ، حتى هدأ وقال:
_وأنا مستنيك، مستنى اشوف دماغ الأعظم الـ طول عمرها فوووق، تحت دماغ صرصار زيك اذاي!!،.. الساعة ستة الفجر بعد 100 كيلو من الشط في البحر هتلاقيني هناك، ومعايا المدموزيل مراتك الحلوة،.. تسلمني الشنطة.... واتأكد ان فيها الأوراق،... تاخد مراتك بالسلامة،.... ولوحدك، هاا لوحدك، اي حركة غدر هتحصل، فيها رقبة مراتك...، الـ أكيد حلوة،... سلام يا مان
انقطع الإتصال، فرفع رأسهُ لأعلى قابضًا على الهاتف بيدهِ، بغضب وشر، ولولا أن طاقة الإنسان وغضبهُ الكامن داخلهِ، لا يُرى، والا كنتم قد رأيتم حجم النيران الثائرة التي تندلع داخلهُ.
●○●○●○●○●○●○●○●○
خرجت عشر سيارات إسعاف من باحة قصر صفوان اتباعًا، ولو لا أوامر وليد المشددة، بعدم أخبار الشرطة لكان القصر وما حولهُ، مزدحم بالسيارات، وقف سراج يتابع خروج الخادمات، بعد أن تم توفير سيارتين ميكرو باص، لتقلهم حيثُ منازلهم حتى يعود رب عملهم، اقتربت مريم وهي تحمل عزالدين، وتجر حقيبة بها بعض أغراضهم، واقتربت من سراج، هاتفة بقلق:
_حد مات من الحرس!
أومأ سراج مردفًا:
_لاء، بس فيه حوالي خمسة متصابين أصابة جامدة، والباقي الحمدلله الواقي حماهم....
_طب زهرة طيب!!..
_والله يا ام عز الموضوع بقى في ايد وليد، لأن الـ خطافها عايزه هو،... يلا بينا...، هاتي عز عنك..
أخذ عزالدين عنها، لأنها لن تقدر على حملهِ، فلم يعد صغيرًا، ثم اقتربت تسير خلفهُ نحو سيارتهِ، متوجهين لمنزلهِ.
●○●○●○●○●○●○●○●○
تقف في حجرتها، تسير ذهابًا وأيابًا، تضع يدها على جبهتها بضيق تارة، وتارة تُمسد على وجهها زافرة بحدة.
اتجهت نحو الهاتف، لن تصبر على الصمود أكثر، فلتهاتفهُ وترى ماذا أصاب أهلها.
استمعت لصوت المفتاح يدور في الخارج، فعلمت انهُ هو، أغلقت روبها سريعًا، واتجهت للخارج مهرولة، لترى يدلف يحمل ابن شقيقها، وزوجة شقيقها خلفهُ.
_مريم!!...
رفعت مريم وجهها لها، فسارعت الأخرى بالتقدم نحوها ثم ضمتها بشدة، فأطلقت مريم تأوهًا حار، جراء ما حدث لها، وكيف كانت على وشك الموت!.
ابتعدت عنها، ودفعتها لداخل قائلة:
_تعالي ادخلي،.. ايه الـ حصل ياسراج طمني، وتيتا فين!..، وزهرة..!!
زفر سراج بخنقة، وبكت مريم بخفوت، مما جعل دقات قلبها تعلو بخوف، ثم سألت بنبرة مهتزة:
_في ايه!!، ايه الـ حصل!!
ابتلع سراج ريقهُ بألم، ثم اقترب منها ضاممًا ايها باحتواء، تحت أعين مريم، التي عضت شفتها السفلية بقهر، كم تتمنى أن يكون جوارها ويساندها، ويضمها هكذا!!!.
وقفت مردفه، بصوتٍا متقطع:
_سُـ..سُمية، معلش،... وريني هقعد فين!!،... أنا تعبانه ومش...، مش قادرة افضل كدا...
اسرعت سُمية نحوها قائلة بشيئٍا من اللهفة:
_ مالك يا مريم، تعبانه اذاي..
ابتسمت مطمئنة ايها، ثم قالت:
_متقلقيش يا حبيبتي، أنا بس ضهري شادد عليا اوي، عايزه أفرد جسمي مش أكتر...
_طيب تعالي...
أخذت عزالدين النائم على كتف سراج، ثم سارت معها، حيثُ الطرقة، اتجهت سُمية لأحد الغرف، وفتحن بابها مردفة، وهي تُشير لها بدخول:
_الأوضة دي بمفتاح من جوا، اقفلي براحتك، خشي ارتاحي وغيري هدومك، عقبال ما أحضرلك لقمة سريعة....
كادت تهم بالخروج، فقبضت مريم على ذراعها برفق، ثم قالت رافضة:
_متحضريش حاجه يا سُمية، أنا تعبانه ومش هقدر، عايزه انام بس..
ربتت سُمية على ذراعها، ثم اطمئنت على راحتها، وخرجت من الغرفة التي كانت تمكث بها، بعد أن أتت لهنا، وهي من وضعت القفل، بعد أن علمت انهُ يتسلل كل ليلة ويمكث جوارها بعض الوقت.
استمعت لصوتٍا ما، في غرفة نومهم، فعلمت انهُ دلف اليها، فسارعت نحوها، كي تعلم منهُ تفاصيل ما حدث وتطمئن على جدتها وزهرة
●○●○●○●○●○●○●○●○
تنهد بضيق، مردفًا بسخط، ورفض:
_لاء يا وليد،... مش شايف انك كدا بتعرض حياتك للخطر....
هدر بحدة وغضب:
_وأنا مش هستنى لما يشوفك معايا، يقوم قتلها يا إبراهيم..، انسى اني اخاطر بحياتها...
_يا بنيـ..آآ
قاطعها مردفًا برفض قاطع، غير قابل لنقاش:
_انسى!!!،.... خلينا ماشين زي ما قولتلك، وان شاء الله هجيبه...
تنهد بإرهاق مضيفًا بألم وحزن:
_انا بس عايز اطمن عليها واسمع صوتها،... عايز اطمن انها بخير، والكلب دا مأذهاش!
مال عليه إبراهيم، مربتًا على كتفهِ بمساندة، ثم هتف:
_ما تقلقش، ربنا هيحفظها ان شاء الله...
تمتم بخفوت:
- يا رب!
مرت دقائق من الصمت، كان وليد يجلد نفسهُ بها، ليتهُ أخذها معهُ، على أقل ستكون تحت عيونهُ،.. ليتهُ ذهب بها لأمهِ، ستكون بمأمن هناك وسترعها سلمى أيضًا، ليتهُ، وليتهُ، وليتهُ!!!!!.
وعلى ذكر سلمى، وثب واقفًا وهو يتحسس جيوبهُ قائلًا وهو يبحث بعينيهِ على سطح المكتب:
-فوني فين!!...
ثم بدأ بنزع الأوراق من عليهِ، باحثًا عنهُ، تحت هتاف إبراهيم المستعجب:
-ايه يا بني، في ايه!
-هكلم دكتور يحيى يطمني على الـ هناك،.... اهو!
وجد هاتفهُ، تحت ورقة ما بعيدًا، فأخذهُ ثم سارع بالطلب رقم الطبيب يحيى، وضع الهاتف على أذنهِ، منتظرًا الرد، حتى اتى فقال بلهفة:
-دكتور يحيى، طمني على الـ عندك!
-لا يا وليد بيه، اطمن شويا، في حراس متصابتش برصاص خالص، بس حصل اصطدام جسدي عنيف، في بعض الكدمات بس، وفيه سته الرصاص في إيديهم، وبعض في رجليهم، والأستاذ عادل، واخد طلقتين، واحده في كتفوا، ووحده في بطنوا، وراجل كبير في السن، الطلقة صابت جزء من الكبد، وهو دخل عمليات عشان يشيلوا الجزء دا، بس الكبد مش هيتشال،... وسهل بعد كدا الجزء دا يتجدد ان شاء الله وترجع طبيعية....
أعطى لهُ تقرير مفصل عما حدث، ومن أصابتهُ خطيرة ومن لا، ولكن أكثر من حزن لأجلهِ، هو البواب والد سلمى!.
هتف مردفًا وكأنهُ تذكر لتوهِ:
-الحجه إلهام جات معاكوا!
-اصرينا عليها تيجي يا فندم، عشان نطمن عليها، بس هي بخير الحمدلله، الوقعه مأثرتش على اي حاجه في جسمها، رغم انها كانت شديده، مهما كان ست في سنها، اي وقعه تأثر عليها جامد...
تنهد براحة قليلًا، ثم أومأ مردفًا:
- خليها في المستشفى، لحد ما اجي انا بنفسي اخدها..
- تحت امرك يا وليد بيه!
أغلق وليد مع الطبيب، ثم تنهد بضجر وحنق، ووعيد أيضًا، زفر بقوة وهو يُلقى الهاتف على سطح المكتب بعشوائية ويُلقى جسدهُ على المقعد بقوة، شاردًا في نقطة ما، تابعهُ إبراهيم حتى انتهى، وسكنْ، ثم قال مستغربًا:
- اي يا بني مالك، مش اطمنت عليهم!
اخرجهُ من شردهِ، فاعتدل قابضًا على يدهُ بغل، مردفًا بغضب:
- يعتبر ما تصبش فيهم كتير،...
تنغص ما بين حاجبيهِ بعدم فهم، ثم هتف:
- يعني اي؟، انتَ كنت عايزهم يموتوا ولا ايه!
أومأ رافضًا، مردفًا بنبرة حادة:
- لاء، بس دول من شوية ضرب في جسمهم وقعوا،... دا يعني مشغل شوية عياال، هكلم منصور العدل، والغي معاه التعاقد نهائي، وهجيب رجالة من برا، من شوية كدمات، وقعوا ومقدوش يقوموا يحموا البيت، يبقى ما يستهلوش يشتغلوا عندي!!
هز إبراهيم رأسهُ موافقًا على حديثهُ، فهو لو بمكانهِ لفعل مثلما قال.
أعاد وليد رأسهُ للوراء، يُفكر فيما رتب اليه، يدعو الله أن يأتي بهذا الرجل، حتى يتمكن من ايقاف بعض الفساد في البلد.
طالع ساعتهُ، هاتفًا:
- الساعة اربعة ونص ، يلا بينا...
نظر إبراهيم لسا يدهِ، فوجدها بالفعل تُشير لرابعة والنصف، وقف مستعدًا، ثم طالع وليد قائلًا بتسأل:
- الشنطة فين!..
انحنى وليد يأخذ الحقيبة من أسفل المكتبة، وكانت حقيبة مماثلة لما تركها في الفندق.
جذب معطفهُ، ثم تقدم وتحرك إبراهيم بجوارهِ، يجول في بال الإثنين كيف يخوضان تلك المعركة دون خسائر بنسبة لهم.
جاور إبراهيم وليد داخل المصعد، فطالعهُ وليد بامتنان وشكر، ممتن على وجودهِ ومساندتهُ، وشاكرًا لثنيهِ على قرارًا كان سيأخذهُ ويضيع ما ضحى والدهُ، وعرض حياتهُ للخطر في سبيله.
وقف وليد بالقرب من سيارته ووقف إبراهيم جوارهُ، ليطمئن عليهِ، قبل أن يفترقى.
طالع وليد إبراهيم قائلًا بجديةٍ، وتأكيد:
- إبراهيم، حياة زهرة والورق أهم من أي حاجه بالنسبالي،... أهم مني شخصيًا!، أوعى لو اتحطيت في مقارنة بيني وبين الاتنين دول تختارني،.... زهرة يا إبراهيم...
يؤكد على للمرة الثانية، هاتفًا اسمها بلوعة وألم، أومأ إبراهيم بحزن، ثم احتضنهُ مودعًا اياه.
استقل وليد سيارتهُ، ثم انطلق بها بسرعة شديدة دون أن ينظر للوراء، يرجو ربهُ، أن يحفظها لهُ، ويُرجعها لأحضانهِ سالمة، قبض على عجلة القيادة بحدة ، هاتفًا بتوعد:
- لو لقيتك عملت فيها حاجه، ورحمة ابويا لأقتلك....
●○●○●○●○●○●○●○●○
المكان بارد، مُظلم، حتى وإن لم مظلم، فعيناها موصدتان، لا ارى شيئًا، وفمها تُحيط بهِ، قماشةً مشدودة، تُغلقهُ.
شعرت بالباب يُفتح، ثم قدمان تقترب، مال عليها أحدهم حتى شعرت بأنفاسهِ، فانكمشت على نفسها برعب وهمت بالتحرك للخلف، الا انهُ قام بالقبض على يديها الموصدتان بحبل، متحدثًا بلهجةٍ غريبةٍ لم تعرفها، لكن مع جذبها يديها للأعلى، علمت انهُ يأمرها بالوقوف.
لعنتهُ داخلها، بسبب _غشوميتهِ_، وكأنهُ يسحب حيوان، لا إنسان، ليت فمها حرًا طليق؛ لسبتهُ، تحركت معهُ في الطريق الذي يقودها فيه، وهي تكتم ألمها داخلها، فقد أُرهقت بالمعنى الحرفي للكلمة، لكنها وللأسف تُعاونهم حتى لا يُصيبوها وطفلها بأذى.
دب الرعب قلبها، وهي تشعر بالكثير حولها، حتى ارتعشت يدها من الخوف، استمعت لصوت فتح الباب، ثم تقدم بعضهم للخارج، ودفعها من يمسك بها لتتقدم هي أيضًا.
شعرت بالدرج تحت قدميها، فهبطت معهم تتحسس بقدمها العارية، عرض الدرجة حتى لا تقع وتتأذى.
مرت دقائق، حتى تم دفعها ثانية في سيارة ما، وقد تبدل صوت من يُحادثها، والا الآن لا تعلم من هم، وأين هي، وماذا سيفعلون بها، فقط كل ما تعرفهُ وتفعلهُ، أنهم يعلمون وليد، وتفعل كل ما يأمرونها بهِ.
أنغلقت أبواب السيارة، وشعرت باثنين يجاورونها، تنهدت داخلها بحزن، تدعو الله أن يمر ما يحدث على خير، وأن يكون وليد قد علم بأمر اختطافها، قبل أن يفعلوا بها شيئًا.
استمعت لصوت تعمير السلاح، فشهقت شهقتًا مكتومة، وتلقائيًا وجدت حالها تبكي خوفًا ورعبًا، وعقلها ينسج ألاف السيناريوهات، عنا سوف يفعلون بها، ابتلعت ريقها تُبعد تلك الغصة بحلقها، ثم هتفت داخلها بخوف واضطراب:
- يا رب نجيني منهم، أنا مش عايزه اموت يا رب...
●○●○●○●○●○●○●○●○
صوت اندفاع القارب البُخاري الصغير _الانش_ يشق سكون البحر، ووليد يندفع بهِ بسرعة عالية داخلهُ وسط الأمواج العالية، يديهِ تُحكمان القبض حول أيدي القارب، عينيهِ مثبتتان على الطريق، يُغلقهم للحظاتٍا بين الحين والأخر، بسبب اندفاع الهواء الكبير لداخل مقلتيهِ.
بدأت شمس النهار تُظهر بداية قرصها البرتقالي، مما أعطى لسماء شكلًا صاخبًا، متدرجًا من اللون البرتقالي الناري أمامهُ، حتى الأزرق الداكن خلفهُ.
كل ما يُفكر بهِ، هـــي وفقط، ترك أحدى أيادي القرب، ثم وضع يدهُ خلف ظهرهِ، نحو حزام بنطالهِ، يطمئن على السلاح الخاص بهِ، ثم أعاد يدهُ كمان كانت، ورغم انهُ يعلم بإنهُ سيتم أخذهِ منهُ، لكن لن يطرق شيئًا للإحتمالات.
وقعت عيناهُ على الحقيبة، فعاد ينظر للأمام ثانيةً، بعزمٍا وتصميم، لن يجعلهُ يأخذها منهُ، لن يُجاذف!.
على مرمى بصرهِ وجد يخت متوسط الحجم، يقف على بُعدًا منهُ، طالع الشاشة الرقمية في القارب، ليجدهُ قد قارب على أن يكون بعد الـ مئة كيلو ميتر من الشاطئ.
اقترب من اليخت، وبدأ بتقليل السرعة، حتى توقف أسفلهُ، طالعهُ رجلًا من الأعلى، ثم عاد للخلف واختفى.
دقيقتين ووجد سُلم من الحبل يهبط من الأعلى، ثم بدأ رجلين بالنزول للأسفل.
قفز الأول داخل القارب الصغير، ثم اتبعهُ الأخر، أمسك وليد الحقيبة بين يديهِ بإحكام، وهو يطالع الرجلين بشراسة.
اقترب أحدهم، واضعًا كفيهِ على كتفهِ يُفتشهُ، هبوطًا للأسفل، أدارهُ ثم بدأ بتفتيش ظهرهِ، لتقع يداهُ على سلاحهِ، جذبهُ منهُ بحدة، ثم أعطاهُ لصديقهِ، دون حديث حتى ظن أنهم لا يتحدثون.
صعد واحدًا منهم الأول، ثم أشار الأخر لوليد أن يصعد هو الأخر، فتقدم يمسك الحبل بقوة، ثم بدأ يتسلق الأسطوانات الخشبية الغليظة، وهو يمسك بالحبل السميك جدًا بيدهِ.
قفز على سطح اليخت، بعد أن قفز من يصعد أمامهُ، ثم دار بعينيهِ، في المكان جيدًا يدرسهُ، خمسة رجال مسلحين ملثمين، يقفون في أماكن عشوائية عليهِ.
وقف بثبات في مكانهِ، عيناهُ تتفرس كل حركة صغيرة تُصدر من أي اتجاه، يقبض على الحقيبة بين يديهِ بحدة.
في الأسفل، نزعوا عنها رباط فمها، فتنفست منهُ بعمق، شاهقة بإلم عندما فكوا رباط عينها أيضًا، بدأت تفتح عينها بهدوء، تُرفرف بجفونها، كي تعتاد على الضوء.
تجمدت أطرافها، وشعرت بأن لسانها قد شُّل وهي ترى ثلاثة رجال ملثمين ضخامي الجثة يقفوا أمامها، دارت رأسها باحثة بعينها في المكان، علها تعلم أين هي، ورغم أنها تشعر بحركة الأمواج التي تجعل اليخت يعلو ويهبط بخفوت، لكن ظنت انها تتوهم، فالغرفة مغلقة ولا ينفذ داخلها اي صوت.
في الخارج، انفتح الباب، وظهر رجل قصير القامة الى حدًا ما، وجههُ مخفي خلف قناع، يرتدي معطف طويل من اللون الأسود، وبنطال أسود، حذاء مرتفع أسود اللون، وقفازاتٍا سوداء.
اقترب من وليد واقفًا امامهُ، فسلط وليد عينيهِ على مقلتيهِ بتحدي، طالعهُ باستخاف قاصدًا استفزازهُ، هاتفًا بسخرية:
- مش راجل كفاية تقف قدامي وش لوش، ولا عشان خايف مني!!
اشتدت عضلات وجههُ أسفل قناعهِ، وكان من السهل عليهِ رؤيتها، أدار وليد عيناهُ على المكان، ثم تحرك بهدوء، مما جعل الجميع يصوبون أسلحتهم عليهِ، فرفع يدهُ الفارغة باستسلام قائلًا بسخرية:
- انا واقف اهوا يا شباب، متقلقوش!!
رفع الأعظم يدهُ بثبات، ثم قبضها فهبطت الأسلحة وعاد الجميع لأماكنهم، وقف وليد مستندًا على السور الأخر، والذي تكمن المياهُ أسفلهُ مباشرة، اقترب الأعظم منهُ، هاتفًا بقوة:
- الشنطة!!
طالعهُ وليد بتدقيق متفرسًا وجههُ، وهو يهتف متذكرًا:
- حاسس اني سمعت الصوت دا قبل كدا!!!!
اضطربت عيناهُ، وتوترت عضلت فكهِ، وهو يقول مُحاولًا تجاهل حديثهِ، راسمًا الجدية:
- هات الشنطة!!
احتدت نظراتهِ نحوهِ، ثم أجاب بحدة وجدية:
- مش قبل ما تجيب مراتي، واشوفها واطمن انها سليمة!!!..
رفع حاجبهُ موميأً بموافقة، مردفًا:
- ومالوا...
زادت شكوكهُ نحو شخصهِ، يعلم تمام العلم أن من أمامهُ رأيس الكيان بأكملهِ، فلن يُجاذف بأن يبعث شخصًا يأخذ أوراقًا كتلك، من الممكن أن يستخدمها ضدهُ، وبسهولة يجعلهُ عبدًا لديهِ.
رفع كفيهِ مُصفقًا، فتحرك أحد الرجال الذين أتوا بهِ من الأسفل، نحو الباب الذي خرج منهُ منذ قليل، ثم اختفى داخلهُ.
في الأسفل، كان الحال كما هو، زهرة تحدجهم بنظراتٍا فاحصه مُتأهبة لأي شيء.
فُتح الباب، ففزعت، وسلطت أبصارِها نحو من فتحهُ، لتجدهُ أحد الرجال الشبيهين للموجودين أمامها.
طالع الرجل الثلاثة رجال، مردفًا بلهجة عبرية:
- السيد يأمركم أن تصعدو بها في الحال...
أومأو موافقين، وتحركوا نحوها فارتعش سائر بدنها، وهي تُطالعهم برعب، مسك أحدهم كفيها، فصرخت بفزع وقاومتهُ بضراوة، وهي تهدر بغضب:
- ابعد يااا كلب...
لم يعبئ بها، بل جذبها لتقف فوقفت مرغمة، وهي تُثقل جسدها متشبسة بالأرض، صارخة بعنف:
- مش متحركاااه،.. ابعدوو عنيييي، يااا وليــــــــد....
نادتهُ صارخة، تستنجد بهِ، رُغم عدم علمها بجودهِ، استمع هو لصراخها بالأعلى فتأهبت حواسهُ وجسدهُ لها، جاء أن يتحرك، فرفع الأعظم كفهُ بوجههِ، قائلًا:
- مكانك، لو عايزها بخير يبقى مكانك...
اضطر أن يقف مكانهُ، وهو يستمع لصراخها يشعر بمقومتها لهم من صوتها المتقطع والمنبوح قليلًا، اقترب صوتها، ثم فجأة صمتت عن الحديث، فاتسعت عيناهُ برعب، ثم قبض على ياقة معطف الأعظم بيدٍا واحدة صارخًا بهِ وهو يجذبهُ نحوهُ:
- عملت فيهـ..آ.
- ولييد وليييد!!!!...
انقطعت كلماتهُ، فور أن انفتح الباب وخرجت مع الرجال، وقد أزال الرجل قبضتهُ عن فمها، طالعها بحنين وتعالت دقات قلبهُ، وهي تهتف بهِ مرة واثنين وثلاثة، علها تؤمن بوجودهِ حقًا.
أشار الأعظم لرجالهِ بتركها، فركضت نحوهُ بسرعة عالية، ليفتح ذراعيها، مُستقبلًا اياها، بشوقٍ وحب.
اصطدمت بجسدهِ، بعنف وقوة، فأحتضنها بقوة، يكاد يدخلها داخلهُ، هبط بيداهُ يحل رباط يدها، فشهقت براحة عندما أزالهُ، ثم رفع يدهُ مربتًا على ظهرها بحنان.
ابعدها عنهُ، مُحيطًا كفيهِ بوجهها، قائلًا بلهفة:
- انتِ كويسة، حد عملك حاجه، كويسة!
أدمعت عينها، وهي تهز رأسها بنعم مائلة على كفهِ التي تُحيط وجهها قليلًا.
- الشنطة، أظن اطمنت وكلوا تمام،... هاتها بقى...
رفع يدهُ التي تحمل الحقيبةِ، ثم ألقى الحقيبة لهُ مردفًا بنبرة مستسلمة:
- خد...
رفع الأعظم يدهُ مُتلقفًا الحقيبة بلهفةٍ، استدار جميع الواقفين نحو وليد وزهرة، مشهرين سلاحهم نحوهم، أوقفها جوارهُ مُحيطًا اياها بحماية، وهي تصرخ بفزع، ورأسها يدور يمينًا ويسارًا برعب، على الأسلحة الموجهة نحوهم.
طالع الأعظم وليد، قبل أن يتحدث، وقال وهو يشرع في فتحها:
- لحد متأكد انهم الأوراق بس...
لم تكن نيتهُ هكذا أطلاقً، مال وليد على أذن زهرة قائلًا بهمس وحذر، وعيناهُ مسلطة على الأعظم وهو يفتح الحقيبة:
- خدي نفس جامد...
عقدت حاجبيها مستغربة لما قال، ثم هتفت بعدم فهم وتلجلج:
- آآيه!!
- بقولك خدي نفس جامد، بسرعااه...
في الواقع قد انحبست انفاسها، ولم تأخذ نفسًا كما قال، فقد انحنى حامِلًا ايها بسرعة، وقبل أن يستوعب أحد، وضع قدمهُ على عارضة سميكة في السور، ثم وقف عليها ومنهُ على حافة السور ثم هم بالقفز، تزامنًا مع إطلاق النار نحوهُ، فاخترقت رصاصة جانب ظهرهِ، وهبط غائصًا أسفل المياهِ بها.
جحظت عين الأعظم برعب وصدمة مما فعلهُ، لهذا وقف على الجانب الأخر، حتى يُتيح لهُ القفز، لأن الذي كان يقف عندهُ يكمن قاربهُ أسفلهُ...
تجمع جميع الرجال، مصوبين أسلحتهم يطلقون الرصاص في الماء بعشوائية، علها تُصيبهم، بينما فتح الأعظم الحقيبة لتتسع عيناهُ بصدمة، وهو يراها مماثلة للحقيبة الأخرى، وورقة تعلوها مدوّن عليها:
-..... وليد صفوان
إذن، " ابن سالم صفوان...وليد صفوان"، صرخ بصوتٍ عالي، وهو يلطمها، ويلقيها أرضً، ثم سحب سلاحهُ واتجه نحو رجالهِ يدفعهم بعيدًا ليقف في الأمام يُطلق الرصاص في الماء.
هدر برجالهِ صارخًا بغضب:
- أقفزوا خلفهم، أتوني بهم في الحـــــــال، هيــــــــا.....
دفع برجالهِ جميعًا للأسفل داخل الماء، وهو يقف في الأعلى يُطلق النار ويبحث بعينيهِ عنهم، يلعن نفسهُ ألف مرة ومرة!
صوت قوارب صغيرة تشق الأمواج تقترب منهُ، اتسعت عيناهُ زهولًا وهو يجد نفسهُ محاصرًا بين سبعة قوارب، ورجالهِ قد اختفوا من أمام عينيهِ.
في الأسفل، قفز إبراهيم في قارب وليد، ثم اقترب ممسكًا السُلم، وبدأ بالصعود عليهِ، وخلفهُ جميع الرجال التي تبدو هيئتهم، أو منها تجزم أنهم من قطاع الطريق، والعُداه.
أسفل الماء، انقطعت انفاسها وفقدت الوعي، من كثرة احتياجها للهواء، وهو قد تمكن الألم منهُ، فلم يعد قادرًا على الحركة.
استجمع قواهُ، وهو يطالع الماء حولهُ، وقد فقد اتجاه الشاطئ أين هو!، حاول أن يتذكر مرة وأخرى، لكن لم يستطيع، حولهُ الماء من كل جانب، لم يعلم شمالهُ من جنوبهُ، أو شرقهِ من غربهِ.
أمسك يدها بحدة، حتى لا تُضيع منهُ، ثم سبح للأمام، جسدهُ يصرخ من ألم الحركة تلك، يشعر بالرصاصة تدلف داخل لحمهِ أكثر، هبط للأسفل قليلًا، حتى لا يستدل أحدًا عليهِ، من دماءهِ.
شعر بأنهُ سيفقد الوعي، فقبض على يدها بحدة، حتى لا تبتعد عنهُ، أنفاسهُ محبوسةٍ، ولا يستطيع التنفس، يشعر بالغثيان من كمية المياه المالحة، التي دلفت لهُ.
هداهُ عقلهُ سريعًا، لفكرة ستجعلها ملتصقة بهِ، حتى أن فقد الوعي، لن تضيع.
يشعر بجسدهِ يهبط أسفل الماء أكثر، والمكان الى حدًا ما، بات مظلم، طالع المكان جيدًا، فوجد الشمس تُضيئ الماء بقوة من هذا الاتجاه، فعكس مسارهُ، كي تحملهُ الأمواج بعيدًا عن داخل البحر.
كان يرتدي -سويتر- ثقيل، قام بفتح السحاب، للأسفل ثم دسها في أحضانهِ، ظهرها لصدرهِ، وقام بإدخال يديها في أيدي الـ -سويتر- ملتصقه بيدهُ، ثم أغلق السحاب عليهم سويًا.
جسدهُ بالطبع يصرخ من الألم، لكن إن لم يفعل هذا سيفقدها، وجد عيناهُ تُغلقان، ورأسهُ تُطيح للوراء، رئتيهِ تُطالبان بالهواء، وعقلهُ قد جعلهُ يفقد الوعي بسبب انعدام الاكسجين!!
.....................................
.......................
...............
.........
.....
...

تائهة فِي سَرَايَا صَفْوَان  © -مُكتملة- حيث تعيش القصص. اكتشف الآن