تائهة في سرايا صفوان
الفصل التاسع والخمسون
" الجُزء الثالث"
꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂صمت، صمت، صمت، لم يقطعهُ سوى صوت سراج الصراخ بلهفة، وهو يراها تعود بجسدها للوراء فاقدة للوعي مردفًا:
- سُميــة!!
وقف وليد سريعًا، وهو يأخذ زجاجة العطر التي كانت مع زهرة مسبقًا، واقترب من اختهُ، بينما سامي، فقد احتضنتهُ مريم بمساندةٍ، وقد أدمعت عيناها من الصدمة.
انفطر قلب تلك التي تقف في الظلام بعيدًا، وبعاطفة أمومية شديدة، ساقتها قدميها الى أولادها. تجمد جسد سامي وهو يرى والدتهُ حية تُرزق أمامهُ، وعلت وتيرة أنفاسهُ بشدةٍ، وشعرت والدتهُ انهُ على مشارف البكاء، فتركت ابنتها التي يحتضنها زوجها واخوها، واتجهت لسامي، صغيرها الذي مهما كبر سيظل طفلًا بعيناها.
انحنت لهُ واحتضنتهُ بقوةٍ، وهي تشتم رائحة عبقهِ بقوةٍ باكية، وهي تهمس بصوتٍ متحشرج:
- يا حبيبي يا بني يا حبيبي..
رفعت يداهُ لتقبلها بحنين، فانسلت من بين يداها هابطًا للأرض، يقبّل قدميها بشدةٍ، وعلا صوت بُكاءهُ، فانحنت بجسدها لهُ، وجلست أرضًا تحتضنهُ مردفة:
- اوم يا حبيبي، مكانك فوق يا بني، ربنا يخليك يا سامي يا رب..
رفع وجههُ الذي غرق بالدموع، وهمس رافعًا كفيها لفمهِ قائلًا:
- انتِ عايشه صح،..
قبّل يداها، مُتابعًا بلهفة:
- أنا مش بحلم، لاء.. أنا آ آآ أنا حاسي بيكي، أنا مش بحلم..
احتضنت رأسهُ لصدرها بقوةٍ، وقالت نافية وبكت بتأثر:
- لا يا نور عيني مش بتحلم،.. أنا معاك اهو..
- مــ..ماما!
استدار سريعًا بلهفة نحو طفلتها التي هتفت بها، وبدون أي مقدمات، ألقت سُمية جسدها في أحضان والدتها، ولم تعبئ اي منهم بقوة الأصطدام، ولا حتى شعرت سُمية بألم بطنها الذي عصف بها.
صرخت سُمية بوالدتها وهي تحتضنها، وتتشبث بها بقوةٍ، وكأنها غير قادرة على تصديق انها تحتضنها بالفعل، امتلئ وجهها بالدموع، وأحمرت عيناها للغاية، وهي ترفع وجهها هامسة بشفاهٍ مبتلة:
- مـ..مـ..ماآآما، انتِ عاآآ يشة بجد...
قبْلت منال كل أنشًا بوجهه فتاتها الصغيرة بحنان، وعاطفة أموية شديدة، تُثبت بقُبّلتها انها على قيد الحياة بالفعل، دفنت سُمية وجهها بصدر والدتها، وهي ترفع كفيها لفمها تُقبْلهم بعمق، وأخذت نفسًا عميق من رائحتها، تلك الرائحة التي تخص امها وحدها، ولا شبيه لها بالكون، وتسألون عن أي رائحة يُحبها المرء، سأقول رائحة الأم!
مالت زهرة -وهي تبكي- على جسد وليد الذي احتضنها مقبّلًا أعلى رأسها بحنان، بينما مريم فقد تشبثت بالمقعد بقوةٍ، وهي تُحاول كتم دموعها، وهي تترك الدور لأولادها اولًا باشباع عينيهم وأجسادهم بها.
رأت زهرة حالة مريم التي أوشكت على الإنهيار، فابتعدت عن وليد واتجهت سريعًا نحوها تجلس جوارها، فاستدارت مريم لها تحتضنها بقوةٍ، وهي تبكي بخفوت.
كانت إلهام تُتابعهم من بعيد، ودموعها تهبط على وجنتيها بصمت، فمهما كان انها رأت منال من قبل عدّة نرات فور أن علمت بأمرها، الا ان لقاءها بأولادها كان مهيبًا!.
مرّة ربع ساعة، حتى جاولت ان تجعل اولادها يستجمعوا قواهم، ويقفون، ساعدت سُمية، والتي أحاط سراج خصرها ليرفعها كي يجلسها على الأريكة، ثم اتجهت منال لمريم وزهرة فأفسحت لها زهرة المكان وجلست بينهن، ثم احتضنتهم الإثنين، قائلة:
- تعالوا، انتوا بناتي الـ مخلفتهمش، وحشتوني اوي..
احتضنتها الإثنين، فربّتت على ظهرهم بحنان، دقيقتين، حتى تحركت يد منال لبطن مريم الكبيرة تُمسد عليها برفق، قائلة:
- ربنا يكمل حملك على خير يا بنتي..
ثم طالعت زهرة، وهتفت مبتسمة:
- ويرزقك بالخلف الصالح يا حبيلتي انتِ كمان يا رب..
اومأت زهرة هامسةً:
- ءامين..
اقترب سراج، والذي ذهب مع وليد لرؤيتها أول امس عندما اخبرهُ، ليكن بجوار سُمية، سلم عليها وانحنى مُقبّلًا كفها بحب، متمتمًا:
- حمدلله على سلامتك يا عمتي...
ابتسمت قائلة بحنان:
- الله يسلمك يا حبيب عمتك، خد مراتك يا سراج واطلعوا ناموا، والصباح رباح...
هزت سُمية رأسها، قائلة برفض قاطع وصوتٍ متحشرج:
- لاء،.. هـ... هبات معاكي..
كانت منال بالفعل تحتاج لذلك، فطالعت سراج، ااذي هز كتفيهِ مردفًا بيأس:
- مقدرش ارفضلها طلب!
ضربهُ وليد على كتفهِ من الخلف بقوةٍ خفيفة، هاتفًا بمزاح:
- ماشي بشورتها يا حيلتها!
قهقه الجميع على ما قالهُ، وأمسك سراج ذراع وليد يثنيها خلفهُ قائلًا بتهديد مضحك:
- ما بلاش انتَ يا بتاع زهرة!
بحركةٍ عنيفة، أصبح هو من يمسكهُ وقلب الوضع، ليمسك وليد بسراج، متمتمًا:
- مالوا بتاع زهرة يلا..
ثم نظر لأختهِ التي تجلس باحضان امها، وهتف مازحًا:
- عيزاه ولا اخلصلك عليه..
أومأت برفض ثم همست بصوتٍ مجهد:
- بس يا وليد، دا حبيبي دا..
علت ضحكات الجميع، وتحدث وليد بخفوت:
- يا خاينة!
وكزهُ سراج في جانبهِ بحدةٍ، فنظر لهُ محدجًا اياهُ بقوةٍ وشراسة، ليجدهُ يقول:
- عيب عليك، انا مسيطر برضوا!
- وليد ستك نامت يا حبيبي..
همست بها زهرة وهي تقترب منهُ، فطالع جدتهُ التي مالت برأسها قليلًا وغفت، فتمتم:
- سهرت كتير اووي انهارده..
اقترب منها، وهمّ بحملها، فاستيقظت بعد أن شعرت بهِ، وقالت:
- ايه يا بني عايز حاجه..
- سلامتك يا ست الكل، تعالي عشان تنامي يلا..
اقتربت منال، وأصرت هي التي ستساندها لغرفتها، وكانت قد ظلت منال مع إلهام هذا اليوم كاملًا غي الخفاء، حتى ظهرت الآن.
ودعت ابنها سامي بحنان، الذي كان يُتابعها بعينهِ، يخشى اختفاءها، وكان سراج يُساند سُمية لغرفة امها، وأخذ وليد زهرة وصعدوا ليرتاحوا بعد عناء هذا اليوم الطويل للغاية.
أمسكت كفهُ، بحنان وهي تضع يدها الأخرى على بطنها، قائلة بلين:
- يلا بينا أحنا كمان..
أومأ موافقًا، وصعدوا الإثنين ايضًا لغرفتهم، وكان سامي كالطفل الذي ينساق وراء أي شيء، فقد ساعدتهُ مريم في تغير ثيابهُ، ثم استلقت جوارهُ، تحتضنهُ مأزرة، حتى شعرت بانتظام انفاسهِ، وانهُ قد خلد لنوم، فمالت برأسها على رأسهُ، وأغمضت عيناها، ذاهبة في ثُباتٍ عميق.
●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●
غيرت ثيابها، لثياب نومٍ مناسبة، ثم أخذت هاتفها، واستلقت جوارهُ، فهتف مستغربًا:
- هتعملي ايه!
زفرت بضيق، وطالعتهُ مردفه:
- وليد، أنا مش هقدر انام من غير ما اطمن على قمر، وكل ما ارن عليها فونها مقفول، وانا بدأت اقلق، رنلي على ابراهيم من عندك بالله عليك..
هز رأسهُ يأسًا، ثم قال:
- يا بنتي الساعة تلاته ونص، حد يرن على حد وش الفجر!!
أومأت، مردفه بسخط:
- آه أنا..، رن يلا بالله عليك..
- يا زهرة اسمـ..
- ييييه!!، خلاص خليك..
اعتدلت هي، ثم نزلت من على السرير، واتجهت نحو الناحية الأخرى، وجذبت هاتفهُ، تحرك قليلًا على السرير لداخل، فجلست هي، وقامت فتح هاتفهُ ببصمة أصبعها، فهتفت عندما وجد أصرارها الكبير:
- هاتي يا زهرة، هاتي.. صبرني يا رب
اعطتهُ الهاتف بابتسامة واسعة، فجذب يدها، وجعلها تنام جوارهُ، ليقول بخفوت:
- تعالي يا أخرة صبري، والله لو قال كلام أبيح انا هعذره، محدش بيرن على حد دلوقتي يا زهرة!!!
هتف كلماتهُ الأخيرة، بنبرةٍ متوسلة ان لا تفعل ما تريدهُ، الا انهُ هتفت بأصرار:
- مليش فيه!!، رن يالا!..
●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○
يجلس متأملًا اياها وهي تنام بسكونٍ عجيب، بعد أن أخذت دواءها، تفحص الغطاء للمرة التي لا يعلم عددها، ودثرها جيدًا رغم انها تلتف بالغطاء ولا يظهر سوى رأسها. أراح رأسهُ على الوسادة قليلًا، وعيناهُ لا تنفك تُتبعانها، تنهد بسعادةٍ، وهو يتذكر ما حدث منذ أربع ساعات..
"عودة بالوقت للوراء"
طرق الباب، فأذن الطبيب بالدخول، وتعلقت أعين قمر وإبراهيم، بهذا الممرض الذي يحمل نتيجة التحليل التي أجرتهُ قمر، مُنذ قليل، أخذ الطبيب النتائج، واستئذن الممرض للخروج، وخرج.
فتح الطبيب الاوراق، وهو شبه متأكد لحالتها، وتلك الأعراض البادية عليها، ابتسم الطبيب، ثم وضع الأوراق على المكتب، ونظر لهم سويًا، ثم سلط أبصارهُ على إبراهيم، مردفًا:
- علّي بيه هينتظر حفيدوا بعدك كام شهر من دلوقتي
علت الصدمة ملامح الإثنين، وهتف إبراهيم بذهول:
- يعني ايه!
ابتسم الطبيل، قائلًا بسعادةٍ:
- يعني مبروك، المدام حامل..
سُكن عمّا المكان، سوى من صوت أنفاسهم العالية، نظرت قمر الى إبراهيم، والتي بعد أن كان وجهها شاحب، ومتعبة اصبحت كالبدر تمامًا بهذا الخبر الغاية في السعادة، همست بصوتٍ منخفض، وابتسامتها تزداد اتساعًا:
- إبراهيم!!
بندائها فصلهُ عن شروده، الآن باتت هواجسهُ جميعها في محط الرياح، انتهت تلك الكوابيس التي تؤرق منامهُ، وبدأت ابتسامتهُ تتسع رويدًا رويدًا، حياتهُ حقًا أصبحت جنة بها، انتهى امرهُ وهلك في بحور غرامها، وهي الآن تُهديهِ قطعة منها ومنهُ.
انتهيا من الفحص كاملًا، ولم يرد الذهاب قبل ان تزور الطبيبة النسائية لتخبرهم انها بشهر الثاني، ودونت لها بعض الأدوية التي تحتاجها تلكوالفترة، مع تنبيهها بالراحة التامة، حتى يمر الشهر الثالث على الأقل.
لم تفارق كفها يدهُ اطلاقًا، حتى صعدا لسيارة، قبّل يدها بحنان ورقة بالغة، متمتمًا بصوتٍ رجوليٍ عميق:
- أنا كدا مابقتش عايز حاجه تاني من الدنيا بجد، انتِ هديتيني كل حاجه حلوة فيها بين كفوفك يا قمر..
"عودة للوقت الحالي"
صدح صوت اهتزاز هاتفهُ على زجاج الكومود من خلفهُ، فأخرهُ من شرودهِ في تلك الساعات الماضية، استدار سريعًا وهبط من على السرير، مستندًا على الكومود، ثم أمسك الهاتف سريعُا، وضغط زر قفل الشاشة لينكتم الصوت. ضغط على الزر ثانيةً، ليرى المتصل، والذي سرعان ما جعل ملامحهُ تنعقد باستغراب ودهشة، متمتمًا:
- وليد!!
نظر لقمر التي لم تتحرك أنشًا واحدًا، ثم تحرك نحو الشرفة، يستند على كل ما يُقابلهُ، لأنهُ لم يكن يرتدي قدمهُ الصناعية، دلف الى الشرفة وأغلق الباب خلفهُ سريعًا، كي لا يدخل تيار هواء لها ويزعجها، ثم فتح الأتصال، وهتف باستغراب:
- وليد!، ايه يا بني، قلقتني!
على الناحية الأخرى طالع وليد زهرة بحنق، وأشار لها بالهاتف وكأنهُ يقول أرايتي؟!، حدجتهُ بضيق، وهزت رأسها بمعنى أكمل..، فمط شفتاهُ بسخط، وهتف لصديقهُ:
- معلش يا هيما، طمنا على قمر يا سيدي، زهرة مش عارفه تنام غير لما تطمن عليها، وفونها مقفول!، طمنا..
ابتسم إبراهيم بسعادةٍ، وهتف بنبرةٍ مغتبطة:
- قولها بعد سبع شهور بالتمام والكمال هتبقى خالتوا..
صرخت زهرة بصوتٍ عالي ينم على فرحتها الشديدة المفاجأة، فزجرها وليد بعينهِ بحدةٍ، لتضع يدها على فمها، وكتمت وجهها بالوسادة التي تحتضنها.
نزع وليد الغطاء، وهبط من على السرير واتجه نحو الشرفة، قائلًا:
- الف الف مبروك يا صاحبي، ربنا يقومها بالسلامة يا رب..
أغلق باب الشرفة خلفهُ، وإبراهيم يقول:
- الله يبارك فيك يا صاحبي، عقبال زهرة يا حبيبي يا رب..
تنهد وليد مردفًا:
- اللهم ءامين يا هيما يا رب،.. كدا بقى أظن تنام براحتك وماتقرفناش تاني!
قهقه إبراهيم بصوتٍ عالي، ثم قال بارتياح:
- آه والله، موضوع الخلفة دا كان مشتتني اوي يا وليد..
مط وليد شفتاهُ، مردفًا بسخرية:
- وعلى يدي والله، دا انتَ كنت بتديني رن الفجرية بتوقف شعر راسي من الخضة..
زفر إبراهيم بصوتٍ مسموع، ثم طالع السماء الحالكة من حولهِ، وهتف:
- كنت مرعوب لتكون الحادثة أصرت عليا في الخلفة يا وليد، الموضوع كان مرعب بنسبالي، أكتر مما تتصور يعني..
هز وليد رأسهُ متفهمًا، ثم هتف مطمئنًا:
- طب الحمدلله، وادي قمر حامل اهي، يعني انتَ كويس، وهي كويسة، والحمدلله كلها كام شهر ويبقى عندكوا ساعي صغير كمان..
انتهت المكالمة على خير، وعاد وليد لزهرة التي كانت بمكانها، عيناها تُحاربان كي يُغلقا الى انها لا تريد النوم سوى ان يكون جوارها، وجدتهُ يدخل من الشرفة، فقالت بصوتٍ ناعس للغاية:
- وليد، اقفل الستاير بالله عليك عشان الشمس..
همس وهو يدور براسهِ في المكان:
- فين الريموت!
وقعت عيناهُ على ريموت كنترول خاص بتلك الستائر الألكترونية الخاصة بالشرفة، والتي حينما تكون على النافذة تمنع دخول اي شعاع لشمس اطلاقًا.
اندثر جوارها، وقربها منهُ فهمست، وعيناها تُغلقان:
- كنتوا بتتكلموا في ايه بقى!
وضع رأسهُ اعلى رأسها، وربّت على ظهرها قائلًا:
- حاجات للكبار،.. نامي يا زهرة، نامي..
همهمت بصوتٍ يكاد يكون مسموعًا، قائلة:
- وليد،.. هو أنا قولتلك قبل كدا انك مستفز!
كتم ضحكتهُ بصعوبةٍ، وهو يقول:
- لاء..
- طب انتَ مستفز ورزل كمان..
رفع يدهُ قليلًا، وقرص ذراعها مهمهًا:
- هتتحاسبي على كلام دا بس بكرا، عشان مش قادرلك..
زفرت بسخط، وغمغمت بصوتٍ مسموع قليلًا:
- وغتت برضوا..
نفض يدهُ بحدةٍ، وزجرها بضيقٍ مصطنع، قائلًا:
- ما تنامي بقى!!، واقسم بالله الساعة حداشر لو رنيت ومالقيتك صاحيه لجي معلقك يا زهرة!، كفايه لحد كدا كل يوم تصحيلي الساعة تلاته واربعه!، وتناميلي وش الفجر
تقهقرت على نفسها داخلهُ، ولم تتحدث، فعاد يضع يدهُ على ذراعها، وهو يسحب الغطاء، وما لبث ان هدأ الوضع حتى هتفت بتذمر:
- وليد!، انتَ قاسي على فكرا..
جذّ على نواجذهُ بعصبية شديدة، وقبض على يداهُ بغيظ منها، ثم هتف بنبرةٍ هادئة لا تتناسب مع تعابيرهُ:
- بصي يا عمري، معاكي دقيقتين، انا لو مسمعتش صوت شخيرك، والله ما انا منيمك غير سبعه الصبح، وهاصحيكي حداشر برضوا..
- دا ظلم على فكرااا.
صاحت بهِ، بعد أن ذهب النعاس قليلًا من عيناها، فأومأ موافقًا وهو يقول مزمجرًا:
- يا ستي انا ظالم وابن ستين في سبعين كمان، حلو كدا!!
كتمت ضحكاتها حتى لا ينفجر بها ثانيةً، وينفذ حديثهُ، وعادت تصمت وعاد هو يحتضنها كما كان، مرّة عشر دقائق من السكوت، حتى همست هي بنبرةٍ مغتبطة:
- وليد..
كاد أن يخنقها حقًا، وقبل أن يتحدث استمع لها تقول بنبرةٍ محبةٍ صادقة:
- أنا فرحانه لقمر اوي يا وليد،.. ونفسي ابقى حامل زيها علطول..
تنهد بآسى، وهو يزفر الهواء الساخن من فمهِ، فداعب جلد أذنها، تحركت يداهُ على ظهرها بحنان، وقبّل شعرها من الأعلى، مردفًا:
- ان شاء الله تبقى زيها يا حبيبتي، بس لما تكوني بخير..
صمت ليُكمل، بنبرةٍ جادة حازمة:
- ومش قبل من سنتين يا زهرة، انتِ سامعة!
ابتلعت ريقها باضطراب وخوف، وأومأت موافقة بتوتر، فلو علم ما تفعلهُ من ورائها بمساعدة الطبيبة آلاء فلن يحدث خيرًا اطلاقًا!
●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●
الساعة الرابعة والنصف، ابتعد عن زوجتهُ وهو يراها تغط في نومٍ عميق، ثم انسحب من جوارها. هبط من أعلى السرير، وارتدى خفهُ، ثم تحرك نحو الخارج.
خرج من جناحهُ وهبط درجات السُلم، حتى توقف في الدور الأول، وكسر طريقهُ لأحد الطرقات الجانبية، سار فيها حتى وقف عند باب غرفة والدتهُ، أخذ نفسًا عميق، ثم زفرهُ على بطء، ومدّ يدهُ ليضعها على المقبض، ثم ضغط عليهِ للأسفل فانفتح.
دلف بقلبٍ وجل ان يرى ما حدث لم يكن سوى خيالًا او حلم فقط، دلف للغرفة، ليرى جسد والدتهُ حقًا على السرير، واختهُ تنام بأحضانها. تسحب دون أحداث صوتٍ، واتجه نحو السرير، وصعظ عليهِ، ثم ضمّ جسدهُ لجسد والدتهُ، ووضع يدهُ على بطنها يحتضنها برفق، سحب نفسًا عميقًا من رائحتها وحبسهُ داخلهُ لثواني، قبل أن يعود لتنفس بهدوء.
لم تمر سوى دقائق، حتى ذهب في ثباتٍ عميق، ففتحت منال عيناها، ومالت على رأس سامي تُقبلها بحنان مغمغمه:
- ربنا يخليك ليا يا نور عيني..
●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●
توالت الأيام عليهم بين السعادة والفرحة، وبدأت الشهور تمر اتباعًا، ووليد لا ينفك عن بحثهِ لياسر، والأخر لا يوجد اي دليل على وجودهِ اطلاقًا، زهرة تُتابع مع الطبيبة آلاء دون أن يعلم ما تفعلهُ، رغم انهُ يحرص على الذهاب معها في كل فحص دوري لمتابعة التغيرات.
ليلًا الساعة الثانية عشر، كانت تشعر بضيق شديد في تنفسها، قد استيقظت على اثرهِ، نظرت لزوجها الغافي جوارها، وملامحها تنكمش بألم جمّ، حاولت اخذ نفسٍ عميق الا انهُ خرج مكتومًا للغاية، أنت بآلم، وابتلعت ريقها بصعوبةٍ، ثم حاولت الاعتدال لتهبط من أعلى السرير، استندت بيدها على السرير، وهي تنهج بصعوبةٍ وشعرت أن الآلم لا يُطاق، ودوارًا يعصف بها، فصرخت متأوهةً بألم.
فتح عينيهِ واعتدل مفزوعًا، وتحرك نحوها قائلًا بقلق:
- مريم،.. مريم مالك في ايه..
هبط من على السرير، وهو يقف أمامها، فقالت بنهيج وتألم:
- أنا تـ..تعبانه.. اووي..
أمسك كفها، وساعدها على القيام مردفًا:
- طب اومي معايا وهنروح المستشفى دلوقتي، اومي..
حاولت القيام، وما إن وقفت، حتى شهرت بانسياب ماءًا دافئ بين ساقيها، فصرخت وهي تشعر بوجع رهيب يتأكلها من الاسفل،واستندت بثقل جسدها عليه، ولولا يداهُ التي تُحيط بها بقوةٍ لكانت قد وقعت ارضًا.
صرخ باسمها، وبسبب ملامستها لجسدهِ شعر بشيءٍ رطب قد لامس بنطالهُ، فمدّ يدهُ يتحسس قدمهُ، ثم امتدت يداهُ لساقها، فوجدها مبتلة للغاية، فهمس بفزع:
- مريم، دي المايه الـ حولين الجنين!
همست بصوتٍ مختوق، ونبرةٍ محتقنة:
- وديني المستشفى بسرعة....
حملها سريعًا، وركض بها نحو الخارج، فتح باب الجناح وخرج منهُ بعجالةٍ، ولم يسعفهُ الوقت لينادي على اخوهُ، بل ركض بزوجتهِ سريعًا للأسفل، ثم خرج بها من البوابة الداخلية، فاتجه احد الحراس لهُ بلهفة مردفًا:
- سامي بيه!!، سامـ..
توفف سامي لثوانٍ، مردفًا بغضب:
- اطلع جبلي عربية بسرعــــه...
كان في أذنهِ سماعات لاسلكي، ضغط عليها سريعًا وهو يقول بعجالةٍ:
- حضروا عربية بسرعة عشان سامي بيه خارج هو والمدام وحالتها خطر، بسرعــه..
استعد الجميع في الخارج ما ان اتاهم هذا النبأ، وصعد أحد الحراس الى أحد السيارات، ثم قادها وتحرك بها الى أبواب القصر الخارجية، ودلف لداخل كي يلحق سيدهُ من الداخل.
في الأعلى، صوت هاتفهُ الذي رن للمرة الثانية اعادهم للواقع مرّة أخرى، جذّ على اسنانهِ بغضب، وهو يبتعد من جوارها، زافرًا بضيق، مردفًا:
- انا مقفلتش الزفت دا ليه!
مدّ يدهُ نحو الهاتف، ليجدهُ رئيس الأمن في الاسفل، فقال بحنق وهو يطالعها:
- دا سعيد!!
اعتدلت قائلة باستغراب:
- دا رئيس الامن تحت!، افتح يا وليد شوف في ايه!
فتح الهاتف مضطرًا، وما لبث ان اتسعت عيناهُ زهولًا، مردفًا:
- حصل امتى الكلام دا..
التقط ثيابهُ سريعًا، واتجه نحو المرحاض، قائلًا:
- حضرلي العربية، خمس دقايق ونازل..
القى الهاتف بإهمال على احد المقاعد، واختفى داخل المرحاض، فعقدت زهرة حاجبيها بضيق وقلق، ثم اخذت روب منامتها، وارتدتها ثم قامت متجه نحو المرحاض، وقفت خلف الباب، قائلة بتسال:
- وليد في ايه!
استمعت لصوت اندفاع الماء في الخارج، واتاها صوتهُ قائلًا:
- مريم تعبانه، وسامي خدها على المستشفى، وسعيد بيقولي شكلها بتولد..
شهقت زهرة بفزع، وهمهمت قائلة باستغراب:
- يا نهار ابيص!، معقول هتولد في السابع!!
سارعت هي الأخرى نحو غرفة الثياب، تأخذ ثيابها، ثم خرجت من الغرفة، واتجهت نحو المرحاض الموجود بأحد الغرف الأخرى. استحمت سريعًا ثم ارتدت ثيابها، وخرجت من المرحاض، واتجهت نحو غرفتهم.
دلفت لداخل لتجدهُ ينهي ارتداء ملابسهُ، فسارت نحو غرفة الثياب لتخرج حجابها، وهي تقول:
- وليد ثواني بس هلبس الطرحة وهاجي معـ..
- زهرة خليكي،.. مرواحك ملهوش لازمة..
اتاهُ صوتها الحانق من الداخل قائلة:
- لاء ليها، مينفعش اسيب مريم لوحدها يا وليد،.. انا خلصت..
خرجت بعد ان انتهت من ارتداء حجابها الذي يتناسب مع فستانها، والتقطت هاتفها الجديد، اذي اهداهُ لها مُنذ عدّة اشهر عندما استيقظت من غيبوبتها.
اخذها وليد معهُ، وخرجوا من جناحهم، وهبطوا للأسفل، فوجدوا والدتهم تخرج من غرفتها وعلى وجهها ملامح القلق.
سألتهم قائلة بنبرةٍ مضطربة:
- وليد حبيبي انتَ كويس!، كويسة يا زهرة..
أومأ وليد قائلًا بتوتر:
- كويسين يا ماما، ادخلي نامي انتِ..
- هطمن على اخوك ومراته وارجع....، ايه دا انتوا لبسين ليه!
انتبهت انهم يرتدون ملابس للخروج بهذه الساعة المتأخرة، فتنهد وليد مردفًا:
- مريم شكلها بتولد يا ماما، وسامي خدها، وطلع بيها على المستشفى..
ضربت صدرها بفزع، وهي تشهق بخضة قائلة:
- يا مصيبتي!! ،دي في السابع لسا!
أومأت زهرة، وقالت بخفوت:
- بتحصل يا ماما عادي..
رفعت منال حجابها الذي كانت تضعهُ حول رقبتها، وقالت وهي تهبط للأسفل:
- طب يلا بسرعة يلا...
●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●
في طريقهم للمشفى، توقفت السيارة فجأة، فحاول الحارس ادارتها الا انها لم تنجح، طالعهُ سامي من الخلف مردفًا بقلق وتوتر:
- ايه الـ حصل في ايه!
نظر لهُ الحارس قائلًا بأسف، وهو يُعيد تدويرها:
- العربية واقفه مش راضيه تتحرك يا باشا...
سبّه سامي بغضب وعصبية شديدة، ثم صرخ بتبرةٍ مفتعلة:
- انزل وقف تاكسي بسرعــه... انجز..
نزع حزام الأمان سريعًا وهبط من السيارة، ليوقف سيارة أجرة، والتي لم يجدها سوى بعد ثلاثة دقائق. هبط سامي وهو يحمل مريم الفاقدة للوعي بين ذراعيهِ وركض بها سريعًا نحو السيارة التي وقفت لهم، ثم صعد بها وصعد الحارس في المقعد الأول، واملاهُ العنوان لينطلق بهم اليهِ.
بعد عشرة دقائق، تحركت سيارة وليد بجوار سيارة اخوهُ الذي تركها هُنا، ولكنهم لم يأخذوا بالهم منها، واستمرت السيارة في التحرك بسرعةٍ نحو وجهتهم.
●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●
ركض وليد وزوجتهُ وامهُ في النمر المؤدي لغرفة العمليات، اخوهُ يجلس على أحد المقاعد يضع رأسهُ بين كفوفهُ مطرقًا اياها للأسفل.
اقترب منهُ هاتفًا:
- سامي!!
رفع سامي وجههُ لأخوهُ، ثم وقف سريعًا وهرول نحوهُ ليحتضنهُ وليد مطمئنًا اياهُ وهو يربّت على ظهرهِ، قائلًا:
- ششش، اهدي، ان شاء الله هتخرج وتكون كويسة...
ابتعد عنهُ وهو يهز رأسهِ أملًا في ذلك، لتأخذهُ امهُ لأحضانها، قائلة:
- اهدي يا حبيبي، ان شاء الله هتقوم بسلامة، الدكتور قال ولادة!
تنهد سامي مردفًا:
- آه ولادة مبكرة!، ادعيلها يا ماما بالله عليكي...
ربّتت على وجههُ بحنان قائلة:
- ما تقلقش يا حبيبي، هتكون كويسة ان شاء الله، وبنتك هتكون بخير..
وقفت زهرة جوارهُ وهتفت مؤكدة:
- ان شاء الله يا سامي هيكونوا بخير الاتنين، ادعيلهم بس..
مرّة ساعة، كانت منال تجلس على أحد المقاعد وزهرة جوارها تُساندها، ووليد يقف جوار اخوهُ الواقف جوار غرفة العمليات، تنهد سامي بضيق وغضب، وهو يطالع هاتفهُ مردفًا:
- اتاخروا اوي..
هتف وليد مهدءًا اياهُ:
- اهدى يا سامي، ما تقلقش..
مرّة نصف ساعة، كانوا اربعتهم متوترين من هذا التأخير، دقائق أخرى مرّة، وفُتح الباب وخرج الطبيب وهو يحمل بيدهِ لفافة بها الرضيعة.
أسرع سامي نحوهُ، ووليد ووقفت زهرة ومنال متجهين لهم، وأعينهم على ما يحملهُ الطبيب، وهتف سامي بقلق وهو يمدّ يدهُ نحوها:
- طمني على مراتي وبنتي..
نزع الطبيب الكمامة، ثم طالع سامي وهتف بأسف وهو يضع الرضيعة بين يديهِ:
- أنا آسف يا سامي بيه!، البيبي كانت جايه ميته.
شهقت زهرة بفزع، بينما اهتز جسد سامي وهو يحمل طفلتهُ التي صعدت روحها لبارئها قبل أن يراها، فسارع وليد بامساكهُ، وقلبهُ يعتصر، مهمهمًا:
- اهدي... امسك نفسك..
بينما منال، فقد قبضت على يد زهرة وشعرت أن قدمها لم تعد تحملها، الا انها طالعت الطبيب وهتفت بخفوت:
- وبنتنا يا دكتور!
تنهد الطبيب، وقال:
- مدام مريم لو كانت استنت دقايق كمان كانت هتبقى حالتها خطر هي كمان لا قدر الله، بس الحمدلله قدرنا نسيطر على الوضع، وهتطلع غرفة عادية دلوقتي، نص ساعة بالكتير وهتفوق من المخدر..
استند سامي على الحائط بضعف، وهو يضمّ الطفلة لصدرهِ، مغمغمًا:
- انا لله وانا اليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها!
تهاوت منال على المقعد وزهرة تُساندها، لتُعيد رأسها للخلف قائلة بحزن:
- لا حول ولا قوة الا بالله...
زمت زهرة شفتاها بأسى، وقالت بنبرةٍ باكية:
- معلش يا ماما قولي الحمدلله، قدر الله ما شاء فعل..
أومأت منال وهي تحاول منع نفسها من البكاء، قائلة:
- الحمدلله انها جات لحد كدا، الحمدلله...
ابتلع وليد غصة بحلقهِ، ثم ربّت وليد على كتف سامي، هاتفًا:
- لعله خير يا سامي، قولي الحمدلله ان مريم كويسة...
رفع سامي الطفلة لرأسهِ يشمّ رائحتها التي تُشبه المسك بعمق، ثم قال محاولًا كتم دموعهُ:
- الحمدلله يا رب..
حمل وليد الطفلة من ساني والذي تركها بمعاناةٍ، ثم رفع الغطاء عن وجهها، لتقع عيناهُ على ملامحها الغاية في البرءاةِ والجمال، دنى من وجنتيها الممتلئة يقبلها بحنان، وقبّل شفتاها الزرقاء، ودونً عنهُ سقطت دمعة حزينة من عيناهُ؛ لرؤيتها جثة بلا روح.
رفعت منال وجهها وهمست بوهن:
- هاتها يا وليد..
خشى على ولدتهُ من الإنهيار، ولم يرد أن يُعطيها لها، فهمست باكية:
- هاتها يا بني عايزه اشوفها..
تنهد وليد بخنقة، وسار متجهًا نحو والدتهُ يضع بين راحتها الطفلة الصغيرة. زمت منال شفتاها باكية بقهر وهي تراها هكذا، ربّتت زهرة على ذراعها بحنان، قائلة وهي تبكي بصوتٍ مكتوم:
- وحدي الله يا ماما..
طالعت منال وجهه الطفلة البريئة، ثم غمغمت بصوتٍ غير مسموع من بكائها:
- لا إله إلا الله، إنا لله وإنا إليه راجعون...
خرجت أحدى الممرضات، وأخذتها منهم لإنهاء بعض الإجرائات، كي يأخذونها لدفنها، فودعها سامي مقبّلا رأسها وجنتيها بحنان، ثم اعطاها لها، وذهبت بها.
لحظات انفتح الباب، وخرج السرير عليهِ مريم، ويدفعهُ اثنين من الممرضين، فانطلق سامي نحوهم، وخلفهُ الأخرون. تحركوا خلف السرير، وسامي يتحرك بمحاذاتهِ، حتى نقلوها لغرفة عادية.
حملها هو وأراح جسدها على السرير الأخر، وخرج الممرضين، وجلست منال وزهرة ووليد ينتظرون إفاقتها، بينما سامي فقد كان يجلس جوارها.
مرّ قليلًا من الوقت حتى بدأت تُهمهم بأنينٍ مكتوم، فانتبه لها سامي، وأمسك كفها مطالعًا اياها بترقب، لحظات حتى فتحت عيناها، ورفعت كفها ببطء تمسك رأسها بألم قليلًا، كانت منال وزهرة سيقومان لتفقدها، لولا سامي الذي أشار لهم في الخفاء بالإنتظار، فعادوا كما كانوا.
اصطدمت عيناها بزوجين من العيون تتابعانها بقلق، ففتحت عيناها باتساع، هاتفه باستغراب:
- سامي!
دنى من رأسها، يلثّم جبهتها بعمق، مهمهمًا بخفوت:
- حمدلله على سلامتك يا حبيبتي.
عن أي سلامةٍ يتحدث!، صدفة.. استندت بيدها على بطنها لتشعر بهبوطها الشديد، فاتسعت عيناها بفزعٍ، وأردفت:
- أنا ولدت!، سامي انا ولدت؟!..
طالعته متسألة بتعجب، فهذا ليس موعدها بتاتًا، الا انهُ ابتسم وأومأ بنعم، فأراحت رأسها على الوسادة متنهدة براحة، وهمست بنبرةٍ باكية مُشتاقة:
- عايزة اشوفها،.. هتهالي بالله عليك..
حاول ابتلاع غصتهِ التي تقف بحلقهِ، ثم ابتسم ابتسامةً زابلةٍ، وهو يقول:
- طيب نامي شويا الاول، عشان شكلك مرهق على اخر..
نفت بحركة رأسها يمينًا ويسارًا، وضغطت على يدهُ برفق تحثهُ على أن يأتي بها لها، قائلة برجاء:
- هاتهالي بالله عليك،.. هشوفها بس وابوسها وبعدين خدها وهنام، بالله عليك يا سامي،.. طب هـ..هي اكيد في الحضانه..
همًت بالاعتدال، وهي تُكمل:
- خدني وديني ليها..
لم يقدر على كبت دموعهُ التي حبسها مُنذ أن علم بموت صغيرتهُ، وابتعد عنها وهي تستمع لصوت شهقاتهِ، فتعالت دقات قلبها برعب من هيئتهِ، ووجدت من يجلس جوارها من الناحية الأخرى، فنظرت لتجدها زهرة، وعلامات البكاء تسطع على محياها، فهتفت بزهول ونبرةٍ هادئة:
- عايزه اشوف بنتي يا زهرة!
احتضنتها زهرة بحنان، مردفه بخفوت:
- اهدي يا مريـ..
دفعتها مريم من أحضانها بحدةٍ، وصرخت بها بهسترية قائلة:
- ما تقوليش اهدي!، انا عايزه اشوف بنتي، بنتي فين؟!، هاتولي بنتي!!
- ماتت، ماتت، ماااتت
اندفعت الكلمة تكرارًا ومرارًا من فم سامي، وهو يصرخ بنبرةٍ مفتعلة غاضبة، فسكنت حركتها وتعالت دقات قلبها بصخب، الكلمة وقفت على شفتاهُ، الا انها لا زالت تضرب مسامعها بقوة. تهدلت أكتافها قائلة بنبرةٍ مزهولة للغاية وملامح غير مصدقة:
- مـ..ماتت،.. هـ..هي.. هي ميـ..ـن...، آآ أنا آنا عايزه بنتي!
رغم انها كانت تخشى ان تدفعها عنها مرّة أخرى الا انها اقترب تحتضنها ثانيةً، فتشبثت بها مريم قائلة ببكاء مرير:
- أنا أناا عايزه بنتي!، آآآآه بنتـــــي، يــا رب!
زادت زهرة من قوة احتضانها لها مأزرة، وكانت منال تجلس غير قادرة على القيام اطلاقًا بينما اتجه وليد نحو سامي الذي يستند بقبضتهِ على الحائط، وربّت على كتفهِ هامسًا:
- روح لمراتك، هي عيزاك انتَ دلوقتي..
ألقى سامي نظرة خاطفة عليها، ليجدها تبكي بصوتٍ قطع قلبهُ إربًا، مسح دموعهُ وتنهد بألم قائلًا:
- نادي الدكتور يا وليد..
ثم تحرك نحوها، والتقطها من أحضان زهرة ليحتضنها باحتواء، خرج من فمها صرخة كتمها صدرهُ، فاستندت بجانب وجهها عليهِ، تهدر بحرقة وألم:
- بنتنا يا سـامي...
انقطع حديثها وتواصل بكاؤها، فربًت على ظهرها برفق، وهتف بحنان:
- ما تعزش على الـ خلقها،.. ربنا يرحمنا، ويصبرنا يا مريم
علت شهقاتها باكية بحدة، وحاول سامي تهدئتها الا انها لم تصمت عن البكاء. اتى وليد بالطبيب الذي اعطاها حقنة مُهدئ سريعًا، ثم قيّم حالتها، وأخبرهم انها ستكون بضيافتهم لمدة يومين على الأقل.
نامت مريم، وجلس سامي جوارها، وأصرت منال على مرافقتهم، وأجبر وليد زهرة ان تذهب للمنزل حتى تكون جوار عز الدين وسيأتي لهم بعد أن يدفن الطفلة -والتي أطلقوا عليها اسم رحيل- بمقابر العائلة.
●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●
علم الجميع بأمر موت الطفلة، وجاؤ لزيارة سامي ومريم بالمشفى، والتي كانت صامتة راضية بقضاء ربها.
كانت إلهام تجلس مع مريم، وزهرة أيضًا، عندما انفتح الباب واندفعت حكمت -والدة مريم- منهُ، اتجهت نحو ابنتها ورفعت جسدها، لتحتضنها بحنان وخوف، قائلة:
- بنتي حبيبتي، حمدلله على سلامتك يا ضنايا...
ثم حدجة زهرة بغلظة، وهتفت بحقد:
- منهم لله الـ كانوا السبب..
اتسعت أعين زهرة زهولًا، وطالعتها إلهام قائلة بنبرةٍ حادة غاضبة:
- خدي بالك من كلامك يا حكمت واحفظي أدبك..
دفعت ابنتها لتنام على السرير ثانيةً وهي بحالةٍ لا حول لها ولا قوة، ثم نظرت لإلهام وهتفت بغضب وكره:
- لا مهو الـ بيحصل دا ما يتسكتش عليه!!، دي تاني مره بنتي يموتلها عيل!، ومحصلش الكلام دا غير لما جات وش النحس دي بيتكوا،.. دي سقطت ابنها وكانت لعنة عليه وعليكوا،.... يبقة اسمه ايه دا يا حجه إلهاام..
اتاكئت إلهام على عصاها لتقف، فساندتها زهرة، لتقف رافعة رأسها قائلة برزانة وهدوء:
- اسمه قدر وحكمة ربنا يا حكمت، اتفضلي اطلعي برا..
جحظت أعين حكمت بزهول، ثم أشارت على نفسها قائلة:
- انتِ بتكرشيني يا حجه!!
أشاحت إلهام رأسها بعيدًا عنها، وهتفت بنفور:
- لما تتحرمي المكان والناس الـ واقفه بينهم، وقتها أستضيفك، لكن هتقلي بأدبك يبقى رجلك متعتبش مكان ملك لوليـد صفوان..
شدّدت على اسم حفيدها، لتُعرفها بمن أخطئت!، نظرت حكمت لزهرة بغل، فأطرقت الأخرى رأسها أرضًا وهي تُحاول كتم دموعها، فطالعت حكمت ابنتها منتظرة منها أي قول على ما حدث، وهتفت بصدمةٍ:
- هتسيبي الوليه الخرفانه دي تطرد أمك عيني عينك كدا!!
قبضت إلهام بيدها على رأس عصاها بقوةٍ وهي تلعنها في سرها، وأغمضت مريم عيناها بإرهاق وألم، لتجد والدتها تبثق عليها مردفه باشمئزاز وغضب:
- ملعونه البطن الـ شالتك، من اللحظة دي لا انتِ بنتي ولا اعرفها، ويوم ما يرموكي ما تجيش توقفي ادام بابي..
تحركت حكمت بغضب نحو الباب، تفتحهُ بعنف، ثم أغلقتهُ بحدةٍ شديدة، فسالت الدموع من أعين مريم بصمت، وعلت شهقاتها. زمت إلهام شفتاها بسخط وألقت نظرة على زهرة التي أخفت وجهها، وهي تجذب حقيبتها قائلة بنبرةٍ محتقنة:
- آ آنا همشي،.. عنئذنكوا..
وقعت عيناها صدفة على مريم التي فتحت عيناها تُطالعانها بأسف واعتذار، فابتسمت بخفوت وحزن ثم اتجهت سريعًا نحو الباب، تفتحهُ لتخرج، وأغلقتهُ خلفها بهدوء.
تنهدت إلهام بضيب جمّ، واستغفرت ربها بخفوت، ثم تحركت بحركة بطيئة نحو الشرفة الخاصة بالغرفة، وأخرجت هاتفها لتُحاكي حفيديها.
في الأسفل، وصلت زهرة بالمصعد الكهربائي لدور الأول، وخرجت منهُ وعيناها تُغشيها الدموع، أخرجت هاتفها ثم أمسكتهُ بأيدي مرتعشة، وعبثت على شاشتهُ، لتأتي برقم آلاء.
ضغطت على الرقم، ثم وضعت الهاتف على أذنها، وبيدها الاخرى محت دموعها بحدة. اتاها صوت آلاء مرحبًا وهي تقول:
- زهرة، حبيبتي ايه الأخبار..
باتت علاقتهم سويًا تجمعها صداقة قوية، واختفت بعض الحدود بينهم، تجاهلت زهرة ما قالتهُ، وهتفت بنبرةٍ باكية:
- آلاء، أنا عايزه اشيل الشريط، أنا عايزه احمل يا آلاء..
استمعت لتنهيدة آلاء الساخطة، يليهِ قولها الهادئ:
- زهرة، مينفعش دلوقتي خالص خالص يعني!، قولتيلي كثفي العلاج وعملت رغم ان دا ممكن يأذيكي، بس انتِ أصريتي وقولتي هتتبعي القوانين زي ما اتفقنا، لكن حمل دلوقتي خطر على صحتك انتِ والبيبي، زهرة انتِ لو فكرتي تعمليها قبل ما تكملي كورس العلاج فانتِ بتعرضي حياتك للخطر بأديكي، ولو عملتي حاجه زي دي في اي حته، بنفسي هروح ابلغ وليد بيه كل حاجه..
قست ملامحها، وهتفت بغضب وعناد:
- ما تهددنيش!!، روحي قوليله انا ما بخافش من حد!!
ثم اغلقت الهاتف دون ان تسمع لأي شيء منها، وانطلقت نحو الخارج حيثُ تقف سيارتها التي يجلس بها السائق، صعدت لسيارة وأخبرتهُ بتحركهِ للقصر، ففعل..، لتستند برأسها على ظهر الكرسي متنهدة بألم وخنقة
●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●
يُتابع أعمالهُ بإنهاك شديد وأرق، حتى فصلهُ عن تركيزهُ، صوت رنين هاتفهُ الخاص، ابتعد قليلًا عن المكتب بالكرسي للخلف، وسحب هاتفهُ، وهو يأخذ نفيس عميق، ثم طالع المتصل، ليجدها جدتهُ.
فتح الإتصال دون تفكير، ثم وضعهُ على أذنهِ، ليأتيهِ سلام جدتهُ فرد السلام قائلًا:
- وعليكم السلام، ايه يا ست الكل في حاجه حصلت!
لم يخفى عليهِ نبرة جدتهُ وهي تقول بضيق:
- انتَ في الشركة يا حبيبي..
- آه، هنا اهو!
- قدامك شغل مهم ولا ايه!
عقد حاجبيهِ باستغراب، ثم نظر للاوراق بسرعةٍ قبل أن يقول بدهشة:
- ايوا يا تيتا، في أوراق عايزة تتراجع، وحاجات همضي عليها، وأوراق كتير قدامي اهي..
- طب يعني مينفعش تتأجل، أو تاخدها البيت تراجعهم...
زفر بضيق، متمتمًا بقلق:
- إلهاام، في ايه؟!، قلقتيني يا تيتا..
تنهدت إلهام بضيق، وهتفت:
- ام مريم كانت هنا، ولبخت بالكلام جامد قدام زهرة يا وليد، وخدت بعضها ومشت وكانت ماسكه دموعها بالعافيه..
انتفض بمقعدهِ، وهو يجمع عدة أوراقًا بين تلك الأوراق، مزمجرًا بقسوة:
- واقسم بالله الوليه دي مسيري هضربها بنار،.. قالت ايه لزهرة يا تيتا...
- قالت الـ قالتله يا وليد خلاص، روحلها يا بني، وخليك معاها...
أغلق الهاتف مع جدتهُ، وهو يسحب مفاتيحهُ، والأوراق الهامة، ثم اتجه خارج غرفة مكتبهِ، وألقى نظرة على سكرتيرهُ الرجل، وهتف بحدة:
- وائل، لم الأوراق الـ جواه دي، وخليها مكانها على المكتب، أنا همشي ومش هاجي انهارده تاني..
أومأ وائل موافقًا، ثم هتف:
- تحت أمرك يا وليد باشا..
اتجه وليد نحو المصعد الكهربائي، ثم دلف داخلهُ، وطرق زر الدور الأول بعصبية وضيق.
●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●
في الطابق الأخير، بشرمة صفوان، كان سامي يجلس وأمامهُ أحد رجال الأعمال الهامين، قطع حديثهم سويًا، رنبن هاتفهُ، فطالع الرجل وهتف معتذرًا:
- ثواني بس، الفون دا مهم..
أومأ الرجل برحابة صدر، وفتح سامي الأتصال وضعهُ على أذنهِ، وهمهم بصوتٍ منخفض قليلًا:
- ايه يا تيتا مريم كويسة!
يعلم أن جدتهُ تجلس مع مريم الآن، وإلا لم يكن ليتركها، اتاهُ صوت إلهام المتسأل بضيق:
- وراك شغل مهم اوي يا سامي؟
عقد حاجبيهِ باستغراب، واردف بقلق:
- في ايه يا تيتا، مريم كويسة بقولِك!
- حماتك كانت هنا، واتكلمت بطريقة مش كويسة معها، لحد ما عيطتها، تعالى شوفها يا بني، واجبر بخاطرها، انتَ عارف انها بتطمن وانتَ موجود معها
وثب واقفًا من على كرسيهِ، وأنهى الإتصال قائلًا بضيق:
- انا جاي حالًا..
أنزل الهاتف، وطالع الرجل، مردفًا:
- بعتذر منك يا وجدي بيه، مراتي الفترة دي صحتها مش كويسة، وحاليًا لازم اكون معاها..
أومأ وجدي موافقًا، وقال بتفهم:
- عذرك معاك يا سامي بيه، كان الله في العون، وهخلي السكرتيرة ترتب مع السكرتيرة بتاعتك معاد جديد، نتناقش وقت تاني..
ابتسم سامي بفتور، وقال بشكر:
- شكرًا لتفهكم يا وجدي بيه..
اتجه سامي نحو الخارج بسرعة شديد، واستقل المصعد ليهبط لدور الأول، ثم خرج من الشركة، وصعد لسيارتهِ منطلقًا الى المشفى، وداخلهُ ينتوي لتلك الحرباية، يبدو أن تلك العائلة، مصممة على إخراج أسوء ما بهُ.
●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●
دلف من باب القصر الداخلي لداخل، فوجد والدتهُ تجلس على أحد المقاعد تُلعب عز الدين، وحالما رأتهُ، توقفت قائلة:
- وليد..، وليد
توقف وليد وتقدم نحو والدتهُ مردفًا بهدوء:
- نعم يا ماما
- ايه يا حبيبي، جيت بدري ليه كدا!
- مفيش يا ماما،.. زهرة هنا؟
أومأت منال قائلة وهي تُشير لدرج:
- جات وكان شكلها مرهق اوي، فقولتلها تطلع وهبعتلها الغدا، قالتلي مش عايزه حد يطلع عشان هتنام، فسبتها..
زم وليد شفتاهُ بضيق، وغضب من تلك الشمطاء حكمت، همهم مردفًا وهو يتجه لسُلم:
- ماشي يا ماما عنئذنك..
أوقفتهُ منال قبل ان يصعد، وقالت بقلق:
- مالك يا وليد فيه ايه!، زهرة برضوا حساها زعلانه، انتوا متخانقين يا بني كفلا الشر!
تنهد وليد بضيق، ثم أخبرها ما حدث واتصال جدتهُ، فغضبت هي الأخرى، وهتفت وهي تدفعهُ للصعود قائلة:
- اطلع يا بني طيب بخطرها، يعني دي حاجه في ايدينا!!
ترك والدتهُ بعد ان أعطاها عدّة أوراق، وطلب منها ان تبعث بهم أحدًا للمكتب فذهبت هي. صعد وليد السُلم متوجهًا نحو جناحهُ، فتح الباب ودلف لداخل، ثم تحرك نحو غرفتهم.
فتح بابها بخفوت شديد، وسرعان ما انكمشت ملامحهُ بغضب وهو يستمع لصوت شهقاتها المكتومة رغم ان السيرير مبتعدًا عن الباب، الا انهُ استمع، وهذا يدل على عنف بكاءها.
اتجه نحوها سريعًا هاتفًا بلهفةٍ:
- زهرة...
صمتت عن بُكاءها، ورفعت وجهها المتعرق والدموع تسير على وجنتها، لتراهُ يتقدم منها، فدفنت وجهها في الوسادة ثانيةً، وراحت تُكمل بكاءها.
جلس جوارها، وأرغمها على الأعتدال، وأمام قوة بنيانهُ التي تجذبها، اعتدلت، ثم أشاحت وجهها بعيدًا عنهُ، وهي تشهق أثر بكائها الذي صمت.
كان سيحاوطها محتضنًا اياها، فدفعتهُ عنها قائلة بتزمر:
- ابعد كدا..
عاد للخلف متنهدًا بسخط، ثم هتف:
- طب انا ايه ذنبي طيب!
استدارت برأسها لهُ سريعًا، وهتفت بغضب صارخة:
- مش انتَ الـ مش عايـ..
حدجها بقوةٍ، وهتف مقاطعًا بصرامة:
- صوتك!!، وطي صوتك وانتِ بتكلميني
طالعتهُ بخوف، ثم ابعدت وجهها عنهُ، وراحت تبكي بصمت، زفر بخنقة، وقبل أن يتكلم، طالعتهُ وهتفت بخفوت ونبرةٍ راجية
- أنا عايزه أخلف يا وليد..
قبض على يدهُ اليُسرى بقوةٍ، وهو يسّب ويلعن حكمت في سره، أخذ نفسًا عميقًا، ومدّ يدهُ بحذر يحتضنها، ثم أعادها للخلف لتستند عليهِ وهو يستند على السرير، ثم هتف بنبرةٍ حازمة، هادئة:
- بصي يا زهرة، عشان الموضوع دا مش هيتفتح تاني خالص، حمل وخلفة وانتِ لسا تعبانه مش هيحصل، سيبي الـ يقول يقول، أصل الناس كدا كدا بتتكلم، ولو عملنا الـ يريحهم مش هنرتاح احنا، وانا مابيهمنيش حد، انا حاليًا صحتك عندي بالدنيا وما فيها..، كلامي مفهوم يا زهرة!
ابتلعت ريقها بضيق، وهتفت تحاول اثنائهِ عن قرارهِ، قائلة:
- بس أنا عـ..
قاطعها مردفًا، بنبرةٍ حادة لينة:
- كلامي مفهـــوم يا زهرة!
تنهدت بضيق وحنق، ثم هزت رأسها موافقة، وداخلها قد أصبح أكثر أصرارًا على ما قررت عليهِ.
مرّة نصف ساعة، غطت فيها زهرة بنومٍ عميق، أراح جسدها بعد وصلة البكاء والتفكير تلك.
كاد أن ينام هو أيضًا، لولا صوت هاتفهُ الذي جعلهُ يستفيق، أخرج الهاتف من جيبهِ، ثم طالع المتصل، وعقد حاجباهُ باستغراب وملامحهُ قد انكمشت بشراسةٍ، فتح الخط ثم هتف قائلًا بغموض:
- ايه يا هاني!
- وليد باشا، اعذرني اني برن على حضرتك، بس الراجل الـ اسموا شلدوفه دا بيفرفر خالص، اسيبوا لحد ما يموت، ولا الئحهُ عند اي مشتشفى!
أخذ وليد نفسًا عميق، ثم طالع وجهها متأملًا اياهُ، أغمض عيناهُ وعادت ذكريات ما رأهُ على شاشة الـ تابلت، جسدها وهو يتأرجح على كتف هذا الحقير بعد أن ضربها لتفقد الوعي، دفعهِ لجدتهُ يومها!.
فتح عيناهُ ثم هتف بنبرةٍ متشفية، بها القليل من الراحة:
- سيبوا لحد ما يموت يا هاني، وارموه في أي مقلب زبالة..꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂
#يُتبع
أنت تقرأ
تائهة فِي سَرَايَا صَفْوَان © -مُكتملة-
Mystery / Thriller"دراما مصرية " _وليد إنت ليك علاقه بقتل محمود ..!! لم يستطيع الأجابة فقط أكتفى بهز رأسه بالايجاب ، فشهقت إلهام بصدمة وحزن في آن واحد وقالت: _اذاي .. اذاي يا بني ..! تنهد بحزن ثم اعتدل وطالعها قائلًا: _ ياسر يا إلهام هو الـ قاتلوا ، كان عايز يجندوا ب...