تائهة في سرايا صفوان
الفصل التاسع والخمسون
"الجُزء الرابع"꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂
فتح عيناهُ ثم هتف بنبرةٍ متشفية، بها القليل من الراحة:
- سيبوا لحد ما يموت يا هاني، وارموه في أي مقلب زبالة..
ثم أغلق الهاتف، دون ان يستمع لرد الأهر، والذي يعلمهُ دون أن يُقال، سيوافق بكل ما يأمرهُ بهِ بالطبع!
احنى رأسهُ قليلًا، يُقبّل رأسها بحنان، ثم احتضنها بذراعهِ الأخرى، مغمغمًا:
- قولتلك اني مش هسيب حقك ابدًا يا زهرة، واديني خدتهولك منزكل كلب اتجرأ واذاكي، وأذاني فيكي، أنا تاري برجعوا عشرة يا زهرة..
●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●
ليلًا في بيت سراج الجرحي، الساعة الحادية عشر، مساءًا، انتهى من عملهِ على الحاسوب بغرفة المكتب، ثم بدأ يُغلق أشياءهُ، ويعيد ترتيبها، وقف من على مقعدهِ، وأغلق الضوء، ثم اتجه خارجًا وهو مستغرب انها لم تأتي كعادتها تُشاكسهُ أثناء عملهِ، او تعرض عليه عمل قهوة او شاي!.
اتجه نحو غرفتهم سويًا، بعد أن وجد اضاءة غرفة التلفاز مطفئة، ولا أثر لها، كما أن المطبخ مظلم ايضًا، والشقة يسكوها السكون.
فتح الباب، ودلف لداخل، ليرى جسدها متسطح على الفراش، وظهرها لهُ، بسبب اضاءة الضوء الخافت أعلى الكومود رأى اهتزاز جسدها، فعلم انها مستيقظة، وهذا ما زاد من قلقهِ.
اتجه لها بخطواتٍ مسرعة، وجلس من الناحية الأخرى لسرير، بعد أن أضاء النور الخاص بالكومود الأخر، وهتف بخفوت:
- سُمية، سمسمه..!، حبيبي قومي عارف انك صاحيه على فكرا!
انفلتت منها شهقة باكية دون أرادتها، فجزع قلبهُ، وقال بلهفة وهو يحاول ان يجعلها تعتدل:
- سُمية!، مالك يا حبيبتي في ايه!، انتِ بتعيطي!
رأى وجهها وملامحها التي أغدقتها دموعها، وجعلت انفها باللون الأحمر الوردي، ليقول بدهشة وخوف:
- بتعيطي ليه طيب!، انتِ تعبانه!
أومأت رافضة بصمت، فقال:
- طب تهدي وقوليلي مالك طيب، ايه الـ مزعلك يا حبيبتي
طالعتهُ، بعد أن ابعدت يداها عن وجهها، وهمست بخوف:
- خايفه،.. خايفه اوي يا سراج..
- خايفه!، من ايه يا حبيبتي طيب
سألها، وهو قلقًا للغاية، فقالت ببكاء ورعب:
- خايفه يحصلوا شبه ما حصل لبنت سـ..
اسكتها سريعًا، قائلًا بحزم:
- ششش، متكمليش!، لا تكملي ولا تفكري في حاجه زي دي يا سُمية!، الحاجات دي في أيد ربنا يا حبيبتي، كل الـ علينا اننا ندعي ربنا يقومك بالسلامة، انتِ في السابع، والحمدلله كل الأمور لحد دلوقتي بخير، يبقى نقول الحمدلله، وربنا يكمل حملك على خير..
احتضنها بحنان، ثم همس بخفوت راجيًا:
- ممكن تهدي بقى عشان دا غلط على ابني لو سمحتي!
وكزتهُ في ذراعهِ، بحدةٍ غير مبالغة، وقالت:
- وابني على فكرا..
شاكسها قائلًا بصوتٍ خافت:
- طب ايه رأيك يبقى هو ابني، وانا ابنك!
أومأت رافضة، وقالت متذمرة بطريقة مضحكة:
- لا أنت كبير، انا عايزه حاجه صغيرة على أدي..
ضحك بصوتٍ مسموع، ثم شدّد من احتضانها، هامسًا:
- ربنا يخليك ليا يا حبيبتي..
ثم مرر كفهُ على بطنها، وتابع قائلًا بحب:
- ويجي حبيب بابا وماما على خير ان شاء الله..
●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●
دلف من باب غرفتهم بجسدٍ مرهق، ليجد الغرفة مضاءة بالكامل، فتح عيناهُ بزهول وهو يرى ما امامهُ، قمر يُحيطها الطعام من كل جانب، فهتف في عقلهِ بصدمة وزهول:
- نهار ابوكي اسود!
رفعت قمر عيناها لهُ، ثم ما لبثت ان ابتسمت باتساع، وابتلعت الطعام من فمها قائلة بسعادة:
- هيما حبيبي، حمدلله على السلامة يا روحي،.. ونبي يا هيما تعالى قربلي طبق المنبار دا لحسن مش قادرة اتحرك..
ألقى جاكت البدلة على أحد ظهر المقاعد، واتجه لها وهو يُقلب كفًا على الأخر، قائلًا بتصديق:
- وانتِ هتتحركي اذاي بالـ انتِ فيه دا!، ما ليكي حق ما تعرفيش تتحرمي يا ختي!، انتِ لميتي خزين الشهر كلوا وحطيتيه جبك يا قمر!
زمت شفتاها الممتلئة وطالعتهُ بضيق، قائلة بتذمر:
- على فكرا بقى ماما آمنة الـ طلعتلي الأكل، ربنا يخليهالي...
ضرب وجنتهُ اليُمنى بيدهِ اليُمنى، قائلًا بتحسر:
- يا حبيبتي انتِ اكتسحتي السرير الـ يكفي جيش بحالوا!
أتيت على الجرح يا إبراهيم، فكان بالفعل جسدها امتلئ للغاية وهي على بواد الشهر الخامس، ازاد طخن جسدها الذي كان رشيقًا للغاية، وامتلئ وجهها بأكملهِ. طالعتهُ قمر بحزن، وبدأت الدموع تترقرق بعينها، فاقترب منها بلهفة وهو يقول:
- خلاص والله انا آسف، دا انتِ حتى طخنتي وبقيتي بطة، وحاجه كدا الصلاة على النبي اخر حاجه..
لم تنفع كلماتهُ، في سد صنبور الدموع الذي بدأ بالإنهمار، التقط بيدهِ قطعة مُمبار صغيرة، منثور أعلها فلفل وملح يجعل لُعاب من يراها يسيل من كثرة اشتهائِها، قرب تلك القطعة من فمها، مردفًا بمرحٍ مصطنع:
- خدي حتت المنبار اهي، مش انتِ كنتِ عيزاها، خدي اهي..
اخذتها منهُ بعنف، ثم تركتها بين أصابعها، وأكملت بكاءها، تنهد إبراهيم بإرهاق، ثم حاول الأنتقال بين تلك الأطباق المليئة بالطعام ليكن جوارها، صرخت بهِ بشدةٍ قائلة:
- استنى!
تخشب بمكانهِ سريعًا، فسحبت طبق مليئ بالطماطم من أسفل الغطاء كاد أن يضغط عليهِ بكف يدهُ، ليهتف هو بضيق:
- أملاح يا قمر أملاح!
طالعتهُ بحنق، وابعدت وجهها عنهُ، فجلس جوارها، لاحظ الجديلتين التي بشعرها، فأمسك أحداهم وهتف مازحًا:
- يعني كان ايه لازمتها دول بقى!
جذبت خصلات شعرها المُشكلة، من بين كفهِ، وأردفت بحنق:
- ماما آمنة الـ عملهوملي
عقد حاجبيهِ مردفًا بسخرية:
- هي ست آمنة واخده الليلة كلها ولا ايه!،..
طالعها مكملًا بحنان:
- قمر حبيبتي، الأكل الكتير دا ممكن يخليكي تمرضي، يا ستي انا لو عليا هحطك في مطعم وتاكلي الـ انتِ عيزاه، بس كدا خطر عليكي يا قلبي.
تهدلت أكتافها، قائلة بحزن:
- منا ببقى جعانه يا هيما، جعانه اوي..
ثم اخفت قطعة المُمبار داخل فمها الصغير، فهز رأسهُ بأسى، ثم انحنى وقبّل رأسها قائلًا:
- الف هنا وشفا على قلبك يا حبيبتي،.. كلي براحتك يا قمر، بس بكرا نروح نشوف الدكتورة عشان لو دا غلط عليكي بجد، همنعه عنك خالص..
تخحرك من جوارها مبتعدًا، فابتسمت بخبث قائلة بتسلية، وهي تقضم قطعة من ثمرة الطماطم، هامسة:
- ربنا يخليكي ليا يا ماما آمنة..
دلف إبراهيم غرفة الثياب، وأخذ ثياب النوم، تلك المهمة التي كانت تفعلها قمر بدلًا عنهُ، فقد كان يأتي يوميًا بليل، حتى وإن كان متأخرًا، ليجد عشاؤهُ وثياب النوم خاصتهِ، لكن منذ أن حملت!
نظر لها نظرة خاطفة، وهي تأكل بشراهة، ثم هز رأسهُ يأسًا، مغمغمًا:
- يا رب عدي الأيام دي على خير
●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●
مرّة الأيام واليالي على خير، زهرة مستمرة بدورة علاجها التي بدأت تُجني ثمارها، ووليد قد انتبه لعملهِ أكثر، وقد بدا يُحقق نجاحات باهرة فيهِ بمساعدة اخوهُ والذي كان محل ثقة بالفعل، فقد تضاعفت قوى وليد، وأصبح أكثر مما كان، كما انهُ الى الآن ينتظر مُحاكمة محمود وسيد ونيڤين، جلستهم الأخيرة والتي سيُنطق بها الحكم!
الساعة العاشرة صباحًا، من يوم الإثنين، كانوا يتجمعون بالمشفى، حول سُمية التي يتم تجهيزها لغرفة العمليات الآن.
دلف الطبيب الذي سيُجري لها عملية الولادة، ليجدها قد تم تجيزها وانتهوا، فهتفم بابتسامةٍ عملية:
- هي يا مدام سُمية يلا بينا..
تمسكت بكف سراج بحدةٍ، وذهب جميع حديثهُ -وهو يطمئنها ويصبرها برؤية ابنها- سُدى الآن!، همست بصوتٍ خفيض، وهو يحتضنها:
- أنا خايفه اوي..
اقتربت والدتها منها، وربّتت على شعرها، قائلة بحنان:
- اهدي يا حبيبتي، ان شاء الله هتطلعي بالسلامة، كلنا هندعيلك يا حبيبتي..
فُتح الباب، ودلف سامي ومريم وهي تحمل عز الدين، هتف سامي بمرح وهو يتجه نحو اختهُ:
- كويس اني لحقتك يا بت..
احتضنها مُقبّلًا رأسها، وتقدمت مريم التي تمسك ذراع عز الدين، واحتضنتها هي الأخرى، قائلة بحب:
- ما تخفيش يا حبيبتي، ان شاء الله هتقومي بالسلامة..
تقدم وليد قائلًا بضحك:
- اديكي عايزه تجربي الولادة من زمان، اشربي بقى
طالعتهُ زهرة بضيق، هاتفة بحنق:
- دا بدل ما طمنها يعني!
اقتربت منها واحتضنتها، مردفه:
- ما تخفيش يا سوما، ان شاء الله يعني.. هتبقى زي شكة دبوس، مش كدا يا روما!
ضحكت مريم بخفوت، وهتفت بنبرةٍ ساخرة:
- طبعًا اوماال، شكلة دبوس بس راسوا كبيرا شويا..
طالعتهم سُمية وضحكت على حديثهم، تعلم انهم يريدون اخراجها من هذا المزاج ليس الا، دلف الممرضين بسريرًا نقال، فساعدها سراج ووليد لصعود عليهِ، ثم اتجه الممرضين بها نحو غرفة العمليات، ووراءها تحرك أهلها.
توقف وليد في منتصف الطريق، بسبب رنين هاتفهُ، فناوب مكانهُ في الدفع سامي. تحرك مبتعدًا عن الجميع، بعدما طالع المتصل والذي وجدهُ عادل، فتح الأتصال ورفع الهاتف على أذنهِ، وهو يضع يدهُ بجيبهِ، ثم رفع رأسهُ قائلًا بجمود:
_ ها يا عادل..
- عماد السيد مات يا باشا
وقعت أعين وليد على سامي، الذي يُلاعب طفلهُ، وجوارهُ زوجتهِ تلتقط لهم بعض الصور، تلك السعادة المرسومة على وجههم كان هذا الحقير على وشك اقتلاعها من جذورها، ابعد بصرهُ عنهم، بعد أن رأى زوجًا من الأعين تتابعانهُ بحرص يشوبها القلق عليه، عاد لهاتفُ مهمهمًا بصوتٍ رخيم:
- جرعة مخدرات زيادة صح..
- صح يا باشا، تحب أقول لرجاتنا هناك ايه!
تابع وليد بنفس النبرة، قائلًا:
- اشحنوه وابعتوا على اي عبّارة راجعه مصر على طريق مينا بورسعيد، ورجعوا بطريقة رسمية يا عادل، وابعتوا لأهلوا يستلموا الجثة من هناك، ولو عملوا عزا بلغني..
- تحت أمرك يا باشا، بعد أذنك..
أغلق وليد الأتصال، ثم أخذ نفسًا عميق للغاية، تقع الضباع واحدًا بعد الواحد، قربُت دائرة الشر حولها على الإنتهاء، الا أن هُناك حلقة مفقودة، أخر حلقة بتلك الدائرة لا أثر لها، وهذا ما يُعكر صفوة!
وضع الهاتف في جيبهِ، ثم سار بخطواتٍ ثابتة نحو الجمع من عائلتهُ. وقف مستندًا على أحد الجدران، لتتقدم زهرة منهُ والتي كانت تتابعهُ منذ أن بدأ يتحدث في الهاتف، وقالت بخفوت وقلق نسبي:
- ايه مالك!، المكالمة دي ضايقتك ولا ايه!
أمسك كفها، واحتضنها داخل كفهُ، قائلًا بابتسامةٍ مطمئنة:
- لا يا حبيبي مفيش!، دي مكالمة شغل عادية
من بعيد، كان سُليمان وزوجتهُ سلطان يتحركوا نحوهم بخطواتٍ، بها شيءٌ من الهرولة، اقترب سُليمان من سراج ووليد، وهتف متسألًا بقلق:
- ها يا بني ولدت!
طالعهُ سراج، وأومأ بخفوت رافضًا، فرفع سُليمان كفيهِ قائلًا بدعاء:
- اومها بالسلامة يا رب هي وحفيدي..
أمّن الجميع خلفهُ بيقين، عدا سُلطانة، التي هتفتف بتهكم وصوتٍ هامس:
-ءامين يا خويا
استغلت الوضع، ومكوثها جوار منال، لتميل عليها قائلة باستعطاف:
- بقولك ايه يا منال يا ختي..
انتشلتها من بين أفكارها، وخوفها على ابنتها، ورغم انها لا تقدر على تبادل الحديث الآن، هتفت بنبرةٍ مرغمة:
- ايوا يا سلطانة، عايزه ايه!
تنهدت سلطانة وأظهرت كم انها المرأة المغلوب على أمرها، وهتفت بنبرةٍ حزينة:
- كنت عيزاكي يا اختي بعد ما سُمية تولد، تقوليلها يعني ترجع تقعد معانا في بيتنا، هي وسراج والواد، اهو ناخد بالنا منها وهي والدة كدا، ودي هتبقى نفسة يعني، ومش هتعرف تقعد لوحدها، خليها تقول لسراج ويرجعوا بيتهم..
ثم أكملت بنبرةٍ ملتوية ذات مغذى:
- زي ما قالتلوا نمشي من البيت كدا..
طالعتها منال بحدةٍ، فضعفت ملامحها وهتفت بنبرةٍ حزينة مصطنعة:
- هو مهما كان بيحبها، وكانوا لسا عرسان عايزين يقعدوا سوا برضوا..
كظمت منال غيظها من فعلة سلطانة تلك، ولأول مرّة تعهدها حماة، فلم يسبق لسُمية أن اشتكت منها اطلاقًا، مدّت منال يدها وربّتت على زراعها مردفه بنبرةٍ مطمئنة:
- أنا عارفه انك خايفه على بنتي ومش عيزاه تتعب يا سلطانة، بس أنا اكيد هخاف عليها اكتر، انا كلمت سراج وقولتلوا تيجي تقعد معانا احنا، واديكي شايفه المكان.. ولا الخدم عملين اذاي،.. ووسط اخواتها ومراتتهم الـ بـيـحـبـوها..
هتفت أخر كلماتها، بنبرةٍ مثقلة، لتندفع سلطانة متشدقة بلهفة قائلة:
- اخص عليكي يا منال، واحنا يعني الـ مش بنحبها!
ابتسمت منال قائلة بسخرية داخلية:
- لا يا حبيبتي انا عارفه انك بتحبيها، انا بنتي اصلًا تتحب من غير حاجه، سُمية تتحط على الجرح يطيب، دا كفايه انها سُمية صفوان يا سلطانة
أومأت سلطانة بتهكم لم تظهرهُ، ثم قالت بخنقة داخلية:
- قولك ايه في الـ قولته يا منال!
مطت منال شفتاها بعدم معرفة، وأشارت برأسها نحو سراج قائلة:
- والله الـ قواله دي لجوزها، انا مليش دعوة!، إذا كانت في بيت جوزها هجيلها، وإذا كانت في بيت اخويا برضوا هجيلها، بس عشان تريحي نفسك،.. سراج مش هيوافق، هو قالي انها هترجع من هنا على بيتوا علطول، وأنا وزهرة هنكون معاهم، وهبعتلها سعادة تفضل معها لحد ما تربعن ان شاء الله، ادعيلها بقى تقوم بالسلامة..
مطت سلطانة شفتاها بسخط وغيظ شديد، ثم تحركت في مقعدها، وكأنها تجلس على جمر، فهزت منال رأسها بضيق جمّ من أفعالها وحديثها، ثم همست داخلها بحزن:
- يا ترى الست دي عامله ايه معاكي يا بنتي!
مرّة عشر دقائق، حتى شق السكون والقلوب المرتجفة الخائفة، صوت بكاء الطفل الصغير، الذي أتى لدُنيا، يحمل على كتفيهِ السعادة لأبويهِ. هلل الجميع في الخارج، واحتضن سراج وليد بقوةٍ شديدة تليق برجوليتهم، كما فعل سامي الذي لم تكن الفرحة تسعهُ حقًا، صغيرتهم بات لها صغيرًا!.
احتضنت زهرة مريم هي الأخرى بفرحة جمّة، ورقص عز الدين على الأرض.. لا يعلم ماذا يحدث؟ لكن حتمًا ما يحدث هو شيء سعيد يدعو لرقص.
احتضنت منال اخوها سُليمان، قائلة بحب:
- يتربى في عزك وعز ابن يا حبيبي..
قطع صوت فرحتهم، خروج الممرضة وهي تحمل بين يدها الطفل الرضيع في لفافة بيضاء، تلقائيًا شعر سامي بإنقباضة قلبهُ، وهو يتذكر تلك الذكرى الحزينة، رحيل طفلتهُ التي لم يأذن لها الله أن تقر عين ابويها بها!.
اندفع سراج نحو طفلهُ، يحملهُ من الممرضة، ثم طالع وجههُ البريئ للغاية واحنى رأسهُ يُقبلهُ بشفتاهُ الغليظة، على وجههِ الرقيق، فانكمشت ملامح الطفل بضيق من شارب والدهُ الذي أزعجهُ.
ابتعد سراج يُطالع وجههُ، فوجدهُ يضم شفتاهُ ويحركهما وكأنهُ يمتص شيئًا ما، فضحك بخفوت، وهمس لهُ بمرح ودموعهُ بين عينيهِ:
- ماما لسا ما طلعتش يا ولا!!
أخذُ سُليمان منهُ بحنق يريد رؤيتهِ، فاتجهُ هو للمرضة قائلًا بلهف، بعد أن مسح عينيهِ:
- امه عامله ايه طمنيني عليها..
طالعتهُ الممرضة قائلة:
- لاء ما شاء الله صحتها عال العال، هتطلع دلوقتي، هي اصلًا واخده مخدر نصفي، لكن هتهلوس شويا من البينج، فاستحملوها بقى..
هتفت كلماتها مازحة، فأومأ سراج مبتسمًا باشتياق، ثم استدار ليجد طفلهُ يتنقل بين أيدي عائلتهُ، حتى توقف بين كفوف زهرة التي طالعتهُ بحنان وحب، ولمعت عيناها وهي تبتسم لهُ بفرحةٍ، مدّت يدها لتخرج يدهُ من الفافة، ثم انحنت لتقبلها بحنان.
اقارب وليد منها، وحملهُ عنها قائلًا بسعادةٍ:
- وريني حبيب خالوا دا..
أراد اخذهُ منها كي لا تتحرك مشاعرها أكثر، وتبكي متأثرة وهي تشتاق لأن تكون أمًا، قبّل وليد الطفل بحنان، ثم طالع سراج قائلًا:
- نويتوا تسميه ايه!
ابتسم سراج بحنان، ثم أخذهُ من يدهُ، وقال في أذنهِ بصوتٍ رجوليًا رخيم:
- عُمر سراج سُليمان الجارحي، اسمك عُمر سراج سُليمان الجارحي..
ابتسم الجميع سعادة بهِ وبإسمهِ، فربّت سامي على كتف سراج، ومسد على جسد الطفل في آنٍ واحد، مردفًا:
- حمدلله على سلامة عُمر، يا ابوا عُمر..
تلك الكُنية التي ستلازمهُ طيلة حياتها، جعلت دقات قلبهِ تخفق بشدة، لا يصدق ما يحملهُ على ذراعهِ، طفلهُ.. لا بل طفلهم، قطعة منهُ ومنها، خليط بين اثنين نُقشت حروفهم بالإجبار في كتاب العُشاق، والآن ثمرة الحب ها هي بين يديهِ.
اقترب سُليمان وأخذهُ منهُ، هاتفًا بفرحة:
- سبلي انا بقى مهمة التكبير في ودنوا..
أعطهُ لوالدهِ بحب، وفور أن أخذهُ سُليمان، فُتح الباب، وخرجت سُمية وهي نائمة على سريرها النقال، عيونها مفتوحة، تُطالع الجميع. تحرك سراج نحوها بلهفة، قائلًا:
- سُمية، حبيبتي انتِ كويسة، سُمية..
قاطعهُ أحد الممرضين قائلًا:
- كويسة يا فندم، بس البينج وكدا لسا نص ساعه عقبال ما تفوق..
تحرك الجميع حول السرير، متجهين نحو غرفتها ثانية، حملها سراج ووضعها على سريرها، فاستكانت للحظات، قبل أن تهمس قائلة:
- وليد..
اتجه اخوها نحوها بلهفة، فرفعت عيناها لهُ وابتلعت ريقها، قائلة:
- كـ..كدبوا عليك على فكرا..
عقد حاجبيهِ باستغراب، فقال سراج:
- كدبوا عليه في ايه!
ضحكت سُمية، وتابعت بعقلًا غائب:
- فتكر إزازة... البيرفيوم الـ بابا جابهالك من باريس، لـ...لما دخلت الجيش!
حرك وليد رأسهُ بنعم، قائلًا:
- ايوا يا حبيبتي فاكرها، الـ دادة سعادة الله يسامحها كسرتهالي..
وضع سامي يدهُ على وجههُ، هامسًا بحسرة:
- ابوس ايدك لاء، ابوس ايدك لااء..
أومأت سُمية ضاحكة كالثملة، وقالت:
- يا مغفل،.. سامي الـ كسرهالك يا لولو..
زم سامي شفتاهُ بحنق قائلًا بنبرةٍ متهكمة مصطنعة:
- يا طاهرة!!، انتِ تصومي تصومي وتفطري على الغلبان دا!
طالع وليد سامي، ثم أشار لهُ بالصبر، فابتسم الأخر ببلاهة، وضحك الجميع عليهم، فاستغل سراج الوضع، وأمسك كفها، قائلًا بمزاح:
- قولي يا حبيبتي كل الـ نفسك فيه، ماتخليش في نفسك حاجه ابدًا..
أومأت سُمية بنعم، ثم هتفت:
- هقول كل حاجه، الا حاجه واحده يا سراج..
صمتت قليلًا، فقال وليد بتصميم:
- ايوا بقى!، الحاجه دي مش لازم حد يعرفها صح..
كانت تظن أن سراج من يُحدثها، فأومأت قائلة:
- مش تخاف، أنا مش هقول لحد انك جيتلي بليل يوم ما جالي عريس،.. فاكر،.. من ورا وليد وسامي يا سراج..
شهق الجميع بصدمةٍ، بينما اتسعت أعين سراج بزهول، هامسًا:
- نهار ابوا الـ جايبينك أسود يا سُمية!
طالع وليد سراج قائلًا بعدم تصديق:
- انتَ جيت لأختي بليل من ورانا!
اقترب سامي منهُ ايضًا، وهتفت سُمية ضاحكة:
- آه جه..
ركض سراج سريعًا، وحمل طفلهُ عُمر من أيدي جدتهُ منال، قائلًا بسرعة:
- اهو.. صلحت غلطتي واتجوزتها، وخلفنا كمان..
تحرك وليد خلفهُ، هاتفًا بزهول:
- صلحت غلطتك،.. اقف يلا، لو راجل سيب ابنك وما تتحماش فيه..
أكمل سراج ركضهُ، وخلفهُ سامي ووليد، وما ساعدهُ في عدم أمساكهم بهِ، أن الغرفة واسعة جدًا، قال سراج وهو ما زال يركض بعُمر:
- مش واقف، الله يسامحك يا سُمية...
وقف سامي قائلًا بنبرةٍ مازحة:
- هنجيبك يعني هنجيبك..
استمعوا لصوت طرقات على الباب، فهتف سُليمان، بنبرةٍ ضاحكة قليلًا:
- ادخل...
فُتح الباب، ودلف إبراهيم وجوارهُ قمر، والتي أوشكت على اقتحام الشهر الثامن، كان إبراهيم يُساندها وهي تتحرك بصعوبةٍ.
دلفا الإثنين لداخل، وهتف إبراهيم، وهو يرى سراج يقف بابنهِ خلف سرير سُمية، وكان يستمع لصوتهُ هو ووليد وسامي من الخارج، فهتف مازحًا:
- حتى وانتوا في مناسبة زي دي بتتعاركوا!!، تعالى يا بني وريني جبت ايه!
اقترب وليد وسامي مرحبين بهم، واقترب سراج ايضًا بتوجس، فضحك وليد قائلًا:
- اديك قولتها.. اتجوزتها وخلفت كمان!، يعني ملناش حق نديك علقة محترمة على الـ عملتهُ..
ظن أن الأمر قد مرّ، فأعطى عُمر لإبراهيم، ليباغتهُ وليد بلكمة حادة في وجههُ، قائلًا:
- بس اعذرني في دي بقى..
شهقت الثلاث فتيات، بينما سُمية كانت بعالمٍ أخر، وهتفت قمر:
- يالهوي!
استمعتهم منال، التي تعمقت في جلستها قائلة بلا مبالة:
- لا دول بيزهروا سوا كدا..
دق الباب ثانيةً، ولم يكن مغلق بشكل كامل، وظهر منهُ فتحي وريم وأحمد وماتيلدا. أطرق احمد رأسهُ قائلًا بمرح:
- زدتوا واحد يا ولاد..
بسط إبراهيم يدهُ، هاتفًا:
- زدنا يا ابوا حميد اهو، تعالى عقبالك يا عم..
رفع يداهُ مستسلمًا وهو يقول:
- لا يا عم، انا مأجل شويا، هو انا ناقص، وأوأه وهات بامبرز ورضعة للواد، والحق الواد عندوا أسهال!
احتضنهُ سراج هاتفًا بتقزز:
- طول عمرك معفن ياض..
احتضنهُ أحمد بفرحةٍ، ثم ابتعد هاتفًا بمزاح ونبررةٌ متهكمة مصطنعة، قائلًا:
- متعلم منك يا ابوا الرجولة...
ابتعد عنهُ هاتفًا بتذمر:
- يخربيتكوا كلكوا، انتوا مالكوا جاين عليها كدا ليه انهارده، دا انا بابا جديد يلا انت وهو!
احتضنهُ فتحي، مردفًا بمزاح:
- دا هو الـ هيبقى بابا، احنا خلاص راحت علينا يا بني!
جذب وليد طرفي بدلتهُ، مردفًا بغرور:
- لا يا عم احنا لسا شباب زي ما احنا..
اقتربت ماتيلدا وريم من زهرة ومريم وقمر، وسلمن عليهم بسعادةٍ، فهتفت مريم مازحة:
- ايه يا بنتي مش ناويه تعمليها انتِ كمان ولا ايه!
أومأت رين نافية ثم هتفت بضحك:
- فتحي تفكيره نفس تفكير أحمد، قالي استني نتمتع بحياتنا وشويا، عشان لما يجوا نكون خدنا حقنا احنا كمان..
ابتسمت زهرة لها، وهتف لماتيلدا وريم:
- وربنا يرزقكوا الذرية الصالحة يا حلوين..
ثم طالعت الجميع، ووقعت عينها على زوجها وهو يضحك بسعادةٍ، مع أصدقاؤهُ، ثم طالعت أصدقائها، وهتفت بتمنى ونبرةٍ صادقة:
- ونفضل متجمعين دايمًا كدا يا رب..
●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●
رابع يوم الساعة السابعة مساءًا، توقفت سبع سيارات في مقدمة هذا الصوان المنصوب على مدخل أحد الشوارع، هبط عادل من أحد السيارات، تزامن من هبوط سائق سيارة ما بين السيارات، وفتح الإثنين المقعد الخلفي الأيسر، ليهبط ولدي صفوان منهم.
توقف الإثنين، ثم تقدموا من غرة الصوان، كان وليد أولًا، ليمد يدهُ لوالد عماد، مردفًا بنبرةٍ جامدة:
- ربنا يجعلها أخر الأحزان يا ابوا عماد..
استقبل والد عماد كفهُ، وهتف بنبرةْ منكسرة:
- ما نجلكش في حاجه وحشه يا باشا..
تخطاهُ وليد، فاقترب سامي واضطر لكتم كرههُ بقلبهِ، فقد أتى لهُنا رغمًا عنهُ، لكنهُ لم يرد أن يُصغر اخوهُ. سلّم عليه قائلًا بنبرةٍ مختنقة:
- البقاء لله..
أومأ الرجل مردفًا بحزن:
- ونعمة بالله..
ابتعد سامي عنهُ، ثم اتجه مرغمًا ليجلس جوار اخوهُ، زافرًا بضيق وتجهم، الا انهُ سينام قرير العين تلك الليلة، طالع اخوهُ الذي ينظر للفراغ بغموض، ثم هتف داخلهُ:
- عارف انك انتَ الـ عملت كدا يا وليد!، كنتوفي ضهري وحامتني وانا رايح اخد حقي بابدي، بس مكنتش هرجع لمراتي ولا لابني
مدّ وليد يدهُ وربّت على قدم سامي وهو يعلم يُفكر بهِ، فطالعهُ سامي مبتسمًا بامتنان شديد، انهُ بجوارهِ لهذا اليوم، والى أخر نفسًا بحياتهِ.
●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●○●
حضر وليد المُحاكمة وجلس في أخر مقعد يُطالع الجميع من مكانهِ بثبوت، ونظرات التشفى تُلقى على الثلاثة المحبوسين في أقفاص فردية، حُكم على محمود وسيد بإحالة أوراقهم لفضيلة مفتي الجمهورية، فلا حاجه لوجودهم وجميع ما يُدينهم معهم، كما أن تلك الأوراق التي قدمها اللواء دياب الأسيوطي تُدينهم بالكامل من جميع النواحي، وحُكم على نيڤين بالسجن المؤبد مع الأعمال الشاقة، وغرامة قدرها ربع مليون جنية.
كما سعى وليد لتدمير نيڤين أكثر، تلك الحرباية التي أقحمها سيد في حياة والدهُ، حيثُ انهُ سلط عليها بعض النسوة السوقين في السجن الذي ترحلت لهُ.
اليوم الجمعة الموافق ثلاثة من مايو، كان قد بدأ وقت الغسق، وتعالى صياح الشباب الفرحين في حديقة قصر صفوان، وقد قرر وليد جمعهم اليوم لإقامة حفل شواء، وأراحة النسوة قليلًا.
كان سراج يُلاعب والدهُ الحبيب، وأحمد وسامي منتبهين للحم الذي يضعونهُ في الشواية على النار، بينما وليد كان يجلس مع إبراهيم يتحدثان سويًا في العمل بالطبع!
بينما فتحي كان في مهمة خاصة ولم يستطيع الحضور، ولكن لم يمنع زوجتهُ من قضاء وقتًا ممتع مع أصدقائها، خصوصًا انها تلك الفترة تُقيم بقصر الساعي، لذا اطمئن عليها مع صديقهُ وابن عمها.
وعز الدين يلهو مع كلبهِ الذي اتى بهِ لهُ عمهُ. هتف سامي بنبرةٍ متذمرة:
- والله ما ينفع كدا، حد يقوم يساعدنااا، مش دا شغل الحريم يا رجالة هي الآية اتقلبت!!
طالعهُ سراج قائلًا:
- بنحاول نريحهم شويا يا عم، ايه مفيش رحمة!
نظر لهُ سامي بغيظ وهتف:
- ما الـ ايدوا في المايه مش زي الـ ايدوا في النار والله!
التفت لهُ وليد، وقال ساخرًا:
- انتَ كل خمس دقايق تقول البوقين دول، وانا كل شويا هرد عليك واقولك.. سبهم يلعبوا شويا يا سامي، واتلم بقى..
ضرب سامي ساق الشواية الحديدية بغيظ، فضحك أحمد قائلًا:
- اتهد بقى!، بُلبُل معاد الـ يجي دلوقتـ..
- سلامــــات على أحلى صحاب وأخوات..
التفت الجميع نحو مصدر الصوت، ليجدوا نبيل يأتي لهم بعد أن صف سيارتهُ، جوارهُ نورين الذي أصر على أخذها معهُ، بعد ان استئذن والدها الذي وافق على مضض، فقد رفض ان تتم الخطبة بينهم الا بعد ان تنهي السنة الأولى لها بكلية العلوم.
همس إبراهيم لسراج وهو يتذكر هذا اللقب الذي اطلقهُ على نورين يوم .خطبة أحمد وماتيلدا، وقال مازحًا:
- الحق يلا، العسل الـ بحرف النون اهي..
ابتسم سراج، مردفًا:
- ايوا واخد بالي، أحمد قال انوا هيخطبها بعد ما السنة تخلص..
كان سامي يقترب من نبيل ليسلم عليهِ، واستمع لما يقولون فطالعهم غامزًا، ثم هتف:
- أنا مش قولتلكوا اقطع دراعي من هنا، ان ما كان بينهم حاجه!
أومأ إبراهيم مؤكدًا، وهتف ضاحكًا:
- حصل يا باشا
سلّم الجميع على نبيل ونورين، وقال سراج بنجدةٍ وطريقة مضحكة:
- والله يا بُلبُل باشا كنا مستنينك من الصبح، محدش بيعرف يفرفش القاعده غيرك..
رفع نبيل رأسهُ بغرور زائف، وهتف:
- حضرلي يا بتي الـ D.J وانا هنسيكوا نساوينكوا..
صاح وليد ضاحكًا وهو يرفع يدهُ مستسلمًا:
- لا يا عم الله الغني!
قهقه الجميع على ما قيل، ثم قال نبيل متسألًا وهو يدور بعينهِ في الارجاء:
- الا هما فين بصحيح!، فين الكورة الكڤر بتاعتك اهيما..
وكزهُ إبراهيم في معدتهُ، مردفًا بسخط:
- ملكش دعوة بيها يلا عشان ما زعلكش..
ضحك نبيل، هاتفًا:
- والله بحب استفزها، هي بتزعل ولا ايه!
- والله بتزعل لما تقولها كدا، اتلم بقى دي على اخرها مننا كلنا اصلًا..
صاح أحمد في الخلف، وهو يمسك باثنين من المروحيات الريش ويحركهم بيدهِ على اللحم، قائلًا بحنق:
- خلي نورين تروح عند الحريم وتعالى ساعدني يا نبيل..
أخبرهُ وليد بالمكان الذي يتجمع بهِ الفتيات، فأشار نبيل لها على المكان، ثم ذهب الى اخوهُ، اقترب الجميع من الشواية ليروا اللحم، فمدّ أحمد المروحية لسراج الذي عارض أخذها بملامحهُ وقبل أن يهتف بشيء، هتف أحمد بكذب:
- امسك بس ثواني، لحسن البنطلون هيقع..
بحسن نية أخذ المروحية منهُ، وقد وضع عُمر في سريرهُ بعيدًا عن رائحة الدخان، وظن أن أحمد سيأخذها ثانيةً، لكنهُ رفع يدهُ بلا مبالة قائلًا براحة:
- كمل انتَ بقى، انا الخدام الـ جايبهولكوا ابكوا!
وعلى الجانب الأخر من الحديقة، صرخت زهرة وهي تُمسك بقمر وعيناها موصدتان قائلة:
- شاهدونـــي...
توقفت جميع الفتيات قائلين بمرح:
- شاهدنالك..
التقطت قمر انفاسها من هذا المجهود البسيط الذي فعلتهُ، ثم هتفت وهي تسند ظهرها بيدها قائلة بنهيج:
- والله شكلكوا هتولدوني الليلة!
ابعدت زهرة الطرحة عن وجهها، وهتفت رافضة:
- انتِ لسا في التامن انسي،.. ايه دا مين الـ هناك دي!
أقبلت نورين عليهم بخجل، فهي لا تعرف سوى ماتيدا فقط، بينما صاحت ماتيلدا مرحبة:
- نورين!
أقبلت عليها ماتيلدا بفرحة بينما، هتفت ريم بشك:
- بيتهيألي كدا، انها الكراش بتاعت نبيل، بيستهيألي يعني!
هتفت زهرة مؤكدة:
- وليد قالي هيتخطبوا بعد ما تخلص سنة أولى، البت كيوت اوي..
اقتربت نورين منهم، وسلمت عليهن الواحدة تلو الأخرى، وقد رحبوا بها بحفاوة. هدرت زهرة لقمر بغضب:
- مليش دعوة انتِ الـ اتماسكتي!
أشارت قمر نحو جسدها، وقالت:
- هاجري وراكوا اذاي ببطني دي يا بنت المجنونه!
ضحكوا جميعًا بصوتٍ عالي، وابتعدت سُمية للخلف خطوتين وقالت:
- أنا واحده لسا والده من شهرين، يعني بلعب بالعافيه اصلًا..
طالعتهم نورين ثم هتفت برقة تتناسب معها كليًا وهي تمدّ يدها لقمر المتذمرة قائلة:
- سلميلي طيب..
عادت ملامحها تضحك، وسملّت لها الدور بضرب باطن يدها بكفها برفق، وأصبحت نورين هي من عليها الدور. أتى عز الدين وأصر عليهم أن يلعب معهم، فاضطروا مرغمين لإدخالهِ على أن يكون عصفورًا بينهم!
توالت أدوار اللعب عليهم بين زهرة وماتيلدا وسُمية وريم ونورين، وقمر التي عاملهُ كالعصفورة ايضًا، وللحق قد ظُلم العصفور!
أتى وليد ليخبرهم بأن الأكل أصبح جاهزًا، ومعهُ تعالى رنين هاتف ماتيلدا، فأخذتهُ لتجيب، وهي تتحرك مع الفتيات نحو الحديقة الأخرى، والتي تكون عند المسبح، كان الوقت قد قرب على المغيب، وأصبحت الأجاء ساحرية للغاية، ووضعت أربعة مراوح كهربائية حول الطاولت والمقاعد.
استندت زهرة على احد الجدران بألم، ثم رفعت وجهها وتنهدت بإرهاق وتوتر، أخذت نفس عميق للغاية، ثم بدأت بالتحرك على مهل، استمع الجميع لصراخ ماتيلدا الذي صدح فجأةً، فترك أحمد ما بيدهُ وتحرك نحوها بسرعة ولهفة، ليجدها تقول بفرحة جمّة وهي تنظر لهُ، مقتربة منهُ:
- أحمد..، سحورة حامل!
هلل الجميع فرحين بسعادةٍ لها، ثم هتف سامي قائلًا:
- هجيب الشاشة ونكلمها ڤيديو كول نباركلهم..
أيد الجميع ما قالهُ، واتجه سامي وأخذ نبيل معهُ للداخل كي يأتوا بالشاشة الكبيرة. طالع أحمد سعادة زوجتهُ التي ترتسم على وجهها، فاقترب منها وأخذها للوراء دون أن يشعر بهم أحد، فنظرت لهٕ مستغربة، ليقول:
- ايه رأيك نجيب نونو احنا كمان..
اتسعت عيناها زهولًا، وابتلعت ريقها بتفكير شديد، تلك المرحلة في حياتها ستحتاج الى وقت ومجهود عظيم، هل قادرة على ذلك!، كما انها لا تُريد الإنجاب وهي على دينٍ غير الإسلام!، طالعتهُ هامسة بخفوت، وهي تهز رأسها موافقة، وقالت:
- موافق أحمد،.. بسـ..آآ.. عايز اِسلّم..
انبسطت ملامحهُ حتى لا تعد ترى بها اي شيء يدل على السعادة او الفرح، او يدل على شيءٍ في الأساس، فاضطربت قليلًا، وكان هو لا زال لا يستوعب حديثها!، بالفعل تريد أن تُسلم!، يتذكر تلك الليلة، يوم حنة صديقهُ عندما كانا بمفردهم، بعد تلك المشكلة التي حدثت بينهم، كان سيخبرها بعرضهِ لها بدخول الأسلام، لكن هاتفهُ منعهُ، تلك الليلة التي اقتص بها خق اخوهُ نبيل!.
ظنت ماتيلدا ان صمتهُ هذا، عدم موافقة على حديقها، ففركت كفيها بعضهم بتوتر، وقالت بنبرةٍ مترددة:
- أحمد،.. مامي مسيحي!، وهي ماتت مسلمة، زي بابي،.. وأنا كمان عايزه زيهم،.. قمر ساعدني اسمع lessons عن الأسلام، وأنا أحبه، ممكن تساعدني في الباقي..
هُنا ابتسم بسعادةٍ جمّة، وشعر انهُ حقًا ملك سعادة الدنيا!، تالله ماذا سيريد بعد هذا النعيم!، هتف متسألًا بنبرةٍ سعيدة:
- من امتى وانتِ بتسمعي دروس عن الأسلام!
اطرقت رأسها خجلًا، ثم هتفت قائلة:
- قبل ما نتجوز احمد،.. هتساعدني!
احتضنها بحنان، مربتًا على ظهرها، ثم هتف بدعم وتشجيع:
- ولحد أخر نفس في عمري هفضل اساعدك تكوني أحسن وأفضل واحده يا حبيبتي..
تنهدت بعمق وهي تدفن وجهها برحابة في صدرهِ، ولم يقطع لحظتهم الدافئة تلك، الا صوت اللعين نبيل، قائلًا بسخرية:
- مش وقت غرمياتك يا عم أحمد!
جذّ على نواجذهُ بغضب، ثم ابتعد عنها مردفًا بحنان:
- نبقى نكمل كلامنا لما نروح، لينا قاعده طويلة سوا..
اتصلوا بفؤاد، واخبرهُ ان يفتح الكاميرا ليباركون لهُ، ففعل فؤاد ليظهروا على الشاشة يجلس في حديقة منزلهِ على أحد الأرائك، وسحر تجاورهُ ملتصقة بهِ.
انهالت عليهم المباركات فرحين لهم جدًا، والتي استقبلها فؤاد وسحر بسعادةٍ حقيقية، ثم اخبرهم عن سبب تجمعهم جميعًا، ليخبرهُ أحمد أنهم بضيافة وليد وحرمهُ المصون اليوم.
انتهى الإتصال، ثم تجمع الجميع حول المائدة، واليوم تحديدًا ذهبت منال وإلهام لبيت الساعي لقضاء وقتٍ لطيف مع آمنة، كما أن سعادة قد سافرت لأبنتها الكويت لتراها بعد أن مرّ على زفافها شهرين.
كانت الجلسة حول الطعام شبابية مرحة، لا تخلو من الضحك والهزار، خصوصًا نبيل الذي لا ينفك يُزعج قمر، والذي يعتبرها وبدون اسباب اختًا لهُ دونً عن الباقي!، طالعت قمر الطعام وقد توقفت عنهُ، ثم بدأت في البكاء بسبب مزاحهُ معها، فهتف إبراهيم بضيق:
- الله ينكد عليك يا نبيل يا ابن زينب يا رب..
ثم طالع قمر واحتضنها مطيبًا خاطرها قائلًا:
- خلاص يا حبيبتي، اعتبريه عيل صغير وبيهزر معاكي..
أومأت نافية بتذمر، ثم هتفت بحزن وقد بدأت بالبكاء ثانية:
- لاء ميهزرش، دا بيقولي سفينة بتغرق يا هيما،.. يا رب تبقى حامل يا نبيل انتَ كمان...
كادت ان تنفلت ضحكاتهم، فحدجهم إبراهيم بصرامةٍ كي لا تستمر في بكائها، فقد أصبحت حساسة للغاية، رفعت وجهها قليلًا واكملت شاكية:
- وزهرة يا هيما كانت عايزه تخليني اجري وراهم، وكنت هتعب.. يرضيك كدا
طالع إبراهيم زهرة، التي تكتم ضحكاتها بصعوبةٍ، وهتف بسخط:
- لاء طبعًا ما يرضنيش! الله يسامحك يا زهرة يا بنت ام زهرة..
انحنت نورين على نبيل هاتفة بصوتٍ منخفض مازح:
- هي مالها شكايةٌ بكاية كدا ليه زي اخت طه حسين!
لم يستطيع نبيل منع نفسهُ، فانفجر ضاحكًا بقوةٍ، حتي انهُ لم يكن قادر على الأعتذار، عندما وجد هيئة إبراهيم وملامحهُ الغاضبة. اندفعت من أحضان زوجها وقامت بإمساك زجاجة المياة وهمّت بإلقائها على نبيل، فسارع إبراهيم بإمساكها، وهو يقول مردفًا:
- لاء بلاش كدا،.. هو مش متربي لكن انتِ بنت ناس محترمة ما تعمليش كدا..
طالعها نبيل بملامحهِ المضحكة، وقال مؤكدًا:
- انا فعلًا مش متربي..
وكزهُ سامي -الذي يجلس جوارهُ- في كتفهِ، وهمس وعيناهُ لا تنظران لهُ:
- هيما هينفخك الله يحرقك!
كان إبراهيم في تلك اللحظات، على وشك إمساك نبيل وضربهِ حتى لا تظهر معالم وجههُ، حاول أخذ قمر وابعادها عن المكان، قائلًا:
- تعالي يا حبيبتي نتمشى شويا..
كادت أن تتحرك معهُ، الا انها توقفت قائلة بنفي:
- لاء، اضربه الأول..
أومأ قائلًا:
- حاضر والله..
ثم مال على أذنها هامسًا:
- بس بلاش دلوقتي عشان البت بتاعتوا قاعده، وما ينفعش، لكن وعد مني هنفخهولك..
أومأت موافقة، وتحركت معهُ وهو يسندها ويتحرك على حركتها البطيئة للغاية بسبب ثقل جسدها.
أتى اتصالًا لوليد فاستأذن وقام ليجيب، وقالت ريم مستغربة:
- هي قمر بكت عيوطة اوي كدا ليه!
تنهدت سُمية، وهي تمسك بكف سراج أسفل الطاولة، ثم قالت بتفهم لحالة قمر:
- قمر على وش ولادة يا ريم، ودي أول مرّة ليها، فأكيد مرعوبة من جوا، وعايزه اي حاجه تعيط عشانها، انا فاكرا الفترة دي اوي، كنت ممكن اعيط لو قولت لسراج يجبلي حاجات كتير وهو راجع، ورجع ونسى حاجه واحده بس!، كانت عيوطة اوي، وقرفاه جدًا..
ضغط على كف يدها برفق، وكأنهُ يقول لا عليكِ، فنظرت لهُ، ليغمز لها مشاكسًا فابتسمت لهُ بحب.
نظرت زهرة حولها باحثة عن وليد فلم تجدهُ، لهذا استئذنت وقامت تبحث عنهُ، ستستغل هذا التجمع الحميم وتخبرهُ عن سرها الذي ارتكبتهُ، هذا الفعل الذي فعلتهُ والتي سيكون بنسبة لهُ كارثي للغاية، تحمد ربها انها انتقت وقتًا كهذا حتى يُدافع أصدقائهم عنها!.
وجدتهُ يقف أمام حمام السباحة ينظر لهُ بشرود مفكرًا، لتوهِ قد اتاهُ خبر انتحار نيڤين!، تنهد براحة، ثم طالع السماء، ليشعر بها تقترب من جسدهِ ثم همست:
- وليد..
همهم بدون إجابة، فابتلعت ريقها بصعوبةٍ، وشعرت أن أطرافها قد أصبحت كالثلج تمامًا!، فركت كفيها بتوتر شديد، واستمع هو لأنفاسها المضطربة والغير منتظمة، فطالعها باستغراب، وقال:
- ايه يا حبيبتي، عايزه حاجه!
لثاني مرّة تبتلع ريقها بصعوبةٍ، وشعرت بجفاف حلقها، لا بد من إخبرهِ... لا بد!، أخفضت رأسها أرضًا، وأخذت نفس عميق، كان متقطع بسبب توترها شديد، ثم قالت بتردد يشوبهُ القلق:
- عـ..عـايزه، آآآ... آ أقولك.. على حاجه
توجس خشية من حالتها تلك، أأصابها مكروهًا ما؟!، أمسك ذراعها بلين، قائلًا بقلق:
- مالك يا زهرة، انتِ تعبانه..
أومأت رافضة، وسيطر الخوف على وجهها، لتوها فقط وبسبب خوفها الشديد من ردة فعلهِ، علمت أن ما فعلتهُ كان خطأ، خطأ كبير للغاية، همست بنبرة مرتعبة، خائفة ومضطربة:
- وليد،..آآ آ أنا حامل..꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂
دا أكبر فصل كتبتوا لحد الآن، وتخطى الـ 19 الف كلمة، وأكيد شايفين هو كبير اذاي، وخد وقت كبير اوي مني، يمكن خلص على أسبوعين بحالهم، فرجاءًا يعني تقدير المجهود دا
وشكرًا..
وبإذن الله فاضل الفصل الأخير ان شاء الله، والفصل دا ضخم اهو، يعني اعتذارًا على التأخير الـ هيحصل عشان البارت الأخير يخلص.
شكرًا اوي اوي، على تعليقاتكوا بتاعت ان السرد حلو ومتماسك، ارجوا ان الرواية تكون نالت اعجابكوا.
أنت تقرأ
تائهة فِي سَرَايَا صَفْوَان © -مُكتملة-
Mystery / Thriller"دراما مصرية " _وليد إنت ليك علاقه بقتل محمود ..!! لم يستطيع الأجابة فقط أكتفى بهز رأسه بالايجاب ، فشهقت إلهام بصدمة وحزن في آن واحد وقالت: _اذاي .. اذاي يا بني ..! تنهد بحزن ثم اعتدل وطالعها قائلًا: _ ياسر يا إلهام هو الـ قاتلوا ، كان عايز يجندوا ب...