الفصل الرابع والأربعون الجُزء الثاني

3.6K 179 25
                                    

تائهة في سرايا صفوان
الفصل الرابع والاربعون
'الجُزء الثاني"
........................................

أصرت عليه أن يُشاهدا أحد الأفلام المصرية التي تشتاق لرؤيتها، ومان يحلس لأول مرة أمامها وبدون قدمه الصناعية، اقتربت وهي تمسك بيدها صينية كبيرة بها طبق من الفشار وعصائر وبعض التسالي، قامت بوضعهم على الطاولة أمامهم، فتزحزح قليلًا وهو يقول بنبرة خبيثة:
_ تعالي يا قمري...
طالعته ثم طالعت المقعد الصغير الى حدًا ما، ثم قالت متعجبة:
_ اجي فين..!، الكرسي مفهوش مكان اصلًا ..
أظهر لها بعض الفراغ وهو يجذبها نحوه مرددًا:
_ تعالي بس، وبعدين هيكفيكي ما تقلقيش ..، وعشان الرؤية تبقى واضحة....
جلست بجواره منزعجة من ضيق المكان، ثم هتفت بحنق:
_رؤية ايه بس ..!،و...وبعدين الركنية دي كانت مكان الكرسي دا ايه الـ جبهم هنا...
طالعها ببراءة مردفًا:
_ ايه دا بجد، ... امتى دا ..!
نظرت له بشك هاتفه:
_ والله اسأل نفسك ...
مد يده محيطًا خصرها لتقتري منه أكثر، ومنه جلست بأريحية أكثر وهي تُعد ملتصقة بهِ، أمسك طبق الفشار واضعًا اياهُ على قدميهما وهو يقول:
_حاضر هبقى اسألها بعدين... يلا الفيلم هيبدأ ..
كان الفيلم لممثل حمادة هلال في فيلم عيال حريفة، دقائق وكانت اندمجت مع الفيلم، أما هو، فكان يوزع نظره بين قسمات وجهه دون أن تنتبه لأنه كانت بكامل تركيزها مع الفيلم، لكن شعرت فاجأه أنه يُصب نظرهُ عليها فطالعته بحرج مردفه بصوت خافت:
_ مالك في ايه..!
_ مبسوطة يا قمر...
باغتها بسؤالهِ هذا، فوجهت وجههَ نحوهُ بالكامل وهتفت بصوت مطمئن أمن:
_ عمري ما كنت ما بسوطة آد دلوقتي يا هيما، ...تخيل أحساس الأمان الـ أنا حساه بيه معاك، عمري ما حسيته قبل كدا..
ابتلعت ريقها بصعوبة وتحدثت بنبرة مضطربة وهي تستعيد بعضً من ذكرياتها القديمة:
_ عارف، كنت لما بسمع صوت الباب بيتفتح اطلع اجري استخبى تحت البطانية عشان ما يشوفنيش..، كان بيقعد يزعقلي من غير سبب وبسبب، عمري ما حسيتوا بابي ابدًا، .... أول مرة شوفته فيها بيضرب مامي وأنا عندي سبع سنين، لما قالها انوا عايز دهبها عشان يبعهم،.... كانت عارفه انوا هيلعب بيهم، وكانت شيلهم عشان خايفه الزمن يعمل فيها حاجه وما تمدش ايدها لحد،.... دا في مرة باع نص عفش الشقة، لحد ما ربنا كرم ماما بعمو فهمي الله يرحمه وهو وفرلها شغل ومكان جديد، جمعت منه الفلوس الـ محطوطة ليا في البنك،..... تخيل انوا عمروه ما حضني ولا قالي ايه الـ مزعلك ولا فيكِ ايه،.... دا حتى لما كنت بتعب، ... في مرة مامي زعقت معاه عشان كنت تعبانه وقالتلوا اطلع شوفها قالها انا مش فاضي وخد بعضوا ومشى...، كان قاسي اوي يا إبراهيم... وزاد قساوته وكرهي ليه بعد الـ عمله فيا ورميته ليا عند ديميتري...، فكر في الفلوس الـ هاخده من ديميتري باسم اني مراتوا والفلوس الـ هياخده من جاكسون تمن سكوته،..... هو شافها وهو بيقتلها،.... عشان كدا قال اما احط بنتي مكانها، وهكسب من وراهم دهب ...
احتضنها طالبًا منها أن تصمت وقلبه يعتصر من الألم لأجلها، هتف بصوت جاهد ليجعله بخير:
_ قمر خلاص يا روحي،... انتِ معايا واستحاله اخلي حاجه وحشه تحصلك، عايزك تعرفي اني أمانك وسندك طول العمر...
لم تنتبه لحديثهِ وواصلت هي من بين بكاءها وهي تتذكر مشهد لن يمحو من خيالها أبدًا:
_أتذللتوا شبه الكلبة عشان يديني منوم ليه، عشان ما يخودش شرفي والحاجه الـ ملكك انتَ..، مسمعش كلامي، وقالي كدا هتفضحينا..، وقتها انصدمت صدمة عمري...، ابويا موافق على ان بنته يتعمل فيها كدا عشان الفلوس، ... لقيت نفسي بقوله لو عرف اني virgin، هيعرف وقتها...، هنا حس بالخوف وجابهولي .... كان عادي بنسبة لي انوشرقي يضيع المهم الفلوووس، ... المهم بنسبهالوا الفلوووس يا إبراهيم،... ضيع بنتوا بسبب الفلوس، خسر مراتوا بسبب الفلوس،... كل حاجه وحشه حصلتلي هو السبب فيها ...هو بس ...
كان يُحاول تهدئتها الا انها لم تصمن فأطفئ جهاز التلفاز عندما وجد حالتها بدأت تسوء جدًا، وبكاءها لا ينقطع، كان يضع قدمه الصناعية بجوار المقعد، فارتدها سريعًا وقام بحملها، وهي لم تنتبه لذلك.
وصل بها الى فراشهم بعد أن صعد بها لغرفتهم، ثم دسها بين الأغطية ودلف خلفها وهو مازال محتضنًا اياهَ، يحاول بث الأمان باحتضانهِ هذا.
دقائق وشعرت بالراحة والسكينة تتوغل قلبها، وشعرت بالفراش أسفلها، لعنة اياهَ بداخلها لإفساد تلك الليلة الثانية لهم بهذا البكاء.
استمعت لصوته بجوار أذنه يقول بصوت رخيم:
_أحسن ..!؟
أومأت ولم تتحرك من أحضانهِ، تنهدت بعد ذلك ورفعت وجهه لتُطالعه بأعين باكية، ثم همست معتذرة:
_أنا آسفة يا هيما، يمكن أنانية مني لكن أنا بدور فيك على الاب الـ ملقتهوش في حياتي ابدًا، عيزاك اب ليا قبل الزوج، محتاجك كدا اوي.. أرجوك ...
توسلت اليهِ بعينها قبل نبرتها، احتضنها مقبلًا اعلى رأسها بدفء وهو يقول بصوتٍ حانٍ:
_ هكون ليكي الـ انتِ عيزاه، بس أنا عايزك بخير ..بس دا الـ أنا عايزه...
يعلم بأنه مُخطئ، فقمر تتعامل، أو تظن أن دور الاب هو من يقدم الاحتواء والأمان، وهذا الى حدًا ما مقارب لدور الزوج، الا أن الإثنين أبعد عن بعضهما تمامًا، فالأب أب والزوج زوج، ولا يصح تبادل الأدوار، تبحث فيه عن الأب الذي لم ترهُ في حياتها.
حسنًا تْفهم ما عليه فعله، فقمر لا تحتاج سوى الأمان فقط، تحتاج لحُبٍ وحنان، تحتاج لمن تراهُ قلقًا وشغوفًا لحالها، سيقدم لها جميع هذا، لكن بدوره هو، .. وهو زوج ليس متقمصًا دورًا غير دوره.

تائهة فِي سَرَايَا صَفْوَان  © -مُكتملة- حيث تعيش القصص. اكتشف الآن