الفصل الخامس والثلاثون الجُزء الأول

5.2K 233 31
                                    

تائهة في سرايا صفوان
الفضل الخامس والثلاثون
"الجزء الأول

...............................................

جحظت عين ماتيلدا بفزع وهي ترى تراخي جسد سحر أمام ناظريها ، وفقدانها للوعي ، فهتفت بصدمة وصوت عالي :
_ سحورراااااه ...، انطي ثريااااا .... !!!!!!!!
جاءت ثريا وهي تشحذ كرسيها بفزع بسبب صراخ ماتيلدا ، لتجد اختها تجلس على الأريكة وجسدها مائل بين أحضان ماتيلدا ، فدارت بعجلات الكرسي بسرعه لتكون بالقرب من اختها .
هتفت ثريا بجزع وهي تمسك يد سحر بخوف :
_ آآ ايه الـ حصل ...، مـ .. مالها .. في ايه ..!
أجابت ماتيلدا وهي تبكي :
_ اغم ءـليها ..، مش ءـارفه ..! اا اءـمل ايه ..!
ردت ثريا بصوت جاهدت لتجعله هادئة :
_ طب روحي هاتي مايه بسرعه ...
تركت سحر ،واعدلت جسدها على الاريكة لتفرشها ثم ركضت سريعًا نحو المطبخ تأتي بكوب ماء ، انا ثريا فقد اقتربت من وجهها وبدأت بالضغط بحدة على هذا الجزء ما بين حاجبي سحر بحدة حتى أحمرت .
جاءت ماتيلدا بكوب الماء ، واعطتهُ لثريا ،فأخذته وصبت على يدها ثم نثرتها على وجهه سحر عدة مرات ،حتى فتحت عينها وبدأت تستفيق .
تنهدت ثريا براحة وأردفت بلهفة :
_ سحر ..، انتِ كويسة يا ختي ...، روحي يا ماتيلدا هاتي الموبايل بتاعي اكلم جمال يجي يجيب دكتور ..بسرعه ..
ركضت ماتيلدا للمرة الثانية ،لتأتي بهاتف ثريا ، بينما سحر فأغمضت عينها بألم ووجدت نفسها تبكي بصوت بدون صوت ، فوضعت ثريا يدها على وجهه سحر وأردفت بقلق :
_ مالك يا حبيبتي ...، ايه الـ حصل مانتي كنتِ كويسه امبارح ...، ايه الـ حصل في الأخر يا سحر اختفيتي ومحدش شافك ..، قوليلي يا حبيبتي ...
أتت ماتيلدا بالهاتف ، وأعطته لثريا فأخذته ومسكته بيدها ولم تفتحه ، مالت سحر بوجهها على يد ثريا الموضوعة على خدها وطالعتها بدموعها ، وبدأ صوت شهقاتها يتعالى شيئًا بشيء ، نظرت لها ثريا بخوف ثم قالت :
_ استر يا رب ...، ايه يا سحر ..، حصل ايه لدا كلوا ، طب حاجه وجعاكي طيب ...
عضت على شفتاه بقوة كي تمنع بكاءها ثم أجابت بصوت متقطع ومتهدج :
_ عـ .. عايزه .. ،آآآ اشو...فه ...
عقدت ثريا حاجبيها بعدم فهم ، ثم تسألت :
_ مين دا .. !
_ فــ.. ؤاد ..
زفرت ثريا براحة قليلًا ، فقد ظنت أن بأختها شيء ما سيء ..، وضعت الهاتف في حجرها ثم مدت يدها تملس وتربت على شعرها نزولًا بخدها وقالت بحنان :
_ مش أنا قولتلك ، ادعي ربنا يحطه في طريقك لو فيه خير ليكِ ...، انتِ قلبك متعلق بين لدرجة انوا يغم عليكِ يا سحر ، وقعتي قلبي يا شيخه ..!
رفعت سحر يدها ليد اختها ، وهتفت بشيء من الألم وبسرعه وهي تبكي بحدة :
_ شفته ...، و و والله شفته يا ثريا ...، والله العظيم جه .. أنا شوفته امبارح ...، فؤاد عمل حادثة يا ثريا ... ابوس ايدك وديني ليه ..
ورفعت يدها لها تقبله برجاء فبكت ثريا وأخذت يد سحر بين يدها التي قبلتها لتقبلها هي ، وقالت :
_ طب قوليلي فين وانا هوديكِ ليه طيب ...، مدام شوفتيه مش همنعك صدقيني ...
تدخلت ماتيلدا وقالت باكية :
_ انكل فؤاد صاهب بابا اهمد ..
نظرت ثريا لماتيلدا وتسألت :
_ هو جه هنا امبارح ..؟!
هزت ماتيلدا رأسها بنعم فاستطردت ثريا قائلة بقلة حيلة :
_ طب يا بنتي رني على أحمد شوفي فؤاد فين ،وأنـ ...
قاطعتها ماتيلدا سريعًا مردفه :
_ أنا ءارفه ..، في hospital هنا ..، عـ آآ ..، ' عضت على شفتاه في محاولة منها لتتذكر ' آآ مش ءـارفه ..، هي hospital قريب من هنا ...، ءـلى الطريق ..!
أكملت ثريا ينبرة متسألة :
_ مستشفى التخصصي الـ على طريق السـ.
قاطعتها هاتفه بسرعه :
_ يااه يااه Yes..!! that is it.، هي دي ..!
كانت سحر تُتابع حديثهم ، حتى علمت اسم المشفى فاعتدلت وقالت وهي تشهق اثر بكاءها العنيف :
_ أاانا .. عارفها ..، هـ ..هروح ..
أردفت ثريا بحدة :
_ استنى اكلم جمال الأول وهو يجي يوديكي ماتروحيش لوحدك طبعًا ..!
_ هـ..هاخد... لليدا .. مـ..معايا ..، بـ..بالله عليكِ ما تقولي ... حاجه بقاا ..
ضربت ثريا فخذيها بقلة حيلة وقالت وهي تبتعد عن طريق سحر :
_ قومي يا سحر روحي البسي ..، اما نشوف اخرت الحوار دا ايه ..! مش عايزه احرق قلبك الملسوع عليه دا ..! ، بس خدي بالك يتحرق لو روحتي ولقيتي مراتوا وعيالوا حوليه يا سحر ..!
كانت سحر قد قامت لكن توقفت عندما قالت ثريا كلماتها ورجعت تجلس على الاريكة مرة اخرى وهي تصدم جسدها بها ثم بكت ثانيًا ، فعاتبت ثريا حالها على ما قالت ، وقبل أن تهتف معتذرة ، اقتريت ماتيلدا تحتضن سحر وتربت على ذراعه وهي تردف بنفي :
_ نو انطي ..، أهمد قال ، إنوا مش يجي مـءايا ..، أشان هو مـء ، انكل فؤاد ..، وأنا قوله يجي و... و و هـ..حد يقـءـد مـءاه .. ، بس احمد قال انوا واهـ..حيد ..، مش مـءا هـ..حد ..!
نظرت سحر لماتيلدا وقد شع الأمر في نظراتها وهتفت :
_ بجد يا ماتيلدا ..!! ، ممعهوش حد ..
احتضنتها ماتيلدا ثانيةً،وهي تهتف :
_ يااه سهورة ..، يلا بقاا ..
ثم ابعدتها عنها بحماس فوقفت سحر وذهبت نحو غرفتها سريعًا ، وقامت ماتيلدا لترتدي ملابس خروج هي الأخرة ، ودقائق معدودة وودعوا ثريا هابطين للأسفل ، واستقلوا أحدى سيارات الأجرة ثم توجهوا نحو تلك المشفى .
.............................
جلست تمارا على المقعد المقابل لوليد ثم وضعت أمامه حقيبة بلاستيكيه سوداء وقالت :
_ اتفضل يا وليد بيه ، دول باقي فلوس العملية ...، كدا يبقا كل واحد حسابوا خالص ..، بس طالبه منك طلب ...
نظر وليد لتلك الحقيبة بإزدراء ثم أجاب بلا مبالة :
_ ايه ..!
_ حمايتي أنا وأمي من ياسر ، ... ياسر في أي وقت ممكن يقتلني أو يعمل حاجه في أمي ..
اعتدل وليد متنهدًا ، ثم أردف :
_ ماتعودتش حد يطلب من حماية وارفض ، دا غير انك خدمتيني كتير ... يكفي بس انك السبب في اني انقذ زهرة وقمر من ايدوا ... روحي وأنا هوفرلك حراسة بالكتير خالص بليل هتكون قدام بيتك ، لحد ما أخلص منوا وبعد كدا انتِ حرة ...
وقفت تمارا وقد شقت السعادة ثغرها ، ثم قالت :
_ طيب همشي أنا ..، متشكرة اوي يا وليد بيه ..!
توجهت تمارا للخلف ، وكادت ان ترحل فاستوقفها وليد مردفًا بصوت عالي :
_ تماراا ..
استدارت له فتابع وهو يشير للحقيبة التي بها اموال :
_ خدي فلوسك ..،حسابي وصلني لما وصلتيني لمكان زهرة ..، خديها وابداي بيهم حياتك افتحي مشروع كويس تعيش منه انتِ وأمك لحد ما جيلك ابن الحلال ...
قالت بحرج :
_ بـس.. آآ
_ مابسش ..، خديهم يلا
قالها بلهجة أمره فاقتربت تأخذهم ، ثم شكرته بامتنان وخرجت ..
أرجع وليد رأسه للخلف وهو يتذكر كيف وقعت تمارا بيده
" عودة للوراء منذ سنتين "
كان يجلس أمام مقبرة مدون عليها بخط عريض ' المغفور له :سالم صفوان الشناوي ' ، كانت عينها مغرورقه بالدموع بعد أن انتهى من التحدث لوالده مخرجًا له كل ما يجش بصدره .
وقف راحلًا ، فقد اقتربت الشمس على المغيب ، وهو هنا منذ ساعتين ، كان محمود ينتظره بالسيارة لم يتحرك ، وعندما وجد وليد يخرج من المقابر وهو يرتدي نظارته السوداء مخفيًا أعينه الباكية تحتها ، ثم صعد للسيارة بدأ بقيادة السيارة دون أن يتحدث أي منهم ، واحترم محمود خصوصيته ولم يرد أن يتدخل .
توقفوا بسبب الاشارة قليلًا ،وبصدفة وقعت عين محمود على فتاة يبدو أنها شابه في مقتبل العشرينات تجلس على الرصيف ويبدو انها تبكي أيضًا ، فهتف وهو يفك حزام الأمان :
_ معلش يا وليد باشا ..، خمس ثواني كدا هشوف حاجه ..
ثم هبط قبل أن يستمع لرد وليد وتوجه بخطوات سريعة نحو تلك الفتاة ، ثم احنى ظهره لها هاتفًا بحنان :
_ السلام عليكم يا بنتي ..، مالك ..!
انتفضت الفتاة فزعًا ثم وقفت بسرعة تنفض الغبار عن بنطالها بملف مليئ بالأورق بيدها، وارجعت خصلات شعرها للوراء وقالت بعجالة وصوتًا باكي :
_ مـ ..مافيش حاجه ..، عن اذنك ..
وقبل أن ترحل هتف محمود بسرعة :
_ استني بس ..، استني ..
توقفت الفتاة ليهتف محمود :
_ احكيلي مالك ..، دانتي آد بنتي زهرة والله ..، قولي يا بنتي مالك يمكن اقدر اساعدك .. دا حتى بيقولوا يودع سره في اضعف خلقه ...
هتف جملته الأخيرة بنبرة مازحة ، فابتسمت الفتاة رغم حزنها ثم تطلعت له ولهيئته ،وقالت بأسى :
_ مظنش حضرتك تقدر تساعدني ...، بس شكرًا لسؤالك ..!
وكادت ان ترحل مرة أخرى ، فأوقفها محمود بتصميم :
_ لا حول ولاقوة الا بالله ..، قولي يا بنتي مالك ..! ،شكلك باين عليه انك بنت ناس ،متقعدش كدا وانتِ بتعيط الا لشديد القوي ..، قولي يمكن تقدر اساعدك ..
تهدل كتفيها بحزن ، ثم قالت مخبره اياه :
_ مامتي ،عندها كانسر في المخ وهتموت مني ،... ومش عارفة أعملها حاجه ..!
بدأت السيارات بالتحرك ، فهتف محمود سريعًا :
_ طب بصي ..، أنتِ شيفاني عامل اذاي والله انا راجل عارف رينا وحاجج بيته ..، العربية الـ هناك دي بتاعت مديري في الشغل وهو هيقدر يساعدك ..، تعالي ونشوف هيقول ايه ..! ، يلا عشان العربيات بتتحرك والعربية كدا هتكون واقفه في النص ..
نظرت الفتاة نحو السيارة التي اشتر لها، فوجدت بها رجل يبدو انه شاب صغير السن ، يرتدي نظارة سوداء ينظر للأسفل دون ان يلاحظ أحد ، كان وليد بالفعل يمسك بيده جهاز الكتروني 'تابلت' يطالع الميل الخاص بالشركة لكن عيناه تُتابعان محمود من أسفل نظارته السوداء .
لمعت عينها بسعادة،ثم تحدثت بأمل :
_هيقدر يساعدني ..
_ أكيد ، دا راجل من ضهر راجل ومبيقفلش بابوا ابدًا تعالي ..
تقدمت الفتاة من السيارة ثم دلفت في المقعد المجاور لمحمود ودلف محمود ايضًا ، ولحظات وبدأت السيارة بالتحرك .
هتف محمود وهو يطالع وليد بالمرآة :
_ وليد باشا ..، عايز من حضرتك طلب وعارف انك مش هتردني ..
ابتسم وليد وقد علم ان هذا الطلب لربما يخص تلك الفتاة ، فهتف بتواضع :
_ قول يا عم محمود ..، انتَ عارف اني مقدرش اردلك طلب ابدًا ..
لمعت السعادة بعين الفتاة ، فقال محمود :
_ البنوته دي قاصدك في خدمه ..، والدتها مريضة ..، ربنا يعافينا السرطان ..، عندها في المخ ..، فلو تقدر تتصرف عشان والدتها ماتموتش ..، ويكون الأجر ليك ،في إنقاذ حياة بني آدم ....
تحدث وليد بسرعة :
_ أكيد طبعًا ، ... لو حالتها متأخرة تقدر تروح المستشفى بتاعت العيلة وتكلم دكتور يحيى وهو هيهتم بيها ...
ابتلعت الفتاة ريقها بصعوبة ثم هتفت بخجل شديد :
_ ااا ايوا ..بس أنا ... مـ .. معيش .. تمن .. العملية ..
نظر لها ولهيئتها التي ظهرت عندما دارت بجسده له وطالعته ، نظر لها قليلًا ثم بدأت عقله يعمل كالتروس الصغيرة بثباتًا وأحكام ، وما لبث أن لمعت عيناه بشر عندما زرع الشيطان بباله فكرة ليبدأ بيها طرق أول مسمار في نعش عدوه اللدود ، عاد ينظر لها بتدقيق واردف :
_ ماتخفيش .. الـ معاكِ ادفعيه ، وملكيش دعوة بالباقي ..، بس عايز منك خدمة ليكِ مطلق الحرية توافقي او ترفضي ودا مش هيغير حاجه في عملية والدتك ..، بس قوليلي الأول اسمك ايه ..!
هتفت بسعادة :
_ اسمي تمارا ..
' عودة للوقت الحالي ' ...
خرجت تمارا من الشركة وشعرت بنسمة هواء عليل يضرب جسدها فابتسمت ، واستنشقت تلك النسمات وشعرت بها تتوغل داخلها بصفاء .
عدلت من وضع الحجاب على عينيها ثم بدأت بالتحرك للأمام تقف على الطريق لكي توقف سيارة أجرة تُقلها لمنزل والدتها .
وجدت سيارة بيضاء بقليل من اللون الأخضر بها ،تقف امامها ورجلًا يهتف بعجالة :
_ تااكسي يا أنسة ..
هزت تمارا رأسها بنعم ، وفتحت المقعد الخلفي لسيارة ودلفت ، أخفى الرجل ابتسمامته الخبيثة ، ثم وضع ماسك طبي على انفه هاتفًا بإعياء مصطنع :
_ عندي برد وخايف أعديكِ يا آنسة ..
هتفت تمارا بتعجب:
_ ماتفتح الشبابيك ..!
ثواني وأدركت ما حل بها ووقع قلبها بين قدميها برعب،.عندما توقفت السيارة ودخل رجلين من البابين الذي بجوارها قبل ان تهبط من السيارة فدفعها أحد الرجلين لرجل الاخر ، ثم دلف وأغلق الباب .
وضع احدهم قماشة على وجهها ولم يُزحها سوى بعد دقائق ، كانت غابت بهم عن الوعي .
هتف أحدهم :
_ خلاص يا شوقي البت غميت اطلع بينا على الـ مكان الـ امرنا بيه الباشا ..
*************************

تائهة فِي سَرَايَا صَفْوَان  © -مُكتملة- حيث تعيش القصص. اكتشف الآن