الفصل الثاني والعشرون

8.8K 321 47
                                    

تائهة في سرايا صفوان
الفصل الثاني والعشرون
..............

مر أسبوعين قامت فيهم قمر وزهرة بمساندة ماتيلدا ودعمها نفسيًا حتى باتت إلى حدًا ما متعايشه مع الأمر ،أما توفيق فمازال حزينًا ومتقوقعًا على حاله يعيش بجسده اما روحه فقد احتضنت روحها وذهبت معها .
إنتهت في تلك الفترة نيڤين من تعليم زهرة كل شئً عن عملها وسيكون اليوم هو الأول لتنفرد بنفسها في المكتب
اوقف سيارته بالقرب من منزلها ثم وجه بصره نحو الشرفة يتمنى رؤيتها ولو للحظات فقط قبل أن يتهور ويستمع لنداء قلبه بصعود لها .
مرت ساعة كاملة شارد التفكير وهو ينظر لشرفة ذاتها ثم في الأخير استمع لنداء هذا الأحمق الذي يضخ بالهراء من وجهة نظرهِ، وهبط من السيارة ثم أقترب من المدخل وهو متردد للغاية ،توقف لبرهةٍ، وهو يقول بصوت خافت :
_الله يخربيتك يا إبراهيم ايه الـ بتعمله دا ..؟! ،مستحيل أطلع لاء اجمد وارجل كدا إنتَ بقيت عيل صغير كدا ليه ..!!
ثم عزم على الرجوع وهو غير مستوعبًا ما كان سيفعله.
.......
مرّة ربع ساعة امسك فيها كوب القهوة الذي وضعته قمر أمامه هاتفه بإبتسامة :
_حضرتك نورت بجد ..
_شكرًا البيت منور بصحابوا .. آآ
إبتلع تلك الرشفة التي أرتشفها يلعن نفسه التي قادته لهنا ، دار عقله سريعًا يفكر ماذا سيقول ويبرر وجوده ..
_ جهزتي حاجتك ..!
أماءت بنعم قائلة :
_ايوا كلوا تمام ..
وضع كوب القهوة على الطاولة ثم قال بجدية :
_ إن شاء الله هنقعد في ڤيلا آآآ
قاطعته قائلة بدهشة :
_ لوحدنا ...؟
إبتسم وأجاب مع هزة رأسه البسيطة بالنفي :
_ لاء في شاغلين هناك ما تخفيش ، جدول امتحاناتك بعتوا على الماسنجر شوفتيه ..!
هزت رأسها بنعم وأردفت بخفوت :
_ ايوا ... بس .. بس خايفه أسقط
_ إنتِ مش مذاكرة كويس ..!
نفت قائلة :
_ لاء بصراحه ..، أنا منقطعة من فترة ولولا سونيا صاحبتي هناك كان زماني معرفتش أعمل حاجه
_ ماتقلقيش ..،إنتِ أدارة أعمال يعني لعبتي هقدر اساعدك بس ممكن الإنجلش الـ مبقاش جامد فيه
_ مش مهم بقا أنا مش متمسكه بالسنة دي أصلًا
_ ماتقلقيش هتعدي على خير ..، هي زهرة مش هنا
طالعته قائلة برفض :
_ لاء هي في الشركة دلوقتي أنا لوحدي ..
جحظت عبناه بصدمة سرعان ما أخفاها سريعًا قم هب واقفًا بفزع قائلًا وهو يتوجه نحو الباب :
_ طيب أنا همشي بقا ..
_ استني .. في ايه
لحقت به ووقفت بالقرب منه قبل أن يفتح الباب وعادة تكرر سؤاله قائلة :
_ في ايه .. ، قومت كدا ليه
إبتلع ريقه بغضب من حالهُ ،كيف سمح لنفسه بصعود لم يكن عليه أن يفعل هذا فهم فتاتان بمفردهم وإن رأى احدًا دخوله او خروجه لظنوا فيهم أمرهم سيئًا ، دار بجسده وهتف متسألًا :
_ ايه الـ خلاكي تفتحيلي وانتِ لوحدك كدا ..؟!
نظرت له بصدمة من سؤاله وقال بتوتر :
_ عـ.. آآعادي .. يعني مـ ...
قاطعها قائلًا بغضب داخلي :
_ انتِ متعودة اي حد بدخل كدا عادي وانتِ لوحدك
سرعان ما وجدها تهز رأسه بالفرض ثم أرفقته بقولها :
_ لاء والله أبدًا ..
_ امال فتحايلي ليه ...
نظرت أرضًً بارتباك، فـ بالفعل ماذا دهاها قبل ان تفتح هذا الباب، عقد حاجبيهِ باستغراب من صمتها، ثم همهم قائلًا بتسأل: 
_ ايه دا مش خايفه أعملك حاجه ..؟ 
رفعت مقلتها السوداء ثم أجابته بنبرة يقينيه واثقة:
_ لاء....
ابتسم بسعادة داخلية ثم أمسك بالباب هاتفًا :
_ طيب ما تعمليش كدا تاني يا قمر ..
أومأت دون أن تُطالعهُ، لا تفهم ضيقهُ من وجودهِ هُنا بمفردها، وهو تفهم عليها، يعلم أن حياتها بالخارج كانت أكثر تحرر من هُنا، ودعها بهدوء، ثم فتح الباب وخرج للخارج ،وهبط للأسفل سريعًا قبل أن يراه أحد ويظن فيهم سوءًا
دلف سيارته وأرجع رأسه للوراء مبتسمًا بسعادة ثم مالبث أن رأها تفتح باب الشرفة تطل منها برأسها فقط تراه وعندما وجدت سيارته أغلقتها سريعًا بخجل وإرتباك .
تنهد بغبطةٍ فكلما يتذكر أنه يومان فقط وستكون بجواره شهرًا كامل لتؤدي إمتحاناتها في الخارج وهو سيرى فرع الشركة الخاص بعائلة الساعي والمشارك به أحد رجال الأعمال الأجانب بالخارج .
بدأ بتحريك سيارته وجال في خاطره هذا الموقف العصيب الذي اضطر أن يخلق حُجج واهيه أمام جده ليوافق على زواج ريم وفتحي العاجل وأختفاء ريم فترة من الزمن
"عودة للوراء " ...
دلف إبراهيم غرفة الجد بهدوء ثم أردف بعد أن جلس بجواره :
_ جدي .. فاكر الـ بحث الـ ريم قدمته للجامعة بتاعته والـ اتكرمت عليه وزارة البيئة
نظر له الجد بتمعن ثم أردف :
_ ايوا فاكر ..
_ البحث اتقدم لوزارة البيئة في أمريكا وطلبنها عشان يتناقشوا معاه فيه ..
رُغم حزنه منها إلا أنه سعد كون حفيدته تسلك طريق العلم منذ الصغر وقد مازالت ترتفع وترتقى به ،... هتف ممدوح بنبرة سعيدة :
_ وبعدين يا بني ..
_ دي فرصة ما تتعوضش يا جدي عشان ريم تكبر في مجالها ، ... لازم تسافر وتناقش البحث دا هناك معاهم
_ خلاص يا إبراهيم ، خدها وسافر يابني لحد ما تخلصوا ،أنا عمري ماهقف في طريق نجاحها .
أبتلع ريقه وأردف بثبلت ظاهري :
_ آآ أنا .. الفترة الـ جاية هكون مشغول جامد ،عشان المناقصة بتاعت الـ مكن الطبي ، فمش هقدر أسافر معاهـ...
قاطعها الجد مردفًا بحزم شديد :
_ يبقا مفيش سفر لوحدها ...، مستحيل أسابها ..
_ولانا هرضى إنها تسافر لوحده .. بس المناقشة دي هترفعها جامد يا جدي ، والـ حصل معاها الفترة الـ فاتت وقسوتنا عليها ممكن تتعبها نفسيًا ، فتحي انهارده جالي وطلب أديها وكان قايلي أول أمبارح إنك موافق ، وهو عشان عندو شغل في أمريكا ..، قولت نضرب عصفورين بحجر واحد ..، فتحي يتجوز ريم ويسافر معاه عشان ماتكونش لوحدها وريم تحضر المؤتمر دا ...
نظر الجد له بتركيز وعمق ،فحديثه صحيح تمامًا ،وأضاف إبراهيم :
_ وحضرتك عارف فتحي عز المعرفة ،فهنطمن لما نجوزه لريم وهنبه عليه يكون كتب كتاب بس مش دخلة  يعني
_بس آآ
قاطعه إبراهيم مضيقًا عليه جميع المداخل :
_ريم مش صغيره يا جدي وفتحي أكتر واحد هيحافظ عليها ،وافق بس يكتبوا الكتاب ويسافروا وأول مايرجعوا إن شاء الله نعمل الفرح
_بس يابني مش كدا بنضغط عليه...
_ضغط ايه بس ..! داقرفني اتصالات كل شويا روح كلم جدك ،هجيب المؤذون واجي .. واجع دماغي
تنهد ممدوح قائلًا بإستسلام :
_خلاص يا بني خلي أمك تسألها لو موافقة وشوف أبوك برضوا دا عمها ووكيلها ..
_ماشي يا جدي هروح أقولها
وقف إبراهيم وتقدم خطوتين حتى توقف على صوت  ممدوح الذي قال :
_من حق .. كنتوا فين إمبارح ... والورم الـ في وشك دا من ايه ..؟!
إبتلع ريقه بصعوبة وتحسس ورم وجهه الذي سببه له فتحي وأردف كاذبًا :
_كنا آآ .. خدتها عشان تشوف الجامعة بتاعتها لأن العميد كان طلبها، والورم دا وأنا بلاعب فتحي ملاكمة
رد بعدم أقتناع بسيط :
_ماشي يا هيما ..،روح قول لآمنة بقا .. وبلاش لعب جامد كدا الـ يشوفك يقول واخد علقة ..
خرج سريعًا من غرفة جده وتنهد متزكرًا أول أمس
خرج بسيارته من بوابة القصر وهي بجواره ترتجف تتمنى أن تعود او تموت أيهما أقرب ، قطع عليه سيارة فتحي الذي أرتفع صوت بوقها الشديد مانعًا إبراهيم من أن يتحرك بعدما لمح وجود ريم بالمقعد المجاور ،فوقف مرغمًا ....
"عودة للوقت الحالي "..
انتبه على صوت رنين هاتفه على الوحة الظاهرة بجوار عجلة القيادة فضغط على ايقونه بالشاشة ليفتح الإتصال وقد صدح صوت فتحي بالسيارة
_ايوا يا هيما .. أنا دخلت اهو وبكمل الأجرائات
_ماشي يا فتحي هي عاملة ايه
_يعني .. كويسة او بتعمل كويسة
_ هتخف وهتكون كويسة إن شاء الله ،خد بالك منها بس ، أنا عارف إنها شايله مني فمش عايز أظهر قدامها
_متقلقش سيبها مدة كدا وهتصفى ..
_ماشي .. على العموم أنا وصلت للولد الـ اسمه سامح دا ...
_ هو فين ..
_هتلاقي في مخزن العباس ومعاه رجالة ظبطوه ...
_ومالوا .. اشوفوا انا كمان وبعدين هسلمه تسليم أهالي
_بيس يا مان هسبلك الطلعه دي .. سلام بقا عشان في الشركة .. وريم تشيل عينك وتحطها مكانها يا فتحي ...
_جرا ايه يا عم إنت هتوصيني على مراتي .. سلام
****************
لاحقًا داخل أحد المصحات الخاصة -بعد أن أتم الأجرائات- كانت تجلس جوارهِ تحتضن زوجها بهدوء وسكينه وقلبها خائف مما هي مقدمة عليه ،.. ربت فتحي على ظهرها قائلًا بحنان :
_ هتخفي وترجعي زي الأول ،ريم الـ جميلة الـ ضحكتها مش بتفارق وشها ،هسيبك مضطر الفترة دي بس عشان تفضلي معايا طول العمر
كادت أن تبتعد عنه كي تسأله عن أمرًا لولا أنه شدد على تمسكها بهِ، رافضًا ابتعادها هاتفًا :
_لاء خليكِ ماتتحركيش ..
_هاتسبني في يوم ..!
_عمري ..، أنا ماجوزتكيش عشان أسيبك يا ريم ،إن شاء الله هتخفي وترجعي زي الأول وبعدين هعملك أحلى فرح في الدنيا لأحل وأجمل بنوته ،.. بس مش عايزك تيأسي او تحبطي ،عايزك تفكري دايمًا إني مستنيكي وعايزك .. إنتِ مراتي ولايمكن أتخلى عنك يا ريم
تشبثت بقميصه وكأنها تطمئن نفسها أنه بالفعل بجوارها وأردفت :
_أوعى تسبني يا فتحي ..،أنا مطمنة عشان إنت موجود ومعايا ...
أمسك كفها الممسكة بقميصه يرفعها لفمه مقبلًا باطنه وهو يهتف :
_وأنا مش عايزك تحسي غير بالأمان وتكوني مطمنة دايمًا إني جمبك ومعاكي وفي ضهرك كمان
ملئت رأتيه بالهواء وصمتت فقال هو :
_عارفة ..،لما كُنت مسافر كان بيبقا نفسي أوي أسمع صوتك ،كُنت بتمنى أرجع علطول عشان أجي اخطبك، ونبقى مع بعض في الحلال وقدام كل الناس، مردتش اقبل عليكي اننا نتكلم من ورا اهلك، او نعمل حاجه ممكن في يوم ربنا يعقبنا عليها بانوا يحرمنا من بعض، عشان كده استنيت يا ريم. 
_يا ريتك قولتلي دا قبل ما تسافر يا فتحي كان كل حاجه اتغيرت ...!

تائهة فِي سَرَايَا صَفْوَان  © -مُكتملة- حيث تعيش القصص. اكتشف الآن