الفصل الخامس والأربعون "الجُزء الثاني"

3.8K 207 22
                                    

تائهة في سرايا صفوان
الفصل الخامس والأربعون
"الجُزء الثاني"

****************************

مرت دقيقتين تمامًا، وعاد رنين هاتفهُ ثانيةً، ففتح فتحي الاتصال وهو يقول:
_اهلًا يا فندم، صباح الخير...
_..............
_لاء حضرتك انا فايق، تحت أمرك....
_..............
شخصت ابصارهُ فزعًا، وعلت الجدية ملامحهُ وهو يهتف غير مصدقًا:
_مين..!!، انا لله وانا اليه راجعون،... حصل امتى الكلام دا يا فندم.....
_من نص ساعه بالظبط، حد من معافي كلمني وقالي، وهيصلوا عليها بعد الضهر ان شاء الله...
جلس على السرير بحزن شديد، مردفًا:
_متشكر اوي يا فندم،.. انا عارف ان وليد كان استحاله يكلمني ويقولي،... صاحبي وانا عارفه مش هيرضى يكلمني وانا تالت يوم جواز كدا....
_لازم تكون مع صاحبك يا فتحي انهارده...
_أكيد يا سيادة اللواء قبل ما حضرتك تقول كمان،... هلبس ودقايق وهكون عنده...
_تماما، نتقابل في الدفنه.. مع السلامة...
أغلق فتحي الاتصال مع دياب، ثم استند بكوعه على قدميه وهو يحتضن وجهه بحزن، متذكرًا تلك السيدة الفضيلة التي طالما اعتبرتهم جميعًا كأولادها.
عاد من شرودهِ، على يدها التي تُربت على ظهره بحنان قائلة:
_ايه يا فتحي،.. ايه ايـ حصي..!
تنهد بحزن، مردفًا:
_والدة وليد،.. طنط منال اتوفت انهـ..آآ
لم يكمل كلماته، حتى شهقت ريم بفزع، ثم همست:
_سُمية..!!، فتحي، سُمية أكيد محتجاني، يازم ايوح،.. فتحي، يازم أكون معاها،...
كان مستنكرًا ذهابها الآن، لكن مع اصرارها،وأن بتأكيد سُمية تحتاجها الآن، طالعها وهو يومئ هاتفًا بعجالة:
_طب اوك،.. جهزي نفسك يلا، ...ريم مش عايز تأخير عشان الحق اكون مع وليد من بدري...، صح أما ارن على أحمد وهيما...
!!!!
*****************************

كانت زينب تجلس بجوار ابنها تطعمه، اوقفها نبيل مردفًا وهو يشير لأحد عظام الفرخة المنتهية:
_ونبي يا ماما، دلدقي حتت العضمه بالقرقوشه دي في الشربة وهاتيها...
طالعته بتقزز وهي تهم بفعل ما يريد قائلة:
_انتَ مش هتبطل ام العادة الزفت دي، والله هتفضحنا لو خطبنالك وعملت عند اهل خطبتك كدا،... والله دول يقول مفجوعين..!!
_يييه،.. اسطوانة كل مرة..، يا ستي انا بحب القرقوشه بالشربة،... مالك انتِ...
ضربته على ذراعهِ السليم، وهي تقول بحدة:
_احترم نفسك، بدل ما اقلع الـ في رجلي واديك بيه....
مضغ تلك القطعة التي يتحدث عنها، بتلذذ شديد جدًا، هتف وهي مازالت بفمه كالمصاصة:
_حماده لسا نايم...
تنهدت بضيق هاتفه:
_ايوا،.. راجع الساعه سته الصبح ما صدقت انوا نام الحمدلله...
_ليه،.. كان بيصيع فين الصايع الضايع دا..!
ضربته ثانيةً بحدة أكبر وهي تهتف:
_احترم نفسك يا نبيل، لحسن اقسم بالله البسك صنيه الأكل في وشك...
هتف ساخرًا:
_هلبس اكتر من لابس..، قوليلي بس راحع سته ليه..!
_رنوا عليه في الجهاز عايزينوا ضروري فراح،.. رن عليا اطمن عليك وقالي انوا احتمال مايرجعش انهارده،.. قالبي كان واكلني عليه اوي،.. دا بقالوا داخل في الاسبوع مش بينام كويس،... منوت ترتيبات الشقة ومنوا الشغل،... لحد ما والله نشف وعينوا دخلت لجوه كدا...
كتم نبيل ضحكاتهُ بصعوبة على تعبير والدته، لكن داخله كان يحزن لأجل اخوه، فهو يسعى جاهدًا لتشطيب منزل الزوجية خاصته، قبل انتهاء هذا الشهر الذي لم يعد باقي به الكثير، وعمله الذي يستنزف جهدًا مضاعف.
أخرج تلك العظمة من فمه، بعد أن أخذ منها ما يريد، ثم وضعها على الصينية، وقال:
_ربنا يقويه يا ماما،.. انتِ عارفه احمد واحد تحمل المسؤلية دا من بابا،.. انا فتكر برضوا مكناش بنشوفوت غير كل شهر مرة ولا مرتين، وساعات مش بنشوفه خالص، وانتِ الـ شايل الحمل على دماغك وزيادة،.. لحد ما ربنا توفاه،.. شيلتي الحمل اكتر واكتر واهو أحمد حين يشيل شويا، انا عارف اني تعبك بقعدتي دي و آآآ..
قاطعته هاتفه بحنان:
_تاعب ايه يا حمار انتَ،.. دا انا لو اطول افتح قلبي واقعدك فيه انتوا الاتنين،... انا ليا مين غيركوا يا نبيل، انتوا الاتنين سندي وأماني في الدنيا رجالتي الـ بتبـ..آآ..
قطع كلماتها المؤثرة صوت رنين هاتف، فهتف نبيل:
_معلش يا ست الكل، هتلاقيه حد من صحابي جاي ولا حاجه....
أمسك هاتفهُ وطالع المتصل، ثم سرعان ما ارتسمت ملامح الاستغراب الشديد على وجههُ وهو يهتف هامسًا:
_فتحي...!!!!
استمعت زينب للأسم، فقالت مستتكرة:
_فتحي مين يا بني،... فتحي المنياوي صاحب أخوك...
أومأ مردفًا:
_ايوا هو،.. والله انا لو دكتور نسا وتوليد مكنتش هستغرب انوا يرن عليا تالت يوم فرحوا...
وكزته والدته بحدة قائلة بنزق:
_يا اخي بطل قلة ادب بقى،.. رد عليه ولو عايز أحمد قوله نايم تعبان عشان راجع الصبح متأخر...
أومأ موافقًا، ثم فتح الاتصال، هاتفًا بمزاح:
_ايه يا عريس،... الدنيا ضاقت بيك حاي لسنجل تاخد نصايحه ولا ايه...! ، على عموم انتَ جيت في المكان الصح...
وكزته امه ثانيةً، فهتف بضيق وهو ييعد الهاتف عن اذنه:
_ايه يا ماما بقى في ايه..!!
عاد الهاتف ثانيةً، وهو يقول:
_اهه يا حبيبي بتقول ايه..!!
_..................
نبرتهُ جعلتهُ يشير لوالدته بالهدوء، والصمت، ثم أردف متسألًا:
_لاء والله نايم يا فتحي،.. حصل حاجه ولا ايه..!
_....................
تهدلت أكتافه وارتسمت ملامح الحزن على وجهه، وهو يستند السرير هاتفًا بأسف:
_لا حول ولا قوة إلا بالله،... انا لله وانا اليه راجعون....
علت ملامح زينب الاستغراب الشديد، ثم ربتت على قدمه السليمة بحدة، وهي تسألهُ هامسة عما حدث، فأخبرها بالصبر قليلًا، رجع ليهتف مخبرًا فتحي:
_لاء طبعًا هصحيه،... الدفنة الضهر ولا العصر...!
_...........
_خلاص يا فتحي،.. ان شاء الله عشر دقايق ونكون حاهزين،.. هخلي ماما تصحيه فورًا...
_...........
_حاضر مع السلامة....
أغلق المكالمة مع فتحي، فصرخت والدتهُ:
_ايه يا بني، ايه الـ حصل ومين الـ مات....
طالع والدتهُ مردفًا:
_مامت وليد يا ماما، طنط منال،... اتوفت والدفنة بعد الضهر....
تجعدت ملامحها بحزن شديد، وقالت:
_انا لله وانا اليه راجعون،... كانت ست طيبة وروحه حلوة، الله يرحمها ويثبتها عند السؤال...
طالعت نبيل قائلة:
_هروح اصحي أحمد بسرعة،.. عشان يكون مع صاحبوا من بدري كدا، يقف ايدوا بأيد بعض...

تائهة فِي سَرَايَا صَفْوَان  © -مُكتملة- حيث تعيش القصص. اكتشف الآن